شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 64 محتوى مترجم المصدر aeon التاريخ 2020/4/15 الكاتب سام دريسر البشر كائنات قاصة، فالقصص التي نرويها لها آثار عميقة على كيفية رؤيتنا لدورنا في العالم، وحاليًا تستمر شعبية أدب المدينة الفاسدة أو ما يُطلق عليه الديستوبيا في الازدياد. وفقًا لموقع Goodreads ، وهو مجتمع عبر الإنترنت نما إلى أكثر من 90 مليون قارئ. ارتفعت حِصة الكتب المُصنفة على أنها «ديستوبية» في عام 2012 بحيث كانت الأعلى منذ أكثر من 50 عامًا. يبدو أن هذه الطفرة بدأت بعد الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة الأمريكية يوم 11 سبتمبر عام 2001. حيثُ ارتفعت نسبة قصص الديستوبيا في عام 2010 وتوافد الناشرون للاستفادة من نجاح سلسلة روايات Hunger Games المكوّنة من ثلاثة أجزاء لكاتبتها «سوزان كولنز»، والتي تمحورت حول مجتمع شمولي، يقع في أنقاض مكان ما، كان يُعرف سابقًا بأمريكا الشمالية. إذن، ما الذي يجب أن نستخلصه من حقيقة أن الخيال الديستوبي يحظى بهذه الشعبية الكبيرة؟ الخيال الديستوبي كُتب الكثير لاكتشاف سبب جاذبية هذه الروايات. لكن السؤال المهم الآخر هو: ما أهمية ذلك؟ هل من المحتمل أن يؤثر الخيال الديستوبي على المواقف السياسية لأي شخص في العالم الحقيقي؟ وإذا كان ذلك حقيقيًا، فكيف؟ وإلى أي مدى يجب أن نهتم بتأثيرها؟ في بحثنا، شرعنا في الإجابة على هذه الأسئلة باستخدام سلسلة من التجارب. قبل أن نبدأ، نعلم أن العديد من علماء السياسة سيكونون على الأغلب مُتشككين من هذه الفكرة. فبالرغم من كل شيء، يبدو من غير المحتمل أن الخيال، وهو شيء معروف بأنه «مُختلق»، يمكن أن يكون قادرًا على التأثير في النظرة المستقبلية للأشخاص في العالم الحقيقي. ومع ذلك، تُؤكد مجموعة متزايدة من الأبحاث أنه لا يوجد «مفتاح تبديل قوي» في المخ يُفرِّق بين الخيال والواقعية. فغالبًا ما يدمج الناس دروسًا من القصص الخيالية في معتقداتهم ومواقفهم وأحكامهم، دون أن يدركوا حتى أنهم يفعلون ذلك. علاوة على ذلك، من المُرجح أن سبب قوة أدب الديستوبيا يرجع لأنه سياسي في طبيعته. نحن نركز هنا على النوع الاستبدادي الديستوبي، الذي يُصوِّر عالمًا بديلًا مظلمًا ومُزعجًا تقمع فيه الكيانات القوية المواطنين وتسيطر عليهم، مُنتهكة القيم الأساسية الطبيعية. وبالرغم أنه يمكن أيضًا اعتبار سرديات نهاية العالم وما بعدها «ديستوبية» –حتى تلك التي تدور حول الزومبي- فإن الإطار القياسي لها مُختلف جدًا من الناحية السياسية، حيث يصُب تركيزه على الفوضى وانهيار النظام الاجتماعي، وبالتالي من المحتمل أن يؤثر على الناس بطرق مختلفة. تختلف الحبكات الفردية في ظل السرد الشمولي-الديستوبي من رواية لأخرى. وإليكم بعض من أشهر الأمثلة: فكرة التعذيب والمراقبة في رواية جورج أورويل الأشهر «1984». فكرة حصاد الأعضاء في سلسلة Unwind بواسطة نيل شوسترمان. فكرة الجراحة التجميلية الإلزامية في سلسلة Uglies بواسطة سكوت ويسترفيلد. فكرة السيطرة على العقل في رواية The Giver 1993 لكاتبها لويس لوري. فكرة عدم المساواة بين الجنسين في رواية The Handmaid’s Tale 1985 لمارجريت أتوود. فكرة الزواج المُرتب من قِبل الحكومة في ثلاثية Matched بواسطة آلي كوندي. فكرة الكارثة البيئية في سلسلة Maze Runner بواسطة جايمس داشنر. كل هذه الروايات السابقة تتوافق مع تقاليد الأنواع الأدبية الخاصة بالشخصية والمكان والحبكة. كما لاحظ كل من كاري هينتز وإيلاين أوستري، محررا مُجلد Utopian and Dystopian Writing for Young Children and Adults، في عام 2003، أن في هذه المجتمعات «اندفعت المثل العليا في سُعار مجنون بشكل مأساوي». على الرغم من أن هناك استثناءات بسيطة، فإن روايات الديستوبيا عادةً ما ترفع من قيمة التمرد الدرامي والعنيف من قِبل قلة شجاعة. تأثير الديستوبيا على القيم الإنسانية لاختبار تأثير الخيال الديستوبي على المواقف السياسية، قمنا بتعيين موضوعات