شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 62 انطلق منبه هاتفي إيذانًا بموعد الاستيقاظ من النوم، بعينٍ مغمضة والأخرى تجاهد لترفع الجفون حاولت الضغط على زر إسكات التنبيه، لكن عيني نصف المفتوحة أبصرت كمية رسائل هائلة، بدأت عيني الأخرى تنفتح لترى ما وراء هذا الزخم: «هجوم على مسجد»، «40 قتيلًا»، وغيرها من العناوين التي جعلتني أقفز من السرير وأبدأ عملية تفحص للأخبار، فتحت الفيسبوك لأجد أن أول ما ظهر لي هو فيديو الهجوم الوحشي، حوالي 5 دقائق شاهدتها وأنا في ذهول تام ممزوج بمشاعر حزن وغضب واستياء، بل استفزاز، ذهبت لمواقع الأخبار من فوري لأرى آخر تطورات الحادث وقد أزعجتني بعض العناوين التي تتعامل مع الموضوع «بحيادية» لا تناسب العاطفة الشديدة المرتبطة بالحادث، ثم ما لبثت أن عدت إلى الفيسبوك أتصفح ردة فعل الناس، ووردت لي فكرة كتابة هذا المقال بشكل سريع لتحليل ما يجري. الجدل حول وصف الهجوم في كل مرة يقع فيها هجوم يستهدف المسلمين يظهر فورًا جدل حول وصف الهجوم والمنفّذ، وفي معظم الأحيان كان يشار للحدث على أنه «هجوم»، وأن الفاعل مريض نفسي، والحقيقة أن المسلمين حول العالم كانوا دائمًا غاضبين من هذه الأوصاف التي لا تماثل استخدام مصطلح «إرهاب وإرهابي» لأي هجوم لمنفذ مسلم. ولذلك أحس الكثير من المسلمين بغضب مضاعف في كل مرة يتعامل فيها الإعلام والخطاب الحكومي بشكل مختلف مع الهجمات ضد المسلمين عن تلك التي يقوم بها مسلمون. وخلال كتابتي لهذا المقال فقد عرجت سريعًا على عدة وسائل إعلام لأرى وصفها للحادث، وقد كتبت البي بي سي إنجليزي «إطلاق النار على مسجد في نيوزيلاندا يقتل 49 شخصًا»، أما النسخة العربية فقد عنونت: « هجوم نيوزيلندا : أحدث التطورات لحادث إطلاق النار على مسجدين»، فرنسا 24 الإنجليزية قالت: «ازدياد ضحايا الهجوم على مسجد في نيوزيلندا لـ 49 شخصًا»، في حين أن النسخة العربية لم تشر للهجوم من الأساس – 3 ساعات بعد وقوع الحادث – أما سي إن إن العربية فكتبت: «سعودي بين مصابي المسجدين بنيوزيلندا.. والشرطة: الهجوم مخطط له»، أما الجارديان البريطانية فكان عنوانها: « كرايست تشيرش / تم تأكيد وفاة 49 في هجوم على مسجدين». جانب من تغطية سي إن غن عربي لحادث نيوزيلندا إذًا كل هذه الصحف والمنصات الإعلامية لم تقل صراحة إن الهجوم إرهابي، لكن المثير هو أن السي إن إن النسخة الإنجليزية وفرنسا 24 النسخة الفرنسية هما من وصفتا الحادث بأنه « هجوم إرهابي »! أي أن العرب القائمين على النسخ العربية لهاتين القناتين لم يجرءوا على كتابة «إرهابي» في حين أن النسخ الأصلية كتبت ذلك . لكن كيف وصفت الحكومات الهجوم؟ منذ اللحظة الأولى فقد عبرت رئيسة وزراء نيوزيلندا عن أسفها لهذا الهجوم الذي لا يمكن وصفه إلا بـ «الإرهابي». وقد حذا رئيس الوزراء الأسترالي حذو نظيرته في نيوزيلندا حين وصف الحدث بأنه « إرهابي متطرف يميني عنيف» . وقد توالت عدة تصريحات غربية تصف الحادث بالإرهابي بشكل صريح على عكس ما حدث في هجمات سابقة وُصفت فيها الهجمات بـ «المتطرفة» مع تحاشي كلمة إرهاب التي بقيت محفوظة للمسلمين فقط. رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، أثناء إلقائها بيانًا بعد حادث نيوزيلندا هذا التحول مهم جدًّا في سياق محاربة الإرهاب الذي تأكد مع توالي استهدافه للمسلمين على أنه ليس حكرًا على المنفذين المسلمين، وأن ما اعتُبر في السابق أنه «حالات فردية»، أصبح جليًا أنه عمل مخطط ومنظم ذو طابع يميني متطرف، أي أن له أيديولوجية مشتركة في معاداتها لكل ما هو غير أبيض، مع وجود حافز أيضًا ضد المهاجرين والمسلمين كذلك.