يجب بكل جدية حذف كلمة حب من معجم اللغه لأنها تنطوي على خداع للذات.





تيودور رايك – من كتاب «سيكولوجيا العلاقات الجنسية». [1]

على مر التاريخ امتلكت النساء دوماً سؤالاً بصيغه اتهام للرجال؛ لماذا لا تفهمون الحُب وتكتفون بأنثى واحدة؟ ولماذا أعينكم فارغة وترغبون بمزيد من النساء؟ في حين تكتفي الأنثى برجلها!

وتستمر الأسئلة بحثاً عن ذاك الرجل منزوع العين الزائغة، وفي المقابل تتنوع إجابات الرجال ما بين تبرير ومراوغة، وأخيراً اعتراف وتفاخر ساذج بهذا الاعتراف، والتعامل مع الأمر أحياناً وكأنه مديح، ولكن هل فعلاً لا يدرك أغلب الرجال المعني الحقيقي للحُب؟ وهل تدركُه الأنثى من الأساس؟ وهل تكتفي الأنثى برجلها حَقاً؟ ثم لماذا يرغب الرجال بمزيد من النساء؟ والسؤال الأهم: هل يوجد ما يُسَمى «حباً» بالأصل؟

في الواقع لم يكن الحُب كما نعرفُه اليوم موجوداً بالمجتمعات القديمة، بل تمت ولادتهُ بقصد أو دون قصد مع بعض التغيرات، ليكون أشبه بأداة ثورية، وهذا ما سنوضحه بالأسطر المقبلة لنتمكن من الإجابة على الأسئلة أعلاه.

الندبة الجينية والشيوعية الجنسية

هل لاحظت يوماً كيف يخشى أغلب الناس العناكب والأفاعي أكثر من السيارات، على الرغم من أن الموت بسبب حوادث السير أكثر شيوعاً؟!

ذلك لأن عقولنا ما زالت تحتفظ بذكريات وندبات جينية ورّثها لنا الإنسان القديم حين كانت الأفاعي والعناكب ضخمة وقاتلة، وما نشير إليه هنا هو أن أغلب ميولنا وخبراتنا موروثة، وما يثبت أن لأجدادنا النصيب الأكبر بتشكيل سلوكنا، هو آخر ما توصل إليه العلم علي لسان «موشيه ستزيف» و«ميشيل ميني»، واللذان قالا إن الخبرات والتجارب بماضينا وبماضي أقرب الأجداد تركت ندوباً في الـ«DNA» الخاص بنا.

وعليه

فخبرات أجدادنا

صارت راسباً جزيئياً يُمسِك بجيناتنا، فأنت لن ترث فقط لون العيون أو شكل الأنف من جدتك علي سبيل المثال، ولكن أيضاً ميلها للاكتئاب الذي ربما حدث لها بسبب إهمال عانته بطفولتها، الذي سيتسبب في التحكم بكثير من قراراتك وأفعالك، لذا وبناء عليه، فإن خبراتنا الجنسية الموجودة بندبتنا الجينية متأثرة أيضاً بشكل كبير بما عاصره أجدادنا، ولكن كيف شكّلت حيوات أجدادنا خبراتنا وميولنا الجنسية؟

في المجتمعات القديمة قبل الحضارات حظي الأجداد والجدات بحياة متحررة، وهذا الشكل من الشيوعية الجنسية تكون فيه جماعات بأسرها من الرجال والنساء في علاقات مشتركة [2]، وهو ما لا يترك إلا مكاناً ضئيلاً للغيرة، وكان النظام الجنسي في تلك المجتمعات مرتبط بالاقتصاد، وقائم علي تبادل المنفعة، فكان الرجل يخاطر بحياته كصائد للمفترسات لتوفير الطعام، أمّا النساء فتمنح نفسها لمن يوفر الطعام، وبالتالي لم يكن هناك عائق أن يمارس أي رجل وامرأة الجنس مهما كانت صلة القرابة بينهما بمسميات العصر الحديث.

