ما رأيك في التجربة البلجيكية التي أخرجت الجيل الحالي؟ تبدو مناسبة لنا تمامًا.

لم تكن بلجيكا يومًا قوة كبيرة في كرة القدم. يخلو تاريخها من أي بطولة كبرى، بل كان حضورها للأحداث العالمية محل شك، حتى بدأت تجربتها المثيرة، والتي كان نتاجها لاعبون مثل لوكاكو وديبروين وهازارد.

تحول منتخبهم إلى واحد من أفضل منتخبات العالم، ومرشحًا دوريًا لحصد البطولات، ولم يعد وجوده في نهائي كأس العالم مفاجأة.

النموذج الألماني مبهر أيضًا، الفوز بكأس العالم 2014 كان تتويجًا لنجاح المشروع الذي أخرج مئات المواهب، وحتى لو كان يستلزم وقتًا طويلًا، ما المشكلة إذا كانت النتيجة أن تتوج مصر بكأس العالم؟

قد نجمع أفضل ما في النموذجين، أو نستعين بنموذج إنجلترا «

England DNA

». رأينا نتائجه بالطبع مع جيل المواهب الحالي والذي جعل إنجلترا مرشحًا للفوز في كل البطولات مؤخرًا.


لكن لماذا نفكر في الاستيراد من الخارج؟ لماذا لا ننظر إلى تجربتنا الشخصية؟ ستكون إعادة إنتاج الجيل الذهبي أمرًا سهلًا إذا كررنا الخطوات نفسها. لا حاجة للتفكير في بلجيكا ولا ألمانيا، لنعد 20 عامًا للخلف ونعيد ما فعلناه، وسيكون الأمر في المتناول.

دعنا نلقي نظرة أوسع لتاريخ الكرة المصرية ثم نعود لخطة الإنقاذ.


تاريخ حافل

التاريخ يكرر نفسه مرتين: الأولى كمأساة والثانية كمهزلة. مؤخرًا ظهرت الثالثة على هيئة منشورات فيسبوك. هل تريد التأكد؟ تابع صفحات الرياضة المصرية عقب خسارة المنتخب في أي لقاء وإن كان وديًا، ستجد مباراة البرازيل تتصدر الحدث بصحبة موسيقى حزينة وقلب مكسور.


يخلق ذلك شعورًا بأن تاريخ كرة القدم المصرية كان تكرارًا طويلًا لمباراة البرازيل، رغم أنها لحظة شديدة الاستثنائية، وإلا لما اكتسبت تلك الأهمية.

هذا ما تفعله النوستالجيا دائمًا، لا مجال فيها للمنطق أو التفكير، فقط الكثير من المشاعر، ومشكلة النوستالجيا أنها لا تقدم الصورة كاملة، بل تنتقي منها ما يخدمها فقط.


تجول بذاكرتك بعد أيام قليلة من مباراة البرازيل ستتذكر مباراة أمريكا، أيام أكثر ستقابل مباراة أم درمان، ولو قررت العودة بضع سنوات للخلف، ستجد منتخب مصر في أمم أفريقيا 2004 حين كان الفريق الأسوأ تقريبًا بين فرق البطولة.

ولو طفوت قليلًا لتلقي نظرة شاملة على التاريخ، ستجد 3 مشاركات في كأس العالم طوال 21 نسخة، لم يكن الأداء في أي منها يوحي بأي عظمة أو تفوق.

هذا ليس تقليلًا من منتخب مصر، لكنه فقط تذكير بأن الوضع الحالي الذي وصل فيه المنتخب لنهائيين من آخر 3  ليس سيئًا للدرجة قياسًا على تاريخ منتخب مصر، الذي لم تكن فترة الجيل الذهبي هي الأصل فيه، بل جاءت كاستثناء يثبت القاعدة لا ينفيها.

رغم ذلك وإذا اعترفنا بأن الجيل الذهبي كان طفرة، فلما لا نكررها؟ فقط سنتبع الخطوات نفسها وسنحصل على النتائج نفسها، أليس كذلك؟ هيا نبدأ.

الجيل الذهبي نموذجًا

حاولنا البحث بالفعل عن توثيق لبناء هذا الجيل فلم نجد للأسف، كل ما وجدناه أن حسن شحاته جاء كمدرب مؤقت ليخلف تارديللي، وحين فاز في التصفيات، تقرر تمديد تعاقده، هكذا ببساطة.

لم يكن لاعبو هذا الجيل من فئة عمرية واحدة كذلك، واختلف مشوار كل واحد منهم تمامًا عن الآخر، وقادت مئات الصدف هذا الجيل للاجتماع في وقت واحد.

ماذا نعني؟ هناك ما يسمى بـ«

مغالطة السردية The Narrative Fallacy

»، وهي محاولة جمع الأحداث في قصة عقلانية مرتبة أكثر من اللازم، تظهر فيها كل خطوة كأنها نتيجة منطقية لما سبقها، بحيث يملأ الإنسان فراغات القصة بما يلائمها دراميًا بحيث تخرج سردية مكتملة يسهل فهمها وتذكرها.

