شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 57 السلطة التشريعية هي فرع من الدولة، وظيفتها «هي تطوير القوانين الموجودة وتوسيعها وجعلها مناسبة للمطالب الجديدة كلما ظهرت هذه المطالب» (1). والتشريع حسب الفيلسوف الألماني «جورج فيلهلم فريدريش هيغل» (1770-1831) يختص بالقوانين في إطار وحدة الدولة، ووضوح الغاية الكلية التي تحمي القوانين من تغيُّر صفاتها عند تطبيقها. والحال أن السلطة التشريعية تأتي بعد سلطة الأمير (صاحب القرار النهائي)، وكذا السلطة التنفيذية (الهيئة الاستشارية). ويحدد هيغل ما تطلبه الدولة من واجبات في زمن السلم، بصفة خاصة في الثروة، وتحديداً في المال (الصورة الكلية للثروة)، بحيث تكون مطالب الدولة مُنصِفة للجميع. مجلس الطبقات إن السلطة التشريعية تعتمد على الطبقات الثلاث (فلاحين، حرفيين، موظفين) بحيث جعلها هيغل سبباً في إبراز الوعي العام، وتتجسد هذه الأخيرة في مجلس الطبقات؛ نعني أن هذه «الكثرة المتعددة تصبح منظمة وعقلية حيت تتخذ شكل المؤسسات الموجودة في داخل الدولة، أعني الطبقات والنقابات. وهذه المؤسسات والمنظمات هي بالأحرى التي ينبغي أن تكون ممثلة في السلطة التشريعية» (2). خاصة أنها تتضمن اللحظة الذاتية في الحكم الخاص. بيد أن هيغل جعل من هذا المجلس في مرتبة دنيا أمام دقة وكفاءة السلطة التنفيذية في عنوانيها: طبقة الخدمة المدنية والحكومة. في اللحظة نفسها، يمدح هيغل النواب في مجلس الطبقات، إذ إن «من مزايا النائب أن يكون على علم جيد بالمشاكل والمصالح الخاصة بالطبقة أو المهنة التي يُنتسَب إليها» (3). لكن في المقابل قد يُقدمون مصالحهم الخاصة والجزئية أمام المصلحة العامة. «يقف مجلس الطبقات كعضو متوسط بين الحكومة بصفة عامة من ناحية والأمة الممزقة إلى جزئيات (الشعب والجمعيات) من ناحية أخرى» (4). وبإحساسه الوطني يخدم مصلحة الدولة، بحيث يمنع من طغيان الحاكم، وما تحته من قيادات تنظيمية، والأهم توحيد الآراء بحيث يمنع من ظهور آراء معارضة لوحدة الدولة الجوهرية، وسعيه هذا -حسب هيغل- يجعله في اتفاق جوهري مع الحكومة. ولتوضيح مجلس الطبقات كما أقامه هيغل، نستعين بمجلس الطبقات الفرنسي حتى يتجلى لنا الفهم الشامل لهذا الموضوع؛ إذ إن مجلس الطبقات الفرنسي كان يتكون من ثلاث طبقات: طبقة رجال الدين، وطبقة النبلاء (الأرستقراطيين)، ثم الطبقة الأخيرة، والتي كانت محرومة من عدة امتيازات، وأغلب أعضائها من الفلاحين والمهنيين. لكن هيغل على خلاف هذا الطرح جعل مجلس الطبقات في نظره يتكون من طبقتين فقط؛ نعني بهما: طبقتي الزُرَّاع والحرفيين، بحيث تكون علاقتهما بطبقة الخدمة المدنية «رابطة حقيقية أصيلة بين الجزئي الذي هو فعَّال في الدولة، وبين الكلي». (5) وفي كتابه: ما هي الطبقة الثالثة؟ ( Qu’est-ce que le tiers-état ?)، تحدَّث الأب جوزيف سياس (1748-1836) عن ضرورة المساواة بين هذه الطبقات (الطبقات الثلاث في فرنسا)، ويرى في الطبقة الثالثة الطبقة الأهم في فرنسا، لاحتوائها عامة الشعب. بيد أن هيغل يفضل أن ينعت الشعب باسم «الكثرة»، بحيث وصف نشاطها بالبدائي واللاعقلي، ويصف من يستخدم لفظة الشعب على منابر السياسة بالمفترين، علاوة على هذا ينبّه هيغل إلى أن فصل الحياة المدنية عن الحياة السياسية، يجعل من الأخيرة قائمة على الصُدفة والهوى. الفلاحون كالملوك يشير هيغل إلى أن طبقات المجتمع المدني، ومجلس الطبقات، تجمعهما نفس الكلمة (الطبقة)، إذ ليس هناك تباعد بينهما كما يقول البعض. بيد أن هيغل يلمح إلى تعارض الطبقات مع مبدأ النظام ككل، لكن يظل احتمال المعارضة والاتفاق وارداً، لذا جعل هيغل في التوسط بينهما سمة العلاقة العقلية بين النظام الملكي والطبقات. في القسم الأول من الطبقات؛ نعني به الطبقة الزراعية، يكشف هيغل عن عدة صفات تجعلها جديرة بممارسة دور سياسي، أبرزها استقلال رأسمالها عن رأسمال الدولة، وأعضاؤها ليس لهم حق التصرف في مِلكهم الخاص، أو التخلص منه، خاصة في ضوء حق البكورة، بحيث