لا أنكر أبدًا عشقي لقصص الرعب، بل إنني حاولت في بدايتي أن أكتب روايات مرعبة على غرار ما يكتبه العزيز الراحل د. أحمد خالد توفيق، لكن كتاباتي دائمًا كانت تجنح للفلسفة والترميز، لذا تركت الرعب لسادته، وفضلت أن «آخذ راحتي» في عوالم اكتشفت أن لها وجودًا أعمق في تركيبتي النفسية. لطالما اعتبرت نفسي «أليس» والكتابة هي رحلتي الحرة إلى بلاد العجائب بلا حدود أو تصنيفات لما سوف أراه هناك.

لكن على الرغم من الشعبية الحالية لأدب الرعب، فإن أغلب من يدّعون الثقافة لا يعتبرون الرعب صنفًا من الأدب، وإنما هو «قصص» من الدرجة الثالثة تهدف للتسلية فقط. وكأن الأدب لا بد أن يكون كثيفًا مظلمًا معقدًا خاليًا من أي ترفيه أو تسلية!

هكذا صارت الروايات «الواقعية» نوع الأدب الوحيد المعترف به من قِبل المثقفين العرب، أعتقد أن ذلك قد يرجع إلى ميل العرب في الماضي إلى نسبة أي حكاية لشخص ما وادعاء أنها قد حدثت له فعلًا، فهكذا تصبح الحكاية أكثر منطقية وشعبية وقدرة على التصديق. تجد في تراث القصص العربية القديمة عددًا كبيرًا ممن نسبوا إليهم قصصًا لم تحدث، وامتدت تلك القصص ذات الطابع الخيالي أو الما ورائي حتى تم نسبتها للنبي محمد، صلى الله عليه وعلى صحابته وسلم.

لكن «الرعب» في مصر له وضع خاص جدًّا وتيمات محدودة، تنسب أغلبها للجن القدرة على مس البشر والتلاعب بهم، أما فكرة أرواح الموتى التي تعود للانتقام أو لتسوية أمور دنيوية لم تسوَ فهي مرفوضة إلى حد ما. ربما يرجع ذلك إلى محاذير دينية بخصوص «الروح» التي لا يعلم أحد عنها شيئًا إلا الله.

لكن بالعودة إلى عصر قدماء المصريين، تحديدًا في فترة الأسرة التاسعة عشرة والعشرين، نجد قصة أدبية من أدب الرعب، لم يزعم كاتبها أنها حدثت بالفعل، وهي تتميز بأسلوب شعري يتخلله النثر. وهي قصة الكاهن «خونسو محب» التي تم جمعها من أربع برديات متناثرة في عدة متاحف في أوروبا. القصة تنقصها بعض الأحداث التي لم يجدها الأثريون فيما وجدوه من برديات وتنقصها النهاية.

تتلخص القصة في أن الكاهن «خونسو محب» قابل روحًا هائمة أثناء وجوده في مدينة الموتى، وأن تلك الروح هي روح محارب من جيش الملك منتوحتب. تشكو الروح أنها تخشى الضياع للأبد بسبب تهدم مقبرتها.

يعد الكاهن الروح أن يعيد بناء المقبرة، لكن الروح تأبى أن تقتنع، فأين لـ «خونسو محب» بالمال لبنائها. وظنت الروح أن الكاهن لن يفعل شيئًا لها وسينسى، لكن «خونسو محب» يبحث عن المقبرة ويجدها، وينتهي النص عند عودة الكاهن لمدينة الموتى مرة أخرى، فباقي النص، كما ذكرت، مفقود.

لذا، أعتقد أن المحاذير الدينية قد تكون عائقًا أمام تنوع محتوى أدب الرعب العربي، أو على الأقل، قد تقف حائلًا أمام تقبل المتدينين قصصًا قد تحوي أرواحًا غاضبة أو أمواتًا عادوا للحياة.

يظل د. أحمد خالد توفيق من أكثر الكتاب غزارة في كتابة ذلك النوع الأدبي، وقد حاول تغطية أغلب مفردات الرعب دون مساس بالدين، إلا أن تلك الروايات تظل بعيدة عن نظر بعض المثقفين من جهة، وبعض المتدينين من جهة أخرى.

كذلك تُعتبر أغلب الأفلام المصرية من نوعية «الرعب» محدودة بفكرة «الجن»، أشهرها «الإنس والجن» و«التعويذة». وكانا فيلمين غير مبهرين سينمائيًّا ينقصهما الكثير ليُعْتَبَرَا تجربتان سينمائيتان حقيقيتان. بينما يقف فيلم «الفيل الأزرق» وحده في مرتبة متقدمة في اكتمال عناصر الفيلم وتميزها، وإن لم يبتعد الفيلم عن تناول قصص الجن. وأعتقد أن هذا التناول جعل الفيلم قابلًا للتصديق عند المشاهدين مع تنوع خلفياتهم الثقافية والدينية.

دخلت حديثًا تركيا في سباق أفلام الرعب ذات الطابع الإسلامي، فاستبدلوا بالقس في الأفلام الأجنبية الشيخ الذي يخرج الجن. بعض تلك الأفلام جيد فعلًا وبعضها يندرج تحت بند «الفزع» الذي تسببه الإضاءة ونقلات الكاميرا والصراخ دون وجود حقيقي لقصة أو حبكة.

على الرغم من كل هذا، لا أجد متعة تضاهي فيلم رعب جيد مع صديقتي وكوبي قهوة وفيشار، ذلك «العو» الذي يعدنا بساعتين من دقات القلب السريعة والتشبث بملابس بعضنا فزعًا. ثم النوم كالموتى لصباح اليوم التالي. الشعور الطاغي بالتطهير الذي كنت أشعر به أيضًا مع روايات العراب في طفولتي ومراهقتي.

وهذه قائمة ببعض أفلامي المفضلة لو قررت تجربة ليلة رعب سينمائي:

The conjuring

The omen 1976

The shining 1980

The exorcist 1973

El espinazo del diabolo 2001

Carry 1976

The birds 1963

The babadook 2014

The exorcism of Emily Rose 2005

Silent hill 2006

والآن أخبرني، من «العو» الذي تحبه؟



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.