في العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2019، انفردت وكالة CNN -قبل غيرها من الوكالات بدقائق قليلة- بخبر إعلان فريق توتنهام الإنجليزي لمدربه الجديد: البرتغالي المثير للجدل «جوزيه مورينيو».

انبرت أقلام الصحفيين والمحللين ليلتها للحديث عن حالة توتنهام التكتيكية وما الذي قد يضفيه جوزيه عليها. هل ستتبدل نبرته مع الصحفيين بعد عام كامل قضاه في منزله بعيدًا عن التدريب؟ ماذا سيفعل مع كريستيان إريكسن ورحيله الذي صار قنبلة موقوتة في غرفة ملابس السبيرز؟ أي مساحة حديث سيلجأ إليها مع ديلي آلي ليستعيد مستواه، ومع هاري كين وسون لاكتساب ثقتهما في تعليماته؟


لم تخرج كافة اللقاءات والتحليلات التي صاحبت الخبر عن هذا الإطار. لكن الصحفي الإنجليزي «ديفيد أورنستن» صاحب التاريخ الطويل مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC والذي كان قد انتقل لتوه إلى وكالة «The Athletic»

سأل سؤالًا مختلفًا تمامًا

: ماذا سيفعل مورينيو في عقده مع أديداس؟

ما قصة ذلك العقد؟ ولماذا يمثل تعاقد مورينيو مع الفريق اللندني أزمة لهذا العقد؟ نسرد الآن بعض التفاصيل عن تعاقدات المدربين مع الشركات الرياضية في الألفية الجديدة، لننتقل منها إلى حالة السبيشال وان، ويتضح لك الأمر.

كيف يسير الأمر؟

في البداية دعنا نشرح لك طبيعة الاتفاقات الثلاثية بين الأندية وشركات الملابس الرياضية والمدربين. بمجرد تعاقد أغلب المدربين الكبار هذه الأيام مع أحد الأندية في دوريات المحترفين، يوقّع بالتبعية على عقد رعاية مع شركة الملابس الرياضية التي ترعى النادي بمقابل مادي إضافي.

فإذا كان المقابل المادي الذي سيحصل عليه المدرب من النادي بموجب عقده الرئيسي يساوي (X)، فإنه سيحصل على مقابل مادي آخر من الشركة الراعية بموجب عقده الجانبي معها يساوي (Y)، ليكون مجموع ما يحصل عليه في الموسم الواحد (X+Y).

صحيح أن المقابل المادي الذي يحصل عليه المدرب من الشركة الراعية لا يقترب من الرقم الذي يحصل عليه من النادي -ولا حتى نصفه-، لكنه يظل ميزة إضافية في العقد الرئيسي الذي يعرضه النادي على المدرب، ووسيلة ترغيب لقدومه ووجاهة تسويقية للمدرب بلا أدنى شك. لنرَ بعض الأمثلة الحية على ذلك.

الأمر لا يتعلق بقيمة المدرب فقط وترويجه لمنتجات الشركة الراعية، بل يُعتبر أيضًا كزيت الشحم الذي يدير عجلة العلاقة بين المدرب والإدارة حين يطلبون منه المشاركة مع لاعبيه في أحداث أو بطولات تسويقية






تقرير وكالة The Athletic المعروض على قناة Tifo Football


أمثلة على ذلك

في فبراير/شباط عام 2019، أعلن نادي مانشستر سيتي عن تعاقده مع شركة بوما بعقد رعاية ممتد لعشر سنوات بقيمة 650 مليون جنيه إسترليني. لم يمر على هذا التعاقد سوى ثلاثة أشهر فقط، حتى أعلنت بوما عن عقد رعاية بشكل منفرد للمدير الفني بيب جوارديولا، لم يتم الإفصاح عن قيمته المادية بدقة.

سعيد بتعاقدي مع شركة بوما. هم يمتلكون نفس فلسفتي تجاه كرة القدم التي هي بالأساس فلسفة يوهان كرويف. كرويف كان متعاقدًا مع بوما أيضًا؛ لذلك أنا سعيد بالسير على خطاه.






تصريحات بيب جوارديولا بعد توقيع عقده مع شركة بوما


يقوم جوارديولا وفقًا لهذا العقد بارتداء منتجات شركة بوما داخل الملعب وخارجه، ومساعدتهم في تطوير أحذيتهم بنقل خبراته داخل الملعب إليهم، ونقل رؤيته لمستقبل كرة القدم لفريق التطوير في الشركة الألمانية.