تكون هذه الطبقة محمية من تدخل الحكومة والعامة، وكذا تتجنب إرادتها التعسفية، علاوة على هذا يصل أعضاؤها إلى مراكزهم باعتماد حق المولد، وهنا نجد تماثلاً مع الملك، إضافة لاشتراكهم معه في امتلاكهم «إرادة تعتمد على ذاتها وحدها» (6). وبالجملة هذه الطبقة «تدعى –وهي جديرة بذلك- لتلعب دوراً سياسياً بالميلاد بغير عشوائية الانتخابات، ومن ثَمَّ فإن مركزها ثابت وجوهري فيما بين الإرادة الذاتية وعرضية الطرفين القصيين». (7) وفي القسم الثاني من الطبقات؛ نجد المجتمع المدني ككل، ويمثله في السلطة التشريعية النواب، بسبب كثرة أفراده، وطبيعة نشاطه. هذه الطبقة لها الحق بإرسال وفد ينوب عنها بدعوى من السلطة الملكية، على خلاف الزُرَّاع؛ إذ يحضرون بصفة شخصية. وخصائص مجلس الطبقات في قسميه، أن القسم الأول يضمن الموارد المالية، أما القسم الثاني فيتميز بالمعرفة، خاصة في الأمور الإدارية والسياسية. من ثَمَّ يرد هيغل على من جعل المشاركة السياسية متاحة أمام جميع الناس، أنه يتكلم خارج إطار العقل. ويؤكد أيضاً أن جميع الناس هم أعضاء في الدولة، ومنه هم أعضاء في طبقة اجتماعية ما، بحيث إن إرادتهم ستطلب الكلي. تهميش الرأي العام هنا، يؤكد هيغل مرة أخرى أن الدولة تُميِّز بين الأفراد حسب جدارتهم، وهي في نفس الوقت تحذر من القسم الثاني من مجالس الطبقات بحكم علاقته الميدانية بالجزئي؛ إذ هو يحتمل التقلب والعرضية. بيد أن السلطة الملكية كما أوردنا سابقاً، تستطيع اختيار المسئولين وغيرهم من الموظفين الرسميين، مثلما تستطيع توكيل البعض بمهام شرفية. غير أن النواب عن فروع المجتمع، يتم اختيارهم عبر الانتخابات، لذا عدم الاكتراث بهذه العملية سيؤدي إلى سطوة المصالح الجزئية على حساب الصالح العام. ومنه ستنقلب عملية الانتخاب إلى عكس المرجو منها. يقول هيغل إن لحظة توسط السلطة العليا بين مجلس الطبقات والملك، تكسب وجوداً على مستوى مجلس الطبقات؛ إذ ينقسم إلى مجلسين، بحيث يساهم في نضج القرارات، وفي حالة تعارض مجلس الطبقات مع السلطة التنفيذية، يشير هيغل إلى ترجيح كفة المجلس الأدنى أثناء عملية التوسط بينهما، حتى تظل غاية المجلس مصلحة الدولة، ولا يجعل هدفه عداوة الملك. ويحدد هيغل غاية مجلس الطبقات في نشر المعرفة السياسية بين الناس من خلال إعلامهم، ودعوتهم إلى إبداء رأيهم، إذ إن هذه المعرفة لها جانب كلي في بيان حقيقة الدولة، وتوضيح الفكرة الشاملة، ومن ثَمَّ هي الوسيلة الأساس في تربيتهم. غير أنه «ليس من المناسب أن يقود الرأي العام، أو الكتلة التي لا صورة لها من الأفراد، دفة السفينة في الدولة» (8). لأن هذا الرأي حسب هيغل يتصف في داخله بالتناقض؛ وإن كان «مستودعاً لمبادئ العدل الجوهرية الأزلية، أعني المضمون الحقيقي للدستور كله وللتشريع، والحياة الاجتماعية والوضع العام للدولة في صورة الحس المشترك». (9) إذ بسبب قضايا المجتمع، وحاجاته العاجلة، تدخل إليه الآراء العرضية، ويبتعد عن مضمونه الكلي الجوهري، وهنا استعان هيغل بقول غوته (Goethe): «الجماهير أيدٍ محترمة في القتال لكنها أيدٍ بائسة في الحكم» (10). وبالجملة «ما هو جوهري لا يمكن اكتشافه عن طريق الرأي العام، لأن جوهريته ذاتها تتضمن أنه يُعرَف في ذاته ولذاته فحسب» (11). فضلاً على أن هيغل يجعل من الوعي العيني الذي يعبر عنه الرأي العام سبباً في احتقاره، أما احترامه فهو مرهون بأساسه الجوهري الذي يكتسحه الغموض. ويربط هيغل الإبداع في الحياة باستقلال الفرد عن الرأي العام، حيث لا يتجلى هذا الأخير إلا كاعتراف لما أنجزه هذا الفرد. وقد حدد هيغل الاتصالات العامة في قسمي الكلمة المنطوقة والصحافة، لكن «هكذا كانت الحال في أيام هيغل. أما اليوم فقد انضافت إليهما: الإذاعة اللاسلكية المسموعة، والإذاعة اللاسلكية المرئية (التلفزيون)». (12) علنية المجالس النيابية في السياق نفسه، يشير هيغل إلى علنية المجالس النيابية، الأمر الذي سيجعل النقاش فيها موضوعياً وعاقلاً، ويصل لعامة الناس، بحيث لن يجدوا