فشل المنتخب الإيطالي في التأهل لمونديال روسيا أمام نظيره السويدي، بعد 180 دقيقة، صدّق الجميع خلالها أن «الأتزوري» مريض فعلًا، وآمن كثيرون فيها أن استئصال المرض ينتهي بتولي أنشيلوتي أو أي مدرب آخر للفريق غير العجوز فينتورا.

لمن أحمل مسؤولية الإقصاء؟ فينتورا، فقط؟ نعم، إذا تكلمنا عن إمكانية تأهل إيطاليا للمونديال، فإن المدرب العجوز يمتلك على الورق أسماء أفضل من التي امتلكها كونتي في يورو 2016. فبيلوتي أفضل من بيلي، وفيراتي كان مصابًا في اليورو، وإيموبيلي لم يكن هدافًا للدوري عندما استدعاه كونتي، خاصة أن إيطاليا في السنوات الأخيرة كانت تتميز في التحديات قصيرة المدى، قبل أن تنهار بعدها.

وهنا يكمن مربط الفرس، الكرة الإيطالية تنزف منذ دخول الاستثمار بقوة في عالم الكرة، فبعد مونديال 2006 ظلت المنظومة كلها «اتحادًا وأندية وجماهير» تنكر هذا الجرح وتعالجه بمسكنات وقتية، لا يلبث أن ينفجر فيما بعد، وهذه المسكنات كللت بالنجاح لأن عنصرًا واحداً متغيرًا في كل مرة، كان مرجحًا لكفة إيطاليا.

هذا العنصر كان كافيًا لإعطاء مزيد من «البجاحة» والحجج للمسؤولين، في ردودهم ومواقفهم لو سُئلوا عن تراجع «الكالتشيو»، رغم أن مشاهدة مباراة واحدة تكشف فعلا الفوارق الكبيرة مع إسبانيا وإنجلترا وألمانيا على مستوى البنية التحتية والملاعب، وهو ما يعكس عقلية ظلت متمسكة بتقاليدها، رافضة الاعتراف بأنها بحاجة للتغيير فقط لأن «الجرينتا» أو الروح القتالية كانت تنصفهم في أحلك ظروفهم.

طوال السنوات الماضية، كان التفوق الإيطالي سواء على مستوى الأندية أو المنتخب الأول، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعنصر «الجرينتا» المعروف لديهم، غير أنه كان تفوقًا وليد لحظات العنصر المرجح، حتى تشعر ما أن تنتهي المباراة أن الطليان سيخسرونها بسهولة لو استمرت لدقائق أخرى، وبالفعل كان الانهيار يظهر لاحقًا، بعد فترة ليست بالبعيدة، لكن ما من أحد في المنظومة الرياضية بإيطاليا، فكر في ربط الأحداث ببعضها، رغم أن العودة لسنوات قليلة سيثبت أن الجراح في الكرة الإيطالية كانت ظاهرة حتى في أوقات الانتصار.


«جرينتا» ميلان 2007.. خدعة الموسم العظيم

في موسم 2006-2007، كان متوسط أعمار لاعبي ميلان المشاركين في مباراة بايرن ميونخ، بربع نهائي الأبطال 30 سنة و4 أشهر، كان مالديني يبلغ 38 عامًا وكل من نيستا وسيدورف 31 عامًا، وإنزاجي 33 عامًا، وأودو 30 عامًا، وكل من يانكولوفسكي وجاتوزو وأمبروزيني 29 عامًا، لكن بنهاية الموسم كان ميلان متوجًا بلقب ذات الأذنين، ولا يجرؤ أي مشجع كروي عادي – وليس ميلاني – إلا أن يتذكر هذا الموسم باعتباره حقبة ذهبية «بمفرده».

حينها، كان كل من يطالب إدارة الفريق بتجديد الدماء، أشبه بالمجنون الذي لا يقدر «النعمة»، فالفريق قهر اليونايتد بالثلاثة، وثأر من الريدز في النهائي، وحقق لقبي السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية، لكن المتابع الجيد لهذا الموسم تحديدًا يدرك أن السبب الرئيسي هو أن «الجرينتا» هذه المرة تمثلت في لاعب عظيم هو ريكاردو كاكا، حمل الفريق على أكتافه وتوج بالكرة الذهبية بعد مستوى خيالي كان من خلاله هداف دوري الأبطال بعشرة أهداف، وغضت النظر عن إشارات بدت واضحة أن هذا الجيل قد وصل للنهاية فعلًا، وحان وقت تغييره.

ولأن الانهيار لا يتأخر كما ذكرنا سلفًا، فقد حمل الموسم التالي صدمة لـ «الميلانيستا»، باحتلال المركز الخامس في الدوري، وبالتالي عدم المشاركة في الأبطال للموسم الجديد 2008-2009، ولم يتمكن حامل اللقب سوى للوصول لدور الـ16 ليلقى حتفه بشكل مخزٍ في سان سيرو أمام «شباب أرسنال»، وتحديدًا في العشر دقائق الأخيرة من المباراة، بعد كرة سددها فابريجاس وسكنت شباك حارس «عاجز»، يدعى كالاتش، كنت شاهدًا على اختياره لأسوأ من حرس مرمى ميلان في كل استفتاءات صفحات مشجعي الفريق عبر «فيس بوك».

وبعد كرة أخرى تفوق فيها والكوت ابن الـ19 ربيعًا آنذاك، على كالادزة صاحب الثلاثين عامًا وقتها، ليطلق رصاصة المدافع الشابة على كهول الروسونيري، لعلهم يدركون أخيرًا أن كاكا لا يمكن أن يفوز بمفرده، وأن الفريق يعاني كلما لعب مع فريق يعتمد أسلوبه على السرعة، وأن اللاعبين فعلًا قد وصلوا للنهاية، نهاية المجد ونهاية المسيرة معًا، وكأن إدراك ذلك كان لابد أن يكلف سنوات عجافًا حتى فاز الفريق بأول بطولة بعد نحو 4 سنوات، وهو سكوديتو 2011.


