ترى الولايات المتحدة أن مسألة توقيع الاتفاق النووي مع إيران قد يمنح الاستقرار والهدوء لمنطقة الشرق الأوسط، التي باتت إحدى أكثر مناطق العالم نزاعًا، بجانب أن إيران باتت تجد ملاذًا في النزاع الروسي-الأوكراني، والذي مكّنها من زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم، والذي بدوره سيُسرِّع من امتلاكها السلاح النووي.

وتجد الولايات المتحدة نفسها أمام تحديات كبيرة: منها النزاع الروسي-الأوكراني، بجانب تعقيدات التعامل مع آسيان وأخيرًا يأتي الاتفاق النووي الإيراني الذي تم إلغاؤه عام 2018 من قِبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

يبدو أن جو بايدن حاول العودة مرة أخرة إلى الاتفاق النووي، ولكن هذه العودة تعقّدت بسبب الشروط الإيرانية التي وجدت واشنطن صعوبة في تنفيذها، وهذا ما يضعنا أمام عدة تساؤلات، لعل أبرزها: هل الاتفاق النووي قد مات بالفعل، وكيف ستتعامل واشنطن مع طهران بعد فشل الاتفاق، وهل ستستمر طهران برفع درجة تخصيب للإسراع من امتلاك سلاح نووي، وهل ستؤدي تلك التطورات إلى حرب إقليمية تبدأها إسرائيل؟

تصرفات إيران المنفردة

إن التصرفات المنفردة لطهران، بعيدًا عن الالتزام
بالاتفاق النووي، جعل مفاوضات فيينا أمام طريق مسدود، وربما أن أكثر من أحد عشر
شهرًا من التفاوض بشأن امتلاك إيران للسلاح النووي كانت كفيلة لتعطي الإجابة بأن
الاتفاق النووي قد «مات»، وهذا ما حاول إيضاحه المبعوث الأمريكي الخاص بشئون إيران،
«روبرت مالي» بأن فرص الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران قد تبدو ضعيفة في أحسن
الأحوال. كما أنه هدّد إيران بمزيد من العقوبات في حال أصرّت الخروج عن نطاق العمل
المسموح به لتخصيب اليورانيوم.

ويمكن القول، إن إيران بسبب عدم التزامها بالاتفاق النووي، قد تواجه عدة عقوبات يفرضها مجلس الأمن، وهذا ضمن قانون «سناب باك» المُوقع بين الدول الشريكة في المفاوضات، وذلك في حال تقدمت أي من هذه الدول بشكوى تنص على انتهاك إيران للاتفاق النووي.

إذًا قد تُجبِر الإجراءات الإيرانية الأخيرة، واشنطن والدول الأوروبية، على
صياغة سياسة جديدة لسيناريو عدم الاتفاق واستمرار التقدم غير الخاضع للرقابة في البرنامج
النووي الإيراني.

الرهان الأمريكي على الشعب الإيراني

إن الرهان الأمريكي الأكبر يقع على الشعب الإيراني، الذي يخرج بين الفينة
والأخرى بمظاهرات تُطالب بإنهاء النظام وتحسين الوضع الاقتصادي، وفي هذا الاتجاه
تنظر الولايات المتحدة على أن زيادة الضغط على إيران من خلال فرض المزيد من
العقوبات سيُحرِّك الشارع الإيراني، بالانتفاض ضد النظام وتحقيق أكبر تطلعاتها،
وهو المجيء بحكومة إيرانية جديدة تستطيع واشنطن التعامل معها والتوصل إلى حل يخدم
مصلحتها بالدرجة الأولى.

وربما تأمل واشنطن أن الضغط المُتكرر على النظام الإيراني من قِبل الشعب سيجعله يرضخ للشروط الأمريكية مقابل رفع العقوبات، مما يمنح بايدن صورة لامعة أمام الأمريكيين، خصوصًا أن الشارع الأمريكي منقسم إلى نصفين؛ منهم منْ يؤيّد طريقة بايدن في التعامل مع إيران، ومنهم منْ يرى أن سياسة ترمب الرئيس الأسبق للولايات المتحدة كانت أنجع من سياسة بايدن.

هذا الأمر ينسحب أيضًا على الدول المتحالفة مع واشنطن، والتي يجد بعضها أن إدارة بايدن تعجز عن ردع إيران؛ الأمر الذي ربما ينعكس بالسلب على هذ العلاقة التحالفية. على سبيل المثال، تجد السعودية وإسرائيل أن ترمب كان أجدر من بايدن في التعامل مع الملف النووي الإيراني. ويريان أنه من حيث الأفعال على أرض الواقع، فقد نجح ترمب في توجيه ضربة لإيران باغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني.