لقد استرعى انتباهي أمران: الأول هو الوصف الدقيق للهجوم على أنه «إرهابي يميني متطرف»، أي أننا دخلنا عصر الإرهاب اليميني الغربي بشكل رسمي، فقد أدت هذه الهجمات المتتالية والمتزايدة في عدم قدرة أحد على اختزال ما يحدث على أنها هجمات فردية، فأنا أعتقد أننا دخلنا فعليًّا عصر اليمين المتطرف الغربي وأننا سنسمع كثيرًا هذا المصطلح في السنوات القادمة، وقد نسمع حتى جهود «محاربة التطرف اليميني»، وهنا سأسأل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن اسم هذه الظاهرة الجديدة؟ هل سيسميها الإرهاب الأبيض؟ أم الإرهاب المسيحي؟ أم الإرهاب اليميني؟ لماذا أوجه السؤال لماكرون تحديدًا؟ لأنه ممن يستخدمون مصطلح «الإرهاب الإسلامي» كثيرًا، ودائمًا ما كنت أستهجن هذا الربط المباشر والعنصري بين المصطلحين. فالإرهاب كما يقول الكثيرون «لا دين له».على العموم أضحى جليًا أن المسلمين حول العالم لن يحتاجوا كثيرًا للاحتجاج على توصيف الهجمات الموجهة ضدهم، برأيي لقد دخلنا مرحلة الإرهاب اليميني ولن يستطيع أحد إنكار الأمر بعد اليوم.الأمر الثاني الذي استرعى اهتمامي هو ربط ما حدث اليوم بأحداث اجتماعية وسياسية قد يراها البعض عادية، فمثلًا خلال الأسبوعين الماضيين حدث في فرنسا نقاشان حادان حول مسألتين: الأولى هي انتقاد فرنسيين لمحل تجاري فرنسي لأنه يبيع حجابًا يناسب النساء اللواتي يمارسن رياضة الجري، وقد جرى النقاش بشكل واسع وحاد أدى لرضوخ المحل إلى الإعلان بأن بيع هذا المنتج سيكون في المغرب فقط، وأنه لن يباع في فرنسا. أما الحدث الثاني فقد كان منع مصممة أزياء محجبة من المشاركة في عرض أزياء فقط بسبب حجابها، وقد اعترف محافظ البلدية بفعلته وبررها بأنها «لحماية القيم الفرنسية».والحقيقة أنني كنت متخوفًا من تحول كل شيء يخص المسلمين في الغرب لنقاش اجتماعي واسع، فهذا بالضبط ما يؤدي لحالة الاستقطاب وتعميق حالة الانقسام الاجتماعي. وقد كان في ذهني أن من شأن هذه الحوادث التي تتكرر بوتيرة كبيرة أن تؤدي لتهييج الرأي العام ضد المسلمين، مما سيسفر عن هجمات أكثر واستهداف اجتماعي واقتصادي وإرهابي لهم.إن الغرب حتى وقت قصير كان يعطي دروسًا دولًا عربية وإسلامية عن حاجتهم للاعتراف بأن هناك تطرفًا إسلاميًّا عندهم، وأن هناك حاجة لمراجعة الدين الإسلامي، ووصل الأمر لمطالبة البعض بحذف نصوص قرآنية، لكن بات على الغرب اليوم أن يقوم بما يطالب به غيره. إن ما حدث اليوم نتاج لسياسة الإنكار بوجود يمين متطرف إرهابي يأخذ شكلًا أكثر تنظيمًا من ناحية فكرية وحركية وإعلامية. فإلى متى يغمض الغرب عينه عن تلك المشكلة؟ وكم هجومًا دمويًّا علينا أن نعانيه كي يدرك الغرب أن هناك حراكًا يمينيًّا متطرفًا يأخذ شكلًا جماعيًّا في فعله، سواء على صعيد تهييج الشارع ضد المسلمين ونشر الكراهية ومعاداة المهاجرين والمسلمين، أو على صعيد نشر العنصرية التي تبدأ بمنع المسلمين أو المهاجرين من دخول مطعم وإهانتهم وشتمهم، انتهاء بعمليات قتل إرهابية.