شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 141 ذات يوم وقف الإمام عليّ على قبر زوجه الزهراء قائلًا: مالِي وَقَفتُ عَلى القُبورِ مُسَلِّماً *** قَبرَ الحَبيبِ فَلَم يَرُدَّ جَوابي أَحَبيبُ مالَكَ لا تَرُدُّ جَوابَنا *** اَنَسيتَ بَعدي خِلَّةَ الأَحبابِ؟ لم ينسَ حبها أبدًا، ولم يستحِ يومًا من إظهار ذلك الحب لها، وأين المشكل في ذلك؟ وهو من كان بالأمس يقول حين يُبصرها تلوك السواك بين أسنانها: حظيت يا عود الأراكِ بثغرها *** أما خفت يا عود الأراك أراكَ لو كنت من أهل القتال قتلتك *** ما فاز مني يا سِواكُ سِواكَ وكان كُلما يراها يُقبّل يدَها، ويتأدب في الحديث معها، ولا يُعطيها ظهره عند الكلام أو المنام، حتى أنه يقول: والله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرًا، لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان. [1] فأي درجات ومقامات الحُب تلك التي تُجلي همومَ وأحزان الحبيب حين ينظر في وجه المحبوب؟ مقامات الحُب بمثل تلك القصص (المذكورة أعلاه)، يتساءل المرء عن أسرار الحُب، وهل للحب وجود؟ وما شروطه إن وُجد؟ كان الإمام «ابن حزم الأندلسي» أول منْ قَسّم وصنّف وحلّل ورتّب الحُبَ ومقاماته؛ مِن نظرة لإعجاب، إلى حب فعشق فهوى حتى الهيام، وآخرهم شديد الوطأة على الإنسان –عفا الله عنا– كما الابتلاء حين يُصيب الفرد، فلا مفر من قضاء الله: الحب -أعزك الله- أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة. وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل. [2] فأمّا عن أسرار الحُب، فيكفي أن نقول إنه سر الله الأعظم، فلا يُدرك ولا يُترك، ولا يُراجع الحبُ في سببه، ولا يُسأل عن عِلته، فهل نسألُ اللهَ في خلقه؟ وهل يُساءل النبي في وحيه والإمام في أمره؟ كذلك الحُب، لا سؤال ولا عِلة، فليس الذنب ذنب المُبتلى –أنا أو أنت أو هي– لكنه ذنب الإمام: الذنبُ ذنبُ الهوى لا ذنب شيعتهِ له الإمامة فهو الآمر الناهي أيما كانت عزيمتك فهي أمام الحُب ترضخ، فقد قالها تميم البرغوثي: «لم يغلب الحُبَ لا رومٌ ولا عربُ»، فترى ممالك تهوي، وممالك تظهر، متى حل بها الحُب. إن حضر الحُب، حضرت الأسطورة والحياة؛ كُتبت الإلياذة لمّا وقع «باريس» في حُب «هيلينا»، فلو نزعنا ذلك الحب من سردية الإلياذة، لمَا كان للإغريق إرهاق أنفسهم في إنشادها. وأيًا كنت، فأنت في الحب شخص آخر، لا حر ولا عبد، بكامل إرادتك الحُرة تخضع لملكوت تُحكم وفق شرائعه، تكون دونه الأعراف والتقاليد، كالمرهون أو الأسير تصبح حالتك، فلا حر إلا بالحب مُرتهنا. وهذا أبو الطيب المُتنبي الذي ظل طوال حياته بعيدًا كل البُعد عن الهوى، ومتى أُصيب قلبه بسهم من سهامه قال: وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ *** فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ أي أنه ظل يُعاتب ويُكايد العاشقين، حتى ذاق من نفس الكأس، فصار مُتعجبًا؛ أيموت إنسانٌ دون أن يعشق!؟ فالحب بمقاماته؛ سهام، ستصيبك –بلا شك– إن لم يكن اليوم ففي الغد، أو بعد حين. شروط الحُب للحب شروط، لا يصح دونها، فإياك أن تُضيّعَ وقتك مع من لا يُقدر حبك، ولا يحفظه أو يصونه، فحبك بغير كرامتك، كجسد بلا روح؛ عفنٌ يدور ويحوم. الحب الصادق ما اجتمع عليه اثنان، لا واحد دون الآخر، فالحب لا يكون حبًا إلا إذا ظفر بعُشهِ عصفوران. صُن نفسك في عين من تُحب، ولو صدق في حُبه لعفا عن زلاتك دون الحاجة لمُراجعتك، فلا يكفي الإحساس ليَصدق الحُب، إنما العمل مصداق الإيمان؛ تريدك بجوارها حين تنقلب الأيام، فكن معها في السرّاء والضرّاء. لا تبقَ مع شخص لا يُبادلك نفس الشعور، ولو كان هواه يكوي كبدك، فطالما كان لا يراك، فلا تُتعب نفسك بغير جدوى، فلن يتغير شيء، فالحب يُضيف لا يُنقص، وأساسه الكمال بين الشريكين، فسيبدلك الله به مَن يُشعرك بالأمان والاهتمام ثم الحب، وإن بقيَت آثار للحب الأول -ولابد أن تبقى- فإن مصيرها كمصير الجرح الغائر لابد وأن يلتئم. دَعَ حُبَ أَول مِن كَلَفت بِحُبه *** ما الحُب إِلّا لِلحَبيب الآخرِ في الختام بدأت المقال بلمحة من حياة الإمام، علّك تنتفع بها، وقد كان معلمه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول عن زوجه الأولى خديجة: «إني رُزقت حبها» [3]، لم يقل رزقها اللهُ حبي، بل العكس، أنا من رُزقت حبها، فليس بغريب أن يظل وفيًّا لها بعدما ماتت، ويستحضر ذكراها في كل وقت وحين، ولو وجد شيئًا من أثرها، كقلادة أهدتها لابنتها زينب، قبض عليها براحتيه يشتم فيها رائحة خديجة باكيًا لاثمًا تلك القلادة. فمن قال إن الحُب لا يغلب العُظماء؟ علّهم صاروا عظماء بحبهم وإخلاصهم لذلك الحُب. ولو قُلت لي مُعاتبًا: لا يوجد وجه للمقارنة بين زوجتي وبين فاطمة وأمها خديجة، فمن الصعب أن تصير مثلهما. أقول لك: كُن لها عليًّا تكن لك فاطمة، كُن لها محمدًا تكن لك خديجة. فابدأ من عندك، فالنساء ملائكة؛ لن تُظلّلك بجناحيها ما لم تكن لها جنة، فالملائكة لا تعيش في الجحيم! فابدأ بنفسك. المراجع أميرة إبراهيم، كوني فاطمة الزهراء، دار بيان للنشر والتوزيع، صـ 132. رسائل ابن حزم، ابن حزم الأندلسي، تحقيق إحسان عباس، المؤسسة العربية للنشر والتوزيع، الجزء الأول، صـ 90. صحيح مُسلم، رقم الحديث: 2435. مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير. قد يعجبك أيضاً تنويه: أحداث هذا الواقع مستوحاة من فيلم خيالي العلاقات الإيرانية السعودية: بين التحالف والصراع تأثيرات الأزمة الأوكرانية على القضية الفلسطينية تاريخ المغفلين شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram محمد أمجد كرارة Follow Author المقالة السابقة لماذا نحب كوكسال بابا؟ المقالة التالية «بروزاك» لن يحمينا للأبد: نزع السحر عن الطب النفسي قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك تميم البرغوثي وكُلفة الموقف المُركّب 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك عقلية المحارب: لماذا تظن أنك مصيب وإن كنت مخطئًا؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك وعد بلفور: دراسة في النفاق البريطاني 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حيارى بين «السرقة» و«الاقتباس» 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك عن الدولة، أو الدولة بين الأدلوجة والنظرية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك في خصوصيات الدولة ومصائر حركة الثورة العربية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الدين كما أفهمه – بين السند والأسطورة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك انعطافة مأساوية أخرى في مسار المسألة «الكردية-التركية» 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «The Godfather»: عرض لا يمكنك رفضه 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حوار غير متكافئ 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.