عملية التبول الليلي اللاإرادي عند الأطفال مشكلة شائعة – على عكس ما يظنه الناس؛ فيوجد حوالي (30%) من الأطفال في عمر الرابعة والنصف وحتى التاسعة والنصف مصابون به، وبعد هذه السن تقل النسبة إلى (9%).

أحيانًا يكون العامل الوراثي هو السبب الرئيس في إصابة الطفل، وأحيانًا يكون السبب هو صغر حجم مثانته أو وجود مشكلة هيكلية في المسالك البولية أو في الجهاز العصبي، وهذا يحدده الطبيب. لكن هناك أسباب خفية لا ننتبه إليها، تكون هي المسبب المباشر لتبول الطفل ليلا في فراشه، ومن هذه الأسباب:

1.تعرُّض الطفل لهزةٍ نفسية عنيفة تسبب له التوتر النفسي والاكتئاب الذي من أهم مظاهره التبول اللاإرادي، وقد يكون ذلك بسبب غياب أحد الوالدين لأي ظرف كان، أو المشاجرات الدائمة بين الوالدين أمام الطفل ورؤيته لأمه وهي تبكي بسبب ذلك.

2. شعوره بالغيرة بسبب قدوم مولودٍ جديدٍ في الأسرة؛ فيلجأ إلى التبول أو التبرز في مكانه للفت انتباه أمه إليه؛ ظنًّا منه أنها ستهتم به أكثر في هذه الحالة.

3. المبالغة في ردة فعل الأم أو الأب تجاه الخطأ الذي يرتكبه الصغير، بالصـراخ في وجهه مع القسوة والعنف. أو تعرضه للتعنيف أو الإحراج من جانب معلمه أمام أصدقائه في المدرسة، أو تعرضه لعملية تهديد وابتزاز.

4. تعرُّض الطفل لأزمةٍ صحية أو شعوره بالبرد نتيجة عدم تغطيته جيدًا وهو نائم، أو إصابته ببعض الأمراض كالسكري والتهاب الجهاز البولي، وأيضًا إصابته بالإمساك المزمن تؤدي إلى ذلك.


ماذا عن العلاج؟

قبل أن نشرح كيفية التعامل مع الطفل المصاب، وكيفية علاجه، نؤكد على نقطة هامة لكل أم؛ فنقول لها:

ابنك يعاني أشدّ مما تعانينه أنتِ من تبوله اللاإرادي، خاصةً إذا كان له إخوة يبيتون معه في الغرفة نفسها. وهو لا يفعل ذلك لمضايقتك أو عقابًا لكِ، فترفَّقي به، وأحسني إليه، وأكثري من الدعاء له بالشفاء، فهو كأي مريض، يحتاج إلى الرعاية والاهتمام.





ولعلاج هذا الأمر يجب علينا مراعاة النقاط التالية:

1. البحث في الأسباب السابقة، ونقرر أيًّا منها تسبب في إصابة الطفل بهذا الداء، فمعرفة السبب سيساعد كثيرًا في العلاج.

2. يجب مراعاة حالة الطفل النفسية، فلا يُعنَّف ولا تصـرخ الأم في وجهه، بل تحتضنه، وتشجعه على التغلب على تلك المشكلة، ومن الضروري جدًّا عدم علم إخوته بأمر كهذا، وإذا علموا يجب عليهم التجاهل وعدم إحراجه، خاصةً إذا قام مبللاً فراشه، وخلع ملابسه المتسخة وأخفاها وسط ملابس الأسرة، فليس من اللائق أبدًا أن تنادي عليه الأم وتوبِّخه على فعلته أمام إخوته وأبيه، ولا أن يعيره أحد إخوته بهذا الأمر، فهذه الأمور تسبب للطفل هزة نفسية عنيفة تؤدي إلى تفاقم المشكلة.

3. الاهتمام بفراش الطفل المريض قبل نومه، فمن الممكن تغليف (المرتبة) بنايلون قوي؛ منعًا للتسريب، ثم تغطيتها بملاءة داخلية، وأخرى خارجية، ويفضل فعل الشـيء نفسه مع بقية إخوته حتى لا يلاحظوا الفرق ويسببوا له الضيق، فمن أكثر ما يسبب الألم للطفل المصاب هو إحساسه بضيق أمه لتسريب بوله إلى المرتبة، واتساخ فراشه.

4. الاهتمام أيضًا بوضع قطعة قماش قطنية كفانلة قديمة، تثنى وتوضع بين رجليه لتعمل عمل الحفاضة، فتمتص البول وتقلل من فرصة التسريب خارج ملابس الطفل، ويفضل وضعها له بعد أن يغط في نوم عميق؛ حتى لا نسبب له الحرج، وإذا استيقظ نوضح له أنها إجراء احتياطي يعينه على الشفاء وعدم اتساخ ملابسه.

