رجل طويل أصلع

أنا من مكان حيث يمكن أن تتعرض لضرب مبرح أو للوح زجاجي مندفع بوجهك أو حتى لطلقات مسدس لمجرد خلاف بحانة!.





بارتون، مقابلة الجارديان.

خلال عام 2012 اصطحب «جوي بارتون» صديقه

محرر التايمز البريطانية «ماثيو سِد»

في جولة بمسقط رأسه ليفربول ليستكشف الأخير عن قرب خبايا الشخصية المثيرة للجدل، يحكي «ماثيو» بأن «جوي» لم يحب أن يشرح له تاريخ «هويتون» أو أماكن البلد الهامة بل اصطحبه بداية لميدان تجمع وتفرق العصابات المحلية، ثم للحانات التي نُقِشت داخلها رموز نازية، وأخيرًا توقف فجأة أمام مدرسة صامتًا لبضع ثوانٍ!.

«هنا شهدت أول جريمة قتل، كانت لزميل دراسي» تمتم «جوي»، لتنزل كلماته الصادمة على مسامع المحرر الذي لم يمتلك كثيرًا من الوقت لاستيعاب ما سمعه حين قاده «بارتون» لمكان آخر تعرض فيه صديق آخر للطعن؛ دوامة من أحداث العنف التي تحملها ذاكرة «بارتون» أراد لها أن تكون مدخلًا للتعبير عن الكيفية التي تشكلت بها شخصيته أمام صديقه المحرر.

الآن يقف الثنائي أمام منزل «بارتون» القديم حيث نشأ، يُفتح الباب فجأة ليخرج رجل طويل أصلع يتفحصهما بنظرات عدوانية ثم يسأل بلغة وقحة: «ماذا بكما؟!، هل تعبثان بمنزلي؟!». قبل أن يحاول «ماثيو» شرح الوضع تجنبًا لتطوّر الأمور بصورة سيئة كانت ابتسامة تعلو وجه «جوي» يعرفها جيدًا كل مُتتبع لمسيرته، الابتسامة التي تعني بأن عرض المشاكل قد بدأ لتوه، وأن بطل العرض تهيأ للقيام بما لا يحسن مثله.

لم يكن «ماثيو» بحاجة للتعرف على خريطة الأسرة التي نشأ اللاعب الإنجليزي فيها، فقد سبق أن

شرح «جوي»

كيف انتهت الخلافات بين أبويه بالانفصال قبل أن يتم عامه الـ14 ليتولى أبوه ذو الطباع الحادة مسئولية تربيته، حكى لـ«ماثيو» كيف عاد ذات مرة من يوم دراسي شاق تعرض خلاله لبعض المضايقات من زملاء مدرسته ليقص ما حدث على والده الذي آثر الصمت ثم قام فأحضر عصا بيسبول قائلًا: «أحيانًا تُحل المشاكل بتلك الطريقة!».

لكن عصا البيسبول لم تكن نهاية المطاف لشقيقه، فبينما كان «جوي» الذي أضحى لاعبًا لمان سيتي عام 2002 بأحد المعسكرات التدريبية بآسيا وصلته أخبار عن

تورط شقيقه «مايكل» بجريمة قتل

أودت به لغياهب السجون، لم يمر وقت يذكر حتى أتته أنباء أخرى بالحكم على ابن

عمّه «بول» بالسجن مدة 23

عامًا لقيامه بنفس الجريمة؛ نبذة قصيرة عن الحياة على نمط آل «بارتون»!.

الإنسان ابن بيئته؛ هذه الرسالة هي ما أراد «جوي» توصيله دائمًا، فاللاعب لم يختر هذا المناخ الذي ترعرع حوله بل إنه لا يراه مناخًا استثنائيًا عاشه معزولًا عن أبناء جلدته من سكان «هويتون»، المشكلة في أعين «جوي» تكمن فقط بأن سلوكه المتأثر بذلك المناخ سيكون تحت النظر لمدة 13 عامًا قادمة.


عدو الشعب الأول

أعلم أني أصبحت عدو الشعب الأول، لا يمكنني تغيير ذلك، لكني تمنيت كثيرًا أن أعدّل من وضعي.

