منذ خمسة أعوام احتشدت الملايين بميادين المحروسة، مجتمعين على هتاف مقتضب لا يحمل في طياته الكثير من الفلسفة أو التنظير عيش حرية عدالة اجتماعية، وتبعتهم لاحقا الكرامة الانسانية، كرة الثلج بدأت عند الحرية، وأطلقتها غيبة العدالة، لن ينسى أحدنا خالد سعيد، الأيقونة الروحانية للثورة، هناك عند دماء هذا الشاب المغمور لم تحمل روحه في صعودها شعارا اقتصاديا أو ماديا، فقط زرعت في نفوسنا غصة انتهاك الكرامة وغياب العدالة، فولدت رغبة الحرية.


كرة الثلج تبدأ بالكرامة

بعد خمس سنوات حملت في طياتها الكثير والكثير، وأجبرت هتاف يناير على الصمت يأسا أمام قسوة الواقع، وصعدت ارواح عديدة لتتبع روح خالد سعيد في صمت.



جاء حذاء أمين شرطة ليدهس الكرامة مجددا، رأس طبيب المطرية الشاب تحت حذاء رجل الأمن في حماية سلاحه وعصبته، ليعلنها صارخة أننا في جمهورية حاتم

كرة الثلج تكبر، والأطباء يقررون رفض التسويات الودية ويتمسكون بإعلاء القانون وتجنب خطأ يناير القاتل في عدم الاقتصاص العادل للكرامة المنتهكة، وهنا تجلّت واقعية الثورة المولودة من قلب أحلام يناير الأولى، (مهنية، مهنية، مهنية)، هتاف ضجّت به قاعات دار الحكمة لتعلن درجة جديدة من الوعي تعلمتها أحلام الثورة، فالعيش والحرية والعدالة لن تنتزع من خلال تنظيرات سياسية انفض الناسُ من حولها في أيام الثورة الأولى، بل إن روح الثورة في تجردها ونباتها من الأرض الصلبة المتسعة لأصحاب المشكلة، الكرامة كانت أرضا يشترك فيها جميع الأطباء على كل انتماءاتهم، ويشترك الأطباء فيها مع السواد الأعظم من الشارع المصري على كل انتماءاتهم أيضًا، ومن تلك الأرض الخصبة انطلقت نقابة الأطباء في مسيرة يوم الكرامة -كما أسماه الأطباء- وعلى خلاف كل الجمعيات العمومية السابقة -والتي بالكاد يكتمل نصابها رغم اهتمامها بالحقوق المادية للأطباء- فوجئ الشارع المصري كله بما تجاوز العشرة آلاف طبيب يتوافدون على دار الحكمة، في احتشاد هو الأكبر نقابيا في تاريخ الأطباء -إن لم يكن في تاريخ النقابات المهنية المصرية- واحتشاد هو الأكبر في سنوات حكم النظام الحالي، بلا شعارات سياسية، فقط أعين غاضبة تبحث عن كرامتها وعن العدل المفقود، وتعاطف المارة في الشوارع بعد شهور من سيطرة المخاوف الأمنية على تقبلهم لأي حراك احتجاجي، رغم توقف شارع قصر العيني تماما لساعات نظرا لاضطرار الأطباء اللجوء إليه بعد التضييقات الأمنية التي حالت دون انعقاد الجمعية بأي من القاعات الكبرى التي تستوعب تلك الأعداد.



لا يعنيني كثيرا تفاصيل قرارات الجمعية العمومية، ولكن يعنيني لقطات مثل رفض الأطباء للمحاكمات العسكرية للمدنيين، انحياز الأطباء إلى المرضى، وإدراك أن معركة الكرامة هي معركة الشعب ضد العدالة الغائبة

صحوة وتضامن النقابات المهنية والعمالية وأعضائها، بجانب نظرات التعاطف الواضحة في الشارع البسيط على الرغم من الهجمة الإعلامية المسعورة، ينبئان بجولة جديدة رأس حربتها في ضربة البداية كانت دار الحكمة، وجيشها هو المجتمع غير المسيس الباحث عن حلم يناير المفقود.

عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية.