كان قرار رفع الحكومة المصرية لأسعار تذاكر قطارات الأنفاق خطوة مترقبة، حيث تأتي هذه الزيادة وسط خسائر متراكمة في شركة شبكة مترو الأنفاق تصل إلى 618.6 مليون جنيهًا مصريًا، وتأتي هذه الخطوة ضمن سعي الحكومة المصرية لفرض إجراءات تقشفية ترتبط ببرنامج مصر للإصلاح الاقتصادي الذي بدأ عام 2016.

برنامج مصر للإصلاح الاقتصادي هو مجموعة من السياسات والإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة المصرية والبنك المركزي المصري بهدف رفع النمو وتخفيض عجز الموازنة العامة إلى 10% والدين العام لأقل من88%، ويعتمد البرنامج على مجموعة من السياسات أهمها إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام بما يكفل رفع كفاءة الإنفاق وترشيده، والحد من مصادر تسرب برامج الدعم لغير المستحقين، وبما يسهم في تخفيض عجز الموازنة لـ10% من الناتج المحلي الإجمالي العام المالي الحالي، وبما يخفض أيضًا نسبة الدين العام، وفق سياسة نقدية مستقرة عبر تحرير سعر صرف الدولار طبقًا لسعر السوق.

تمكنت الحكومة المصرية من توفير التمويل المطلوب للإصلاحات الاقتصادية المستهدفة، وذلك عبر الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي عبر آلية تسهيل الصندوق الممدد «EFF». وبحسب صندوق النقد الدولي، يستهدف تسهيل الصندوق الممدد مساعدة البلدان الأعضاء التي تشهد اختلالات كبيرة في المدفوعات بسبب معوقات هيكلية، أو تعاني من بطء النمو وضعف جوهري في مركز ميزان المدفوعات.

سياسة خفض النفقات أو التقشف هي آلية يشجعها صندوق النقد لعلاج أزمة الديون، حيث أظهرت دراسة جديدة للصندوق بـأن خفـض الإنفاق يـؤدي إلى حالـة مـن الكسـاد أقل ضررًا بالنمو مقارنـة بالزيـادات الضريبيـة، ففي بعض الاقتصادات أدى الإنفاق الحكومـي لدعـم النمـو ومسـاعدة العاطليـن إلى زيـادة عجـز الموازنات إلى أعلـى مسـتويات.

يعتبر ارتفاع الدين الأجنبي في الدول النامية بصفة عامة، وأفريقيا بصفة خاصة، أزمة كبيرة تثير القلق، حيث لا يوجد مفر من الإصلاح والذي يقع عبئه بشكل أكبر على الشـرائح الأكثر ضعفـًا – أي النسـاء والأطفـال والفقـراء.

يزعم بعـض الاقتصاديين أن خفـض الإنفـاق أفضـل عـلاج لاستعادة صحـة المالية العامـة لاقتصاد الدولة. وعلـى العكـس مـن ذلـك، يصـر آخـرون علـى أن خفـض الإنفاق قد يلحـق ضـررًا ذاتيًـا لأنه يضـر بالنمـو الاقتصـادي، ويطالبـون بدلًا من ذلك بمزيـد مـن الإنفاق الحكومـي لتنشـيط الاقتصـاد الضعيـف.

برامج الإصلاح الاقتصادي القائمة على خفض النفقات تؤثر دائمًا على الطبقات الأكثر فقرًا والفئات الأكثر تهميشًا، لذلك تتضمن مثل هذه البرامج ما يوفر بعض الحماية لهذه الفئات من خلال إنشاء شبكات حماية، أو استهداف وتقديم الدعم المباشر للفئات الأولى بالرعاية.


لماذا لا يشهد الاقتصاد المصري أي تحسن؟

بحسب تقرير صندوق النقد الدولي فإن مصر تقع في فئة الدول التي من المتوقع استمرار تعافي النمو فيها خلال العام الحالي 2018، مدفوعًا بالمكاسب المتحققة من الإصلاحات الجارية، وتحسن مستوى الثقة محليًا، والانتعاش المطرد في الطلب الخارجي.

وبينما لا تزال الآفاق إيجابية بوجه عام، مع توقعات بحدوث تحسن محدود في النشاط الاقتصادي في عام 2019، إلا أن كفة التطورات السلبية لا تزال هي الأرجح في ميزان المخاطر. وإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يظل النمو منخفضًا إلى حد لا يسمح بتوفير فرص العمل للقوى العاملة المتزايدة. ولتوليد نمو واسع النطاق تصل ثماره إلى الجميع يتعين تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية التي تعمل على تحسين بيئة الأعمال وتعزيز الإنتاجية. ولا تزال الحاجة قائمة أيضًا لمواصلة إجراءات الضبط المالي التي توفر الحماية للإنفاق على الاحتياجات الاجتماعية الضرورية والاستثمارات مع ضمان الحفاظ على الاستقرار.

يحتاج تحقيق النمو في مصر ما هو أكثر من إصلاحات هيكلية في ميزان المدفوعات بهدف تقليص عجز الموازنة، ففي الوقت الذي تواصل فيه الحكومة المصرية برنامجها في الجزء المتعلق بالسياسات النقدية وعلاج اختلالات الموازنة العامة، يظل الجزء المتعلق بتحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمار لتوفير فرص العمل وبرامج الحماية الاجتماعية ما دون المستوى المطلوب الملائم لتحقيق النمو.

قد يتمكن الاقتصاد المصري من تحقيق نمو وحماية الفئات المهمشة في نفس الوقت من خلال عدة إجراءات أهمها الآتي:

1. تهيئة مناخ الأعمال ليتيح للمؤسسات الصغيرة أن تنمو لتصبح متوسطة الحجم بل وتصبح شركات كبيرة، ويشجع على المنافسة وتخفيف تدخل القطاع العام في الاقتصاد، وخاصة في قطاعي الأعمال والتجارة، مما يسمح بإتاحة حيز لنمو القطاع الخاص وتخفيف الضغوط الواقعة على رواد الأعمال وأصحاب الأعمال الصغيرة للتمكن من المنافسة في الأسواق.

2. العمل على إحداث قدر من المرونة في معايير سوق العمل بشكل يتيح للشباب العثور على الوظائف، وتخفيض الحواجز والإجراءات التي تقف أمام الصناعات المحلية حتى تتمكن الشركات المصرية من الاندماج والمنافسة وتتوسع لتأخذ نصيبًا أكبر في الأسواق العالمية.

3. العمل على إقامة نظام اقتصادي أكثر عدلًا وشفافية وخالٍ من الفساد.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.