الجزائر، مارسيليا، الرباط، عين اللوح، سراييفو، موستار، بيروت، استقلال الجزائر، حملات التبشير، حرب الصحراء، وحرب البوسنة والهرسك، مدن وأحداث ننتقل بينها خلال رحلة طويلة مع الروائي المغربي الشاب «عبد المجيد سباطة» في روايته «ساعة الصفر» عن المركز الثقافي العربي، الممتدة أحداثها من ستينات القرن الماضي إلى أيامنا هذه، والتي تحمل سؤالًا واحدًا: من أنا؟ سؤال يُطرح في الحب كما في الحرب.

تبدأ الأحداث مع العثور على مقبرة جماعية قُرب عاصمة البوسنة والهرسك، سراييفو، عثر فيها على رُفات سبعة أشخاص وحقيبة جلدية نجت من التلف، وحمل جيبها السري مخطوطة غامضة كُتبت باللغة العربية، لا تحمل اسم صاحبها، ليكون بطل الرواية هو «الراوي المجهول»، مخطوطة ننطلق منها للتعرف على الأحداث التاريخية من مقاربة إنسانية دون الوقوع في فخ السرد التاريخاني.

عمل أدبي هو الثاني لعبد المجيد بعد روايته الأولى «خلف جدار العشق»، بطله الأوحد هو الإنسان وبحثه عن ذاته مهما اختلف مكانه وتبدل زمانه. للوهلة الأولى، قد يكون غريبًا الربط بين أحداث وسياقات متعددة ومتنافرة مكانيًا وإن اتفقت إنسانيًا، من هنا انطلقنا في حوار مع الكاتب الشاب عبد المجيد سباطة.


س: عبد المجيد، في رواية «ساعة الصفر» نلاحظ دمجًا بين المغرب ومارسيليا والجزائر وحرب البوسنة والهرسك، في رحلة للبحث عن الذات، رحلة بدأت من الستينات وانتهت في 2015، لماذا هذا التداخل والمزج بين تجارب متعددة وثقافات مختلفة؟

عبد المجيد: في رمضان عام 2015 أتتني فكرة كتابة رواية عن حرب البلقان التي حدثت في تسعينات القرن الماضي، وكنت واعيًا لسؤال سيطرحه القارئ العربي بصفة عامة والمغربي خصوصًا هو: ما شأننا نحن بهذا الموضوع؟

لا بد لي بحكم أن رسالتي هي أن أكتب رواية تخاطب العالم، في عصر انهارت فيه الحدود. فالراوي المجهول الذي كان بطل الرواية، كان يبحث عن إجابة سؤال واحد: من أنا؟ فهو تجسيد للإنسان بصفة عامة، كما أنني لا أتخلى عن خصوصيتي المغربية، دائمًا في الرواية تجد أبطالًا مغاربة يعبرون عن خصوصيات وثقافة هذا البلد وتقاليده، لكنهم يحاولون إلى حد ما مخاطبة العالم، ومخاطبة الإنسان بكل اختلافه، وبدأت الأفكار إلى حد ما تترابط في ذهني، كيف سأجمع بين المغرب والجزائر وفرنسا والبوسنة والهرسك في قالب واحد، هنا يمكن القول إن أسلوب كل شخص يظهر في الكتابة، فهناك من تأتيه فكرة ما يبدأ بكتابتها على الفور، أنا أختلف عن هذا التوجه، استغرق مني البحث في الموضوع سنة كاملة وخلالها لم أكتب حرفًا واحدًا، فقط أبحث عن مقالات وبرامج ووثائقيات، وبعد حصولي على المعلومات الكافية، دخلت في المرحلة الثانية وهي كتابة الرواية، والتي استغرقت مني أربعة أشهر كاملة انقطعت فيها عن العالم الخارجي وعن وسائل التواصل الاجتماعي بشكل تام.


س: هل يمكن القول بأن «الراوي المجهول» الذي عاش حياته يبحث عن ذاته وكينونته يتشابه مع عبد المجيد سباطة ورحلة بحثه عن شغفه وميوله؟

عبد المجيد: هنا أستعير عبارة الكاتب التركي «أورهان باموك» في كتابه «الروائي الساذج والحساس» عندما سُئل: هل أنت هو البطل في الرواية؟ فأجاب: «لا، أنا لست البطل، ولكن من الصعب أن نثبت عكس ذلك». أعتقد أن هذه الإجابة تلخص الفكرة، فعبد المجيد سباطة حاضر في جميع شخصيات العمل، ولكنه ليس انعكاسًا لأي شخصية.


س: قارئ رواية «ساعة الصفر» سيدرك أن إجابة البطل «الراوي المجهول» على سؤال ما ستتغير حسب ظروفه في وقت إجابته، رغم أن السؤال لم يتغير، ولكنك في الفصل الأخير حاولت أن تبرر موقف بطل الرواية وأسباب اختلاف إجابته، لماذا تدخلت للتبرير ولم تترك السؤال للقارئ؟

عبد المجيد: هنا كان اختياري الشخصي بأن أخلق نقدًا للرواية من داخلها من باب تعدد الأصوات الروائية، وكذلك ما اعتمدته في الرواية من كتابة بتقنية المخطوطة، فالكاتب يفصل نفسه عن العمل، وكذلك الاتجاه إلى الإيهام بالواقعية، وهو ما تعمدته من خلال الدقة في التفاصيل والتواريخ والأحداث ووصف الأماكن.


