لا يصح أن نكون فخورين بما فعله الفريق اللبناني الأولمبي، حين رفض الجلوس في نفس الحافلة إلى جانب الفريق الإسرائيلي، ولا أن نكون فخورين بما فعلته لاعبة الجودو السعودية، جودي فهمي، حين انسحبت من المباراة، بعدما أُعلِمت أنها ستنازل اللاعبة الإسرائيلية، جيلي كاهن (ورد، فيما بعد، عن ناطقين حكوميين، أنها انسحبت لأسباب صحية). لقد وافق هؤلاء على دخول الأولمبياد، وقبلوا قواعدها، التي منها أنه «غير مسموح بأية بروباغندا سياسية أو دينية أو عرقية في النطاقات الأولمبية» (الفصل الخامس من الميثاق الأولمبي)، وفكرتها الأساسية، «لم شمل الناس حول الرياضة»، بقطع النظر عن خلفياتهم السياسية والاجتماعية. بالتالي، ليس لأحد أن يخوض السياسة تحت مظلة الأولمبياد، وليس من حق فريق أن يمنع فريقًا آخر من دخول حافلة، كما لا يجوز لمنافس إحراج نظيره. إن من أهداف دورة الألعاب الأولمبية تجاوز السياسة، ولهذا، مثلًا، لدينا كوريا الشمالية بجانب كوريا الجنوبية. تلك كانت خلاصة الخطاب الليبرالي بشأن العلاقة بين الألعاب الأولمبية والسياسة.



لم يكن «لم شمل الناس حول الرياضة» شعارًا حياديًا، ولا ينبغي له أن يكون.

في دورة الألعاب الأولمبية التي أقميت في لندن، في عام 1948، لم تتم دعوة ألمانيا واليابان بسبب دورهما في الحرب العالمية. ومنذ دورة روما 1960، ستمنع جنوب إفريقيا من المشاركة في الأولمبياد، بسبب تطبيقها سياسة الفصل العنصري، حتى يسمح لها مرة أخرى، بعد 32 عامًا، في دورة برشلونة 1992. وستقوم نحو 30 دولة إفريقية، خلال دورة مونتريال 1976، بمقاطعة الألعاب بعد سماح اللجنة الأولمبية بمشاركة نيوزيلندا. وكان فريق الركبي النيوزيلندي قد لعب مؤخرًا في جنوب إفريقيا الفصل العنصري (سيظل الركبي لعبةً يحتلها البيض في جنوب إفريقيا حتى تأتي لحظة كأس العالم للركبي 1995، الذي استضافته وفازت به جنوب إفريقيا، حيث سيرتدي نيلسون مانديلا تي شيرت سبرينغبوك الأخضر، معلنًا نهاية الزمن الأبيض للعبة). وفي دورة مكسيكو سيتي 1968، قام اللاعبان الإفريقيان الأمريكيان، تومي سميث وجون كارلوس، بتحية البلاك باور (اليد المضمومة إلى أعلى)، احتجاجًا على العنصرية البيضاء في الولايات المتحدة. ودورة لوس أنجلوس 1984 تمت مقاطعتها من قِبل 14 دولة اشتراكية، بزعامة الاتحاد السوفيتي، بسبب انتهاك اللجنة الأولمبية للقيم الرياضية عن طريق استغلال الألعاب لتوليد أرباح تجارية.

هذا هو التاريخ السياسي للأولمبياد، الذي يفسِّخ حجج الخطاب الليبرالي؛ لطالما لعبت اللجنة الأولمبية الدولية دورًا سياسيًا ولطالما لعب المتنافسون أدورًا سياسية. ومثلما فخر العالم بسميث وكارلوس، ومن قبلهما جيسي أوينز (اللاعب الإفريقي الأمريكي الذي فاز بأربع ميداليات ذهبية في دورة ألعاب برلين 1936، تحت الحكم النازي)، فإن عليه أن يفخر بالفريق اللبناني وبالسعودية جودي فهمي، وبكل إنسان لا يرضى بأن تُمثَّل العنصرية في المحافل الدولية. ليس هذا فحسب. ينبغي أن تُستكمل تلك الجهود الفردية بحملات منظمة لرفض الوجود الإسرائيلي في المحافل الرياضية الدولية، على غرار حملات المقاطعة الأكاديمية والاستثمارية، لما يعنيه ذلك الوجود من احتفاء بالعنصرية والاحتلال والاستيطان.

لم يكن «لم شمل الناس حول الرياضة» شعارًا حياديًا، ولا ينبغي له أن يكون.