في الرابع عشر من سبتمبر/أيلول 2016،

تم انتخاب

المحامي السلوفيني المجهول آنذاك «ألكسندر تشيفرين» رئيسًا جديدًا للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، بعد حصوله على 42 صوتًا مقابل 13 صوتًا لمنافسه، رئيس الاتحاد الهولندي لكرة القدم «مايكل فان براج».

صعد الرئيس السابع في تاريخ الاتحاد الأوروبي المُنتخب لتوه للمنصة، وذلك لإلقاء كلمة في الحفل الذي أُقيم لتنصيبه على عرش الكرة الأوروبية، وبوجه شديد الصرامة، غير مُبتسم، يبدو عليه أنه غير مبالٍ من وسائل الإعلام التي تقبع أمامه، وتتفحصه للمرة الأولى تقريبًا، قال:

شكرًا على دعمكم الرائع لي، إنه لشرف عظيم لي دعمكم هذا، كما أنه يُلقي على عاتقي مسئولية كبيرة، عائلتي الصغيرة فخورة بذلك، وأيضًا بلدتي الصغيرة سلوفينيا فخورة بذلك، أتمنى أن تكونوا فخورين بعملي يومًا ما.


من القانون إلى قمة الكرة الأوروبية

وُلد ألكسندر في عائلة سلوفينية يمتهن معظمها القانون، وتمتلك مكتب محاماة كبيرًا في سلوفينيا، وهو ما جعل أولويته هي دراسة القانون. حصل تشيفرين على شهادة في الحقوق من جامعة «ليوبليانا»، ثم التحق بمكتب عائلته وعمل كمحامٍ في قضايا حقوق الإنسان منذُ تخرجه وحتى العام 2005، قبل أن يُقرِّر العمل في كرة القدم.

طبقًا

للموقع الرسمي

للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، بدأ السيد تشيفرين اهتمامه الرسمي بكرة القدم المحلية في عام 2005، من خلال عمله مع المجلس التنفيذي لنادي كرة الصالات FC Litija، وكذلك كعضو في اللجنة التنفيذية لفريق الهواة FC Ljubljana Lawyers منذ 2005، كما شغل منصب عضو اللجنة التنفيذية في NK Olimpija Ljubljana من 2006 إلى 2011.

في عام 2011، تم انتخاب السيد تشيفرين رئيسًا لاتحاد كرة القدم في سلوفينيا، كما شغل منصب النائب الثاني والثالث لرئيس اللجنة القانونية للاتحاد الأوروبي لكرة القدم من 2011 إلى 2016، إلى أن تم انتخابه كرئيس للاتحاد الأوروبي لكرة القدم في سبتمبر/أيلول من نفس العام (2016).

نصير الضعفاء

كانت
كلمات ألكسندر عن بلدته الصغيرة سلوفينيا على المنصة إبان تتويجه مقصودة، فقد رفع
الرجل شعار نصرة الدول الصغيرة والفرق الصغيرة، والعمل على الحد من توغل الأندية
والدول الكبيرة التي تسيطر بشكل شبه كلي على موارد البطولات الأوروبية المختلفة.

طبقًا

لصحيفة الجارديان

الإنجليزية، فإن قصة صعود ألكسندر لرئاسة الاتحاد الأوروبي بدأت من الأساس من دول الشمال والشرق الأوروبي والتي تمثل الحلقة الأضعف داخل الاتحاد، حيث بدأت مباركة ترشحه من قبل 15 دولة من الدول ذات النفوذ الأقل في الاتحاد، ما يعني رئيسًا يمثلهم ويدافع عن حقوقهم حال فوزه.

وكانت
خطابات تشيفرين أثناء حملته الانتخابية تُشير إلى ذلك بقوة، فتحدث في مناسبات عدة
عن ضرورة إيجاد حل لسد الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة:

لدينا الكثير للقيام به لسد الفجوة بين الفقراء والأغنياء من الأندية والدول، المسافة بين الدول الغنية والفقيرة صارت أوسع، ويجب علينا العمل لحل ذلك.

قبل
إعلان ألكسندر عن حملته، خرج اتحاد كرة القدم الدنماركي والفنلندي والنرويجي
والسويدي لصالح ترشيحه. وزعمت صحيفة «

دي
فولكسرانت

» الهولندية أن رئيس الفيفا قد أرسل مستشارًا إلى اجتماع اتحاد شمال
أوروبا للضغط نيابة عن تشيفرين قبل نهائي دوري أبطال أوروبا في 28 مايو/أيار 2016.