بشكل أكيد، فالجيل الذهبي لم يتكون عن قصد، ولم يكن سوى مجرد طفرة حدثت بشكل عشوائي تمامًا دون أي تدخل، الحياة عمومًا والرياضة خصوصًا مليئة بالعشوائية التي لا يمكن التحكم بها.

مجرد طفرة كتلك التي أخرجت محمد صلاح منذ 10 سنوات ليصبح من أفضل لاعبي العالم، ولم نتمكن من تكرارها حتى الآن رغم المحاولات الجادة.


فلذلك لن يكون بإمكاننا للأسف استنساخ الجيل الذهبي لأننا لا نعرف الطريقة، وسنضطر إلى استيراد إحدى التجربتين الألمانية أو البلجيكية، ونحن نفضل البلجيكية لأنهم يلعبون كرة قدم ممتعة على عكس الألمان الذين يمارسون كرة قدم منضبطة أكثر من اللازم، ولن يحب الشعب المصري أي شيء يتعلق بالانضباط.

إذن هي التجربة البلجيكية، يبقى سؤال واحد مهم: من يقود الرياضة المصرية خلال المشروع؟

نظام التفاهة

لابد أن يُقال جمال علام. نحن نتفق معك، لم يقدم الرجل أي شيء للكرة المصرية، كما يفتقد لأي قدر مقبول من الذكاء، وهذه مشكلة كبرى. لا يجيد الرجل أن يتظاهر ويكذب وهذه مشكلة ضخمة إذا عملت في الرياضة المصرية.


لكن من يخلفه؟ الوجوه القديمة كلها لن تقدم شيئًا، لم يكن أحمد مجاهد أو عمرو الجنايني أو هاني أبو ريدة أفضل منه كثيرًا، الأخير تحديدًا كان الأسوأ باعتباره الأكثر شهرة بينهم، وكان المتوقع منه أكثر مما فعل.

هل تعلم أين تكمن عبقرية هاني أبو ريدة؟ ليست في نفوذه ولا علاقاته، ولكن في أن الرجل يفعل كل ذلك وهو محدود القدرات «mediocre» كما يحب

«آلان دونو» الفيلسوف الكندي تسميته.

أبو ريدة ليس وحيدًا، تسبح كرة القدم المصرية بمختلف مجالاتها في بحر من هؤلاء، تابع سيف زاهر ومهيب في الإعلام، أو طارق يحيى في التدريب، أو ميدو في كل المجالات، ولن تعاني كثيرًا في تذكر المئات غيرهم.

لكن المشكلة طبقًا لـ «آلان دونو» ليست في مجرد وجودهم، لكن في أن نظامًا من المحدودين لا ينتج إلا محدودًا آخر، وأي محاولة لوجود شخص متميز بينهم، سيكون نتيجتها إمّا أن يتكيف ويصبح مثلهم، وبالتالي ينخرط في المنظومة، أو يحافظ على تفوقه فتتقلص فرصه تمامًا.

وبالتالي فإن رحيل اتحاد الكرة سيعني أن يختار مجموعة من المحدودين هم أعضاء الجمعية العمومية محدودًا آخر ليرأس اتحاد الكرة، ويختار هذا المحدود مدربًا، على الأغلب سيكون اختيارًا عشوائيًا دون أي منطق، وعلى الأغلب سيفشل، فيستقيل الاتحاد ليأتي غيره، وهكذا في متوالية لا تنتهي.

خطة إنقاذ

هل هذا ما تنتظره؟ نحن ننتظره أيضًا، لكن نأسف لذلك، لا نمتلك حلًا لنقدمه، وكل الحلول التي كتبها غيرنا وإن كانت رائعة وعظيمة ومثيرة فلن تغير من الأمر شيئًا.

لا تكمن المشكلة في جمال علام ولا إيهاب جلال، المشكلة في النظام كما يقول الريس برايز. قد نتعاقد مع مدرب أفضل من إيهاب جلال وقد نحصل على رئيس اتحاد يجيد التظاهر والكذب، لكن لن يتغير الوضع كثيرًا.

فماذا نفعل؟ علمتنا مصر أن ننتظر في هدوء، لا يمكننا أي شيء، فقط أن ننتظر طفرة قادمة، والصدفة وحدها هي القادرة على ذلك، أي محاولة للعمل على إنتاجها ستبوء بالفشل.

هل تذكر مشروع الـ 1000 صلاح، كان هذا محاولة لتكرار الطفرة، لكنه وقع تحت يد ميدو، ميديوكر آخر يجيد التظاهر بأنه ليس كذلك، فطال انتظار الـ 1000 صلاح، والمتوقع أننا سنحصل قريبًا على 1000 ميديوكر جديد ينتشرون في أندية الدوري المصري.


ولذلك، إذا قرأت أي خطة لإنقاذ الكرة المصرية، فلا تهتم، مشكلة الكرة المصرية أعمق من ذلك، والحياة مليئة بالميديوكرز الذين يفسدون كل شيء.

قبل نهاية المقال، فكرنا أن نعتذر عن خداعنا لك حين لم نقدم طريقة مدهشة لنهضة الكرة المصرية كما وعدناك في العنوان، لكن تراجعنا عن الأمر، إذا خدعك عنوان كهذا فأنت تستحق الخداع، ليلة سعيدة.