شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 52 من الصعب دومًا تخيل حبيبين، أحدهما يقف بجانب قاتل الآخر، يموّله فكريًا، ويدافع عنه. ما هي القوة الخارقة التي تجمع صهيونية ملتزمة بمفكر كان يؤمن بدور النازية في التربية، وقدرتها على خلق إنسان جديد؟ الحب؟ الفلسفة؟ أم هو شيء أعمق وأثقل؟ الحزب الاشتراكي القومي وهايدجر يمر الشعب الألماني حاليًا بلحظة عظمة تاريخية. يعرف شباب المؤسسة الأكاديمية هذه العظمة. فما الذي يحدث إذن؟ يستعيد الشعب الألماني ككلٍ ذاته، ما يعني أنه يعثر على قيادته. في ظل هذه القيادة الشعب الذي استعاد ذاته يصنع دولة. هذه الكلمات لمارتن هايدجر، الذي يعد واحدًا من أكبر المفكرين تأثيرًا في القرن العشرين، وأكثرهم جدلًا أيضًا.[1] حقق هايدجر شهرته عام 1927 بعد نشره لكتابه الوجود والزمن/ الكينونة والزمن. قبل ذلك، تلقى دعمًا من الكنيسة لدراسة اللاهوت، ولكن في سن العشرين، أي قبل نشر الكتاب بثمانية عشر عامًا ترك اللاهوت واتجه إلى دراسة الفلسفة. هو زعيم الوجودية، ولكن بما ظهر لنا من كتاباته ومحاضراته خلال فترة الاشتراكية الوطنية ينبغي لنا أن نقر بأن الكينونة في نظره لم تكن تعني أن «تكون إنسانًا فردًا» أو أن نوجد «أنت وأنا» كبشر، بل كانت تقر بأننا نستطيع التحدث عن الوجود فقط بالضمير «نحن»، أي الشعب، الشعب الألماني، حيث ابتغى هايدجر الاستبدال بالـ «أنا» الـ «نحن» الجماعية. يقول هايدجر: «فقط عندما نكون ما نحن صائرون إليه، من عظمة استهلال الكائن الخاص بروحنا وشعبنا، حينها فقط نكون جديرين بقوة الهدف الذي يكافح تاريخنا للوصول إليه».[2] معاداة اليهود ويدا هتلر الجميلتان الرواية الرسمية القديمة عن اتفاقه مع النازية لم تعد محتملة، إذ تتعمد تصوير الأمر كما لو أن هايدجر انخدع عدة أشهر قبل أن يكتشف حقيقة النازية، وكأنما كان لابد له، بسبب استعجال زملائه، أن يقبل برئاسة جامعة «فريبورج».[3] ألم يمجد هايدجر أبدًا «أبراهام إي سانت كلارا»؟ أبراهام المعروف بتعصبه القومي العنيف وبدعوته إلى مذابح ضد اليهود؟ فقد بحث «هذا الرأس العبقري» في رأي هايدجر الشاب عن «صحة الشعب روحًا وجسدًا». ولن يكُف هايدجر بعد زمن طويل، تحديدًا عام 1964، عن أن يرى في هذا الذي قتل اليهود والأتراك، معلمًا كبيرًا. في عام 1916 كتب إلى زوجته: إن تهويد ثقافتنا والجماعات مرعب فعلًا، وأعتقد أن على العرق الألماني أن يجد ما يكفي من القدرات الداخلية كي يصل إلى القمة. وفي عام 1920 كتب إليها: «لقد أغرق اليهود والانتهازيون كل شيء». وفي عام 1933 كتب لها بخصوص الفيلسوف «كارل ياسبرس» وهو من أصدقائه المقربين: «يزعزع كياني أن أرى كيف أن هذا الرجل الألماني الخالص، بغريزته الأكثر أصالة الذي يدرك الضرورة القصوى لقدرنا يبقى مرتبطًا بزوجته»، لا عجب أن زوجة كارل ياسبرس يهودية. سأله ياسبرس أيضًا ذات مرة كيف يمكن أن يحمل رجل مثقف ذرة إعجاب بشخصية تافهة وفظة كهتلر، أجاب: «يداه جميلتان جدًا». المدافعون عن هايدجر يخبروننا أنه ترك الجامعة بعد عدة أشهر فقط، لأنه لم يكن موافقًا على النازية. حسنًا، تشير الوثائق إلى أن تركه للجامعة لم يكن معارضةً أو مقاومةً منه، ولكنه نتج عن صراعات داخلية بين الأيديولوجيين النازيين. بعد تركه الجامعة، شارك في عام 1934 في مشروع أكاديمية أساتذة الرايخ، وفي عام 1943 – في أوج أزمة نقص الورق – موّن الوزير دار منشورات كلوسترمان بشحنة ورق خاصة، لماذا؟ فقط كي تطبع مؤلفات هايدجر. فهل تعرض هايدجر حقًا للاضطهاد بعدما ترك الجامعة؟ بشكل ما هايدجر وفلسفته الوجودية كانت مساعدة لمعاداة السامية والحرية الفردية. وكانت تخدم بشكل كبير الحزب الاشتراكي الوطني وهتلر.[4] حنة وهايدجر: المقابلة حنة آرندت فيلسوفة يهودية من أصل ألماني، كانت طالبة عند هايدجر في مدينة «ماربورغ» في عام 1925، كانت كذلك عشيقته. نمت علاقتهما خطوة خطوة وبحذر، ولكن بسرعة كبيرة أيضًا، تشير إلى ذلك الرسائل. في أول رسالة من مارتن لحنة، يناديها بـ «العزيزة الآنسة آرندت»، وفي الرسالة أيضًا «تلميزًا» لما يكنه في صدره، حيث يقول: «لن أستطيع امتلاككم أيضًا، لكن ستنتمين من الآن فصاعدًا إلى حياتي وسينمو هذا الأمر فيكم». الرسالة التالية كانت بعد أحد عشر يومًا، بدأها بـ «العزيزة حنة»، يتضح هنا مدى تطور العلاقة، ومدى الاختلاف ما بين «العزيزة الآنسة آرندت» و«العزيزة حنة». ولكنه هنا يصرح بدون أي مواراة عن حبهما، فيقول: تواصلت العلاقة بينهما لعدة سنوات، حتى أتت لحظة البعد، الذي لم يكن بسبب كره أحدهما للآخر، أو إرادة البعد أو حتى لأن هايدجر كان متزوجًا، ولكن في عام 1933 وصل الحزب الاشتراكي الوطني النازي للحكم في ألمانيا، وتولى هايدجر رئاسة جامعة فريبورج، وبدأت الاتهامات تتوجه لهايدجر بمعاداة السامية. فأرسل إليها: «العزيزة حنة، إن الإشاعات التي تُقلقك ما هي إلا قذف وتشهير… لكي أشرح لكي موقفي من اليهود أقدم ببساطة الوقائع التالية…». وذكر هايدجر في رسالته وقائع يحاول فيها التملص من كونه يعادي اليهود، بأنه، مثلًا، وافق على الإشراف على رسالة دكتوراه ليهودي، وذكر أيضًا أن كل هذا يمكن أن يُسمى بمعاداة السامية المُلتزمة. ولكنه كان يحاول الإبقاء على العلاقة. في آخر الرسالة قال: «يجب ألا يمس هذا علاقتي بك». وانقطعت الرسائل بينهما 17 عامًا، استطاعت حنّة الهرب خلالها إلى فرنسا، ومن فرنسا إلى الولايات المتحدة. وفي عام 1950، تواصلوا مجددًا، اتصلت به «آرندت»، وأخبرته أنها ترجمت كل أعماله إلى الإنجليزية، كيف أحبت هذا الرجل الذي وقف بجانب مضطهدها، جلادها وجلاد أبناء جلدتها، ممجدًا له مشيدًا بسياسته التعليمية النازية التي رأى فيها «إنقاذًا لشباب ألمانيا؟»، لو كان هناك حب فلسفي بينهم، فهو يكمن في أن هايدجر الأستاذ الجامعي علم تلميذته آرندت كيف ترى العالم وتفهمه، ولكنها هي التي قادته إلى معرفة حقيقته كإنسان، ليكتشف أن الحب ليس مسيسًا فقط، ولكن قد يكون أقوى من كل القوى «الضد سياسية». ما وراء ذلك لماذا يكون الحب فوق طاقة كل الإمكانيات الإنسانية الأخرى، ويكون ثقلًا حلوًا بالنسبة للمعنيّ في الأمر؟ لأننا نتحول إلى ما نحبه، لكننا نبقى أنفسنا. [5] يخبرنا عالم الاجتماع البولندي «زيجمونت باومان» أن الحب يفكك ماضيه وهو يحوم، فلا يترك أي خنادق محصّنة وراءه يمكن أن ينسحب إليها المرء ويحتمي بها في حالة الخطر، وهو لا يعرف ما تحمله الأقدار ولا ما يخفيه المستقبل، ولن يكتسب ثقة قوية تمكنه من تبديد الغيوم وإخماد القلق، فالحب مرهون بمستقبل غامض غير مضمون.[6] أحبت حنّة هايدجر، وأحبها، ولكن علاقتهما كانت متذبذبة، تباعدا بعد علمها بانتمائه للنازية «الملتزمة» ولكنهما حافظا على الحب بينهما. أي سر يمكن أن يختبئ وراء استمرار العلاقة بين حنّة وآرندت على الرغم من كل هذه الاضطرابات والصدامات والخيبات؟ هل يمكن أن يكون تصور حنّة للحب في أطروحتها هو السبب في تعلقها به بعماء نفسي وروحي؟ أي شيء أحبت فيه؟ وأي شيء أحب فيها؟ هي يهودية شاركت في تكوين دولة صهيونية، وهو نازي يكره اليهود وأيد جلادهم! أخيرًا، ما قد يهمنا، ليست العلاقة بينهما، ولكن مفهوم الحب نفسه في بعده الفلسفي المحض، بشكل ما، لم يكن الحب بينهما دافعًا غريزيًا فقط، ولكنه كان ذا تأثير بنيوي في تفكيرهما. مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير. المراجع الكينونة والحقيقة، مارتن هايدجر. المصدر نفسه. أساطين الفكر: عشرون فيلسوفًا صنعوا القرن العشرين. روجيه بول – دروا. المصدر نفسه. رسائل حنة آرندت ومارتن هايدجر (1925 – 1975)، ترجمة: حميد لشهب. الحب السائل، زيجمونت باومان. قد يعجبك أيضاً كيف تفاعلت فلسطين مع ثورة 25 يناير عبر خمس سنوات؟ الشيخ سالم وإشكالية الآخر في الإسلام عروس للولد دونالد ترامب والذين معه: نهاية تحالف متطرف شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram عبد الله كارم Follow Author المقالة السابقة المجتمع المصري بين مطرقة الصراع وسندان الانحطاط المقالة التالية أبشع الجرائم: قتل المصلين والآمنين في مساجدهم ومعابدهم قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك هل الرومي زنديق؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «Minimalism»: دروس في فلسفة الفن والديكور 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك يا حضرة مولانا 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الدين كما أفهمه – بين السند والأسطورة [2] 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك داعش والتراث وحادثة العريش 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك خواطر رمضانية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك جوجل تبسط لنا كيفية تعلّم الآلات 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك البرابرة قادمون 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «معبد الشعوب» الوجه الأمريكي لداعش: ماذا تعرف عنه؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «سي عبده» مايسترو الست 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.