شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 60 دائمًا ينظر الجميع لأبطال الرياضات القتالية المختلفة باعتبارهم قدوة، ومُثلًا عليا للقوة البدنية والبنية العضلية المتناسقة التي ينشدها الجميع، إلا أن بطلنا هنا كسر قاعدة المظهر العضلي المتناسق بجسد ممتلئ، ولكنه صاحب قوة بدنية جبارة. إنه الإنجليزي «تايسون فيوري» بطل العالم للوزن الثقيل في الملاكمة. إذا شاهدت فيوري يقاتل في الحلبة يومًا ما، ولست من متابعي هذه الرياضة، لظننت لوهلة أن هذا الرجل لا يمتُّ لهذه الرياضة بصلة، فلا يوحي مظهره باتباع نظام صحي رياضي، ولظننت أنه خاسر لا محالة أمام أصحاب اللياقة البدنية ذوي البنية العضلية المتناسقة. ولكن لدى فيوري وجهة نظر مختلفة، فبهذه الكتلة الجسدية الضخمة لم يُهزم «ملك الغجر» ولا مرة واحدة، في مسيرة مذهلة حافلة بالألقاب، مثيرة للإعجاب والتأمل أيضًا، أُسدل الستار عليها وهو في عمر الرابعة والثلاثين فقط. ميلاد مبكر أنا مقاتل فريد، واحد من نوعي فقط. — تايسون فيوري وُلد فيوري لأبوين أيرلنديين، هما جون وأمبر فيوري في أغسطس/آب عام 1988، ولكنه ولد قبل موعده بـ 3 أشهر، وبوزن يقارب 450 جرامًا، وقد سبقه أختان وُلدتا في نفس الظروف ولم تُكتب لهما النجاة. إلا أن الله أراد له الحياة، وأراد لنا أن نشهد واحدًا من أعظم ملاكمي الوزن الثقيل عبر العصور. يقول والده جون: أخبرني الأطباء أنه لا فرصة له للحياة، وفقدت ابنتين في نفس الظروف، لذا سميته «تايسون» تيمنًا بمايك تايسون لأنه مقاتل، وسيقاتل من أجل حياته. ورغم ميلاده بمدينة مانشستر بإنجلترا، وحمله للجنسية الإنجليزية، وتمثيله لها حتى في العديد من البطولات، فإن فيوري لا يعتبر نفسه إنجليزيًّا، ولكنه أيرلندي خالص، وتعود أصول فيوري من الأساس إلى الرحَّالة الغجر الأيرلنديين. وكما كان ميلاده للحياة مبكرًا، بزغ نجمه كملاكم مبكرًا بتحقيقه العديد من الميداليات في بطولات الناشئين والشباب ممثلاً لإنجلترا وأيرلندا، حتى انتقل إلى فئة المحترفين في العشرين من عمره عام 2008، بعد فوزه ببطولة اتحاد الملاكمة الإنجليزي للهواة في فئة الوزن الثقيل، وتُعقَد حاليًّا هذه البطولة تحت اسم بطولة إنجلترا للملاكمة. وبعد تحقيق فيوري للقب إنجلترا للوزن الثقيل مرتين أصبح بطلًا لإنجلترا والكومنولث بعد فوزه على الملاكم البريطاني «ديريك شيسورا» صاحب السجل القوى بـ 14 فوزًا بلا هزيمة في عام 2011، ثم عاد وانتصر على نفس الملاكم في عام 2014 في إعادة لمواجهة عام 2011، وحقق ألقاب أوروبا ولقب منظمة الملاكمة العالمية الدولية. مع كل هذه النجاحات والانتصارات التى استطاع تايسون فيوري تحقيقها، وبسجل مميز بـ 24 فوزًا بلا هزيمة وقتئذٍ، كسب فيوري مباراة لحصد لقب بطولة العالم للوزن الثقيل أمام الأوكراني «فلاديمير كليتشكو» المتوج بهذه الفئة لفترة طويلة جدًّا محققًا لقبه الأول بانتصاره على الأوكراني في المباراة التي أقيمت في ألمانيا عام 2015. ملك الغجر يمكنك أن تطرد رجلًا من إيرلندا، لكنك لا تستطيع منعه من كونه أيرلنديًّا. — تايسون فيوري عُرف فيوري بلقب «ملك الغجر»، واعتاد وضعه منقوشًا على ملابسه أثناء النزالات، حتى أصبح من أشهر الألقاب في عالم الملاكمة، فكما سبق أن ذكرنا فإن جذور فيوري تعود للرحَّالة الغجر من جهتي الوالد والوالدة، الأمر الذي أعلنه بكل الفخر في عام 2016 حيث قال : أنا غجري، هكذا أنا، سأكون غجريًّا دائمًا، ولن أتغير أبدًا، أنا سمين وأبيض، ومازلت أنا البطل. لعائلة فيوري إرث طويل في الملاكمة، حيث كان والده جون يمارس الملاكمة بالأيدي العارية بدون ترخيص، إلى أن تحول للملاكمة الاحترافية تحت اسم «الغجري جون». واستلهم تايسون فيوري هذا اللقب من جهة عائلة زوجته «باريس» التي تنتمي هي الأخرى إلى الرحَّالة الغجر، فهى على قرابة بعيدة من اثنين من أساطير الملاكمة بالأيدي العارية، هما «يوريا بارتون»، و«بارتلي جورمان»، وحمل كلاهما لقب ملك الغجر. وأوضح فيوري في مقابلة