كانت الشيوعية الجنسية أقدم نظام اجتماعي بالتطور البشري، فلم يكن هناك عائلة ولا زواج ولا نظام للأبوة، ولم يوجد إلا سلطة الأنثى، لأنها كانت من منظور ديني مقدسَة، كونها مانحة للحياة والرجال. وبذلك الوقت لم يكونوا إلا أدوات تناسُل ليس لهم علاقة بالأطفال لأنهم ينتسبون لأمهاتهم، وتدريجياً ظهرت العائلة بشكلها الأوّلي، وهي العائلة المرتبطة برباطة الدم، وتعني أن الأجداد والجدات هم أزواج لبعضهم البعض، وكذلك كل الآباء والأمهات، حيث كانت الأصول والفروع فقط هم الممنوعين من ممارسة الجنس مع بعضهم، أي بين أحد الأجداد وأحد الأمهات. [3]

كان أولاد وبنات الجيل الواحد إخوة جميعاً، بصرف النظر عمّا إذا كانوا بمفهومنا الحالي ليسوا إلا أولاد عمومة أو خالة وكانت علاقتهم تسمح بممارسة الجنس، أي أن العائلة كانت تتكون من زوجين ويكون كل جيل تسلسل من تلك السلالة؛ إخوة وأخوات وأزواجاً مشتركين بنفس الوقت.

وعطفاً على ذلك الشكل للعائلة، بدأ يتشارك في رعاية الأطفال مع الأم ذاك الرجل المُصَنف بالعرف البدائي كأخيها، وبذلك الوقت من التاريخ البشري كانت الأنثى تستطيع منح نفسها لأي رجل، وحين يأتي الطفل يُنتسب للأم ويكون كل رجل بسلالتها هو أب وخال للطفل بنفس الوقت، وإذا كانت الخطوة الأولى في التنظيم العائلي هي منع الأصول والفروع من ممارسة الجنس، فإن

الخطوة الثانية

كانت منع الإخوة والأخوات من ممارسة الجنس.

وكانت تلك الخطوة غاية في الأهمية، لكنها أصعب، وكانت السبب الرئيسي في نشأة القبيلة [4]، ومع ظهور القبيلة وازدياد طبقات الإخوة والأخوات ازداد عدد الأفراد المُحرَم ممارسة الجنس معهم، لذا فإن تطور العائلة كان عبارة عن تضييق مستمر بنطاقها الذي كان يضم الجماعة كلها بعلاقات جنسية مشتركة، ثم ازدادت الموانع لاحقاً.

ويعد استعراض مراحل تطور العلاقات، دعونا نسأل: ما الأسباب التي أدت إلى هذا التطور والتغير؟

الملكية الفردية والنظام الأبوي

بتلك الفترة كانت السلطة بالمجتمع للأم، لأن الشيوعية الجنسية جعلت من الصعب تحديد هوية الأب، لذلك كان الأطفال ينتسبون لأمهاتهم [5]، إضافة للنظرة التي كان ينظر بها القدماء للأنثى باعتبارها الواهبة للحياة ورمز الخصوبة، مما جعلها مقدسَة، ثُم لعب التطور البشري دورُه وقاد «الاقتصاد» الثورة الزراعية، وانتقلت البشرية من الصيد للاستقرار ضمن مستوطنات للزراعة وتدجين الحيوانات، وأدَّى ذلك لظهور تطورات اجتماعية معقَّدة، تمثلت في الثروة والرغبة بالتوسع، مما اقتضى الانتقال من النظام الأمومي للنظام الأبوي.

مع زيادة الإنتاج وامتلاك المواشي تطورت فكرتان: أولاهما الانتقال من الانتساب للأم للانتساب، للأب لرغبة الرجال بتكوين نسل يساعده بانتزاع الأراضي ثم توريثه، مما استدعىَ بالتبعية ظهور الفكرة الثانية، وهي الملكية الفردية، مما يعني إنهاء الشيوعية الجنسية، فيمتلك الرجل الأنثى بمفردُه، ليضمن أن ورثُته منتمين إليه بالدم، وهنا تحديداً بدأ التشجيع على الزواج الأحادي.

