اقتضت كثرة أوقاف رواق المغاربة بالأزهر المعمور، أن تكون له إدارة حازمة ومنتظمة وذات كفاءة وأمانة في آن واحد. ومن هنا نشأ نظام «مشيخة الرواق». وقد أسهم «شيوخُ الرواق» ومعاونوهم بدور أساسي في تسيير أعماله، وضبط إدارته، وحل مشكلاته، والمحافظة على أوقافه، والسهر من أجل استثمارها وحمايتها لكونه «الناظر» على تلك الأوقاف. وكان شيخ الرواق يظل في منصبه بدءاً من اختياره إلى حين انتهائه من تحصيل العلم في الأزهر تارة، أو إلى نهاية حياته تارة أخرى. وغالباً ما كان يتم اختياره من بين أكبر المجاورين المغاربة سناً. وكان شيخ الرواق مغربياً مرة، وجزائرياً مرة، وتونسياً أو ليبياً في حالات أخرى. وكان تداول مشيخة الرواق يتم -في معظم الأحوال- بسلام وبانتظام بين «المغاربة» على اختلاف انتماءاتهم الجغرافية.

ولا تتوافر معلومات عن إجراءات اختيار «شيخ الرواق» أو طريقة انتخابه، ولا عن شروط التقدم لشغل هذا المنصب، فيما عدا الشروط العامة المتعلقة بالأمانة، وحسن الخلق، والكفاية الإدارية.

وتفيد المعلومات المُستقاة من حجج
أوقاف الرواق ومستنداته أن «شيخه» كان –غالباً- صاحب شخصية قوية وعلاقات حسنة مع
طلاب الرواق والمجاورين به، وأنه كان يحظى بقبولهم واحترامهم. وكان يساعده في أداء
مسئولياته «نقيب الرواق»، و«جابي أوقاف الرواق». وكان الجابي مسئولاً عن تحصيل
إيجارات أوقاف الرواق وصيانتها وترميمها. وكان هناك عدد آخر من العمال تحت إمرة
شيخ الرواق؛ أحدهم للحراسة، والآخر لملء خزان الرواق بالمياه، وثالث لتنظيف الرواق
وفرشه.

وإضافة إلى شيخ الرواق ومعاونيه، تشكلت -في وقت متأخر- «هيئة» لمعاونة شيخ الرواق في إدارة شئونه. وكانت تضمُّ عضوين من كل بلد مغاربي، ولكن تجربة هذه الهيئة مع شيخ الرواق لم تكن إيجابية، إذ سرعان ما دب الخلاف بين أعضائها، وقد تجاهلها شيخ الرواق في العقود الأخيرة التي سبقت إغلاقه بعد ثورة يوليو 1952، الأمر الذي أدى لنشوب خلافات ومنازعات، أفضت ذات مرة إلى مقتل شيخ الرواق الشيخ «علي صالح الفزاني» في مشاجرة مؤسفة وقعت بينه وبين أعضاء تلك الهيئة في سنة 1331هــ/ 1913هــ.

وإذا كانت كتب تراجم الأعلام قد أهملت
ذكر شيوخ «رواق المغاربة»، وصمتت عن أخبارهم، فإن السبب الرئيسي لهذا الإهمال هو
أن أولئك الشيوخ لم يكونوا في عداد «العلماء» الذين تحفل بهم كتب التراجم، وإنما
كانوا طلاباً من طلاب الرواق توافرت لديهم قدرات قيادية وخبرات إدارية أهلتهم
لتولي «مشيخة» الرواق إدارياً، وليس علمياً، على نحو يشبه «رؤساء اتحادات الطلبة»
في المدارس والمعاهد والجامعات.