مع BBC في 2014 أن جذوره الغجرية هي العامل الرئيسي في ممارسته لهذه الرياضة، حيث قال: للملاكمة مكانة جوهرية في ثقافة الغجر، فقبل كل شيء تتعلم كيف تقاتل. وأضاف: في الوقت الذي تتلخص فيه ثقافة الأطفال من عمره في ركل الكرة، كنَّا نتلاكم، لم يكن مسموحًا لنا أن نذهب للشرطة لأخذ حقوقنا، بل كان علينا أن نخلع قمصاننا، ونذهب لأخذ حقوقنا بأيدينا. ورغم النجاح الساحق الذي حققه ملك الغجر طوال مسيرته، واعتباره من قِبل أساطير اللعبة ومتابعيها واحدًا من أعظم ملاكمي الوزن الثقيل، تعرَّض فيوري للتنمر والعنصرية بسبب جذوره الغجرية، فيقول فيوري حول هذا الأمر: لقد تعرضت لعنصرية لم أشهدها من قبل، لقد نجحت وأديت بشكل جيد، والناس لم يعجبوا بذلك، لأنه لا أحد يريد أن يري غجريًّا ينجح. وأضاف: هذا لا يزعجني لأن الملاكمة هي ما أفعله للعيش، حتى لو كنت ألمانيًّا، أو هنديًّا، أو صينيًّا، فسأظل ألاكم لأدفع فواتيري. سقوط الملك كل شيء ممكن بالإيمان الله، وأنا دليل حي على ذلك. — تايسون فيوري خاض تايسون فيوري 33 نزالًا خلال مسيرته الاحترافية التي امتدت لـ 14 عامًا، حقَّق فيها الفوز 32 مرة، منها 27 انتصارًا بالضربة القاضية الفنية، بينما تعادل في مواجهة واحدة فقط. إذًا لم يُهزم الملك لمرة حتى في حلبة الملاكمة. إلا أن المرة الوحيدة التى مُني فيها فيوري بالهزيمة كانت في حلبة الحياة، حيث خسر نزاله أمام الاكتئاب، وتعاطي المخدرات، والكحوليات. فبعد أن حقق الحلم الذي عمل من أجله طيلة حياته، وحصد لقب بطولة العالم للوزن الثقيل عام 2015 أمام الأوكراني «كليتشكو»، دخل فيوري دوامة من الأمراض النفسية، والأفكار السوداوية كما يقول في مقابلة مع شبكة «شوتايم» الرياضية: لقد كنت على حافة الانتحار، ولا تستطيع أن تُحدث بالأمر، لأنك لا ترى ما بداخل عقل الإنسان. كما قال إنه كاد يقفز بسيارته من فوق جسر بسرعة 190 ميلًا في الساعة، قبل أن يتراجع عندما فكر في عائلته. ودفع الاكتئاب الملك الغجري لتعاطي مخدر الكوكايين ، وإدمان الكحوليات، الأمر الذي وصل به لشرب 100 كأس من الخمر أسبوعيًّا. كل هذه الأمور أجبرت فيوري في أكتوبر/تشرين الأول عام 2016 على التنازل عن كل ألقابه، وذلك بعد زيادة كبيرة وواضحة في وزنه، وصلت إلى 172 كيلوجرامًا، في وقت كان يعاني فيه من إصابة مع اتهامات متزايدة بتعاطي المنشطات، الأمر الذي نفاه فيوري فورًا. كما أُرجئت مباراة الإعادة مع كليتشكو عدة مرات بعد أن أعلن فيوري عدم لياقته الطبية، حيث اتضح لاحقًا أنه لم يستطع اجتياز اختبار تعاطي الكوكايين. ثم على مدى 18 شهرًا كاملًا، بعد تحقيق حلمه بالفوز للمرة الأولى بلقب بطولة العالم للوزن الثقيل، فَقَد فيوري رغبته في الحياة، وكأن نجاحاته كلها أصبحت بلا معنى، ورغم ما حققه من شهرة وثروة وحياة عائلية، فإنه لم يعد يرغب في الاستيقاظ مرة أخرى. العودة لا تُهزم أبدًا حتى تستسلم. — مايك تايسون هكذا اعتاد ملك الغجر طيلة حياته؛ يتحمل أقصى قدر من اللكمات والضربات، وحتى إن سقط لثوانٍ يعود منتصبًا في وسط الحلبة يقاتل حتى ينتصر. فمع ربيع 2017 بعد هذه الهزيمة القاسية التى كادت تُودي بحياته، بدأ فيوري رحلة العودة القاسية، ليس فقط عودته للحلبة وممارسة رياضته المفضلة، ولكن العودة للحياة، ورغبة العيش. بدأ فيوري بالعودة للتدريب البدني تدريجيًّا، واضعًا أهدافًا أمام عينيه لتحقيقها، لا تقتصر على العودة للملاكمة فحسب، فقد عقد العزم على العودة متحديًا بطل العالم للوزن الثقيل وقتها، الأمريكي «ديونتاي وايلدر» المتوج بلا هزيمة، الذي شكَّك في قدرة فيوري على العودة من الأساس. وداوم فيوري على نشر رحلته للتعافي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تابعه خلالها الكثير من معجبيه، ونال قدرًا كبيرًا من الثناء والإعجاب. وفي يناير/كانون الثاني 2018 نجح فيوري في استعادة رخصته للملاكمة، واستطاع تحقيق الفوز على الألباني «سفير سفيري»، والإيطالي «فرانشيسكو بيانيتا» في طريقه