لا أعتقد أنني وحيدًا الذي أعشق الترجل في شوارع وسط البلد. على مهل أقطع تلك الشوارع وكأنني أنسخها في ذاكرتي. تستطيع أن تراني هناك أسفل تمثال عمر مكرم أبدأ السير في اتجاه ميدان طلعت حرب وتمثاله الشهير، أو متجهًا نحو تمثال إبراهيم باشا في ميدان الأوبرا. لكنني أفطن لشيء ما مع الوقت. أنا لا أنظر باهتمام أبدًا إلى كل تلك التماثيل. ربما مرة أو اثنتين، لكنني لا أهتم بالتدقيق أبدًا.

والحقيقة الموجعة أنني لا أملك في يومي ما يجعلني مهتمًا بالتأمل في وجه طلعت حرب أو حصان إبراهيم باشا، أو حتى الزي الأنيق للسيد سيمون بوليفار. لا أملك أي شغف نحو الشخصيات الحقيقية لتلك التماثيل. أما من يملؤني الشغف لذكرهم فهم ربما يعتبرهم البعض أقل من أن يُنصب لهم تمثالًا. فلا يوجد تمثال يتوسط أحد ميادين مصر لحسن شحاتة أو صالح سليم أو حمادة إمام أو ميمي الشربيني.

أتفهم تمامًا أهمية شخصيات مثل عمر مكرم وطلعت حرب في تاريخ مصر، ولكن هل اتفق الجميع على أن الشخصيات الرياضية ليست بتلك الأهمية في تاريخ هذا البلد. إذا كان هذا هو رأي الجميع فدعني أعرِّفك إلى تماثيل خلدت أحداثًا رياضية مهمة أو شخصيات رياضية عظيمة، ثم نعيد هذا السؤال مرة أخرى.


في أوكرانيا: تمثال لمباراة الموت

تمثال مباراة الموت أوكرانيا
تمثال مباراة الموت في أوكرانيا


في ملعب ستارت بأوكرانيا

، وخلف المنطقة المخصصة للجلوس صغيرة الحجم تستطيع أن ترى عمودًا ضخمًا مرتفعًا، يحمل فوقه تمثالًا يعرف باسم تمثال مباراة الموت.

يشكك البعض في مدى مصداقية تلك القصة، لكن في أوكرانيا لا يشك أحد في حقيقة ما حدث.

أثناء الحرب العالمية الثانية اجتاحت

ألمانيا النازية أوكرانيا دون مقاومة تذكر، لكن ذلك لم يكن ليكفي هتلر. على الملعب نفسه أقيمت مباراة بين فريق يضم عددًا من اللاعبين الأوكرانيين وفريق قوامه من الجيش الألماني، وكان الغرض الأساسي هو محاولة إقناع الأوكرانيين بأفضلية الألمان في كل شيء.

طبقًا للقصة فإن الفريق الألماني حذر خصمه بين شوطي المباراة أن فوزهم يعني ببساطة أنهم في عداد الأموات. وضع الأوكرانيون حياتهم في كفة وأن يبدوا عاجزين أمام الألمان في الكفة الأخرى، فاختاروا أن يلعبوا كرة القدم كرجال. انتهت المباراة بفوز الفريق الأوكراني بأربعة أهداف مقابل هدف.

لم يُعدم أحد، وأُعيدت المباراة أكثر من مرة، مع منع لاعبي أوكرانيا من التمرين وتقليل حصصهم الغذائية. فاز الأوكرانيون مع كل إعادة للمباراة. وخلال ستة أشهر فقط لم ­­يتبقَ لاعب من لاعبي الفريق الأوكراني، حيث أُعدم البعض وأُرسل البقية إلى المعسكرات النازية ليواجهوا المصير نفسه.


تيري فوكس: الذي ركض على قدم واحدة

تيري فوكس مرض السرطان
تمثال «تيري فوكس» اللاعب الكندي الذي توفي بمرض السرطان

أمام مقر الحكومة الفيدرالية الكندية، حيث يجتمع ممثلون من جميع أنحاء كندا لوضع قوانين تؤثر على حياة كل كندي. تستطيع أن ترى تمثال تيري فوكس. المراهق الذي يركض على الرغم من بتر إحدى قدميه واستخدام طرف صناعي عوضًا عنها.


وُلد تيري فوكس بالقرب

من الساحل الغربي لكندا. كان تيري مراهقًا لديه اهتمام كبير بالأنشطة الرياضية المختلفة. لكنه وللأسف شُخِّص بسرطان العظام، واضطر إلى بتر ساقه اليمنى على ارتفاع 15 سم فوق الركبة قبل أن يتم عامه الثامن عشر.

أثناء وجوده في المستشفى تأثر تيري كثيرًا بسبب معاناة مرضى السرطان الآخرين، خاصة الأطفال الصغار. وبقلب نقي قرر فوكس أن يركض جميع أنحاء كندا لجمع الأموال اللازمة لأبحاث السرطان.

