التانغو تعبّر بشكل صائب عن الصفة الأساسية لشخصية الأرجنتيني: المرارة، النوستالجیا، النزوع إلى التأمل، خيبة الأمل، الأسى

هكذا يربط الكاتب الارجنتيني

إرنستو ساباتو

بين التانجو كرقصة نشأت على يد عمال العاصمة الأرجنتينية بيونس إيرس في القرن التاسع عشر وبين الشخصية الأرجنتينية الحزينة الحالمة كما يراها ساباتو بصوره فلسفية، وكما يبرهنها الأرجنتينيون أنفسهم بانفعالاتهم وصخبهم وعشقهم المتطرف للجمال.

وتماماً كرقصة التانجو نمت كرة القدم في الأرجنتين، داخل الأزقة والحواري الفقيرة، كرة القدم في الأرجنتين هي فن التحكم في أضيق حيز متاح، المراوغة والمرونة والإبهار، أنجبت ميسي ومارادونا ولا عجب أن تُعامل الكرة هناك بقدسية دين له قواعده ونصوصه.

حسناً، تتشابه رقصة التانجو مع شكل الكرة كثيراً في الأرجنتين إلا أن كرة القدم تتعدى خصوصية المكان، كرة القدم تتطور سريعًا، تأخذ وتعطي، تبدو بسيطة من ناحية ومعقدة من الأخرى ولذا كان من الضروري أن تنجب الأرجنتين أيضاً هذا الرجل:

جونزالو هيجواين

.

عام 2006 كان

اليخاندرو سابيلا

المدرب المساعد لفريق ريفربيلت حينئذ بصحبة

دانييل باساريلا

المسئول الأول عن الفريق لمشاهدة مباراة لفريق الشباب لانتقاء العناصر المميزة للعب في الفريق الأول، حينما صاح باساريلا مشيرًا نحو اللاعب رقم 10 جونزالو هيجوايين: «هذا اللاعب لديه مواصفات مهاجم رائع، لديه حدس لا يصدق نحو المرمى، لم لا يلعب كمهاجم في الفريق الأول؟» وقد وافقه سابيلا تمامًا.

بعد ثمانية أعوام سيقف اليخاندرو في ملعب الماراكانا بريو دي جانيرو بكامل أناقته كمدرب للمنتخب الأرجنتيني في نهائي البطولة الأهم على الإطلاق فاغرًا فاه غير مصدق أن هيجوايين أضاع لتوه إحراز هدف من انفراد تام بالمرمى، هدف كان سيكفل للأرجنتين لقباً ثالثاً لكأس العالم وسيكفل لسابيلا الخلود.


هكذا هو دوماً هيجوايين، محاطاً بالجدل والأسئلة، المهاجم صاحب الأهداف الاستثنائية مع فرقه المختلفة والرجل الذي يفقد رشده بقميص الأرجنتين أمام المرمى في المباريات الحاسمة ليضيع مجهود بلد بأكملها، تلاحقه اللعنات في بينوس إيرس ويقف له ملعب سان باولو احترامًا مرة وغضبًا الأخرى، ولكن لأي الجانبين ينتمي جونزالو.


في ريفربليت: لا أحد ينسى ما حدث

العداء المتبادل بين فريقي بوكا جونيورز وريفربليت في بينوس إيرس هو شيء أشبه بحرب أهلية تخمد نيرانها على مدار العام وتتأجج في كل مرة يتقابل فيها الفريقان. يُحكى أن أحد مشجعي البوكا قضى حياته بالكامل في معاداة الريفر وجماهيره ثم طلب وهو على فراش الموت أن يُلف جسده براية الريفربلات ثم ابتسم قائلاً: هكذا يصبح الميت واحدًا منهم.

هكذا تستطيع أن تتخيل شكل مباريات السوبر كلاسيكو بين قطبي الأرجنتين، أما إذا كنت أحد لاعبي الفريقين فأنت لا تتمنى أكثر من هدف ذي طابع أرجنتيني خالص يحفر اسمك في قلب محبيك للأبد. وهذا ما حدث في المومونتال في الثامن من أكتوبر عام 2006 حينما استطاع المهاجم الأرجنتيني الشاب أن يحرز ثنائية فريقه ريفربليت أمام الغريم التقليدي. هدف أحرزه بكعب قدمه وآخر راوغ فيه الحارس، هدفان جعلا اسم جونزالو هيجوايين يتردد في الأرجنتين بجنون حتى وصل إلى مسامع المهتمين بالعاصمة الإسبانية. هيجوايين هنا هو المهاجم كما تحبه الأرجنتين وكما نشأ هو الآخر، إلا أن القادم من الرحلة سيغيره كثيرا.

سيظل في قلبي وعقلي هدفي هيجوايين في البوكا، لا أحد سينسى ما حدث





تصريحات «دانييل باساريلا» المدرب الأرجنتيني.



في مدريد: سبعة أعوام من التقييم

قبل نهاية العام الذي شهد توهج نجم هيجوايين في الأرجنتين كان قد أتم تعاقده مع نادي ريال مدريد بإسبانيا. حل هيجوايين ضيفًا على راؤول أيقونة الريال وبصحبة فانستلروي القادم من مانشستر فلم يظهر هيجوايين بمظهر المهاجم الأساسي ومع بداية الموسم الثالث بدأ الأمر يختلف ففي ظل إصابة الهولندي رود فانيستلروي استطاع هيجوايين أن يبرز كمهاجم الريال الأساسي محرزاً 22 هدفاً.