بالوتيللي وبيرلو.. «إنجاز» نهائي 2012

يورو 2012، كان نسخة مصغرة ووافية في آن واحد، من «الجرينتا» الإيطالية، بداية البطولة الجميع يتوقع معاناة الأتزوري، فلا يوجد نجوم مثل الماضي، والمدرب برانديلي ينتهج أسلوبًا لم تلعب به إيطاليا طوال تاريخها.

مباراة الافتتاح، إيطاليا تقدم أداءً قويًا أمام الإسبان – أقوى فرق العالم آنذاك – وتتعادل 1-1، الجميع يصرخ: «إيطاليا رائعة»، «إيطاليا مرشحة للبطولة»، مباراة ثانية ضد كرواتيا، وتعادل جديد 1-1 بعد أداء هزيل، أتبعه انتصار بثنائية نظيفة ضد أيرلندا، ثم مباشرة تبدأ «الجرينتا» فصلها الجميل وقتها والبارد كثيرًا بعدها.

مباراة كبيرة أمام إنجلترا في ربع النهائي، كان بطلها بيرلو، بعدما صال وجال بفريقه وكان الهدف الوحيد لرفقائه ولخصومه معًا، إنجلترا تريد إيقافه، وزملاؤه لا يعرفون ما يفعلون سوى التمرير له، أداء كبير من أندريا اختتمه بصورة تظهر بعضاً من سحره وهو محاصر من ثلاثة لاعبين إنجليز، وبركلة جزاء أعادت إيطاليا للمباراة ومنحتها الثقة اللازمة للعبور للدور المقبل.

قالها أليساندرو ألتوبيلي في الأستوديو قبل بداية المباراة.

اعتبرته مجنونًا، نعم الطليان هم عقدة ألمانيا، بل إنني قرأت أخبارًا تظهر احتفالات الصحف الإيطالية بالوقوع مع «المانشافت»، لكن لا يمكنك الثقة بهذا القدر وأنت تواجه منتخبًا أقوى منك.

في النهاية كان ألتوبيلي على حق، إيطاليا فازت من جديد على ألمانيا، ولو كان الأمر اعتياديًا، فصدقني ليس للعقدة علاقة بالموضوع. حسنًا قد تكون لعبت دورًا، فلاعبو ألمانيا ظهروا مفزوعين بلا سبب، لكن «الجرينتا» كانت اختارت «سوبر ماريو» ليكون بطلها، هدفان واحد منهما إعجازي كانا كفيلين بوصول الطليان إلى النهائي ليبدأ الفصل البارد، ولأتأكد أن ألتوبيلي لم يكن على حق 100%.


رباعية إسبانيا وفصل المونديال البارد

«سنفوز على ألمانيا وبالوتيللي سيسجل»

رباعية نظيفة سجلها ثيران إسبانيا كأنهم ينتقمون أخيرًا من المنتخب المتفوق في مواجهاته المباشرة مع الجميع في أوروبا، لم يكمن الفصل البارد في النتيجة، بل في حالة «العجز» التي ظهر عليها المنتخب ككل، برانديلي واللاعبون، عجز ظهر بحركة شطرنج واحدة من المدرب دل بوسكي، ضغط شديد على بيرلو حتى لا تخرج الكرة بسهولة منه، ومن حسن حظه ومن سوئه للطليان، فإن «الجرينتا» هذه المرة لم «تلبس» بالوتيللي، ليبقى الجميع يبحث في الميدان عن الفريق الذي لعب كرة ثورية هجومية، ووصل للنهائي وأرهق الإسبان نفسهم في مطلع البطولة، والجواب يظهر من جديد، أشد وضوحًا هذه المرة في فصل آخر بمونديال 2014.

رغم أن النهائي كان صفعة لإيطاليا التي نادرًا ما تظهر عاجزة بهذا الشكل في أي مباراة، ورغم أن النتيجة 4-0، ورغم أن بيرلو بكى كثيرًا بعد المباراة، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا حتى يفهم الطليان نفسهم أن الوقت قد حان للاعتراف بأن منتخبهم يعاني، بل خرج الجميع يشيد بالفريق، وكيف أنه وصل للنهائي رغم قلة الأسماء الكبيرة. المشهد كله يتوقف هنا، الوصول للنهائي.. ماذا جرى بعدها؟ لا يهم، بل لا نتذكر حتى، وبالتالي الفصل البارد جاء أشد قسوة بخروج من الدور الأول في مونديال السامبا 2014، بعد هزيمتين أمام أوروجواي وكوستاريكا سبقتهما نقطة افتتاحية ضد الإنجليز.

لعل كونتي هو العنصر المرجح في يورو 2016، حالة كاكا مع ميلان 2007 وبيرلو وبالوتيللي في يورو 2012، لكن إيطاليا بحاجة للثورة، منذ فوزها بمونديال ألمانيا 2006، حاجة ظهرت كثيرًا على مستوى الأندية التي تعتمد قوتها على فرد يكون «الجرينتا» الخاصة بهم، ولنا في إنتر بعد رحيل مورينيو أكبر عبرة.

ربما كان لدى كونتي القدرة على تأهيل الأتزوري للمونديال، لكن حينها لم أكن لأضمن خلوه من فصل بارد جديد، ينتهي بخروج من الدور الأول، وخاصة أن تظل إيطاليا كما هي تنتظر «الجرينتا».



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.