وتكشف وثائق أوقاف رواق المغاربة عن جوانب مهمة من حياة شيوخه، وتحكي طرفاً من إنجازاتهم في خدمة الرواق والمجاورين الذين أقاموا به أو ترددوا عليه. وقد دققتُ النظرَ كثيراً في تلك الوثائق، فوجدتها تغطي الفترة من الثلث الأول من القرن الثاني عشر الهجري (الربع الأول من القرن الثامن عشر الميلادي)، إلى بداية النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري (الثلث الأول من القرن العشرين الميلادي)؛ أي إن هذه الوثائق تمكننا من معرفة جوانب مهمة من سيرة «شيوخ الرواق» في خلال قرنين وربع القرن من الزمان. وهؤلاء لم يرد لهم ذكر في كتب التراجم التي غطت هذين القرنين.

أقدم شيخ لرواق المغاربة ورد اسمه فيما اطلعت عليه من تلك الحجج والوثائق هو: الشيخ «زين الدين عبد السلام بن شمس الدين محمد بن المرسي المالكي». ومن المؤكد أن هناك من سبقه في مشيخة هذا الرواق، ولكن الوثائق المحفوظة بأرشيف وزارة الأوقاف لا تسعف بشيء عن ذلك. كما لا توجد معلومات تحدد متى تولى الشيخ زين الدين المشيخة ومتى غادرها؟ وكل ما تتضمنه تلك الحجج هو أن الشيخ زين الدين كان شيخاً لرواق المغاربة في سنة 1137هــ/1725م، بحسب ما نصت عليه حجة مشترى ووقف الحاج الطيب المنجور المغربي لرواق السادة المغاربة أمام محكمة الباب العالي بمصر في 3 شعبان 1137هــ/17 أبريل 1725م. وثمة حجة أخرى لوقف الشيخ زين الدين عبد الجواد بن عبد الرحمن، محررة أمام محكمة الصالحية النجمية بمصر في 6 شعبان 1145هــ/22 يناير 1733م، تفيد أن الشيخ زين الدين عبد السلام كان لا يزال شيخاً للرواق حتى تاريخها على الأقل.

وبعد حوالي ثلاثة عقود، ظهر في حجج
أوقاف الرواق (التي اطلعت عليها) شيخٌ آخر له هو: الشيخ قاسم بن محمد المكناسي
المالكي، وذلك بحسب ما ورد في حجة التراضي بين كل من الأمير عبد الرحمن كتخدا ابن
حسن كتخدا مستحفظان، والسيد الشريف قاسم ابن محمد المغربي المالكي شيخ رواق السادة
المغاربة. وهذه الحجة محررة أمام محكمة جامع الزيني ببولاق القاهرة في 15 شعبان
1172هـ/ 13 أبريل 1759م. وتفيد حجة أخرى أنه ظل شيخاً للرواق حتى 20 ذي القعدة
1174هــ /23 يونيو 1761م، وهي حجة وقف الحرمة خديجة بنت الحاج محمد عبيد النحاس،
لصالح الرواق، وهي محررة أمام محكمة جامع الصالح نجم الدين أيوب بمصر في التاريخ
المذكور.

وقد خلفَ الشيخ المكناسي في مشيخة الرواق: الشيخُ «زين الدين أبو الحسن المغربي المالكي»، وذلك طبقاً لما تفيده حجة وقف الحاج عمر الحنيشي من أعيان التجار في الأقمشة الهندية بخط الجامع الأزهر، وقد حررها بحضور شيخ رواق المغاربة حينها «الشيخ زين الدين أبي الحسن المغربي المالكي»، وسبعة وعشرين آخرين من المجاورين بالرواق، كان منهم المغربي، والجزائري، والتونسي، والليبي. وتحررت هذه الحجة أمام محكمة قناطر السباع بمصر في 13 شوال 1176هــ/27 أبريل 1763م.

ومن أعمال الشيخ زين الدين أبي الحسن
المغربي -أثناء مشيخته للرواق- أنه اشترى عدة عقارات ووقفها لصالح أوقاف رواق
المغاربة، وذلك بحضوره هو وأحد عشر من المغاربة المقيمين في مصر والمجاورين
بالأزهر. وقد حرر بالمشترى والوقف حجةً أمام محكة القسمة العسكرية بمصر في 22 ذي
القعدة 1196هــ/29 أكتوبر 1782م. وثمة حجة أخرى بشراء ووقف لصالح أوقاف الرواق
محررة أمام محكمة القسمة العسكرية في 25 صفر 1197هــ/30 يناير 1783م، وقد ورد فيها
ما يفيد أن الشيخ زين الدين أبا الحسن ظل شيخاً لرواق المغاربة حتى تاريخ تحرير
تلك الحجة على الأقل، وقد اشترى بموجبها حصة عقارية بخط الأزهر، بصفته ناظراً على
وقف الأمير محمد بيك أمير تونس، وجعل تلك الحصة مضمومة لأوقاف رواق السادة
المغاربة بالأزهر الشريف.

