شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 40 من الأمور المهمة التي انتبهت إليها قبل فترة، أن الأوربيين في العصور الوسطى لم يكونوا يعرفون ما تحتويه كتبهم المقدسة لأنها مكتوبة بلغة لاتينية، وهم لم يكونوا يتحدثون بهذه اللغة فيما بينهم؛ لذلك ظل الكتاب المقدس وتفسيره والاستدلال منه حكرا على طبقة اجتماعية هي طبقة رجال الدين. والتغيير الذي قام به مارتن لوثر هو أنه أنهى احتكار رجال الدين للكتاب المقدس وقام بترجمته للغة يفهمها عامة الشعب، وكانت الصدمة حيث اكتشفوا كم الخرافات التي يحتويها هذا الكتاب. بالنسبة لنا نحن المسلمين فإنه لم يكن ولن يكن هناك حاجز بيننا وبين كتابنا المقدس (القرآن الكريم)، فنحن نتعبد الله بتلاوته ونقرأ منه في صلواتنا المفروضة خمس مرات ويختمه بعضنا شهريا، وأحيانا أسبوعيًا، ولذلك فإن ترجمة معنى القرآن لن يكون لها نفس المفعول لأننا باختصار نتحدث بلغة القرآن نفسها ونفهمها ألا وهي العربية بل إن قواعد لغتنا المعاصرة تعتمد أساسا على القرآن كمرجع. ولذلك عمل أتاتورك ومن معه على إبعاد الأتراك عن لغة القرآن الكريم بكل قوة وحارب كل الكلمات العربية في التركية والأسماء العربية للأتراك، وحارب تعليم اللغة العربية ومدارس الأئمة والخطباء وعمل على إحداث حاجز ضخم بين الأتراك وبين العربية، وبذلك نجحت الأتاتوركية في زرع العلمانية الغربية والحداثة في عقول وقلوب الأتراك في حين فشلت هذه التجربة على يد جمال عبد الناصر رغم عدم وجود فارق في آليات التطبيق بين النموذجين، إلا أن ما حال فعلا بين عبد الناصر والنجاح؛ هو إلمام الناس بالعربية وقدرتهم على قراءة القرآن في كل وقت، ولذلك كان النجاح الناصري العلماني نجاحا مؤقتًا وانتهى مفعوله مع الهزيمة العسكرية في 1967م، وكانت نهاية الناصرية هي نهاية أول وآخر تجربة علمانية عربية ناجحة. تفطن العلمانيون المتطرفون لهذا الأمر لذلك وجهوا ضرباتهم نحو السنة النبوية، والحق يقال أن في كتب السنة الكثير من الملاحظات والأحاديث التي تحتوي على الغرائب، ولكن كانوا يتحركون لهدم السنة ثم الانطلاق لهدم القرآن ولكن انبرى لهم علماء فردوا على ما طرحوه من شبهات حول السنة فأجابوا على أكثر أسئلتهم التشكيكية كما في محاولات مصطفى السباعي في كتابه ’’السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي‘‘. ولما كانت السنة أصلا تحتوي على مراتب في الأخذ والرد فهناك الصحيح والضعيف والمعلق والمنقطع، وأدرك العلمانيين أن المجتمع لا يزال يطمئن إلى النص ولا يشكك فيه ولن يدخل في الصيرورة التي يطمحون إليها ويعتبرونها كحتمية تاريخية (إصلاح ديني ثم ثورة على الدين ثم علمانية كاملة)؛ توجه نقدهم إلى التراث الإسلامي من كتب الفقه والعقائد؛ فدخلوا في بطون كتب التراث تنقيبا فجاؤوا بكل قول غريب وقالوا هو الإسلام الذي نؤمن به وصار كل مدعٍ منهم مفكرا إسلاميا. بل وحاولوا استخدام الهيرمنيوطيقا (علم التأويل) لمحاولة تحريف معاني القرآن فحاولوا تفسير القرآن بتفسير غير الذي نؤمن به مثل المحاولة التي قال بها نصر حامد أبو زيد في كتاب دوائر الخوف والتي قال أن الحجاب المقصود في قوله تعالى: ’’وليضربن بخمرهن على جيوبهن‘‘ هو تغطية الجيوب، وهي مكان التقاء العضوين (فتغطي المرأة الثديين والفخذيين والمؤخرتين ومحل التقاء عظم الكتفين في الظهر ولا تغطي أي مكان آخر مثل الشعر والذراع والركبة). محل خلافي مع التنويريين أنهم يرون العلمانية والحداثة