وليتسنى للرجال السيطرة والحفاظ علي الفكرتان كان لا بد من تحجيم المرأة، بينما كان ذلك الأمر صعباً، بخاصة وأن مكانتها نابعة من اعتقادات دينية، لذا جاء الحل من الناحية الدينية، وتمثل في قيام الكهنة بإنشاء الخرافات حولها، لجعلها تدريجياً مُحرّمة اللمس، لإخضاعها وتحديد ملكيتها، فاتفق العامة في ديانتهم أنها شيطان بهيئة بشرية، بخاصة أنها كانت تنزف بشكل دوري دون أن تموت، وكأن الشيطان يتلبّسَها، وكان منْ أدق التحريمات لديهم، أن من يلمس المرأة في حيضها يفقد فضيلته، ولأن البدايات تنُسي، صار النظر للمرأة على أنها نجِسَة، وانتهى بها الأمر للخضوع والشعور بالعار والخجل مِن حيضها وحملها.

مع تراكم التحريمات تدريجياً، نشأ الخجل الأنثوي والشعور بالدونية، والنظر للجنس على أنه غريزة حيوانية، وأنه لا يقُام إلا بشروط يحددها الرجل الخاضعة له [6]، وأبرز مثال ما يفعله سكان الإسكيمو، فالرجل يقدم زوجته أو ابنته للضيف لأن الواجب توفير الغذاء والدفء، ولا يسيء إليه أنها تضاجع ضيفه، لكنه يثور غاضباً باعتباره مالكاً لها إذا رآها تضاجع نفس الرجل أو رجلاً آخر بغير إذنه. [7]

قديماً كان للرجل الحق بمعاشرة أي امرأة، ويمكن لعدة إخوة اتخاذ زوجة مشتركة، ويمكن تشارك الأصدقاء بذات الأُنثىَ، حتى إن العلاقة بين الوالدين والأبناء والإخوة والأخوات لم تكُن مرفوضة، ثم جاء النظام الأبوي ورغم صرامته فإنه سمح بتمرير العُهر المقدس، فحضارات كبابل العراقية وبعلبك اللبنانية وروما القديمة وكورنث الإغريقية وبعض بلاد الشرق الأدنى، سمحن لنسائهن بالذهاب للمعبد مُرتديات ملابس ملائكية وتيجان من الزهور، والجلوس على البحيرة، ولا تعود إحداهن لبيتها إلا إذا ضاجعت رجلاً جديداً، وبذلك تكون قضت ما عليها، ولا يجوز له بعد ذلك طلبها للجنس، وإلا تم قتلُهما.

وكان هذا الاحتفال إيماناً بوجوب السماح بيوم واحد على الأقل يمنح المرأة احتياجها خارج الزواج، ويمنح الرجل فرصة الخروج علي النظام الذي سقط بداخله، وتلك الاحتفالات تم منعها مع تمكن النظام الأبوي الذي بدأ بإعلاء قيمة ستر العورة، وأن تكون الفتاة بِكراً بعد أن كان يُنظَر للبِكر نظرة ازدراء، لعدم إقبال الرجال عليها، ولذلك كانت تبحث الأمهات عن رجال يفضون بكارة بناتهن، حتى إن بعض تلك العادات ما زالت موجودة بـ«ملبار»، حيث ترى بعينيك الفتيات يرجوَّن الرجال كي يفضوا بكارتهِن، بل إنه ببعض القبائل تقوم العروس بتسليم نفسها لأضياف العرس قبل زوجها، وببعض القبائل يستأجر العريس رجلاً ليفض بكارة عروسه ويتقاضى راتباً ضخماً لتأدية ذلك، وكان هناك حق الليلة الأولى، ويعني أن لزعيم القبيلة الحق في فض بكارة العروس قبل تركها لزوجها. [8]

قضى النظام الأبوي على كل تلك المظاهر، ليس بوازع أخلاقي أو ديني، وإنما بهدف اقتصادي، ولم يحدث ذلك بليلة وضُحَاها، وإنما على مدار مئات السنين وبمناطق متفرقه جغرافياً، وكانت الإشكالية هنا أن الرجال أسَسْوا نظاماً يخدم مصالحهُم لكنه لا يناسِب ميولهم النفسية واحتياجاتهم الجسدية، فضاقت الدائرة، وهذا لا يتفق مع ندبتهم الجينية التي اكتسبوها من الأجداد والمنقوش بها الرغبة بأكبر عدد من النساء.