إن عملية مسجد النور الإرهابية تدق ناقوس الخطر، وعلى الغرب التعامل بجدية مع «الإرهاب اليميني المتطرف»، فيجب عليهم دراسة هذه الجماعات التي تختبئ تحت ستار «الوطنية»، ومن ثَم تفكيكها. أيضًا يجب عدم الاستهانة بكل أشكال العنصرية التي تؤدي لتهييج الرأي العام، مثل منع استهداف المحجبات في عملهن وفي حياتهن العامة، والتصدي بحزم بقانون رسمي ضد ظاهرة «الإسلاموفوبيا». فمثلًا لا يمكن السكوت على ساسة ومحافظي بلديات يمنعون المسلمين من الذهاب للشاطئ أو المشاركة في فعاليات أو التجارة بحرية فقط لأنهم يلبسون أو يظهرون بشكل معين. يجب ألا تكون هذه المواضيع على طاولة النقاش من الأساس، خصوصًا أنها نقاشات ضد الحرية الشخصية. لقد خرج علينا سيناتور أسترالي بتصريح عن هجوم مسجد النور يقول فيه: «مع أن ضحايا اليوم هم مسلمون، إلا أنهم في العادة يكونون هم المهاجمين». فكيف لهكذا تصريح أن يمر دون عقاب؟ وكيف لسيناتور أن يبقى في موقعه بعد هكذا خطاب؟ لن أخوض في مقارنات عن ردة الفعل لو أن كلامه كان موجهًا لضحايا هجوم باتكلان في باريس أو حادثة بيترسبورج، ولكن سأسلط الضوء على ما يعنيه وجود أصوات من هذا النوع. فقد نشر منفذ الهجوم 73 صفحة يشرح فيها أسباب عمله الإرهابي وتفاصيله ، ويقول فيها إنه معجب بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبأندريس بريفيك الإرهابي اليميني النرويجي الذي قتل 77 شخصًا عام 2011. وهذا يعني أن الرجل متأثر بخطاب اليمين المتطرف بلا شك، وللأسف الشديد أصوات اليمين المتطرف في الغرب تمر مرور الكرام دون رقابة أو تعنيف.لقد شهد حزب العمال البريطاني استقالة العديد من أعضائه بعد أن اتُّهموا بمعاداة السامية، في حين أن من يتهجمون على المسلمين والمهاجرين وغير البيض يصبحون رؤساء وأصحاب مناصب رسمية أخرى كنواب برلمان ومحافظين. وهنا تبدأ الملامة الحقيقية للغرب الذي لم يتصدَ بالشكل المناسب لهؤلاء الناشرين لخطاب الكراهية والفتنة. هذا بالإضافة أن منفذ الهجوم قد أشار أيضًا لدوافع انتقام من تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، في سياق غير مفاجئ، خصوصًا أن هناك خطاب كراهية موجهًا ضد الحكومة التركية في دول مثل فرنسا وألمانيا، حيث هاجمت صحف وكتاب عديدون لاعب منتخب ألمانيا من أصول تركية «مسعود أوزيل» فقط لأنه التقط صورة مع الرئيس التركي. عودة صعود اليمين المتطرف إن أوروبا نفسها عانت أكثر من أي أحد آخر من صعود أحزاب يمينية متطرفة مثل الحزب النازي الألماني ونظيره الفاشي في إيطاليا، ليؤدي صعود هذه التيارات للحرب العالمية الثانية، مع تصاعد أعمال العنف والاستهداف للجاليات اليهودية والرومانية وغيرها. وها هو اليمين المتطرف يعيد بناء نفسه، وقد ظهرت على الساحة عدة أحزاب «نيو-نازية» تدعو لمحاربة المهاجرين والمسلمين، وتؤكد تفوق العرق الأبيض، وقد رافقت هذه الحركات صعود أحزاب يمينية متطرفة لكن بخطاب أقل «عنفًا»، مثل الجبهة الوطنية في فرنسا بقيادة مارين لوبين، وحزب من أجل الحرية في هولندا بقيادة خيرت فيلدرز، ورابطة الشمال في إيطاليا، وغيرها من أحزاب في الدنمارك والسويد والنمسا وبلغاريا والمجر. والمميز في خطاب تلك الأحزاب هو الهجوم الدائم على الإسلام والمسلمين وتحميلهم أسباب أي فشل اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي، وطبعًا كل تلك الادعاءات تكون كاذبة وعنصرية.وقد تأسس في مدينة أنفير البلجيكية عام 2008 منظمة «المدن ضد الأسلمة» ، وهي منظمة تتكون من عدد من الأحزاب اليمينية المناهضة للهجرة والمسلمين. يجري كل هذا على نطاق قانوني وعلني أمام الرأي العام دون تدخل حكومي حقيقي لخطابات الكراهية تلك، بل إن بعض الحكومات تقودها تلك الأحزاب الصاعدة بقوة مؤخرًا. والنتيجة هي المزيد من أعمال العنف ضد المسلمين، مما يؤدي أيضًا للعنف المضاد وهجمات إرهابية من منظمات مثل داعش، مما يدخل العالم في دوامة إرهاب تفتك بالكل دون تفريق. لقد دق تقرير صادر عام 2017 عن هيئة محاسبة الحكومة الأمريكية ناقوس الخطر عن هجمات اليمين المتطرف. ففي هذا التقرير الموجه للكونجرس الأمريكي ، وجدت الهيئة أن، منذ عام 2001 وحتى 2017، 73% من الأعمال الإرهابية في الولايات المتحدة هي من صنع اليمين المتطرف. ولكن هل تعاملت حكومة ترامب بما يعكس تلك الأرقام؟ بالطبع لا، فكل تركيز ترامب هو على الإسلام المتطرف المتمثل في داعش والقاعدة. الحل في مواجهة جذور المشكلة رئيسة وزراء نيوزيلندا، حادث، إرهاب أعتقد أن على العالم إعادة صياغة مفهوم الإرهاب ومضامينه وجهود مكافحته. فلا بد من تقنين عملية التصدي لأفكار اليمين المتطرف المعادي للهجرة والإسلام والسود، ومحاسبة الأشخاص الذين يؤججون الرأي العام ويبثون خطاب كراهية، سواء كان ضد الغرب أو المسلمين أو اليهود أو السود.أيضًا فقد لاحظت بعض الردود على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بالانتقام، لكن ممن؟ هل من المعقول أن بعد كل هذه السنوات لم نفهم أن الكل هم ضحايا الإرهاب؟ وأنه لا دين للإرهاب؟ وأن العنف لا يؤدي إلا لمزيد من العنف؟ علينا أن نطالب بمكافحة الإرهاب كما طالب الغرب والعالم بذلك، لكن مع تضمينه معاني وتوصيفات تدرج اليمين المتطرف وأفكاره تحت نطاقه. وهذا هو الحل الوحيد للحفاظ على السلم والأمن الاجتماعي، في حين أن أي خطاب كراهية معاكس لن يجلب لنا سوى مزيد من العنف. أتفهم شعور الملايين الغاضبين والحزينين على ما جرى، لكن علينا ألا ننسى أن الإرهاب نال المسلمين والمسيحيين والملحدين والبوذيين وكل الجنسيات والأديان الأخرى. في النهاية أترحم على كل ضحايا هذا الهجوم الإرهابي، وعلى كل ضحايا الإرهاب، وأتمنى لأهل الضحايا وأصدقائهم الصبر والسلوان. مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير. قد يعجبك أيضاً ألغاز محيرة: التاريخ لا يُكتب دائمًا على يد المنتصرين تشيلي ومصر: بين «القبو» و«قفص الدجاج»! فيلم «Trumbo»: أمريكا أرض النفاق وتراث الاضطهاد الاكتئاب: هل تعرف ما هو حقًّا؟ شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram أحمد الشنطي Follow Author المقالة السابقة الحقيقة المطلقة بين العلم والفلسفة المقالة التالية كيف غيرت وكيلة أدبية حياة مدمن مخدرات؟ قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك الكراسي – قصة قصيرة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك 7 أفلام تصور العنصرية ضد السود في الولايات المتحدة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الجذور التاريخية لقضية أكراد سوريا 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Green Book»: الإنسانية كغاية والصداقة كملاذ روحي 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الفلسفة والموسيقى: سطوة العقل على المشاعر 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك في ذكرى أحمد خالد توفيق: لماذا أحبه الجميع؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك رواية «ليا»: بين رقة الجمال وسطوته 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك غسان كنفاني: أيقونة الأدب المقاوم 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف تحصنت جمهورية يوليو بنقائضها؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف يؤثر «توم وجيري» على نفسية طفلك؟ 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.