تتوجه أنظار العالم دائمًا إلى الأحداث الرياضية الهامة، والتي تساهم في صناعة إنجازات عديدة بالنسبة للرياضي، سواء على المستوى الشخصي، أو حتى على المستوى الدولي، ولذلك كانت الضجة الحادثة حول الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو والتي انتهت من مدة قليلة، لكن هناك أحداث أخرى تخطف الأنظار لأسباب مختلفة مثل الألعاب البارالمبية، لأنها تقدم لنا نماذج حقيقية حول الإرادة الإنسانية.


ما هي الألعاب البارالمبية؟

الألعاب البارالمبية هي مجموعة من الألعاب التي يتم تنظيمها بين مجموعة كبيرة من الرياضيين ذوي الاحتياجات الخاصة، يتم تنظيمها مرة كل أربعة أعوام، مباشرة بعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية الأساسية، فقد رأت اللجنة المنظمة أن يتم تنظيم هذه الدورة في نفس البلد التي احتضنت دورة الألعاب الأولمبية بحيث يتم استخدام نفس الموارد دون الحاجة إلى تكلفة أخرى.

ظهرت فكرة الألعاب البارالمبية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت الفكرة لدى الطبيب البريطاني «لوديج جوتمان»، والذي قام بتنظيم مجموعة من المسابقات الصغيرة بين الجنود الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية وتعرضوا للإصابات والإعاقات بسبب الحرب.

تم تطوير هذه الفكرة لاحقًا حتى وصلت في النهاية إلى ما هي عليه حاليًا، وبدأ تنفيذ الألعاب البارالمبية بشكل دائم وشعارها «الروح في الحركة»، وكانت الدورة الأولى من المسابقة في مدينة روما عام 1960م، ويشارك في هذه الألعاب فقط الرياضيون الذين يعانون من إعاقات عضلية مثل الشلل بأنواعه المختلفة، أو حدوث مشكلة في الحركة بسبب بتر أي عضو من الجسد أو ضمور العضلات.

تعتبر الدورة المقامة حاليًا في ريو دي جانيرو هي الدورة رقم 15 في تاريخ الألعاب البارالمبية، يشارك فيها ما يقرب من 4300 رياضي من 161 دولة، وتقام الدورة في الفترة من 7 سبتمبر/أيلول وحتى 18 سبتمبر/أيلول.

تشارك مصر في هذه الدورة، ونجحت البعثة المصرية في تحقيق عدد من الميداليات بأنواعها المختلفة، كما أن الرياضيين المصريين نجحوا في كسر رقمين قياسيين من خلال «شريف عثمان» و«راندا محمود» في رياضة رفع الأثقال.


لماذا يجب أن نشعر بالخجل من الألعاب البارالمبية؟

عندما أرى مشاركات أي رياضي في هذه المسابقة، أجد نفسي أشعر بالخجل من المقدرة التي يتمتع بها هؤلاء وقدرتهم على التعايش مع إصاباتهم ومن ثم تحقيق إنجازات، من أين يأتي هؤلاء بالقوة اللازمة لفعل ذلك؟ ولا أعتبر نفسي منحازًا عندما أخص بالذكر أولئك الذين يمثلون مصر في هذه الدورة، لأننا جميعًا نعرف الظروف في مصر، ويجد العديد أن هذه البلد هي الأرض الخصبة لزراعة اليأس في النفوس.

لكنني عندما أرى بطولة الرياضي «إبراهيم حمدتو» فإنني لا أجد نفسي إلا أنني أمام إنجاز عالمي، فهذا الرياضي لم يكتفي فقط بمحاولته قهر الإصابة والمشاركة في هذه المسابقة، لكنه اختار ممارسة رياضة «تنس الطاولة» في حين أن إبراهيم تعرض لحادثة أدت إلى بتر ذراعيه.

وأي شخص يعرف رياضة تنس الطاولة لا يمكنه أن يتخيل كيف يمكن ممارسة اللعبة بدون الأذرع، لكن إبراهيم يفعل ذلك على طريقته الخاصة، فيضع المضرب في فمه، ويرفع الكرة بأصابع قدمه (يمكنك أن ترى هذا بنفسك في الفيديو التالي، والذي شهد احتفاء شديد ببطولة إبراهيم).

على الرغم من أن إبراهيم لم يحقق الفوز في هذه الدورة، إلا أنه سبق له تحقيق مسابقات في هذا المجال، ولعل من أسباب اختياره لهذه اللعبة هو رغبته الشخصية في أن يتغلب على ما نعرفه جميعًا باسم «المستحيل».

عندما أنظر إلى البطولة التي قام بها إبراهيم أتساءل كثيرًا: إذا كان هذا حال شخص يحيا في مصر، ويمارس رياضة صعبة رغبة منه في تحقيق هدف كبير رغم إصابته، فمن أين يأتي بكل هذه الروح؟ وغيره من الأصحَّاء يعجزون عن تحقيق أي شيء، تسليمًا منهم بالظروف التي يعيشونها!.

لا أنكر المعاناة على أحد أبدًا، لكنني أؤمن كذلك أنه يمكننا أن نخلق الإبداع من وسط المعاناة، إن كنا نؤمن بمقدرتنا على فعل ذلك حقًا، ليست مجرد كلمات نقولها لتشجيع أنفسنا كما يظنها الكثير، لكنها في الواقع أحلام نؤمن بها ونسعى إليها دائمًا.

عندما قامت ثورة يناير العظيمة، كنا جميعًا نؤمن بقيمة كلمات مثل «الحلم، التغيير، الأمل» لكنها الآن لم تعد تؤثر في الكل كما كانت في هذا الوقت، ليس عيبًا في قيمة الحلم أبدًا، لكنه بسبب ما يحدث، فنرى كيف يتم تدمير أحلام البعض فيفقد البعض الآخر إيمانه بأحلامه حتى لا يحدث معه مثلما حدث مع غيره، لكن تظل كلمة الحلم هامة جدًا في الحياة، ولا ينكر ذلك إلا من يجهلها أو لم يعرف وجود الحلم من قبل في حياته.

عندما أرى ما يفعله إبراهيم وجميع المشاركين في الألعاب البارالمبية، والمحاولات التي يقوم بها هؤلاء لهزيمة الواقع، وفعل ما يعجز عنه غيرهم ممن يستسلمون للأحداث برغم مقدرتهم على فعل الكثير، أتذكر قول الله عز وجل «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» فأولئك الذين يحاولون صنع فارق برغم ما بهم ما زالت قلوبهم تبصر ناحية الحق، وما زالت قلوبهم تعرف بأن كل شيء يحدث بالإرادة والثقة في قدرة الله، وأنه سيستجيب لدعواتهم ويقويهم فيما يفعلون مهما كانت الظروف أو المشاكل التي يعانون منها.

فإن كنا سنحاول أن نفعل مثل إبراهيم وغيره من الأبطال، فإن هذا يعني أننا ما زلنا نؤمن بقدرتنا على صنع أحلامنا، فإن نجحنا كان هذا ما نريده في الأساس، أما إن فشلنا فعلى الأقل يكفينا شرف المحاولة، أما إن كنا سنقف في مكاننا دون أن نتحرك أبدًا تسليمًا لما يحدث، وقتها أظن بأننا يجب أن نشعر بالخجل حقًا من الألعاب البارالمبية.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.