بالتأكيد كان لظروف نشأة «جوي» تأثير على أفعاله، لكن ذلك لا يعد عذرًا كافيًا لقبول سلسلة الأفعال الجنونية التي أقدم عليها خلال كل مرحلة من مسيرته، وبالحديث عن مسيرته ينبغي بداية الإجابة عن السؤال التالي: هل كان «بارتون» فنيًا لاعبًا سيئًا؟.


يقول «سين ديش»

، مدرب بيرنلي الحالي الذي سبق أن عمل معه، بأن ما احتاجه هو إبرام اتفاق جاد وصادق حول ما يريده من «جوي» داخل الملعب وغرفة الملابس ليمنحه الأخير كل ما يريد فنيًا!.

بالتأكيد «جوي» ليس لاعبًا ممتازًا، لكنه يمتلك الإمكانيات الكافية لحجز مكان بوسط ملعب فرق متوسط وأواخر الدوري خصوصًا تلك التي تعتمد على اللعب الإنجليزي ذي الاندفاع البدني والكرات الطولية، والإجابة حول سؤال إمكانيات «بارتون» قد تكون بسؤال آخر وهو: لماذا تتحمل الأندية عناء الاحتفاظ بلاعب يحدث كل ذلك القدر من الفوضى والسمعة السيئة لو أنها لا تستفيد ولو جزئيًا من خدماته؟!.

بدأت مسيرة «جوي» مطلع الألفية بمان سيتي بعد محاولات مع ليفربول وإيفرتون، لكن مسيرته الفعلية كعدو الشعب بدأت تحديدًا بأحد المعسركات التدريبية بعد أن أبرح

أحد مشجعي إيفرتون ضربًا

قبل أن يتدخل زملاؤه، لكن زملاؤه أنفسهم كان لهم نصيب مما لحق بالمشجع.

فخلال حفل رأس سنة عام 2004، حاول زميله «جيمي تاندي» المزاح معه مستخدمًا شعلة نار فلم يجد «جوي» وسيلة لمبادلته المزاح سوى بالزج

بسيجارة مشتعلة في عين «جيمي»

؛ مشهد سينمائي خالص بطله مختل نفسيًا أو لاعب صاعد.

لو خطر ببالك عن الذي يجمع السجائر بلاعب ناشئ فيجب أن تعلم بأن «بارتون» كان قد أدمن الدخان والكحول قبل عام على الاقل من واقعة «تاندي» هروبًا من الضغط العصبي والجماهيري الذي حاوطه بعد تحوله للاعب بالمستوى الأول، لكن الكحول قاده لاحقًا لشبه انهيار عصبي بعد أن اعتدى بأحد شوارع ليفربول على رجل أنقذته الشرطة قبل أن يُهشم اللاعب رأسه.

بالطبع خضع «جوي» لجلسات إدارة الغضب ولتشخيص نفسي، وتعرض لخصومات مالية كبرى من مدربيه، وزار غرف التحقيق ليسمع مئات التهديدات بشطبه من الفريق، كل ذلك لم يثنِه عن سلوكياته، بل توقف الجميع عن التعامل معه بشكل طبيعي بعد واقعة 2007!.


السجين

سيارة سوداء فارهة، يهبط منها برفق رجلان يحملان حقائب مدججة بالأوراق، يبدو أنهما قضيا الليالي الأخيرة في نقاش وتباحث مستمر، من خلفهما يظهر رجل صغير ترسم اللامبالاة وعدم الاكتراث ملامحه فيما يواجه عشرات الكاميرات والمحررين قبيل دخوله لساحة المحكمة، لم يكن ذلك الشاب سوى «جوي» الذي سيسمع بعد دقائق عريضة

المدعي العام «ريتشارد فاردون» الذي يتهمه

بخرق كل الأخلاقيات الرياضية وممارسة العنف الفج.

لكن «بارتون» سيختصر الطريق على «فاردون» وسينسف جهود محاميه وحقائبهم و

سيعترف

بأنه اعتدى على زميله «عثمان دابو» بتدريبات السيتي بعد نشوب مشادة كلامية تطورت لاشتباك باليد انتهت بعدة لكمات بوجه الأخير الذي سقط فاقدًا الوعي، فيما استمر «بارتون» بالركل، لم يستيقظ «دابو» من الغيبوبة إلا بعد أربعة أيام وسط تخوف من إصابته بتلف دائم، صوره المنشورة بعد تعافيه رسمت آنذاك صورة أخرى عن وحش اسمه «بارتون» بات خارجًا عن السيطرة.