وكان المستشار الذي تم إرساله إلى اجتماع مايو هو الأمين العام لاتحاد كرة القدم النرويج، Kjetil Siem، والذي تم الإعلان عنه كمدير الشئون الإستراتيجية لـ «جياني إنفانتينو»، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، في 18 مايو/أيار 2016.

كما
صرح «جيسبر مولر»، رئيس الاتحاد الدنماركي، لـ

ESPN FC

:

نحن خائفون من المستقبل لأن الأندية الكبرى في أوروبا أصبحت أكثر نفوذًا وتطلبًا. التوازن داخل اللعبة الأوروبية ليس صحيحًا، ونحتاج إلى شخص يتعامل مع هذا الأمر. سنصوِّت لصالح تشيفرين لأننا نعتقد أنه سيمثلنا، ويتفهّم المشاكل التي تواجهها دول مثلنا، ولديه القوة والتصميم لضمان وجود قدر أكبر من المساواة داخل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم. إنه رئيس لجميع أفراد أسرة كرة القدم.

وأضاف
توماس هولرير من الاتحاد النمساوي:

تشيفرين يمكن أن يكون التغيير الذي تتطلبه كرة القدم الأوروبية. لقد قدّم بعض الوعود الجريئة حول ما سيفعله من أجل الدول الأصغر ونتوقع أن يحققه.

قبل الانتخابات بأيام قليلة كان ما يقارب من 35 اتحادًا قد أعلن دعمه لتشيفرين، كان معظمهم من دول شمال أوروبا، قبل أن يفوز بحصوله على 42 صوتًا من أصل 55 صوتًا.

منْ قال «لا» في وجه من قالوا «نعم»

كان تشيفرين واضحًا من البداية، فكان أول ما باع من بضاعته هو نصرته للضعفاء، وعدم خشيته من مواجهة الكبار، وهو ما أضمر العداء في نفوس إدارات الأندية الأوروبية الكبرى، وهو ربما ما جعلهم يُخطِّطون لطريق آخر يضمن لهم المزيد من الموارد المالية، حتى ولو كان خارج عباءة الاتحاد الأوروبي نفسه.

في
19 إبريل/نيسان 2021، أعلن 12 ناديًا من الصفوة في تاريخ الكرة إنشاءهم لمسابقة
دوري السوبر الأوروبي، وكشفوا عن انطلاق أول نسخة من المسابقة بداية من موسم 2021-2022. البيان المشترك أوضح أنه سيتم
توجيه الدعوة إلى 3 أندية أخرى للمشاركة في المسابقة قبل انطلاق الموسم الجديد،
التي ستكون مبارياتها في منتصف الأسبوع كما جرت عادة دوري أبطال أوروبا.

خرج الاتحاد الأوروبي على الفور ببيان مشترك مع الاتحادات الإنجليزي والإسباني والإيطالي، ليُندِّد بفكرة إقامة البطولة، وجاء

نص البيان كالتالي

:

علمنا أن بعض الأندية الإنجليزية والإيطالية والإسبانية يُخطِّطون لإعلان بطولة خاصة بهم، تحت اسم دوري السوبر الأوروبي، وفي هذا الصدد نُشدِّد أن الأطراف المُصدرة لهذا البيان، ومعهم فيفا، متحدون لإيقاف هذا المشروع المثير للسخرية، لأنه مبني على مصالح ضيقة لفئة قليلة من الأندية، في وقت تطمح فيه كرة القدم الأوروبية وتحتاج إلى تكاتف الجميع.

اندلع غضب الجماهير بمجرد الإعلان الرسمي عن الفكرة، فترددت أصداء الهدير من خارج «ستامفورد بريدج» بالقرب من جنوب غرب لندن، لكنها أحدثت دويًا في جميع أنحاء عالم كرة القدم. توقّفت حافلة فريق تشيلسي خارج أرضهم، قبل ساعتين فقط من انطلاق المباراة ضد برايتون مساء الثلاثاء 20 إبريل/نيسان 2021. كانت إحدى الهتافات «أيها الأوغاد الجشعون، أنتم تدمرون نادينا». وكان آخر: «لم تعد هناك كرة قدم بعد الآن»، الأمر الذي اضطر أسطورة تشيلسي والمستشار الفني للنادي، «بيتر تشيك»، إلى الخروج للجماهير ليُناشدهم بالمضي قدمًا، ووعدهم بحل المشكلة.