الأرجنتيني جونزالو هيجوايين في ريال مدريد الإسباني.

الأرجنتيني جونزالو هيجوايين في ريال مدريد الإسباني.

إلا أن في الموسم التالي بدا شكل ريال مدريد في التغير فقد تم انتداب البرتغالي كريستيانو رونالدو ليميل ملعب البرنابيو تدريجيًا نحو اليسار. حافظ هيجوايين على غرازته التهديفية هذا الموسم وهو الأمر الذي ما لبث أن يقل تدريجيًا المواسم التالية بشراكته مع الفرنسي كريم بنزيما، حيث أصبح رونالدو الجناح الأيسر ماكينة الأهداف الاستثنائية هو جوهرة الفريق ونجمه الأوحد.

رحل هيجوايين إلى نابولي بعد سبعة أعوام قضاها بين جدران ريال مدريد يتعرض فقط للتقييم، هل يصلح كمهاجم أساسي؟ هل يصلح كثنائي جيد مع رونالدو؟ هل يستطيع خلق المساحات اللازمة في مرتدات مورينهو، رحل هيجوايين لأنه لم يكن محل ثقة جماهير الريال أبداً. سبعة مواسم غيرت شكل هيجوايين كثيرًا، فأصبح يقدر قيمة التحرك والمساحات وكرة القدم المتطورة إلا أنه فقد مع كل ذلك ثقته في كونه المهاجم الأساسي لفريق كبير.


تصريحات

«جوزيه مورينيو»


هيجوايين نابولي: صنيعة الأب الغاضب

قضي هيجوايين موسمين مع نابولي كرجل يحاول أن يجد نفسه مرة أخرى يطارده شبح الريال مرة والإخفاق الدولي مرات، هكذا وجده الإيطالي ساري عندما تولي قيادة نابولي في موسم هيجوايين الثالث. أعاد ساري لهجوايين ثقته المفقودة، بدأ يعتمد عليه كمهاجم الفريق الأبرز، وكانت النتيجة 36 هدفاً في الدوري الإيطالي في موسم واحد، رقم صمد لـ66 عاماً

حطمه هيجوايين

ليصبح صاحب الرقم القياسي لأكثر عدد من الأهداف في موسم واحد ليذهب بعدها إلى اليوفنتوس كصفقة تتسم بالجدل أيضًا وكأغلى صفقة تتم داخل دوري واحد.

سأعامله كابن جعل أباه غاضباً للغاية، أنت تغضب من ابنك ولكنك تسامحه في النهاية، أنا أيضا مدين له بعد موسمه الرائع معي، عندما رحل غضبت بالفعل لكن هذا أصبح من الماضي





تصريحات «ماوريتسيو ساري» مدرب نابولي.


هيجوايين يوفنتوس: في مصاف الكبار

جونزالو مهاجم مثالي، تحركاته هي أفضل ما يميزه، إنه يجعل الأمور سهلة على زملائه المهاجمين

الجدل يلازمه مرة أخرى، هيجوايين الذي استعاد بريقه في مدينة نابولي، بعد أن وقف له ملعب سان باولو احترامًا يقرر أن يصبح خائنًا جديداً، لم تصدق جماهير نابولي التكهنات التي امتدت لأكثر من شهر بصدد انتقاله للغريم يوفنتوس إلا أن هيجوايين قرر في النهاية ضرورة الوداع. في يوفنتوس أصبح هيجوايين في مصاف الكبار، ففي موسمه الأول أحرز أكثر من 20 هدفًا وهو ما لم يتحقق للاعب في موسمه الأول مع اليوفنتوس منذ 59 عاماً،

رقمًا آخر يحطمه هيجوايين

، المهاجم الأغلى في التاريخ نضج تمامًا وأصبح اسمه يتردد دومًا بين أهم ثلاثة مهاجمين في العالم، يسير بخطا ثابتة غير آبه بانتقادات البعض، مهاجم يشتم الهدف ويتحرك بمثالية ويتعاون مع زملائه ويحرز الكثير من الأهداف.

إنه يصاب بالجنون عندما لا يسجل أهدافاً، هذه هي طبيعته، في إحدى المباريات كنا معًا نجلس على مقاعد البدلاء، كان يأكل يديه من فرط التوتر، كان يردد يجب علي أن أسجل عندما أنزل إلى الملعب.





تصريحات «باتريس إيفرا».

ربما يكون جونزالو هيجوايين ليس بالنسخة الأفضل للمهاجم الرئيسي تاريخياً إلا أنه من المؤكد أن جونزالو لاعب لم يستسلم للانتقادات. لاعب حمل على عاتقه دومًا أن يصبح أفضل، فبينما كانت صورة هيجوايين مادة خامًا للسخرية بين متابعي كرة القدم، كان هيجوايين نفسه يتلمس طريقاً جديداً نحو القمة، لم يرضَ هيجوايين أن يقبع في الظلام وينساه الجميع بل انتزع بقعة الضوء بنفسه ووقف تحتها ليراه الجميع منتصرًا لا يبالي بالماضي، إذا كان التانجو يعبر عن شخصية الأرجنتيني كالمرارة وخيبة الأمل والأسي فهيجوايين بالفعل لا يجيد رقص التانجو.

هل كرة القدم تشبه الفن؟ بالطبع فعندما تسجل هدفاً من تمريرات متبادلة ولا يستطيع منافسك أن يوقفك عن فعل ذلك، فهذا فن





تصريح سابق لـ«جونزالو هيجوايين».