ظل الشيخ زين الدين أبو الحسن شيخاً للرواق حتى سنة 1198هــ/1784م على الأقل، ثم جاء بعده الشيخ «عبد الرحمن المغربي المالكي»، وصار شيخاً للرواق من 12 جمادى الآخرة 1204هــ/27 فبراير 1790م. وهذا ما تثبته حجة إسقاط ووقف حررها الشيخ عبد الرحمن بنفسه لجهة أوقاف رواق المغاربة، بتاريخ 12 جمادى الآخرة 1204هــ/ 27 فبراير 1790م، أمام محكمة الباب العالي بمصر. وتوجد حجة أخرى بإسقاط حقوق لصالح أوقاف رواق السادة المغاربة، حررها الشيخ محمد الأمير المالكي شيخ مشايخ أهل الإفادة والتدريس بالجامع الأزهر، والناظر يومها على أوقاف زاوية الشيخ الدردير، وقد تحررت تلك الحجة أمام محكمة الباب العالي بتاريخ غرة ربيع الأول 1205هــ/8 نوفمبر 1790م، وكان ذلك الإسقاط مقابل إسقاط مقابل له أجراه الشيخ عبد الرحمن شيخ الرواق لصالح وقف زاوية الشيخ أحمد الدردير من حكر الأرض الحاملة لبناء الزاوية المذكورة، وكان قدْرُ الحكر المذكور ثلاثين نصف فضة؛ إسقاطاً شرعياً مقبولاً من كل من الناظِرَيْن المذكورَيْن.

ويبدو أن الشيخَ عبد الرحمن المغربي المالكي قد استمر شيخاً للرواق، إلى أن خلفه الشيخ «أبو القاسم المغربي» إبان الحملة الفرنسية على مصر. وقد حكى الجبرتي أن الفرنسيين قبضوا على الشيخ أبي القاسم في 24 ذي القعدة 1215هــ/29 مارس 1803م، وسجنوه في سجن القلعة؛ لكيلا يحض طلاب الرواق على الانضمام للمصريين في جهادهم ضد الغزو الفرنسي. ولا تسعفنا المصادر بمعلومات عن المدة التي قضاها الشيخ أبو القاسم في سجن القلعة، وإن كان أغلب الظن أنه خرج بعد مدة وجيزة، وأنه استمر شيخاً للرواق إلى ما قبل سنة 1241هــ/1825م؛ وهي السنة التي كان فيها الشيخ «شمس الدين محمد كمون» شيخاً للرواق؛ والثابت من الوثائق والحجج الوقفية أن الشيخ كمون قد ظل في منصبه شيخاً للرواق وناظراً على أوقافه مدة ثلاثين عاماً على الأقل. وحجج أوقاف السادة المغاربة التي اطلعت عليها تؤكد ما سبق، ومنها:

