هل هناك يوم أفضل من يوم سبت ممتاز؟ إذا كنت من محبي كرة القدم فأنت تعرف الإجابة على الفور، بالطبع لا يوجد. قبل أن يرحل ميسي ورونالدو عن الليجا كان هناك بعض من المناوشات حول فكرة الدوري الأفضل في العالم، لكن وبمجرد أن تبدأ مباريات السبت الممتاز يتفق الجميع أن البريميرليج هو الأفضل دون شك.

تزداد قوة الدوري الإنجليزي يومًا بعد يوم. كرة قدم تنافسية ممتعة مضمونة كل أسبوع، ملاعب مثالية وقوائم لاعبين تضج بالنجوم وإخراج تليفزيوني أشبه بأفلام هوليود حتى لو كنت تشاهد مباراة بين متذيلي جدول الترتيب.

قبل حوالي ثلاثين عامًا من الآن لم يكن الأمر كذلك أبدًا. كانت كرة القدم في إنجلترا قد وصلت للحضيض. يذكر أنه في مايو/ أيار 1985 اندلع حريق في منتصف المباراة في ملعب برادفورد عندما أشعل عقب سيجارة كومة من القمامة المتقيحة تحت المدرجات. لم تكن داخل الملعب طفايات حريق وأدى ذلك إلى وفاة ستة وخمسين شخصًا.

كانت كرة القدم في إنجلترا تُصنف على أنها بوتقة الشغب خاصة بعد مأساة هيلزبرة. كانت تلك الرياضة مكروهة من قبل الحكومة والأهم أنها كانت تكافح اقتصاديًا من أجل تغطية نفقاتها لا أكثر.


كيف أصبح الدوري الإنجليزي ممتازًا

تعالت الأصوات حول أهمية تحسين الملاعب، لكن في الحقيقة أدت تلك الأصوات إلى وجود جدل حقيقي حول أهمية المال، إذا كان تحسين الملاعب مسئولية الفرق فيجب توافر المزيد من المال. هذا الجدل طرح سؤالًا هامًا حول من يستحق أن يدير اللعبة في إنجلترا وأفضل طريقة لإعادة البناء.

بدأ الأمر عبر الخمسة الكبار وهي أندية أرسنال وتوتنهام وليفربول وإيفرتون ومانشستر يونايتد. أثارت تلك الأندية ضجة حول مقدار ما يحصلون عليه. في المقابل حاول المسئولون عن دوري كرة القدم الإنجليزي تقديم بعض التنازلات مثل إعادة توزيع حقوق البث التلفزيوني وزيادة حصة الفريق المضيف من إيرادات تذاكر الملعب حيث كان الفريق الضيف يأخذ حصة من قيمة التذاكر تحت مبدأ المنافسة الهادفة، لكن ذلك لم يكن كافيًا أبدًا.

أدركت الفرق الكبرى أن مسئولي الدوري الإنجليزي لا يديرون اللعبة بشكل جيد، حتى أنهم يُقَيمون حقوق البث في كرة القدم بأقل من قيمتها الحقيقية وذلك لأنهم لم يفكروا أن مباريات الدوري الإنجليزي قد تمثل في حد ذاتها حدثًا يمكن ترويجه.

كانت المشكلة الأكبر أن الاتحاد الذي يدير اللعبة في إنجلترا يقوم بتوزيع العوائد على ال92 فريقًا المكونين لكل درجات الدوري الإنجليزي. ومع نمو طموحات الأندية الكبرى في مجال الأعمال أصبحوا ينظرون إلى ما تبقى من الأندية الإنجليزية على أنها عبء.

لم يستطع اتحاد الكرة أن يصمد أكثر، قرر أخيرًا أنه لا يعارض فكرة إقامة الدوري المنفصل.

وقعت الأندية الـ 22 المكونة لدوري الدرجة الأولى آنذاك على اتفاقية الأعضاء المؤسسين في يوليو 1991. أرست الاتفاقية مبادئ الدوري الإنجليزي الممتاز مثل الاستقلال التجاري والالتزام بالترقية والهبوط وصيغة محددة لتوزيع الإيرادات.

هكذا أصبح هناك دوري إنجليزي ممتاز تديره رابطة اختارتها الأندية ذاتها برئاسة رجل يدعى «ريك باري»، لكن ذلك لم يكن سوى البداية أما الجزء الأهم كان يملكه رجل يدرك جيدًا أن مباراة كرة قدم هي الحدث.

ريك باري والخمسة الكبار

انضم السيد ريك باري إلى «مكتب آرثر يونغ» في ليفربول كمحاسب في عام 1979، وترقى في النهاية إلى منصب مستشار الإدارة العليا. خلال ذلك الوقت قررت مدينة مانشستر محاولة استضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 1996 وعمل باري في هذا الملف.

سرعان ما تلاشى الحلم الأولمبي لمانشستر، لكن عمل باري في تلك الحملة جعله يدخل في فلك بعض الرائدين في الرياضة البريطانية. التقى بعد ذلك بمجموعة من رجال الأعمال الطموحين والذين كانوا في مهمة خيالية خاصة بهم أرادوا كسب المال من كرة القدم الإنجليزية.