يروي «بارتون»

أنه كان يدرك خضوع السجن لقوانين وعادات مختلفة، لذلك وبرغم رفضه تهمة الإجرام إلا أنه تأقلم سريعًا على تلك الأجواء الجديدة، فتمثلت أولويته بعدم الانزلاق لأعمال عنف داخل أركان السجن سواء مع زملائه الجدد أو مع الشرطة لأن ذلك سيدفع به لمساحة أكثر ظلمة.

لكن «جوي» لم يُدفع إلا لـ«سانت جيمس بارك» معقل أحد أهم أندية إنجلترا: نيوكاسل، فبعد أكثر من 73 يومًا بالزنازين عاد من جديد لفريقه الذي انضم له قبل أيام من سجنه، ورغم اعتراضات بعض مشجعي الفريق عبر موقع النادي، إلا أن الإدارة أبقت على اللاعب.

أدرك «جوي» بأن وضعه الجديد يحتم عليه بعض الانضباط، لذلك فقد مرت أعوامه الأولى بالفريق بدون كوارث كبرى فيما عدا بعض الإصابات القوية والتدخلات العنيفة والكروت الملونة، لكن الأمر انفجر بمايو/أيار 2009!.

كانت أوضاع الفريق بموسم 2008/2009 شديدة السوء، إذ بات الفريق مهددًا بالهبوط بعد سنوات من اللعب بالبريمرليج وكان على لاعبيه حسم أكبر قدر من النقاط بالأسابيع الأخيرة.

في الثالث من مايو/أيار واجه فريق «بارتون» نادي ليفربول الذي كان يعيش حالة تألق، حاول لاعبو نيوكاسل تحقيق نتيجة إيجابية مستغلين الدعم والحماس الجماهيري، لكن حماسًا من نوع آخر انتاب «جوي» خلال لعبة غير هامة على أقصى طرف الملعب بمواجهة «تشابي ألونسو» حين قام بتدخل عنيف استحق عليه البطاقة الحمراء، لتبحث الكاميرا عن ردة فعل «ألان شيرير» الذي كان يومئذ مدربًا لنيوكاسل لتجده غارقًا بالذهول!.

«لقد نلت كفايتي، أنا محبط منه، لقد طالبته بالهدوء قبل المباراة»

بتلك الكلمات، عبّر الأسطورة «شيرير»

عن ضيقه وانزعاجه من «بارتون» ليكون ذلك التصريح مقدمة لعقاب جديد عندما أعلن النادي إيقافه بعد ساعات!.

«بارتون» لم يكن ليفوّت فرصة كتلك أبدًا ليبدأ العرض خاصة أمام نجومية «شيرير»، فقد خرج اللاعب بعدها بتصريحات انتقد فيها إدارة مدربه للمباريات مشككًا بقدراته على إيجاد الحلول والتكتيك المناسب؛ ماسترسين جديد على طريقة «جوي».

لكنه أدرك بأنه يتحرك ضد عقارب الساعة عندما امتدت فترة إيقافة لشهور طويلة، ليبدي لاحقًا اعتذاره وتراجعه عن تلك التصريحات، ويرحب بمشاركته مع الفريق بالشامبيونشيب بعد تأكد الهبوط.

حتى بعد تراجعه عن التصريحات، فإن تراجعه عن سلوكياته لم يدم سوى موسم واحد أدّاه بشكل طيب، فقد شهد صعود نيوكاسل واقعة يتذكرها جيدًا جمهور أرسنال عندما تواجه الفريقان في بداية موسم 2011/2012.

بدأ الأمر عندما تعرض «جوي» لعرقلة قوية بوسط الملعب، العرقلة التي جعلته يتحين فرصة جيدة للانتقام، جاءت الفرصة عندما حاول العاجي «جيرفينيو»

المناورة للحصول على ضربة جزاء

دون أن يتعرض له لاعبو نيوكاسل، ولكن لسوء حظه فإن «بارتون» كان قريبًا يراه يسقط بلا أدنى داعٍ، عندها ترك الأخير الكرة ونسي المباراة وذهب صارخًا بوجهه قبل أن يشتبك بقوة معه لينال على إثرها العاجي الكارت الأحمر؛ تم الانتقام.

لاحقًا اعترف «جوي» بأن تلك الواقعة أفسدت نوايا «فينجر» بضمه لأرسنال!.