كان تيري يركض ما يقرب من 42 كيلومترًا يوميًّا عبر مقاطعات كندا لجذب الانتباه. وهو ما حدث بالفعل، إلا أن تيري اضطر إلى التوقف عن الجري لأن السرطان ظهر في رئتيه. توفي تيري في 28 يونيو/حزيران 1981 عن عمر ناهز 22 عامًا.

لم يكن تيري بطلًا رياضيًّا، لكن بسببه يقام سنويًّا ماراثون رياضي خيري لدعم أبحاث السرطان، يحمل اسم ماراثون البطل تيري فوكس، والذي من خلاله يُتبرع بأكثر من 750 مليون دولار من جميع أنحاء العالم.


النصب التذكاري لشهداء هيلزبره

حادثة هيزلبره ليفربول
النصب التذكاري لشهداء هيلزبره


لا أحد يدخل مدينة ليفربول دون

أن يلحظ هذا النصب التذكاري القريب من متحف ليفربول العالمي. مجسم برونزي مستدير الشكل لإحياء ذكرى ضحايا حادث هيلزبره المأساوي.

حدث ذلك في الخامس عشر من أبريل/نيسان عام 1989 في

مدرجات ملعب

هيلزبره خُصص لاستضافة مباراة نصف نهائي كأس إنجلترا بين ليفربول ونوتنجهام فورست.

حيث خُصِّص جزء من المدرجات لم يتحمل عدد جماهير فريق ليفربول الغفير. بدأت الجماهير في التدافع والتزاحم وصولًا للسياج الحديدي الذي يفصل بين الجماهير والملعب، والموجود في ملاعب إنجلترا آنذاك. أدى ذلك التدافع ووجود السياج الحديدي إلى سحق العديد من مشجعي فريق ليفربول، مما انتهى بوفاة 96 مشجعًا تحت الأقدام.


كلنا سويًّا الآن

تمثال كلنا سويًا الآن
تمثال «كلنا سويًا الآن»

تمثال

لشخصين على وشك المصافحة

وبينهما كرة قدم. يبدو الأمر عاديًّا، لكن مع قليل من الشرح سندرك أنهما يمثلان لحظة من أفضل اللحظات المرتبطة بكرة القدم.


قبل أيام قليلة من انتهاء عام 1914

، وفي أوج الحرب العالمية الأولى، قرر الجنود الألمان وجنود الحلفاء أن يعقدوا هدنة لمدة يوم واحد بعد شهور مريرة من الحرب.

تصافح الجميع، وكنوع من أنواع استعادة شكل من أشكال الحياة مرة أخرى أقيمت مباراة في كرة القدم بين الطرفين.

اتفق الطرفان على أن يمدوا الهدنة حتى يوم عيد الميلاد، كي يتسنى لهم الالتقاء مجددًا، ومن أجل أن يدفنوا قتلاهم. ساعد كل جانب الآخر في حفر القبور وإقامة مراسم التأبين، وتقاسم الجنود الطعام والهدايا المرسلة إليهم من بلدانهم، وتبادلوا أزرار بدلاتهم العسكرية بوصفها تذكارات تخلِّد الحدث، ولعبوا عدة مباريات كرة قدم.


تماثيل تخلد أساطير كرة القدم


خارج كل ملعب كرة قدم

مرتبط بنادٍ ما تجد تمثالًا لأساطير هذا النادي. هنري وبيركامب وتشابمان يزينون ملعب الإمارات الخاص بنادي أرسنال. السير فيرجسون ما زال قابعًا في قلوب مشجعي مانشستر وخارج ملعب الأولد ترافورد بتمثال برونزي يستحقه. لا ينافس تمثال السير فيرجسون بهاءً سوى تمثال الثالوث المقدس كما يسمى، والذي يشير إلى الثلاثي دينيس لو وجورج بيست وبوبي شارلتون. ولا يملك نادي بنفيكا أفضل من الأسطورة إيزيبيو لكي يخلد ذكراه بتمثال ضخم.

الأمر لا يقتصر على الأندية الكبيرة فقط، فتمثال الكولومبي فالديراما يوجد خارج ملعب نادي يونيون ماجديلينا، وهو النادي الذي بدأ فيه مسيرته، والذي لم يكن ليعرفه أحد قبل هذا التمثال.

الحقيقة أنني أدرك تمامًا أن التماثيل التي تشير لأحداث أو شخصيات رياضية من المنطقي أن تكون بجوار الملاعب الرئيسية والأندية.لكنني أملك من الشغف الكروي الذي يجعلني أتمنى أن يوضع تمثال لحسن شحاتة في ميدان التحرير. وربما إذا طلب الجميع ذلك ينتهي الأمر بوضع تمثال للمعلم بجوار نادي كفر الدوار، حيث بدأ مسيرته، وذلك سيكون مكسبًا أيضًا.

نملك من الشخصيات واللحظات الرياضية التي تستحق أن تخلد. والتي تبعث للعديد من الشباب برسائل الأمل والفرحة والكثير من التأمل. الآن فكر معي، لماذا لا يوجد تمثال لحسن شحاتة في ميدان التحرير؟!