حينما كان يخرج الرجل لرحلة صيد تستغرق شهوراً ليعود بالطعام، يكن له الحق باختيار منْ تشاركه الطعام مقابل جعله دافئاً بالليالي الباردة، فتعلّم الرجل إطعام النساء، وجعل أكبر عدد منهن حوامل للمحافظة على اتزان مجتمعهم الصغير. أما الأنثى فعلمتها الطبيعة الاحتياج للرجل كحام ومصدر للطعام، ورغم مكانتها وتقديسها وانتساب الأطفال إليها، ورغم حاجتها لممارسة الجنس بنفس رغبة الرجال، فإن هناك سبباً جوهرياً جعل ندبتها الجينية تتطور بشكل مختلف، وهو إدراكها أن التزام الرجل لن يدوم إلا بضع دقائق، في حين تلتزم هي تسعة أشهر، ثم تلتزم بواجب رعاية المولود وإطعامه وحمايته، إضافة إلى أن الرجال انتزعوا مكانتها وجعلوها كائناً شيطانياً نَجساً.

لذا تطورت غريزتها بشكل مختلف نسبياً، ففي حين أن الرجل لا يخشى النتائج، كانت هي تخشاها، لذا فإن احتياجها للعطف والرغبة برجل ينتزع الشعور بالدونية من داخلها ويعاملها بشيء من الخصوصية والتميز، أخذ يتطور بالتوازي مع احتياجها للجنس.

تسبب النظام الأبوي بتبدل سيكولوجية المرأة، وخلق حاجز نفسي بينها وبين تحقيق رغباتها الجنسية، التي تساوي الرجل، فكلاهما بندبته الجينية رغبات من زمن الشيوعية الجنسية، لكن تم تحجيمها، مما أدىَ لنفورها من الرجل، لأنه تسبّب بوضعها الاجتماعي، وعليه خلق داخلها شعوراً بالرفض والتمنع رغم احتياجها الجسدي، وأمام هذا انقسم الرجال نوعان: أولهما الأثرياء والكهنة، وهؤلاء حازوا السلطة والمكانة، وثانيهما العامة من الرجال، وهؤلاء لا يمتلكوا إلا أنفسهم، وبتلك الظروف كان النوع الأول يحصل على ما يريد من النِسَاء بالزواج الأحادى والعاهرات مقابل المال، وبالإجبار بالسُلطة، وبشراء الجواري والاغتصاب دون عقاب، فيما كان السبيل الوحيد للعامة من الرجال هو الزواج الأحادى، الذي يستدعي كثيراً من الكد للحصول على ما سيتم إعطاؤه من ماشية لعائلة تلك المرأة، التي صارت تابعة لعائلة بنظام أبوي، ومن حق الأب تقرير لمن ستكون.

لذا صار من الواجب تقديم ماشية كتعويض عن جميع خدمات الصيد التي كان يقدمها الرجل للأنثى بموجب القواعد القديمة، التي كانت تعني اكتساب الرجل لأنثى بتقديم خدمات الصيد، ولكن الآن بفضل الماشية المستأنسة صار بإمكان الرجل أن يقدم سنوات عديدة من خدمة الصيد دفعة واحدة، ثم يأخذ الأنثى كمتاع، وتصير ملكية فردية له، وليس لها حق العودة لأهلها، الذي يمتلكون الآن ماشيته، وهي الماشية التي سيستخدمونها لشراء زوجة لأخ الفتاة، وبهذا النظام صارت الأنثي مملوكة لرجل أخذها بموجب صفقة اقتصادية.