«ديفيد دين» تاجر الفواكه الاستوائية الذي قامر بما تبقى من ثروته في شراء نادي أرسنال. كذلك «إيرفينغ سكولار» قطب العقارات المعروف والذي اشترى أسهم نادي طفولته توتنهام هوتسبير بثمن بخس.

أما «مارتن إدواردز» فقد كان يسيطر على مانشستر يونايتد بوسائل مماثلة. لم يكن الثلاثي هم المُحدثون الوحيدون في كرة القدم الإنجليزية في هذا الوقت. سينضم آخرون إلى مجموعتهم من المحرضين ولا سيما رئيس إيفرتون فيل كارتر ونويل وايت من ليفربول.

تأثر كبار كرة القدم في إنجلترا كثيرًا بالنموذج الأمريكي الذي كان ناجحًا بشكل كبير من خلال إدارة كرة القدم الأمريكية. ظهرت متاحف الأندية والمتاجر والتمائم لكن ذلك لا يكفي بالطبع.

تحققت أهم خطوة طلبها الخمسة الكبار من باري وهي فصل قمة الهرم في كرة القدم الإنجليزية وهي أندية الدوري عن باقي الهرم أي باقي الأندية في الدرجات الأدنى التي يعول همها الاتحاد القديم. أما الخطوة التالية كانت تسويق قمة الهرم لجني الأموال وكان الحل دون شك في عوائد البث التليفزيوني.


دعنا نعود إلى ريك باري، الرجل الذي عهد إليه بإدارة الدوري الإنجليزي الممتاز. كيف يقنع الرجل 22 ناديًا ظلوا لأعوام يتشاجرون حول فكرة حقوق البث. كان حل باري مباشرًا، التقسيم بنسبة 25:25:50.

حيث تُقسم 50 في المائة بالتساوي، ثم 25 في المائة طبقًا للظهور التلفزيوني مع وجود حد أدنى معين لكل نادي، ثم تقسم النسبة المتبقية البالغة 25 في المائة طبقًا إلى موقع الفريق في الترتيب النهائي. الآن لم يتبق سوى اختيار شركة البث.

كانت مباريات الدوري الإنجليزي قبل مرحلة الممتاز تبث عن طريق شركة ITV والحقيقة كانت تلك الشركة تملك علاقات وثيقة بالخمسة الكبار، لكن على الجانب الآخر تمامًا كان هناك رجل سيغير اللعبة للأبد.

أموال مردوخ التي ستغير كل شيء

كان الوقت يشير إلى الساعة الرابعة صباحًا بقليل عندما رن جرس الهاتف في شقة من الطابق الرابع والعشرين في بناية هامبشاير هاوس في نيويورك المطلة على سنترال بارك. هذا الجرس أيقظ أقوى رجل إعلام في العالم آنذاك.

إنه السيد «روبرت مردوخ»، الرجل الأمريكي الذي يملك شبكة BSkyB. كان هذا الرجل على إيمان عميق أن التليفزيون الإنجليزي هو الأفضل لكنه اصطدم بعزوف الجمهور الإنجليزي عن مشاهدة التليفزيون مدفوع الأجر. كان قد استثمر ملياري جنيه إسترليني في BSkyB لكنه كان يخسر مليون جنيه إسترليني في الأسبوع وكان عدد المشتركين في قناته 500 ألف مشترك فقط.

كان الصوت من الجانب الآخر يخبر مردوخ أنه سيحتاج إلى وضع 30 مليون جنيه إسترليني أخرى على الطاولة للفوز بحقوق بث مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز وهو ما وافق عليه مردوخ ليبدأ عصرًا جديدًا من كرة القدم في إنجلترا.


304 ملايين جنيه إسترليني كانت قيمة عرض شبكات سكاي. اشترت تلك الأموال ستين مباراة في السنة. قرر مردوخ حلب كل مباراة منها. بدلاً من الساعتين تقريبًا التي اعتاد المذيعون تخصيصها للمباراة قررت Sky أن الدوري الإنجليزي الممتاز يجب أن يُستهلك في ماراثون مدته خمس ساعات.

غيرت سكاي من شكل كرة القدم من حيث الإخراج وأطقم المذيعين والطائرات الدعائية التي تحلق قبل المباريات.

أصبحت كرة القدم الإنجليزية تدر مالًا أخيرًا ولذا قرر عدد من المليونيرات أن يشتروا بعض الأندية. أصبح هناك تنافس محموم على شراء اللاعبين وانعكس ذلك على الملعب. مانشستر يونايتد كانت له الريادة بإدارة ذكية ثم ظهر بلاكبيرن روفرز عقب موسمين بفضل المليونير جاك. أصبح ملء خمس ساعات بث مباشر لا يمثل أي مشكلة لسكاي وأصبح الدوري الإنجليزي الممتاز يدر المال تليفزيونيًا.

