شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 124 في فيلم الجوكر يطل علينا مشهد -بدون حرق للأحداث- يجمع بين بطل الفيلم آرثر فليك «الجوكر» ومذيعه المفضل، المشهد الذي كان على امتداد فترات الفيلم حلمًا للجوكر تحول إلى كابوس، حينما وجد أن استضافة مذيعه الأثير له كانت فقط من أجل السخرية منه وامتهانه بشدة. تشابهات مشهد الجوكر لم يكن بعيدًا للغاية عن الواقع، ففي عام 2010 كانت مصر تتعايش مع ظاهرة جديدة تُدعى «أبو الليف»، الشاب المصري الذي قرر أن يكسر «تابوه» الغناء في مصر وقتها بأغانٍ أكدت بشدة على أنه «مش خرونج» وأن النساء جميعًا «دولا مجانين»، الأمر الذي كان سابقة في وقتها في مصر. أبو الليف الذي قرر أن يكشف عن شعر صدره ويرتدي زيًا يعود إلى العصر الحجري، عاش لحظات مشابهة لما عاشه الجوكر في الفيلم حينما قرر مذيع شهير -ربما أحبه أبو الليف في وقت من الأوقات- استضافة النجم المصري الذي كان ظاهرة حديثة على المجتمع المصري وقتها، وكرس استضافته تلك للسخرية من الشاب حديث الشهرة، وهي سخرية أكاد أجزم بأن المذيع الشهير على استعداد لسحبها فورًا بل والاعتذار له، إذا ما سمع أصناف الموسيقى التي تتواجد حاليًا وبوفرة في مصر، والتي تجعل أبو الليف مقارنة بها يبدو كأحد رواد «الفن الأصيل». ردّ فعل أبو الليف كان عقلانيًا بكل تأكيد، ولم يكن صادمًا كنهاية الفيلم، إلا أن تشابه المشهدين يُعيدنا إلى مصدر الرعب الرئيسي في الفيلم، فمصدر الرعب والباعث على الاكتئاب ليس أن الجوكر عانى بشدة ليصل إلى هذه الحالة وهو مصاب بمرض عقلي أصلاً، بل أنه بالنسبة للعديد من المصريين تحديدًا لم يُعانِ بما فيه الكفاية، فما عاناه آرثر في الفيلم وهو قمة الحضيض حتى لمجتمع خيالي مثل «جوثام سيتي» يُعد تقريبًا الحياة شبه اليومية للعديد من الشباب المصري تحديدًا، بل وفي بعض الأحيان بنفس الكم من الأمراض «النفسية»، أقول النفسية لأن بطل الفيلم وإن كان مصابًا بمرض عقلي، إلا أنه وبكل تأكيد كان مصابًا بأمراضٍ نفسية عدة، وهذه تقريبًا لا يخلو معظمنا منها وإن نجا من الإصابة بالأولى. هل معاناته أكبر أم معاناتك أنت؟ الفيلم في أي مجتمع سوي سيكون فرصة للنظر إلى حياة غير طبيعية لا تُشاهد كثيرًا، عن شاب دهسته الظروف دهسًا، وحوّلته إلى مسخ مشوه نفسيًا قبل أن يكون مشوهًا جسديًا، أما في أم الدنيا فهو عبارة عن قطعة من الجحيم، حيث يمكنك أن ترى حياة ليست بعيدة للغاية عن حياتك الواقعية تُعرض أمام الملأ على شاشة فضية كبيرة، واقعية الفيلم في مصر إلى حد كبير هي ما يزيده كآبة على كآبة، ومدى تماهي بعض من الشباب المصري مع أجزاء المعاناة في الفيلم، بل وشعورهم بأنها لا تُقارن بمعاناتهم الشخصية هو ما يجعل الأمر مرعبًا بحق. في لقطات من الفيلم ستجد نفسك كشاب بائس -إن كنت بائسًا- تتذكر كم مرة جلست أمام شاشة التلفاز تتابع مباراة لكرة القدم مثلاً، وتتخيل نفسك لاعبًا في الملعب تسجل الأهداف وتقود فريقك إلى الفوز وتهتف الجماهير باسمك بجنون، بل كم مرة قفزت كالمجنون محتفلاً ومقلدًا لاعبك المفضل وصوت الجماهير ينبض في عقلك هاتفًا باسمك أنت، كم مرة أُعجبت بفتاة كانت بعيدة للغاية عن أن تنالها، فتخيلت نفسك معها في علاقة عاطفية لطيفة «مهذبة» مرات ومرات، كم مرة أصُبت بالإحباط لفشلك في عرض موهبتك وقدراتك أيًا كانت وعدم إيمان غيرك بها، ستتذكر كل هذا وبداخلك رعب يتزايد لأن حياتك العادية -أو التي ظننت أنها عادية- تُعرض أمامك لتمثل مسخًا مشوهًا بالنسبة لأي إنسان صحيح نفسيًا، وستُصدم بحقيقة أن حياتك العادية هي مأساة