إيران ترفع معدلات تخصيب اليورانيوم

التوتر الإقليمي بالوقت الحالي، جعل إيران تستغل الفرصة برفع نسبة تخصيب
اليورانيوم، كما إن الحرب الروسية-الأوكرانية جعلت واشنطن تُغيِّر أولوياتها من
حيث التعامل مع الملفات الأخرى، لما لها من تداعيات اقتصادية وسياسية، وربما يريد بايدن
التركيز على هذا الأمر [أي حرب أوكرانيا] لما له من تداعيات خطيرة قد تعصف
بالمنطقة.

كل هذه الأمور تُعرقل مفاوضات فيينا، التي بالأساس باتت هشة. وعلى مدار عام لم ينجح الفرقاء في التوصل إلى اتفاق، وفي

التقرير الفصلي

الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد تجاوز مخزون اليورانيوم لدى إيران الحد المسموح به، حيث ارتفع بأكثر من 18 مرة متجاوزًا ما كان مُتفقًا عليه في الاتفاق السابق عام 2015، وكذلك زادت نسبة احتياطي «اليورانيوم المُخصب بنسبة 60%» بمقدار 9.9 كيلو جرام؛ ليرتفع من 33.2 إلى 43.1 كيلو جرام.

ووقد جاء رفع نسبة تخصيب اليورانيوم بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو 2018. ففي يوليو/تموز 2019 قامت إيران برفع نسبة تخصيب اليورانيوم من 3.67% إلى 4.5%، وفي ديسمبر/كانون الأول 2020 رفعت نسبة التخصيب إلى 20%، إلى أن أعلنت في 13 أبريل/نيسان 2021 رفع نسبة التخصيب بنسبة 60% ردًا على الهجوم الذي استهدف منشأة «نطنز» النووية، حيث اتهمت إيران إسرائيل بالوقوف وراء الهجوم.

تحركات إسرائيل

مؤخرًا أجرت إسرائيل عدة مناورات عسكرية كبيرة تُحاكي الحرب مع إيران
وشركاءها بالمنطقة، شملت سيناريو توجيه ضربات إلى العمق الإيراني، وذلك تحسبًا
لفشل الاتفاق النووي مع إيران. وكذلك ركزّت إسرائيل على التوصل إلى تفاهمات مع
الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين حول السيناريوهات المستقبلية للمحادثات
النووية.

وعلى الرغم من الأوضاع التي تعيشها إسرائيل، وتوجهها إلى إجراء انتخابات جديدة
للكنيست، بعد انهيار الحكومة الائتلافية الهشة بقيادة «نفتالي بينيت»، تأتي زيارة
الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل، لتؤكد على دعم واشنطن لأمن إسرائيل في مواجهة
إيران، وإعلان توافقهما على مواجهة انتهاكاتها النووية.

وترى تل أبيب أن فشل مفاوضات فيينا، يستدعي تفعيل الخطة (ب)، والتي تنص على فرض المزيد من العقوبات على إيران وتفعيل هجمات تخريبية ضد منشآت إيران النووية، وهو ما قد يؤدي إلى تحول حرب الظل الجارية بين إسرائيل وإيران إلى حرب علنية، بخاصة بعد الضربات التي نفّذتها إسرائيل في سوريا والعراق ضد أهداف إيرانية، لترد طهران بتنفيذ هجمات سيبرانية تستهدف أهداف إسرائيلية، وكأن إيران تبعث برسالة إلى تل أبيب بأن الصمت لن يطول.

استنتاجات نهائية

الولايات المتحدة تعلم أن المفاوضات مع إيران باءت بالفشل، لكنها تُفضِّل أن تُبقي على حالة الجمود من دون إعلان فشل الاتفاق، خوفًا من أن تقوم إسرائيل بتوجيه ضربة لمنشآت إيران النووية، وتصبح الولايات المتحدة أمام فرضية الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران بسبب حليفها الإسرائيلي.

وعلى صعيد آخر، ينظر الشركاء الأوروبيون إلى أن احتواء إيران أفضل بكثير من سياسة العمل العسكري، لكن يبدو أن تطلعات الأوروبيين صارت غير واقعية بعد أن اقتربت طهران كثيرًا من امتلاكها للسلاح النووي، وتجاوز الحد المسموح لتخصيب اليورانيوم.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.