لتحدي «وايلدر» على لقب بطولة العالم للوزن الثقيل. صرح فيوري بعد تعافيه من الاكتئاب: كنت أستيقظ كل يوم متمنيًا عدم الاستيقاظ أبدًا، ولكن ها أنا دليل حي على أن أي شخص يستطيع العودة من السقوط في الهاوية. وبالفعل نجح فيوري في الفوز بلقب العالم في الوزن الثقيل عندما هزم وايلدر في نزالهما الثاني، بعد أن انتهى الأول بالتعادل، ثم حافظ ملك الغجر على لقبه في نزالهما الثالث الذي أقيم في لاس فيغاس بعد أن هزم الأمريكي مرة أخرى بالضربة القاضية. وعد باريس هناك 7 مليارات شخص في العالم، لكن هناك بطل عالم واحدًا للوزن الثقيل، هذا هو أنا. — تايسون فيوري في 23 أبريل/نيسان 2022 شهد استاد ويمبلي في قلب العاصمة الإنجليزية لندن ليلة تاريخية عظيمة، حيث خاض الملك الغجري نزاله الأخير أمام منافسه البريطاني «ديليان وايت»، وتحت أنظار 94 ألف مشجع ملئوا جنبات الاستاد حافظ فيوري على لقب بطولة العالم للوزن الثقيل للمرة الأخيرة، بعدما أسقط منافسه في الجولة السادسة باللكمة القاضية الفنية. لا أصدق أن 94 ألفًا من المشجعين حضروا هنا لمشاهدتي، وأود أن أقول من أعماق قلبي، شكرًا لكل شخص اشترى تذكرة، أو سهر لمشاهدتي عبر التلفاز. هكذا جاءت تصريحات فيوري بعد المباراة. وأضاف: «ديليان وايت محارب، وأؤمن أنه سيكون بطلًا للعالم، ولكنه اليوم واجه أسطورة في الرياضة، وأحد أعظم ملاكمي الوزن الثقيل عبر العصور، ولسوء الحظ تعين عليه مواجهتي الليلة. واختتم تصريحاته بقوله: «أنا مدين للجماهير، ولكل شخص في بريطانيا جاء إلى هنا، والآن انتهى كل شيء، يجب أن ألتزم بكلمتي، وأعتقد أنها المرة الأخيرة، ويا لها من طريقة للوداع»، مُشيرًا لوعده لزوجته «باريس» بالاعتزال. حيث وعد فيوري زوجته بأن نزاله مع وايت سيكون الأخير، وكان فيوري قد تَعرَّف على باريس في مانشستر مع بداية مسيرته الاحترافية عام 2008، وتزوجا وأنجب منها 5 أبناء. وبذلك أنهى فيوري مسيرة أقل ما يُقال عنها أنها واحدة من أعظم المسيرات الاحترافية في عالم الملاكمة، بعدما خاض 33 نزالًا، حقق فيها الفوز في 32 مرة، 27 منها بالضربة القاضية وتعادل في مرة واحدة. مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير. قد يعجبك أيضاً حَلَمْ الغبار المنزلي: حيوانات صغيرة ولكن محمود عباس: «كرزاي فلسطين» المجموعة «ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالًا»: صراعات العالم العبثية في الثلاثين ندرك ما الذي أفسدنا! شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram محمد حوزة Follow Author المقالة السابقة رحلة إلى «أم القُرى»: الوجه الآخر لـ «عبد الرحمن الكواكبي» المقالة التالية السيناريوهات الإسرائيلية المحتملة تجاه قطاع غزة قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك حانوتي الحياة – قصة قصيرة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كورونا والسياسة: إعادة التفكير في ثوابت النظام العالمي 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أغنية «آخرة الشقاوة»: متى يعود مكي الذي نعرفه؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك رواية «نساء وارسو»: اغتيال كاتب لأنه رأى الفيل 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الصحوة من الشعبوية الإسلامية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك تحولات نظام الاجتماع السياسي العربي: رؤية سوسيو تاريخية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الفول البلدي: بطل الوجبات الشعبية في مختلف الحضارات 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك بوتين في أوكرانيا: إحياء الاتحاد السوفيتي؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف تدير أًمريكا حروبها التجارية؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك سلسلة «أطفال فضوليون»: لماذا لدينا سبعة أيام في الأسبوع؟ 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.