س: عبد المجيد، كشاب عشريني، صدرت روايتك الثانية «ساعة الصفر» قبل أشهر، سبقتها رواية «خلف جدار العشق»، نقول دائمًا إن لكل داخلٍ دهشة، فكيف كانت دهشتك الأولى مع فعل الكتابة؟

عبد المجيد: قد نقول إن دهشة الكتابة الأولى جاءت في ظروف غريبة نوعًا ما، مرتبطة بظروفي الشخصية وظروف الدراسة في سنتي الأخيرة من الماستر، في ظل مشاكل مع الأساتذة والصراعات التي يعرفها أي طالب في الجامعة المغربية، في هذه الظروف جاءت روايتي الأولى «خلف جدار العشق» التي جمعت فيها بين تجربتي الجامعية والأحداث الراهنة، حاولت أن أنقل صرخة عدد كبير من الطلبة المغاربة الذين يعانون داخل أسوار الجامعة من العلاقة المعقدة مع الأساتذة والفساد الإداري، وربط ذلك بالأحداث الراهنة حينها في 2013 حيث كانت الحرب السورية في أوجها، وبإمكاني القول إن دهشة الكتابة انتقلت مباشرةً إلى دهشة النشر.


س: إذن ظروف كتابة الرواية الأولى كانت مشحونة سواء في حياتك الشخصية أو أحداث الواقع العربي المحيط، هل نعتبر أن الكتابة بالنسبة لك هي بمثابة هروب من الواقع؟

عبد المجيد: الكاتب هو ابن بيئته وابن واقعه، ولا يمكن أن يفصل نفسه عنه، نعم هنالك هروب، ولكنه يؤكد على ارتباط الكاتب بواقعه وتأثيره عليه، هناك من يتساءل ما الذي يعنينا بهذه الأحداث، ولكن أعمالي دائمًا تخاطب الإنسان بما هو إنسان، يمكن أن نقول إنه مزيج من الهروب والالتصاق بالواقع في الوقت نفسه!


س: حصلت على ماستر في الهندسة المدنية، ومع ذلك نلاحظ تجربة أدبية عميقة، رغم توجه دراستك العلمي، ما سبب هذه المفارقة بين مسارك العلمي والعملي؟

عبد المجيد: يمكن القول إنني صاحب توجه أدبي منذ البداية، والتوجه العلمي الأكاديمي فرضته عليَّ بعض الظروف، أنا أقرأ منذ سنوات طفولتي الأولى، استفدت كثيرًا من الظروف العائلية، فأنا وحيد أبويّ، ومنذ البداية شجعاني على القراءة والمطالعة، فكان الكتاب هو صديقي الوحيد، ولكن هذا لا ينفي أن المجال العملي أفادني كثيرًا، فالهندسة جعلتني أكثر انضباطًا وتنظيمًا في الكتابة، بشكل لا شعوري، ولكن عودتي للمجال الأدبي هي ببساطة العودة للشغف، قد تبدو فكرة مجنونة أن أترك شهادة الماستر في الهندسة وأتجه إلى شغفي الأدبي، ففي نهاية المطاف عندما تتبع شغفك كن متأكدًا أنك ستنجح مهما رفض المجتمع وتكالبت الظروف.


س: مُطّلع على الأدب العالمي، سواء الروسي أو الأمريكي أو العربي وكذلك أدب أمريكا اللاتينية، ونلاحظ تأثرك الكبير ببعض الأدباء مثل «بول أوستر» و«ربيع جابر»، إلى أي مدى انعكس ذلك على تجربتك الخاصة؟

عبد المجيد: الكاتب ابن قراءته، فمع تعدد القراءات والانفتاح على تجارب روائية مختلفة، تجد نفسك في نهاية المطاف متأثرًا بكل تلك التجارب، فكل كتاب أو رواية تقرؤها تجد فيها ما يفيدك، وهذا التنوع يمنحك عصارةً ما تخلق منها أسلوبك الخاص. مع التأكيد على بعض الأسماء التي لابد للقارئ من الوقوف عندها، كـ«فيدور ديستوفيسكي»، و«بول أوستر»، و«نجيب محفوظ»، و«عبد الرحمن منيف»، و«ربيع جابر»، وأنا من أشد المعجبين به بالمناسبة وأجد تشابهًا كبيرًا بيني وبينه في التجربة والأسلوب رغم اختلاف المواضيع التي نتطرق إليها.


س: أخيرًا، كروائي شاب، كيف تنظر إلى التجربة الشبابية في المجال الأدبي عربيًا ومغربيًا على وجه الخصوص؟

عبد المجيد: بالنسبة للتجربة المغربية فهناك حراك لا يمكن إغفاله، ربما وسائل التواصل الاجتماعي كسرت الحدود التي كانت مفروضة من قبل حراس المعبد الذين كانوا يعتبرون نشر الأعمال الأدبية الشبابية تشكل خطرًا عليهم، ولكن من ناحية أخرى أعتقد أن هذه الحركية بحاجة إلى حركة نقدية تساهم في تحسين وتطوير هذه المواهب، وتعريفها بنقاط قوتها للاشتغال عليها، وكذلك على أخطائها لتصحيحها.

لكن من جهةٍ أخرى، لا يجب أن يتحول هذا الميدان إلى ميدان مُستسهل لكل من «هبَّ ودب»، لا يجب أن يتحول فعل الكتابة بحد ذاته إلى إنجاز. هذا في المغرب، أما في بعض الدول الأخرى فيمكن القول إن الأمور خرجت عن السيطرة، بما يمكن أن نسميه فوضى في الأدب الشاب، وفي النهاية من يدفع الثمن هم الكتاب المبدعون الحقيقيون.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.