استغلت نيوكاسل بأن باب الميركاتو لم يكن قد أغلق بعد فسارعت بالتفاوض مع نادي كوينز بارك على رحيله، وبذكر النادي الأخير فإنك بالطبع تتذكر المباراة التاريخية الأخيرة التي جمعتهم بالسيتي وحسمت اللقب لرفاق «كومباني» لكن على الأرجح لا تتذكر

الطرد

الذي ناله «جوي» بعد أن ضرب «تيفيز» ثم «أجويرو» أمام أعين الحكم؛ عرض آخر جديد كان يوفره لناديه الذي نشأ بين جدرانه.

“جوي بارتون” في مواجهة نجوم فريقه الأول: مان سيتي

فاز السيتي بالدوري، هبط كوينز بارك، وعوقب «جوي» بالإيقاف قبل أن يرحب بالرحيل لمارسيليا، استهوته أجواء الجنوب الفرنسي الساخنة وانخرط سريعًا في مشهد جدول الترتيب الذي شهد تفوق لافت للباريسيين.


صرح بداية

أن أوليمبيك مارسيليا سيظل أفضل وأعرق من سان جيرمان مهما تبدلت الأحوال بفضل الفروقات المالية الضخمة، بعدها

أطلق حملة على تويتر

مستهدفًا قائد باريس «تياجو سيلفا» قبل أن يقدم مارسيليا اعتذارًا رسميًا عن ما بدر من الإنجليزي، ثم التفت لابن جلدته «ديفيد بيكام» عندما وصفه باللاعب الجيد الذي حظي بهالة إعلامية ضخمت من إمكانياته.

كل ذلك لا يقارن بما فعل عندما واجه «زلاتان ابراهيموفتيش»، كان معروفًا تجنب كثير من لاعبي الدوري الالتحامات القوية بمواجهة السويدي، لكن «جوي» خالفهم ليقفز عاليًا رفقة «زلاتان» عندما أتته الفرصة، انتهى الالتحام ليبدأ الثنائي التراشق الكلامي قبل أن يسخر «جوي» من طول أنف السويدي، كان الأمر ساخرًا للدرجة التي دفعت الأخير نفسه للضحك، هذا الأخير الذي صال وجال بالدوري الفرنسي تمامًا كـ«عبد الملك زرزور» بين رعيته باغته «جوي» بجراءة وخفّة «إبراهيم الأبيض»؛ كان الثنائي بحاجة عمومًا لصورة ذكرى.



وغد أم فيلسوف؟

جوي بارتون، مان سيتي، كارلوس تيفيز، سيرجيو أجويرو

جوي بارتون، مان سيتي، كارلوس تيفيز، سيرجيو أجويرو


يري «أليكس كلارك»

محرر الجارديان أن من الصعب إيجاد توصيف واحد لـ«جوي»، فاللاعب الذي تلطخت مسيرته بكل تلك الوقائع العنيفة لديه رؤية ونظرة خاصة لاحظها كل من حاوره شخصيًا، فمثلًا يُقِر «جوي» بأنه فعل كثيرًا من الأخطاء وبالفعل اعتذر وعبر عن شعوره بالأسف لبعض المشاجرات، ثم أنه لم يعترض على أي غرامة أو إيقاف واحد طوال مسيرته، بل إن «كلارك» يرى مشكلة «جوي» بأنه يعيش بسياق خاص به في تعامله مع الآخر ومع العمل ومع الإعلام.

يؤكد «كلارك» بأن الإعلام فعلًا تربص بحركته وبمشاكله عارضًا جزءًا واحدًا من شخصيته دون الجزء الآخر الذي يعلن فيه «جوي» مناصرته الدائمة لضحايا كارثة الهيلزبروه الـ96 أو

لزيارته لمستشفيات المسنين

ومرضى السرطان أو حتى ينقل الإعلام ما يكتبه «بارتون» على تويتر عن الأدب والفلاسفة بدلًا من انتظار معاركه الجديدة.

بقي أن تعرف بأن «بارتون» قد التحق بالجامعة قبل سنوات وحظي ببعض العلاقات الجيدة مع أساتذته وينوي لاحقًا التدريب بعد تعرضه للإيقاف شهر أبريل/نيسان الماضي من ممارسة أي نشاط كروي لـ18 شهرًا، ترى كيف ستكون عودته؟.