مصغرة -أو مكبرة في أحيان كثيرة- من الفيلم الذي تشاهده، والذي يعرض حياة مجرم سيكوباثي مجنون لا يكاد يكترث لشيء. «كله بينَفْسِن» في إحدى أغانيه الشهيرة، زادنا بطلنا الحالي «أبو الليف» من الشعر بيتًا، ومن العلم مثقالاً، حينما أكد لنا بشدة أن «يا أما من الناس يا أما كله بينفسن»، ولا يعلم أحد حتى اللحظة إن كان الشاعر يستنجد بوالدته فعلاً كبطل الفيلم، أم أنه «يا أما» لزوم القافية لا أكثر ولا أقل، لكن هذه الكلمات تعكس بقية حكاية الرعب لدى جزء من الشباب المصري، فهذا الجزء بعد أن يُشاهد الفيلم ويكتشف إلى أي مدى هي مرعبة حياته، وأنها سواء في المجتمعات السوية أو الخيالية على حد سواء لا تصلح سوى أن تكون قصة صعود مجرم سيكوباثي لطيف، سيرتعب قليلاً، وسيشعر بالخوف على مستقبله غير محدد المعالم بكل تأكيد، ثم سيعزو كل ذلك بكل ثقة إلى أن «كله بينفسن». فهناك قناعة مصرية عتيدة أن كل فشل وكل شر يصيبك في الكوكب مصدره حسد بكل تأكيد، بدايةً بالشاب مكتنز العضلات في «الجيم» الذي يؤمن بشدة بأن كل من حوله يتربص به ويتمنى بجشع أن تتمزق أوصاله وعضلاته في التو واللحظة، مرورًا بـ «أم بلبل» التي تؤمن بأن ابنها بلبل أذكى طفل في العالم ولولا حسد أقرانه له لحصد عشر جوائز نوبل، وميداليتين ذهبيتين في رفع الأثقال، وثلاثة كؤوس للعالم بكل تأكيد. نعزو جميعًا كل ذلك إلى حسد وخلافه، وننسى أننا فعليًا جاوزنا القاع بأمتار، وإن كان أحدهم يحسدنا، فهو بكل تأكيد يحسد كم التحمل العصبي الذي نستحق أن نُحسد عليه حقًا، إن كان أحدهم يحسدنا فهو بكل تأكيد ينظر إلينا بمزيج من إعجاب وشفقة متسائلاً: كيف لم يُجنّ هؤلاء حتى اللحظة؟ سيحسدنا على ذلك… وعلى ذلك فقط، لكنه بكل تأكيد لن «ينفسن». مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير. قد يعجبك أيضاً الطريق إلى رواية «الإخوة كارامازوف» الأصول الجينية القديمة للمصريين أدب الديستوبيا: كيف يُهدد واقعنا ويُحرض على الراديكالية؟ «أيلول الأسود» ولكن في المكسيك شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram أحمد السيد Follow Author المقالة السابقة التفكير العلمي: كيف تجاوزنا مبدأي الإحيائية والغائية؟ المقالة التالية عبادة الأسلاف في المجتمع العربي الحديث قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك أن أكون أمًا وكاتبة في الوقت نفسه: محادثة مع «إليف... 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك تأثير الفراشة: كيف يؤثر أصغر الأشياء في عالمنا؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك ملحمة السويس المنسية: ذكرى أكتوبر في النزع الأخير 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «إن من البيان لسحرًا»: كيف تكسب قلوب الآخرين؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك دون أن تترك الوظيفة: 4 خطوات تساعدك على بدء عمل... 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هل اختارت هذه الأندية البقاء في الظل بمحض إرادتها؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الجذور التاريخية لقضية أكراد سوريا 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك جيش لبنان: من «رفيق الحريري» إلى «حزب الله» 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك دوستويفسكي والحكيم يُجيبان: هل الروايات عديمة الفائدة؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك ثورة 25 يناير: كيف حسم العمال صراع اللحظات الأخيرة؟ 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.