عشوائية من عينة من البالغين الأمريكيين إلى واحدة من ثلاث مجموعات. قرأت المجموعة الأولى مُقتطفًا من رواية The Hunger Games ثم شاهدت مشاهد من الفيلم المقتبس منها الذي صدر عام 2012. وفعلت المجموعة الثانية الشيء نفسه، باستثناء أنها تعرضت إلى سلسلة ديستوبية مختلفة وهي Divergent لفيرونيكا روث. وتُصوِّر هذه السلسلة أمريكا مستقبلية ينقسم فيها المجتمع إلى فصائل مُخصصة لقيم متميزة، وأولئك الذين تتجاوز قدراتهم حدود تلك الفصائل يُنظر إليهم باعتبارهم تهديدًا. في المجموعة الثالثة، وهي المجموعة الضابطة التي لا تتعرض إلى أي وسائط إعلامية، لم يتعرض الأشخاص لأي خيال ديستوبي قبل الإجابة على أسئلة حول مواقفهم الاجتماعية والسياسية. ما وجدناه كان مذهلًا. حيث أثّر أدب الديستوبيا، مع أنها خيالية تمامًا، على الأفراد موضع التجربة بطريقة عميقة، وأعادت ضبط بوصلاتهم الأخلاقية. مُقارنةً بالمجموعة الضابطة، كان الأشخاص الذين تعرّضوا للرواية أكثر احتمالًا بنسبة 8% لاعتبار أن الأعمال المتطرفة مثل الاحتجاج العنيف والتمرد المسلح يُمكن أن تكون مُبرَّرة. كما اتفقوا بسهولة أكبر على أن العنف ضروري أحيانًا لتحقيق العدالة، بزيادة مماثلة نسبتها 8%. السؤال الآن هو، لماذا قد يكون للخيال الديستوبي هذه التأثيرات المذهلة؟ ربما كان يعمل حينها آلية تهيئة بسيطة. فمن الممكن أن رؤية المشاهد العنيفة لدى الأفراد موضع التجربة أثارت حماستهم بكل سهولة لدرجة أنها جعلتهم أكثر استعدادًا لتبرير العنف السياسي. على سبيل المثال، يمكن أن تزيد ألعاب الفيديو العنيفة من الإدراك العدواني، وغالبًا ما يحتوي الخيال الديستوبي على صور عنيفة للمتمردين الذين يقاتلون ضد السلطة الموجودة. لاختبار هذه الفرضية، أجرينا تجربة ثانية، مرة أخرى مع ثلاث مجموعات، وهذه المرة مع عيّنة من طلاب الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. تعرّضت المجموعة الأولى لمشاهد من سلسلة أفلام The Hunger Games، وكما كان من قبل، قُمنا بتضمين مجموعة ضابطة ثانية بدون وسائط إعلامية. أما المجموعة الثالثة، فقد تعرضت لمشاهد عنيفة من سلسلة أفلام Fast and Furious متماثلة في الطول ونوع العنف مع مشاهد سلسلة أفلام The Hunger Games. ومرة أخرى، شكَّل الخيال الديستوبي الأحكام الأخلاقية للأشخاص، وزاد من استعدادهم لتبرير العمل السياسي الراديكالي مقارنةً بالمجموعة الضابطة بدون وسائط، وكانت الزيادات مماثلة في النسبة لما وجدناه في التجربة الأولى. لكن مشاهد الحركة العنيفة والمليئة بالإثارة في فيلم Fast and Furious لم يكن لها مثل هذا التأثير، مما جعلنا نستنتج أن المشاهد العنيفة وحدها لا تستطيع تفسير النتائج التي توصلنا إليها. أمّا التجربة الثالثة، فقد تولَّت مسئولية استكشاف ما إذا كان العامل المؤثر الرئيسي هو طريقة السرد نفسه، أي قصة مواطنين شجعان يتصارعون مع حكومة غير عادلة، سواء كانت خيالية أم غير خيالية. لذا هذه المرة، تعرضت المجموعة الثالثة إلى مقاطع إعلامية حول احتجاجات في العالم الحقيقي ضد ممارسات الحكومة التايلاندية الفاسدة. وشاهدوا مقاطع من CNN وBBC ومصادر إخبارية أخرى، تظهر فيها القوات الحكومية مُرتدية معدات مكافحة الشغب وتستخدم طرقًا عنيفة لقمع المواطنين المحتجين على الظلم، مثل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه. وعلى الرغم من كون كل المعلومات والمشاهد حقيقية، فإن هذه الصور كان لها تأثير ضئيل على الأفراد موضع التجربة. فلم يكن الأفراد في المجموعة الثالثة أكثر استعدادًا لتبرير العنف السياسي من المجموعة الضابطة بدون وسائط. لكن أولئك الذين تعرضوا للخيال الديستوبي لروايات The Hunger Games كانوا أكثر استعدادًا لتقبل الأعمال السياسية المتطرفة والعنيفة واعتبارها مشروعة، مقارنةً بالمجموعة التي تعرّضت للقصة الإخبارية في العالم الحقيقي. وبلغت نسبة الاختلاف حوالي 7-8%، مقارنة بالتجربتين السابقتين. أخلاقيات السياسة والسلطة بشكل عام، يبدو أن الناس قد يميلون أكثر إلى استخلاص «دروس حياتية سياسية» من قصة عن عالَم سياسي خيالي أكثر من التقارير المُعتمدة على العالم الحقيقي. هل هذا يعني أن الخيال الديستوبي يُعتبر تهديدًا للديمقراطية والاستقرار السياسي؟ ليس بالضرورة، على الرغم من أن بعض القادة السياسيين يفكرون على هذا المنوال ويضعون هذا النوع من الروايات تحت الرقابة. على سبيل المثال، رواية Animal Farm لجورج أورويل لا تزال محظورة في كوريا الشمالية. وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت سلسلة The Hunger Games ورواية Brave New World 1931 لألدوس هكسلي من ضمن الكتب العشرة الأكثر استهدافًا للإزالة من المكتبات المدرسية في العقد الماضي. تُقدم روايات الديستوبيا درسًا مفاده أن العمل السياسي الراديكالي يمكن أن يكون استجابةً شرعية للظلم الملموس. ومع ذلك، فإن الدروس التي يستخلصها الناس من وسائل الإعلام، سواء كانت خيالاً أو واقعًا، قد لا تثبت في العقل دائمًا، وحتى عندما تثبت، فلا يتصرف الناس وفقًا لها بالضرورة. يستمر الخيال الديستوبي في تقديم منظور قوي يرى الناس من خلاله أخلاقيات السياسة والسلطة. قد يكون لمثل هذه الروايات تأثير إيجابي في إبقاء المواطنين حذرين لاحتمالية وقوع الظُلم من خلال مجموعة متنوعة من السياقات، بدءًا من التغير المناخي والذكاء الاصطناعي إلى ظهور طفرة استبدادية في جميع أنحاء العالم. لكن انتشار أدب الديستوبيا قد يُشجع أيضًا وجهات النظر المانوية الراديكالية التي تُبالغ في تبسيط المصادر الحقيقية والمعقدة للخلاف السياسي. [المانوية هي معتقد ديني ترجع أصوله إلى بلاد فارس في القرن الثالث الميلادي، ويعتمد على فكرة الصراع البدائي المفترض بين الخير والشر – المُترجم]. لذلك، في حين أن جنون الاستبداد البائس قد يُغذي دور المجتمع «الرقيب» في مُساءلة السلطة، فإنه يمكن أيضًا أن يؤدي إلى اتخاذ البعض مسارًا سريعًا والتوجه مباشرة للخطاب السياسي العنيف -وحتى الأفعال العنيفة- على عكس النقاش المدني القائم على الحقائق والتسوية اللازمة من أجل ازدهار الديمقراطية. مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير. قد يعجبك أيضاً وداعًا «بيرلو»: في عشق المايسترو الخائن! مصر: المكان الذي لا يعيش فيه الأمل ولا يموت عالم أقل سلامًا: مؤشر السلام العالمي 2020 كتيبة الشرطة 101: كيف تكتشف الجانب المظلم من شخصيتك؟ شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram يارا أبوزيد Follow Author المقالة السابقة يوميات كهل صغير السن: أمل دنقل وصَمْتِه كثيف الكلمات المقالة التالية «ومن بعدنا الطوفان»: ماذا تُعلّمنا حكايات نهاية البشرية؟ قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك «كافكا» عصرنا: الاغتراب في مواجهة العنف البشري 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك العلاقة الوطيدة بين سوق العقارات والتجارة الإلكترونية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك رواية «واحة الغروب»: مراتب النفس البشرية وصراعاتها 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك العلاج بالضحك: كيف أصبح «المهرّج» طبيبًا في روسيا؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك لماذا نحب مسلسل «ربيع قرطبة»؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أغنية «آخرة الشقاوة»: متى يعود مكي الذي نعرفه؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيروس كورونا: كيف تتكيف الرأسمالية مع الأزمات الصحية؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك معارك الفصحى والعامية: كيف طورت الصحافة اللغة العربية؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك مير مفتون: سلطان الموسيقى الشعبية الأفغانية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك في سوريا: الأمل أصدق إنباءً من السيف 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.