تلا اعتراض جماهير تشيلسي سيل من الاعتراضات داخل وخارج إنجلترا، حيث نشر اتحاد مشجعي كرة القدم (الهيئة التمثيلية للمشجعين في إنجلترا وويلز) بيانه، وقال فيه:

إن الاتحاد يُعارِض تمامًا المقترحات التي تسعى إلى إنشاء دوري السوبر الأوروبي الانفصالي، إن الدافع وراء ما يسمى بـ Super League ليس لتعزيز الجدارة الرياضية أو رعاية اللعبة، ولكنه قرار لا يُحفِّزه سوى الجشع الساخر. يتم إنشاء هذه المنافسة خلف ظهورنا من قبل أصحاب الأندية الذين لا يهتمون بتقاليد اللعبة وسيواصلون معاملة كرة القدم على أنها إقطاعيتهم الشخصية. وسيواصل الاتحاد، ولا شك أنصاره في جميع أنحاء القارة، محاربة إنشائه.

دفع
مستوى الغضب حكومة المملكة المتحدة إلى التحرك. نشر «أوليفر دودن»، وزير الدولة
للثقافة والإعلام والرياضة، على تويتر: «مشجعو كرة القدم هم القلب النابض لرياضتنا
الوطنية، وأي قرارات رئيسية تُتخَذ يجب أن تحظى بدعمهم»، وقال إن الأندية المعنية «يجب
أن تستجيب لمشجعيها ومجتمع كرة القدم الأوسع، قبل اتخاذ أي خطوات أخرى».


في
النهاية تراجعت فكرة السوبر ليج ولو مؤقتًا. لا يمكننا التأكيد أن النصر في هذه
الجولة كان بفضل دهاء تشيفرين، ولكن ما هو مؤكد موقفه الثابت في نصرة الأندية ذات
النفوذ الأقل، ومحاولته مجابهة زعماء أوروبا.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي وقف فيها تشيفرين منذ توليه رئاسة اليويفا في وجه الكبار، ففي وقت سابق في مايو/أيار 2018، هاجم ألكسندر مُخطَّط رئيس الفيفا إنفانتينو في تغيير نظام بطولة كأس العالم للأندية. وكان إنفانتينو قد اقترح زيادة عدد فرق البطولة إلى 24 فريقًا، مع إقامتها كل صيف وهو ما سيُدر أرباحًا خيالية للفرق على حد تعبيره.

وهو
ما عارضه تشيفرين بضراوة في

خطاب
ألقاه

أمام وزراء الرياضة في الاتحاد الأوروبي في بروكسل، حيث قال:

طالما
أنني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، فلن يكون هناك مجال لمتابعة المساعي
الأنانية أو الاختباء وراء ادعاءات كاذبة. لا يمكنني قبول أن بعض الأشخاص الذين
أعماهم السعي وراء الربح يفكرون في بيع روح بطولات كرة القدم إلى صناديق خاصة
غامضة. المال لا يحكم، ويجب احترام النموذج الرياضي الأوروبي. كرة القدم ليست
للبيع. لن أسمح لأي شخص بالتضحية بهياكلها.

كلنا فاسدون ولا أستثني أحدًا

السؤال الآن: هل انتهت القصة عند هذا الحد؟

بكل تأكيد لا… دعونا نعود إلى عام 2011، حين حاول الأفراد المؤثرون في المشهد الكروي السلوفيني إقناع ألكسندر تشيفرين بالترشح لمنصب رئيس اتحاد كرة القدم في سلوفينيا. أحد شروط الترشح لمنصب رئيس أو نائب رئيس اتحاد كرة القدم في سلوفينيا هو أن المرشح يجب أن يقدم بيانًا ودليلًا على أنه كان ناشطًا في كرة القدم على الأقل ثلاث سنوات، ولم تتم إدانته بجريمة. لكن يبدو أن هذا الشرط كان يمثل عقبة أمام طموح تشيفرين.

نشرت

مجلة «جوسمير»

النرويجية تقريرًا تتعقّب فيه الأدوار التي قام بها تشيفرين قبل خوضه انتخابات رئاسة الاتحاد السلوفيني لكرة القدم. يذكر الموقع الرسمي لاتحاد كرة القدم في سلوفينيا أن ألكسندر تشيفرين كان مساعدًا دائمًا في مجلس إدارة نادي ليتيجا لكرة الصالات، وعضوًا في المجلس التنفيذي لمحامي نادي «ليوبليانا» لكرة القدم، وعضوًا في المجلس التنفيذي لنادي أولمبيجا ليوبليانا. شغل معظم هذه المناصب بين عامي 2005 و2011، وهو ما أبرزت الصحيفة عدم صحته.