تطور الأمر عبر السنوات حتى أن الصفقة الأخيرة لحقوق البث التلفزيوني مع الشركاء الحاليين Sky و BT و Amazon كانت بقيمة 4.8 مليار جنيه إسترليني وذلك رغم ظروف الكورونا. أما حقوق بث الدوري خارج إنجلترا فهذا أمر آخر.

تولى إدارة الدوري فيما بعد رجل يدعى سكودامور والذي أقنع مالكي الأندية أنهم يستطيعون الحصول على أموال أكثر عن طريق تقسيم حقوق البث الخارجية إلى حزم إقليمية منفصلة والتعامل وجهًا لوجه مع شركات التلفزيون دون وجود وسيط.

نجح مخطط سكودامور على الفور. في عام 2004 بيعت الحقوق الدولية للدوري بمبلغ 325 مليون جنيه إسترليني بزيادة قدرها 83 في المائة عن الدورة السابقة. في عام 2007 قفز الإجمالي إلى 625 مليون جنيه إسترليني في حين شهدت دورة 2010 بيع حقوق ملكية الدوري الإنجليزي الممتاز في الخارج بقيمة 1.4 مليار جنيه إسترليني.

الملاك الإنجليز الذين ثاروا في عام 1992 لم يحلموا بمثل هذا النجاح. لقد أرادوا فقط تقليد أمريكا. لم يكن لديهم أي فكرة أنه بعد خمسة وعشرين عامًا سيكون دوريهم المنشق هو أهم استيراد إعلامي لأمريكا.

الوصفة التنافسية

الأهم هنا أنه بغض النظر عن مقدار الأموال المتدفقة تبقى النسبة بين ما يحصل عليه صاحب أعلى ربح في الدوري وتلك المخصصة لصاحب المركز العشرين هي 1.6 إلى 1.

هنا يكمن المكون السري للوصفة التنافسية للدوري الإنجليزي الممتاز وهو صناعة إطار للحفاظ على الأندية الصغيرة غنية نسبيًا وجعل الهبوط إلى الدرجة الأولى كارثة مالية.

كل مباراة في الدوري أصبحت مهمة الآن. سواء كان النادي يطارد اللقب أو يهرب من الهبوط، فإن كل مباراة ولمدة ثمانية وثلاثين أسبوعًا في السنة كانت تقاس بالملايين.

تجلى ذلك على أرض الملعب فقد أصبحت كل مباراة أكثر تنافسية. لم يعد أحد يتهاون بعد الآن، ولا حتى عندما يتأخر بهدفين أو ثلاثة.

الأباطرة الجدد

هذا التنافس المحموم وسنوات من كرة القدم المثيرة وأعوام من ثنائيات فيرجسون فينجر جعلت الدوري الإنجليزي الممتاز محط أنظار العالم والأهم محط أنظار مليونيرات جدد في عالم كرة القدم. كانت الريادة لإبراموفيتش بالطبع.

تحدث الجميع في العاصمة أن هناك رجلاً روسيًا اشترى نادي تشيلسي، توقع الجميع نسخة مكررة من بلاكبيرن روفرز أي نسخة الموسم الواحد، لكن الأمر كان مغايرًا.

في أول صيف له كمالك لتشيلسي أنفق أبراموفيتش حوالي 175 مليون دولار لشراء أربعة عشر لاعبًا جديدًا. في العام التالي أنفق 145 مليون دولار أخرى على تسعة لاعبين وعين مدربًا شابًا فاز للتو بدوري أبطال أوروبا اسمه جوزيه مورينيو.


أدرك أبراموفيتش أن النظام المعمول به في الدوري الإنجليزي الممتاز والذي يجعل كل الأندية غنية بشكل نسبي لكي يتم تغييره فالمرء يحتاج قوة مالية غاشمة. فعل ذلك أبراموفيتش وفاز تشيلسي بأول لقب دوري له منذ ستين عامًا.

تستطيع أن تتابع كل نادٍ على حدة في رحلات صعود وهبوط، آل جليزر استولوا على أسهم مانشستر وكفاءة فيرجسون تبقيه في الصورة. أرسنال يغرق في فكرة تجديد الملعب وينحدر عامًا بعد الآخر. ظهر أخيرًا السيتي بشكل مشابه لتشيلسي حيث يمكنك شراء كل شيء.

لكن في وسط كل هذا استطاع فريق مثل ليستر أن يفوز بالدوري. على مدار ثلاثة مواسم، قام بهدوء بتجميع مجموعة من اللاعبين مقابل حوالي 75 مليون دولار. كلف فريق آرسنال في ذلك الوقت حوالي خمسة أضعاف ذلك المبلغ وكان فريق مانشستر سيتي أغلى بثماني مرات.

هذا لأن رغم كل تلك الأموال لا زال هناك أمل لكل فريق إنجليزي في الفوز طالما أنه يلعب بنفس الحماس كل أسبوع.

تفاصيل هذا المقال مأخوذة عن الكتاب الإنجليزي:

The Club

: How the English Premier League Became the Wildest, Richest, Most Disruptive Force in Sports