لذلك صارت المرأة ترغب بمعاملة تحقق لها رغباتها، ولا تُشعرها بالدونية، وصار هناك عامة من الرجال لا يمتلكون الماشية الكافية للحصول في مقابلها على أنثى، وبنفس الوقت لا يمكنهم اتباع الطريقة القديمة وإقامة علاقات جسدية بسهولة، لأنه صار لبكارة الفتاة ثمن، ولأنها صارت تخشى النتائج، لذا كان الحل هو اختراع «الحُب».

نشأة الحب

يؤكد دارسو الأنثروبولوجي أن القدماء لم يعرفوا ما نسميه اليوم «حُباً»، حتى إن القبائل التي عاشت خلال القرنين الماضيين بأماكن منعزلة لم تعرفه، لأنهم لم يتحولوا للملكية الفردية والنظام الأبوي، فحينما وصل المُبشرون المسيحيون لقبيله «الجونكوين»، وحاولوا ترجمة الكتاب المقدس إليهُم، لم يجدوا كلمه بلغتهم تعبر عن «الحُبْ».

لذا مع امرأة تخشى النتائج وترغب بمعاملة خاصة لتُمنَح ما تريد، ورجُل لا يملك السلطة أو المال، كان لا بد من اختراع ثوري للتمرد على النظام الاجتماعي، فذهب العامة من الرجال لإخضاع العقل والروح بالكلمات بدلاً من إخضَاع الجسد بالقوة، فظهر الغزل وكان وقوده الاستيهامات والخيالات المبنية على رغبات جنسية بالأصل، وبدأ الرجل بتخيل المرأة أكثر، وتفحص مفاتنها وابتكار الكلمات الصريحة للتعبير عن رغبته، وهو ما اعترض عليه النظام الأبوي وتصدى له، فظهر الغزل العفيف. [9]

مع تلك الاستراتيجية بدأت المرأة تشعر بشيء من التقدير والامتياز على ألسنة الرجال، ذاك الجنس نفسُه المُتسَبِب بوضعها، فصارت تدرك تماماً مقدار رغبته واحتياجه لها، مما أعطاها فرصة للتمنع، لحثه على البذل أكثر، وقد وصل ذاك الإحساس للرجال جيداً، فأدركوا أن الأمر صار متوقفاً على جمال الكلمات وقوة العطاء وانتظار الأنثى تُقرر في النهاية إذا ما كانت ستوافق على منح نفسها أم لا، وفرصة الاختيار تلك أوحت للرجال في اللاوعي أن عليهم إرضاء الأنثى، مما جعلهم في موقف اختبار أمام المرأة، وأدى هذا لتغير الرجال سيكولوجياً، وشعورهم بأن الأنثى رغم نزع قداستها وتقليل مكانتهم الاجتماعية، فإنها ما زالت متفوقة بقدرتها على الاختيار والرفض، ولا يبدو عليها الاحتياج كما يبدو على الرجل.

من هنا ظهر الحُب، الذي حدده علماء النفس، وأبرزهم «تيودور رايك» بأن سيكولوجياً لا تكون ولادته ممكنة إلا حين تعزو لشخص آخر قيمة أسمى من القيمة التى تعزوها لذاتك، وحين تراه من نواح محددة على الأقل، بمثابة شخصية متفوقة عليك. لذا مع تطور المجتمعات وتمكُن النظام الأبوي، صار البوح بالرغبة أصعب، وزاد دخول الرجُل بحالة الاستيهامات وعدم القدرة على التعبير، حتى صار للحُب علامات وصفها القدماء. [10]

أمّا فيما يخُص النساء، فترسَب بندبتها الجينية كثير من المُعاناة عبر التاريخ، لذلك لا عجب أنهُن يطالبن بالاهتمام على الدوام، ولديهن الاستعداد لمنح أنفسهن لقاء ذلك، ولأن الإنسان لديه جوع دائم لإرضاء الأنا والشعور أنه محط إعجاب، يُمكننا تفسير دخول عديد من النساء– تحديداً- بعلاقات لمجرد تدعيم الإحساس بوجود شخص مُستعِد لبذل كل شئ مقابل بقائها، ورغم أن دافع تعزيز الأنا «بشري» بشكل عام، فإن تحقيقه يتم بطريقة أخرى لدى الرجل، فأولويتهُ وفقاً لندبته الجينية هي الجنس، وكلما انتزع أنثى أو منحتهُ امرأة نفسها بإرادتها، يشعر بالتفوق داخل لا وعيه، نتيجة العودة لسلطته القديمة عليها، وقدرته على تحقيق رغبتها بتدليلها وإعطائها ما تريده من اهتمام، ويشعر بالمتعة للحصول علي أولويته.

الخلاصة

الحب هو جنس مكفوف الهدف بسبب النظام الأبوي، حيثُ تم تغليف الرغبة بالألفة والاهتمام وإرضاء الأنا، كى يتم الحديث عن الدافع الأصلى بشيء من التورية، ومع مرور الزمن تم نسيان الأصول وبدأ الجميع في الإيمان بفكرة الحُب، التي أساسها الوصول جنسياً للشريك، ولكن النظام الأبوي قام بدمجها بمنظومة الزواج الأحادي، ولم يكُن هذا بوحي تخطيط وترتيب، وإنما بلا وعي لتحقيق دوافع اقتصادية واجتماعية.

أما فيما يخص ادعاء النساء بأن الرجال يميلون لتعدد العلاقات، بينما تكتفي هي برجلها، فهذا ليس حقيقياً، وهو ما فسرناه بالأسطر السابقة، وأكدته جامعه تكسَاس حين

أجاب باحثوها

على سؤال لمَ يرغب الرجال بتعدد العلاقات الجنسية؟ وخلصوا إلى أن الرجال والنساء يملكون نفس الرغبة الجنسية، لكن النساء يتميزن بضبط النفس نتيجة لندبتهن الجينية، وما يدعم ذلك هو أنه حين امتلكت المرأه السيادة بمجتمعات أنثوية خالصة، وكان أبرزها بقبائل الهيمالايا والكالاش في باكستان، وميغالايا في الهند، والموسو في الصين، كانت تختار الزواج بأكثر من رجل بذات الوقت، وهو شيء من الشيوعية الجنسية.


المراجع



  1. تيودور رايك، سيكولوجيا العلاقات الجنسية، ترجمة: ثائر ديب، الطبعة الأولى، دار المدى، بغداد، 2005، صـ133.
  2. فريدرك إنجلز، أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة، ترجمة: أحمد عز العرب، الطبعة الأولى، دار الطباعة الحديثة، القاهرة، 1957، صـ27.
  3. إبراهيم الحيدري، النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب، الطبعة الأولى، دار الساقي، بيروت، 2003، صـ36.
  4. فريدرك إنجلز، أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة، ترجمة: أحمد عز العرب، الطبعة الأولى، دار الطباعة الحديثة، القاهرة، 1957، صـ30.
  5. إدوارد ويسترمارك، تاريخ الزواج، ترجمة: د. مصباح الصمد ود. صلاح صالح وهدى رطل، الطبعة الأولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2001، صـ240.
  6. ويل ديورانت، قصة الحضارة: المجلد الأول-نشأة الحضارة، ترجمة: د. زكي نجيب محمود، الطبعة الأولى، دار الجيل، بيروت، 1988، صـ82.
  7. إدوارد ويسترمارك، تاريخ الزواج، ترجمة: د. مصباح الصمد ود. صلاح صالح وهدى رطل، الطبعة الأولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2001، صـ197.
  8. ويل ديورانت، قصة الحضارة: المجلد الأول-نشأة الحضارة، ترجمة: د. زكي نجيب محمود، الطبعة الأولى، دار الجيل، بيروت، 1988، صـ80.
  9. تيودور رايك، سيكولوجيا العلاقات الجنسية، ترجمة: ثائر ديب، الطبعة الأولى، دار المدى، بغداد، 2005، صـ161.
  10. البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب – المجلد الثامن، تحقيق: عبد السلام هارون، الطبعة الرابعة، مكتبة الخانجي، القاهرة،1997، صـ562.


مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.