على حسب ما ورد في التقرير فإن أحد الأشخاص الذين كانوا أكثر إصرارًا في محاولة إقناع تشيفرين ليصبح مرشحًا لمنصب رئيس الاتحاد، هو صاحب متجر رياضي ولاعب كرة القدم السابق في نادي ليتيجا، «ميلان سمولنيكار»، وهو أحد معارفه القدامى والذي يمتلك متجرًا رياضيًا في الصالة الرياضية التي يتدرب فيها نادي ليتيجا.

ولأن تشيفرين لم يكن قد استوفى شرط ممارسة النشاط الرياضي لثلاث سنوات، حاول سمولينكار مساعدة صديقه في حل هذه المشكلة، حيث أوصله بأحد أعضاء مجلس إدارة النادي البارزين في حينها، «سامانثا تينا لوفشي»، والتي ساعدت تشيفرين بتغييرها محاضر مجلس إدارة النادي في هذه الفترة، وتقديم تشيفرين فيها كممثل لرُعاة النادي. وهو ما كُوفئت عليه سامانثا بعد ذلك من قبل تشيفرين، بتنصيبها رئيسة لمجلس إدارة نادي ليتيجا، وعملها كمندوبة دولية لكرة القدم للصالات في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم.

وهو
ما بحثنا عنه في موقع أرشيف قيادات النادي في هذه الفترة، ولم نجد تشيفرين ضمن
أعضاء مجلس إدارة النادي كما ذُكر في تقرير جوسمير.

أرشيف قيادات نادي ليتيجا لكرة الصالات
أرشيف قيادات نادي ليتيجا لكرة الصالات.

لم
يقتصر الوضع على عدم ثبات صحة عمل تشيفرين في نادي ليتيجا، بل أنه لم يكن عضوًا في
المجلس التنفيذي أيضًا في نادي أولمبيجا ليوبليانا من عام 2006 لـ 2011 كما يخبرنا
الموقع الرسمي لليويفا.

قمنا
بتفحص موقع معجبي النادي في الفترة ما بين نوفمبر/تشرين الثاني 2010 وحتى مايو/أيار
2012.

دعنا نتفق أولاً أنه من غير المتوقع أن يقوم موقع ويب غير رسمي للنادي بتحديث المعلومات بسرعة وبدقة مثل

موقع الويب الرسمي

، ومع ذلك، فإن موقع المعجبين غير الرسمي هذا يحتوي على وجود للسيد تشيفرين، حيث ظهر قبل شهرين إلى ثلاثة أشهر من الانتخابات في فبراير/شباط 2011 ويختفي في أواخر فبراير/شباط 2012، هذا الجزء مفهوم بطريقة ما، حيث قد يكون مجلس إدارة النادي قد قام بتغييره بعد فترة وجيزة من الانتخابات. الشيء هو أننا لا نستطيع رؤية هذا الدور التنفيذي قصير المدى للغاية في أرشيف الموقع الرسمي للنادي.

أعضاء المجلس التنفيذي لنادي «أولمبيجا ليوبليانا» في نوفمبر 2010
صورة أرشيفية توضح أعضاء المجلس التنفيذي لنادي «أولمبيجا ليوبليانا» في نوفمبر 2010.

أعضاء المجلس التنفيذي لنادي «أولمبيجا ليوبليانا» في ديسمبر 2010
صورة أرشيفية توضح أعضاء المجلس التنفيذي لنادي «أولمبيجا ليوبليانا» في ديسمبر 2010.

عضاء المجلس التنفيذي لنادي «أولمبيجا ليوبليانا» في فبراير 2012
صورة أرشيفية توضح أعضاء المجلس التنفيذي لنادي «أولمبيجا ليوبليانا» في فبراير 2012.

أعضاء المجلس التنفيذي لنادي «أولمبيجا ليوبليانا» في مايو 2012
صورة أرشيفية توضح أعضاء المجلس التنفيذي لنادي «أولمبيجا ليوبليانا» في مايو 2012.

الخلاصة، أن ألكسندر تشيفرين لم يكن ليتم انتخابه لمنصب رئيس اتحاد كرة القدم في سلوفينيا في فبراير/شباط 2011، ولا الوصول لكافة المناصب الرفيعة التي شغلها ويشغلها حاليًا على مستوى المؤسسات الرياضية الدولية، لولا هذه الأدوار التنفيذية الوهمية.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.