ما يضيفونه، غير الكلام الفاضي من الأهمية. ويقول هيغل إن تعريف حرية الصحافة بأنها «حرية أن تفعل ما يحلو لنا … يرتد ليصبح أفكاراً سطحية وهمجية لا علاقة لها بالثقافة بتاتاً» (13). ويصف هيغل فن التعبير بأنه عرضي وغير واضح، ومن ثَمَّ يمثِّل تشويشاً على سير القوانين، فضلاً عن توجهه للعامة والتشويش عليهم أيضاً، بيد أن كل ما يصدر عنه مجرد آراء ذاتية. ولئن صح أن في استطاعتنا انتقاد القوانين، فإنه صح كذلك أن نكشف عن الثغرات التي يستغلها هؤلاء الأشخاص لتجنب الوقوع في القانون نفسه. ويقول هيغل إن وصف التعبير بالكلام العادي، وبأنه علينا احترامه «بسبب أنه خاصية شخصية بل هو في الواقع خاصية الروح بشكل بارز» (14). لا يجعل الدولة تسمح بإهانة الأشخاص، أو التمرد ضدها، حيث تعتبر هذه الأفعال عملاً إجرامياً يُعاقب عليه، وإن بعقوبات خفيفة. وينفي هيغل الرأي العام من ساحة العلم، لكن يسمح بالنظرات الذاتية القائمة على العلم الحق. أمَّا فيما يخص التعبير المنبعث من العجز الذاتي في حصد التفوق، وإثبات الذات، فهو يتجسد في احتقار النفس، والانتقام من الأفراد الأعلى شأناً بوسائل معنوية وغير ضارة. وبعد وقبل، هذه الذاتية قد تتحقق على نحو صريح «في اتجاه مضاد، أعني في اتجاه الذاتية المتحدة مع الإرادة الجوهرية للدولة في هوية واحدة، الذاتية التي تشكِّل الفكرة الشاملة لسلطة الملك، والتي لم تصل بعد إلى حقها في الوجود مثل مثالية الدولة ككل». (15) مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير. المراجع ولتر ستيس، فلسفة الروح (المجلد الثاني من فلسفة هيغل)، ترجمة إ.ع.إ، ص 119. المصدر نفسه، ص 120. عبد الرحمان بدوي، فلسفة القانون والسياسة عند هيغل، ص 202. هيغل، فلسفة الحق، ترجمة إ.ع.إ، ملحق الفقرة 302، ص 569. المصدر نفسه، ملحق الفقرة 303، ص 571. المصدر نفسه، ملحق الفقرة 305، ص 573. المصدر نفسه، ملحق الفقرة 307، ص 574. ولتر ستيس، فلسفة الروح (المجلد الثاني من فلسفة هيغل)، ترجمة إ.ع.إ، ص 120. هيغل، فلسفة الحق، ترجمة إ.ع.إ ، ملحق الفقرة 317، ص 581. المصدر نفسه، ص 582. المصدر نفسه، ص 582. عبد الرحمان بدوي، فلسفة القانون والسياسة عند هيغل، ص 208. هيغل، فلسفة الحق، ترجمة إ.ع.إ ، ص 583. المصدر نفسه، ص 585. المصدر نفسه، ص 586. قد يعجبك أيضاً إسكات التاريخ الفلسطيني وداعًا يا صاحب «رفعت إسماعيل» مغرب ما بعد «20 فبراير»: قصة ربيع لا يهدأ في تقييم الروايات: لماذا يخلط القارئ بين الحشو والتفاصيل؟ شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram حمزة الودان Follow Author المقالة السابقة آه… وآه: عوالم أخرى وراء الحرفين المقالة التالية باولو فريري: إسهاماته الواقعية في تطوير التعليم قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك استغلال الغاز الطبيعي في حوض شرق البحر المتوسط 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كتاب «ما بعد الصهيونية»: استكشاف مستقبل «إسرائيل» 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «السباحتان»: عن إفلات الوطن من أجل الحياة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الفن ذاكرة الإنسان: الفنان الاشتراكي «بلفور كير» يؤرخ لعصره 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Sound of Metal»: عندما يتحول العالم إلى غرفة فارغة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك يا ليل غزة الموحش 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك العرب في أوروبا: سيكولوجيا الاغتراب والحصاد المر 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف أفلت نجيب محفوظ من «سجن المدينة»؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك روسيا والغرب: خصومة فرضتها الجغرافيا السياسية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الثقافة العربية بين الأدب والتنظير 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.