حتمية تاريخية، وأنا متفق معهم على الإصلاح الديني، ولكنني رافض لما يسمونه بالتنوير لأن التنوير الذي دعا له إيمانويل كانط هو أن يكون الإنسان مستقلا في سلوكه وتصرفاته عن كل ما سواه وهذا شامل لأحكام الشرائع الإلهية وغيرها من التقاليد الاجتماعية المفروضة عليه وهذا التعريف الكانطي للتنوير تجلى في الحضارة الغربية الحديثة في مفهوم الحرية الشخصية التي لا تعبأ بأي شيء فلولا هذا التنوير الذي أبطل الواجب الأخلاقي وجعل الأخلاق المعاصرة ناتجة عن اجتماع إرادات البشر وليست شيئًا ثابتا مطلقا ًبل مجرد أمر نسبي ومثال على ذلك ما شاهدنا من إقرار قانون حق الزواج المثلي في أمريكا كمثال وقوانين الإجهاض والموت الرحيم وقانون تعليم قيادة السيارات مقابل الجنس في هولندا. العلمانية ليست حتمية تاريخية ولا أساس للنهضة كما تزعمون بل حتى الديمقراطية نفسها ليست أساسًا للنهضة فكثير من الدول الديمقراطية العلمانية اليوم في العالم الثالث هي دول فاشلة أو قريبة من الفشل في أمريكا الجنوبية وآسيا وأفريقيا ولازالت الصين الديكتاتورية الشمولية تتقدم باطراد لتحل محل الولايات المتحدة الأمريكية فالعبرة بالتقدم والتنوير الحقيقي هي الإهتمام باصلاح التعليم أولا على مستوى المناهج وعلى مستوى البيئة التعليمية وانتاج منظومة تعليمية تخرج العظماء ثم باصلاح شامل للمنظومة الإقتصادية ومكافحة الفساد وتحويل الإقتصاد إلى إقتصاد انتاجي بدلا من الإعتماد على موارد غير متجددة كالنفط والمعادن أو على إقتصاديات خدمية مثل إقتصادات النقل أو السياحة، وهذا في رأيي هو التنوير الحقيقي لا الجري وراء سراب المنظومة الغربية وأوهامها كما فعل العلمانيون الأتراك مثل أحمد آغا أوغلو الذي دعا لنأخذ من الغربيين كل شئ حتى النجاسات التي في بطونهم والسل الذي في صدورهم. قد يعجبك أيضاً بؤس اليسار التآمري: تحليل «الثورات الملوّنة» نموذجًا السيناريوهات الإسرائيلية في مواجهة البرنامج النووي الإيراني لماذا يكرهون تاريخ مصر العثمانية؟ تميم البرغوثي وكُلفة الموقف المُركّب شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram وائل علي نصر الدين Follow Author المقالة السابقة ما بعد الثورة التونسية المقالة التالية سياسات اليأس: تركيا والإسلام الديموقراطي في عالم تائه قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك صوت المعارضة الذي لم تجده ميركل 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك مطلب تقنين الشريعة ومعركة الاستقلال الحضاري 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك البوركينى موضة جديدة وليس رمزًا دينيًا 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف نصنع مريض اكتئاب؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الأسماء والمسميات ومنهجية الحركة الحيوية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك تيموجين: الإمبراطور اليتيم جنكيز خان 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك مريم وأخواتها في مملكة الرجال الإسلامية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الانقلابات العسكرية في جمهوريات الموز 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «سابع جار» وتزييف الواقع 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك جذوة الصلب والترائب: قراءة في شعر الأنوثة عند جيهان بركات 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.