5.يجب أن تعلم الأم أنها هي الوحيدة القادرة على تخطي تلك المرحلة مع ابنها بسلام، فتعامله بلطف، ولا تتبرم أبدًا من إصابته، وتعينه باحتوائها له، وبحزمها مع إخوته لو ضايقوه، وتخبرهم بأنهم جميعًا كانوا كذلك، ولكن كل واحد منهم عولج في سن مختلفة عن أخيه.

6.تقليل الطفل من شرب السوائل من بعد السادسة مساءً، وعدم شرب مدرات البول كالقهوة والشاي والمشروبات الغازية التي تحتوي على الصودا كالبيبسـي والميرندا وما شابههما، وأيضًا الامتناع عن أكل الشيكولاتة ليلًا، فكل ذلك يقلل كثيرًا من فرصة تبوله في فراشه، وليس معنى ذلك أن تظل الأم تنادي عليه وتأمره بألا يشرب حتى لا يبلّ فراشه ليلاً، فهذا الأمر يسبب له الضيق والحرج، ويؤخر في علاجه، بل تخبره برفق وحب أن هذه الأمور تؤخر في علاجه ويجب عليه التقليل منها.

7. يفضَّل إيقاظ الطفل مرةً أو اثنتين في الليل، خاصةً في الشتاء؛ حتى يدخل الحمام؛ فهناك أطفال يكون ثقل نومهم هو السبب في هذا الأمر. ومن الممكن أن تسنده الأم وهو بين مستيقظ ونائم، وتدخله الحمام، فأحيانًا يعارض الطفل النهوض من سريره ويكسل عن دخول الحمام، خاصةً في الشتاء. وتساعد الأم طفلها على تنظيف نفسه بنفسه، وتخبره أن هذا البول نجاسة، ولا بد من إزالته بالماء، فيستحمّ وينظف جسمه جيدًا، إذا حدث وتبوَّل في فراشه.

8.إذا قام الطفل وفراشه جاف، لا بد وأن تحتضنه أمه، وتشجعه على الاستمرار، وإذا قام في اليوم التالي مبتلاً فلا توبخه، ولا تلتفت إلى هذا الأمر؛ فهو حتمًا يتألم لإخفاقه، وإذا جاء معتذرًا لها، تحتضنه وتشجعه على أنه غدًا سيصبح أفضل. وعمل جدول توضع فيه النجوم، ومن ثمَّ مكافأته إذا نجح في السيطرة على نفسه يعين الطفل كثيرًا في التغلب على هذه المشكلة.

9.هناك وصفات طبيعية من الممكن أن تؤخذ لتقليل فرص تبول الطفل ليلاً، أكثرها نفعًا هي أخذ ملعقة أو أكثر من العسل الأبيض قبل النوم، وصفحات العلاج التكميلي مليئة بهذه الوصفات، فلا يضر أن تجربها الأم، بشـرط أن يتقبلها الطفل، والحالات المتأخرة من المرض يصف لها الطبيب العقار المشهور (تفرانيل)، فقد أثبت فاعلية كبيرة في علاج التبول اللاإرادي خاصة إذا كان الطفل قد كبر سنه، ويجب أن يؤخذ تحت إشراف طبي.

وينبغي أن تتفهم الأم أن رحلة العلاج من هذا الأمر ربما تطول، فتمتد إلى بضعة أشهر أو أكثر من سنة، وقد وُجدت حالات لأطفال عولجوا تمامًا، ثم انتُكسوا مرةً أخرى بعد بضعة أشهر من العلاج؛ لأي طارئ طرأ على حالتهم النفسية، أو الصحية، فلا بد أن تتجاهل الأم هذا الأمر تمامًا، ولا تشعر طفلها أنها عرفت، وإذا أخبرها هو، فتهوِّن عليه الأمر، ومن الممكن أن تقول له: «لا بد وأنك نسيت تدخل الحمام قبل نومك، أو شربت كثيرًا من الماء والعصائر»، وتخبره أن لا ينسى ذلك مرة أخرى، بهدوء تام وعدم اهتمام؛ حتى لا ينتكس الطفل ويعود إلى ما كان عليه.

ملحوظة: بعض الأمهات أوضحن أنهن اتبعن طريقة الحزم مع الطفل دون عنف وضرب، وقد سرعت من الشفاء مع بعض أبنائهن، وزادت الطين بلة مع آخرين.. وأقول:

«إن لكل طفل شخصية خاصة به، وما ينجح مع طفل ربما لا ينجح مع أخيه، فهناك أطفال ينجحون في السيطرة على أنفسهم بعد أن تشعرهم الأم بالغضب الشديد لتبولهم في فراشهم، أو بعد تهديدها لهم بالحرمان مما يحبون، وهناك أطفال آخرون تتدهور حالتهم النفسية من هذا الحزم من جانب الأم، فتزداد حدة المشكلة لديهم، فلتكن الأم واعية بطبيعة طفلها، ولتحسن علاجه بالطريقة التي تناسبه، ولتكثر من الدعاء له بالشفاء، ولتتصدق؛ فالصدقة لها أثرٌ عظيم في شفاء المرضى، كما قال –صلى الله عليه وسلم: «داوو مرضاكم بالصدقات».



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.