بالطبع كل تلك الأسباب التي ذكرها الطرفان بعد السبب الرئيسي الأول، ليست هي أساس الموضوع. فقط جوارديولا يريد عائدًا ماديًا أعلى لن يبذل فيه الكثير من المجهود. فالأمر لا يتعلق بفلسفة الشركة ولا بتاريخ كرويف مع الشركة.

وبوما لا تريد من جوارديولا سوى أن يرتدي ملابسها داخل الملعب وخارجه بنمط ثابت، يجعل شعار بوما محفورًا بأذهان الجماهير بمجرد رؤية وجه بيب.


يورجن كلوب هو الآخر حاله حال بيب جوارديولا. كان كلوب يمتلك عقد رعاية مع شركة نيو بالانس، بقيمة مادية منفصلة عن عقده مع نادي ليفربول الإنجليزي. لكن بانتهاء عقد شركة نيوبالانس مع النادي الإنجليزي الصيف الماضي، انتهى بالتبعية عقد الرعاية بين الشركة والمدرب الألماني.

عقد ليفربول بعدها صفقة الرعاية الشهيرة مع شركة نايكي، والتي ستدخل للنادي حوالي 70 مليون جنيه إسترليني في الموسم الواحد.

تتوقع الآن أن أخبرك بتوقيع كلوب لعقد موازٍ مع شركة نايكي أيضًا، ولكن ذلك لم يحدث؛ لأن

يورجن قد وقّع عقدًا منفصلًا

مع شركة أديداس، المنافس الرئيسي لشركة نايكي.

وهل يجوز ذلك قانونًا؟ أليس من المنطقي أن تخلق تلك الحالة تناقضات واضحة بين العقدين؟ نسطيع الإجابة عن تلك الأسئلة من خلال تأمل تجربة جوزيه مورينيو، والأولى من نوعها في حدوث ذلك التعارض، ثم تبعتها حالة يورجن كلوب بعد ذلك كحالة ثانية.

مورينيو الاستثنائي

منذ رحيله عن إنترميلانو الإيطالي عام 2010، لم يتولى جوزيه مورينيو الإدارة الفنية لنادٍ إلا وكانت شركة أديداس هي صاحبة عقد الرعاية الأساسي لقمصان هذا النادي. بداية من ريال مدريد، مرورًا بتشيلسي، وصولًا إلى مانشستر يونايتد.

حتى جاءت نهاية عام 2019 والذي تولى فيه مورينيو الإدارة الفنية لفريق توتنهام. الوضع الآن: شركة نايكي هي راعي قمصان الفريق، وجوزيه مورينيو مرتبط

بعقد مدته 15 عامًا مع شركة أديداس

يُدخل له سنويًا ما يقارب 250 ألف جنيه إسترليني. فما الحل؟

كان الوضع الطبيعي في تلك الحالة، أن يتم فسخ العقد بين المدرب البرتغالي وشركة أديداس، ويقوم النادي في المقابل بتوفير عقد رعاية جديد له مع الشركة الراعية للنادي: نايكي، لكن ذلك لم يحدث.


وكما كان استثنائيًا في مشواره، كان استثنائيًا في عقود رعايته أيضًا. ارتضت أديداس أن يشاركها منافسها المباشر في أحد أهم سفرائها عبر العالم، حيث يرتدي مورينيو إما بدلة أو ملابس تزينها علامة نايكي المميزة داخل تدريبات ومباريات الفريق اللندني فقط بعدد مرات متفق عليها.

أما بمجرد خروجه من النادي لا يحق له ارتداء ملابس أو إكسسورات رياضية إلا وكانت من منتجات أديداس.

مورينيو حالة مختلفة بالنسبة لنا، حاله حال ديفيد بيكهام وزين الدين زيدان وعلاقتهم بأديداس. صار ملتصقًا في أذهان الجميع ارتباطهم بشعار أديداس. هو علامة مميزة لهوية الشركة تم الاستثمار فيها لسنوات.






خبير صناعة منتجات رياضية في أديداس-لم يفصح عن اسمه- في حواره مع The Athletic


أعتقد صار واضحًا لك الآن كيف وقّع يورجن كلوب عقدًا منفصلًا مع أديداس، بالرغم من رعاية نايكي لملابس نادي ليفربول الإنجليزي. نعم، الاتفاق ذاته تكرر مع يورجن.

هل ترى على الساحة الآن مدربين يمكن أن تكرر معهم أديداس ذلك الاستثناء قريبًا؟