  1. حجة شراء ووقف لصالح الرواق محررة أمام محكمة الباب العالي بمصر في 8 جمادى الآخرة 1241هــ/18 يناير 1826م. وكان هذا الشراء بمال خاص بأوقاف الرواق، وقد اشترى به ناظر أوقافه وشيخه الشيخ كمون «جميع ملك الحانوت الكائن بمصر بخط سوق النحاسين، وجعله وقفاً على السادة المالكية المغاربة المجاورين برواق المغاربة بالأزهر الشريف».
  2. حجة شراء ووقف لصالح الرواق محررة أمام محكمة الباب العالي بمصر في 15 صفر 1242هــ/18 سبتمبر 1826م. وكان الشراء بمال متجمد تحت يد شيخ الرواق وناظر أوقافه الشيخ كمون، لجهة وقف «الأسطى محمد الحلاق»، على رواق السادة المغاربة، ليصرف الريع على المجاورين به.
  3. حجة شراء ووقف لجهة وقف السادة المغاربة، محررة أمام محكمة الباب العالي بمصر في 4 رجب 1258هــ/11 أغسطس 1842م. وكان الشراء بمال آيل إلى شيخ الرواق وناظر أوقافه الشيخ كمون، وهو ثمن حانوت مبتاعة أنقاض، واشترى بدلاً عن ذلك كامل بناء بيت بخط الجامع الأزهر بربع السلطان قايتباي بالدور العلوي، بمبلغ 10.000 نصف فضة ديواني، ما يعادل 200 قرش رومية.
  4. حجة شراء ووقف لصالح الرواق، محررة أمام محكمة الباب العالي خط الأشرفية بمصر في 15 محرم 1270هــ/18 أكتوبر 1853م. وتم الشراء بمال لجهة وقف «الأسطى محمد الحلاق»، وهو عبارة عن كامل بناء الحاصل داخل وكالة المصبغة بالقرب من تبليطة الغورية، وجميع ملك كامل الطبقتين بالوكالة المرقومة، الجاري أصل ذلك في وقف السلطان الغوري، بمبلغ قدره 720 قرشاً بحسب أسعار ذلك الزمن.
  5. حجة شراء ووقف لصالح الرواق محررة أمام محكمة الباب العالي بمصر في 15 محرم 1271هــ/8 أكتوبر 1854م. وتم الشراء بمال متجمِّد لجهة وقف «الأسطى محمد الحلاق»، وتحت يد شيخ الرواق وناظر أوقافه الشيخ كمون، ومن بايعه محمود الفخاخ من التجار بسوق الفحامين عن نفسه، ومحمد العدَّاد الوكيل عن الحاج محمد بن محمد المالكي الغائب بالإسكندرية، الوكيل عن الغائب بمدينة صفاقس بتونس، وكان المبيع  جميع «الحانوت بسوق الفحامين، على يمنة الداخل بمبلغ 11.000 قرشٍ، وجعل المشتري كاملَ الحانوت وقفاً من تاريخه كوقف الواقف، يصرف ريعه طبقاً لشروط الواقف المخلدة تحت يد الناظر على أوقاف رواق المغاربة».

ويبدو أن الشيخ شمس الدين محمد كمون كان قد تغيَّب عن نظارة أوقاف رواق المغاربة وعن مشيخته لمدة قصيرة خلال الثلاثة العقود التي شغل فيها منصب شيخ الرواق، وكان هذا الغياب -على الأرجح- في سنة 1249هـ/1834م؛ وهي السنة التي حل محله فيها في مشيخة الرواق الشيخ «شمس الدين محمد بن الحسين المالكي»، وأضحى ناظراً على أوقافه أيضاً. وإلى ذلك أشارت حجة شراء ووقف حررها الشيخ محمد بن الحسين المالكي أمام محكمة الباب العالي بمصر، في 23 ذي القعدة 1249هــ/ 3 أبريل 1834م، لصالح أوقاف الرواق، وكان العقار المشترى عبارة عن «فرن كائن بمصر بخط طولون قريباً من جامع طولون بقلعة الكبش بحوش الفيل، المعروفة بفرن البابين». وقد اشتراها الشيخ محمد بن الحسين بمال متوافر من تواجر المصبغة والحانوت الصغير بجوارها، وهما من أوقاف رواق المغاربة، وتم شراء ذلك الفرن من بايعه «عبد الرحمن أفندي معاون ثاني حضرة مولانا الوزير المعظم محمد علي باشا والي مصر حالاً (آنذاك)».

ثم عاد الشيخ كمون للظهور بعد تلك السنة. وسجلت وثائق أوقاف رواق المغاربة حضوره في أكثر من مناسبة، على النحو السابق بيانه حتى سنة 1271هــ/1854م.