من مفارقات الزمان وغرائب طباع الإنسان؛ التقاء أحلام المتطرفين من كل الأديان بمعارك آخر الزمان. والغريب في هذا الأمر هو اعتقادهم بأن هناك معركة أخيرة وسينتصر فيها أحد الأديان ليعيش بعدها العالم في هناء في ظل حكم المهدي أو المسيح أو المسيا.

يعتقد اليهود والمسيحيون أن مكان المعركة هو هرمجدون (تل المتسلم في مرج بني عامر)، ويستدلون على ذلك بإصحاح 16 في «رؤيا يوحنا»: «فإنهم أرواح شياطين صانعة آيات تخرج على ملوك العالم وكل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم؛ يوم الله القادر على كل شيء (15) ها أنا آتي كلصٍّ.. طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عريانًا فيروا عورته (16) فجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون». وكذلك قصة تأويل النبي دانيال لرؤيا الملك نبوخذ نصر، وقال فيها: «في أيام هؤلاء الملوك يقيم إلـه السموات مملكة لن تنقرض أبدًا وملكها لا يترك لشعب آخر، وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد». وهذه النبؤة التوراتية لديها كبير التأثير على تيار المحافظين الجدد الذين صعدوا إلى السلطة في أمريكا مع رونالد ريغان، حيث أن ريغان نفسه قال عن معركة هرمجدون في مقابلة تلفزيونية مع المذيع الإنجيلي جيم بيكر: «إننا قد نكون الجيل الذي سيشهد معركة هرمجدون».

يقول القس هال ليندسي في كتابه «العالم الجديد»: «تصوروا 200 مليون جندي من أعداء المسيح يزحفون من كل مكان نحو فلسطين. ورغم كثرتهم يذهب إليهم المسيح حيث يتجمعون في سهل هرمجدون فيُقتل منهم الملايين فتسيل الدماء أنهارًا ويمتلئ الوادي بملايين الجثث فيرسل الله ماءً طاهرًا فيمحو آثارهم فلا يبقى غير المؤمنين وحدهم».

وكذلك كان السياسي الصهيوني ثيودور هرتزل من المصدقين لهذه النبوءة التوراتية (رغم أنه كان ملحدًا) حيث يقول: «إنه ظهر لي في عالم الرؤيا، المسيّا المسيح الملك على صورة شيخٍ حسنٍ وخاطبني قائلًا: اذهب وأعلِم اليهود بأني سوف آتي عما قريب لأجترح المعجزات العظيمة وأسدي عظائم الأعمال لشعبي وللعالم كله».

يقول كذلك القس البروتستانتي الشهير بيلي جراهام (المستشار الروحي للرئيس جورج بوش الابن ولـ باراك أوباما): «إن يوم مجدو على المشارف، وأن العالم يتحرك بسرعة نحو معركة مجدو، وإن الجيل الحالي قد يكون آخر جيل في التاريخ، وإن هذه المعركة ستقع في الشرق الأوسط».

وهناك الكثير من التصريحات التي تدور حول قضية هارمجدون، ومن أراد الاستزادة فعليه بالرجوع إلى كتاب «معركة هرمجدون وتأسيس مملكة الرب في التوراة والإنجيل والقرآن».


من هرمجدون إلى دابق

منذ تأسيس النواة الأولى لـ «تنظيم التوحيد والجهاد»، كانت فكرة الملاحم ومعارك آخر الزمان تدور في ذهن أبو مصعب الزرقاوي. أليس هو القائل جملته الشهيرة: «ها هي الشرارة قد انقدحت في العراق وسيتعاظم أوارها بإذن الله حتى تحرق جيوش الصليب في دابق».

ويختلف عند أصحاب الملاحم في الإسلام مكان النبوءة لكنهم يقرون بهذه المعركة المزعومة حيث يعتقدون أن مكان المعركة هو مرج دابق، وهي بلدة تقع في ريف حلب، حيث يعتقدون أنها مكان الملحمة ويستدلون على هذا بأحاديث الملاحم التي تتناثر في كتب السنة فمنها الصحيح والضعيف والموضوع؛ وأصحها مطلقا حديث إشكالي في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ فإذا تصافُّوا قالت الروم خلُّوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين الذين هم إخواننا. فيقاتلونهم فيُهزم الثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويُقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويَفتح الثلث لا يفتتنون أبدا، فيفتحون القسطنطينية. فبينما هم يقتسمون الغنائم وقد علَّقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهلكم. فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج! فبينما هم يعدون للقتال ويسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم فيأمُّهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته». وأحد رواة هذا الحديث الإشكالي هو سهيل بن أبي صالح الذي قال فيه الإمام أبو حاتم: يُكتَب حديثه ولا يحتج به. والمشهور أن الإمام البخاري امتنع عن نقل أحاديث هذا الراوي بسبب تغير أصابه من موت أحد أشقائه، وله أحاديث عجيبة منها ما كتبه لنا الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء أنه روى عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «لا يدخل الجنة ولد زنا»، وهذا الحديث لا يستقيم لا شرعا ولا عقلا.

وإن كان هذا حال أصح أحاديث الملاحم فالبقية أكثره سقيم، جمعها الإمام أحمد بن جعفر بن المنادي (259هـ – 336هـ) وهو من علماء القراءات، في كتابه الملاحم الذي خط فيه معلومة مهمة جدا هي أنه نقل الأسانيد عن جمهرة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، ثم ذكر أيضا أنه نقل من كتاب (سفر) دانيال التوراتي؛ وهذا الاعتراف مهم جدا لأن الإنسان ليتعجب من تطابق سيرة المهدي المفترض مع سيرة المسيح اليهودي (المسيا).

ولقد كان الإمام أحمد بن حنبل أول من تفطن لخطورة هذه المرويات التي تتنبأ بنهاية الزمان وتحكي عن الملاحم، فقال مقولته الشهيرة: «ثلاثة لا أصل لها: المغازي والسير والملاحم والتفسير».

ولقد آمنت داعش بأخبار الملاحم، وزاد من إيمانها أنها تسيطر فعلا على المنطقة التي يفترض أن تحدث فيها الملحمة، وكذلك يتم قتالها بتحالف دولي يضم عددا من الدول (الصليبية). ولذلك تسعى داعش لجر الولايات المتحدة إلى معركة برية في سهل دابق لكي يتحقق في عهدها النبوءة التي تتحدث عن معركة بين المسلمين والروم في سهل دابق يكون فيها جيش الروم مكوَّنًا من 80 راية، وهي بذلك تشترك مع الصهاينة الإنجليين الذين عبَّر عنهم بيلي جرهام، والذين يعتقدون أن هرمجدون في زمانهم، لأن اليهود يحتلون القدس منذ 1967م كما نقلت صاحبة كتاب «النبوءة والسياسة».

في الختام لا يمكننا هزيمة فكرة الملاحم في عقول الجهاديين ما لم نهزم فكرة المخلِّص في نفوسنا، وذلك بأن نعمل على تحرير بلادنا من الاستبداد والاستعباد. فمن المؤلم في زماننا أن تسمع داعية إسلاميًا يقول أن تحرير القدس سيكون في آخر الزمان حين ينطق الحجر والشجر، وكأنه يطالب الأمة بالقعود عن الدفاع عن مقدساتها في انتظار الملاحم!


أمثلة على الترابط الفكري بين الدواعش والإنجيليين

1. الناشط الداعشي ناصر الخلافة ينشر فيديو مترجمًا يحتوي على النبوءات التوراتية ويحاول تأويلها لتنطبق على داعش:


2. الإرهابي محمد أموازي الشهير بجون يدعو قوات التحالف للمنازلة مع داعش في دابق، ويكرر تهديد الزرقاوي:


https://www.youtube.com/watch?v=mk68FHQxYoU

3. المفكر الجهادي دكتور هاني السباعي يحذر من تلاعب داعش بأحاديث الملاحم:


https://www.youtube.com/watch?v=si7yEPNLFAk

4. مقطع من برنامج سري للغاية قناة الجزيرة يتحدث عن الملاحم والجهاديين ومعركة دابق: