عادت سيرة الإخوان مرة أخرى إلى واجهة الترقب بعد توجّه يتزعمه النائب بالشيوخ تيد كروز، ويدعمه مايكل فلين مستشار ترامب للأمن القومي (المستقيل مؤخراً)؛ لضم الجماعة إلى قائمة الإرهاب الأمريكية.

لا يمثل هذا التحدي التهديد الوحيد للجماعة التي تواجه عواصف عاتية منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013 الذي أطاح بمرسي كأول رئيس منتخب بعد ثورة شعبية.

فالجماعة التي تواجه حرباً عميقة داخل مصر من النظام الحاكم نتج عنها آلاف

المعتقلين



وفقدت العشرات من القتلى في مناسبات عدة على يد أجهزة الأمن المصرية، بالإضافة إلى آلاف المهاجرين، تواجه في نفس الوقت تضييقا خارجيا متزايدا، ليس آخره محاولة إدراجها على قائمة الإرهاب الأمريكية، كما أنها تواجه أيضا انقساما داخليا هو الأعمق منذ نشأتها نتح عنه انقسام طولي وعرضي بالجماعة بهياكل مستقلة وتنابز إعلامي متبادل بين الطرفين، وسوف نشير إلى نتائجه في المقال القادم.

بدأت مؤشرات الحصار الإقليمي للإخوان بوضع السعودية والإمارات جماعة الإخوان على قائمة الإرهاب المحلية في فبراير 2014، وتضمن القرار عقوبات على المواطنين السعوديين الذي يثبت انتماؤهم أو دعمهم أو بيعتهم للجماعة.

بينما بدأت رياح التململ من عبء جماعة الإخوان المسلمين في سبتمبر/أيلول 2014 حينما

قرر

الأمير تميم إبعاد 7 من رموز الإخوان المصريين المقيمين بقطر (بينهم الأمين العام للجماعة) بعد ضغوط سعودية في آخر حكم الراحل الملك عبدالله


، وتدهور مؤقت في العلاقات القطرية الخليجية، نتج عن هذه الضغوط أيضا إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر في ديسمبر/كانون الأول؛ التي كانت المنفذ الوحيد لبث تظاهرات معارضي الانقلاب العسكري، ثم تخفيض عدد التعيينات التي حدثت بشبكة الجزيرة بعد الانقلاب، والتي كان أغلبها من الإسلاميين تحت دعاوى ترشيد النفقات.

حدثت تلك التطورات في وقت سريع بدون تمهيد، وأبلغت القيادات المبعدة القرار من مستوى أمني منخفض بالدولة، ورفض الإخوان المبعدون التحفّظ على القرار أو التعليق السلبي عليه، بينما برّر بعضهم الأمر متفهما الضغوط التي تمارس على قطر، لكن مؤخرا في عهد الملك السعودي سلمان خففت قطر من القرار وسمحت للمبعدين بالتردد على البلاد دون عوائق بشرط عدم ممارسة النشاط السياسي «المعلن» المعارض للدولة المصرية من داخل أراضيها.

لم تكن هذه الحوادث الأخيرة في سلسلة التضييقات على أعضاء الجماعة، لكن الملفت أن دائرة التحجيم شملت الحلفاء أيضا، فتركيا –المستضيف الأكبر لمهاجري الجماعة- أدركت منذ أزمة الإخوان الداخلية في مايو 2015 أنهم يمثلون عبئا سياسيا رغم قلة عددهم مقارنة بالجاليات العربية الأخرى التي تقيم في تركيا بعد ثورات الربيع العربي.

بدأ التململ التركي يخرج للعلن بعدما كان يقتصر على التعبير عنه في اللقاءات الخاصة في يناير/كانون الثاني 2016 مع ظهور إعلان عن إقامة برلمان موازٍ لمعارضي الانقلاب (برلمانيون سابقون في عهد مرسي) داخل تركيا بالتزامن مع أولى جلسات البرلمان المصري المنتخب في عهد السيسي، خاطب مندوب حكومي تركي فور الإعلان أحد رموز الإخوان للاستفسار عن هذا الإعلان المفاجئ الذي اعتبرته تركيا تصعيدا سياسيا يحتاج لتصريح مسبق من الدولة، وبررت الجماعة الأمر على أنه مجرد تجمع للبرلمانيين السابقين، ولم يستمر هذا التجمع كثيرا، حيث لم يبق منه سوى بيانات وتصريحات عبر الإنترنت طوال العام الأخير.

لم يكن

حديث

السيد عمر قورقماز – مستشار رئيس الوزراء التركي- في أكتوبر/تشرين الأول 2016 لقناة مكملين المصرية التي تبث من تركيا حول تأخر أولوية الملف المصري في أجندة الدولة التركية حديثا عابرا، ووصل الحد به إلى القول ساخرا إن المذيع «ناصر» (الذي يدير معه الحوار) تأثيره أكبر من الإخوان في الوقت الراهن.

كانت هذه الإشارات تعبيرا مختصرا عن الحال التي وصلت إليها النظرة التركية للجماعة وتطورها في آخر سنتين، ففي يناير 2015 أبلغ الأمن التركي أحد أعضاء الجماعة رغبتهم في عدم إقامة أي مظاهرات أمام السفارة المصرية بإسطنبول في ذكرى ثورة يناير، لعدم مناسبة الظرف الأمني للدولة، لكن الجماعة أجرت اتصالاتها بالحزب الحاكم الذي استدرك الأمر وسمح بإقامة هذه الفعاليات.

وفي العام الماضي تكررت تحذيرات ونصائح عبر سياسيين مقربين من الحكومة التركية بضرورة تغيير سياسة القنوات المعارضة للانقلاب التي تبث من تركيا، وتخفيف لهجتها العنيفة ضد الدولة المصرية.

وفي نفس الوقت أضافت الحكومة التركية شرطا للمصريين الراغبين في استخراج إقامة؛ الرجوع لقنصلية مصر بإسطنبول للحصول على إثبات صحة بيانات (ما يسمى شهادة لقب)، ليجبر كل معارضي النظام على المرور عبر السفارة المصرية لتسجيل بياناتهم، مبررين ذلك بأن التعاون في الملف الأمني مع مصر يقتضي ذلك، خاصة مع احتمال وجود أجانب منتمين لحركات إرهابية على الأراضي التركية، وفيما يبدو أن هذه الإجراءات أدت لمنع القنصلية المصرية تجديد جوازات سفر العديد من المصريين المقيمين بتركيا تحت نفس المبررات.

وبعد الانقلاب الفاشل بتركيا وتزايد العمليات الإرهابية بها أضافت تركيا عشرات الآلاف من الأجانب على قائمة الإرهاب الداخلية لديها تحت شبهات اتصالات بعض الأجانب بمسلحين في سوريا.. لسوء الحظ تم توقيف أربعة من معارضي الانقلاب المصري (في آخر 6 شهور) ضمن هذه القائمة، وأفرج عنهم بعد التحريات التي أثبتت براءتهم، من ضمنهم فتاة أفرج عنها قبل أيام بعدما قضت ثلاثة أسابيع.

على الجانب الآخر، تلتزم الجماعة الصمت تجاه أي تضييقات رغبة في حل المشاكل بالطرق الدبلوماسية، وتتودد الجماعة إلى الحكومة التركية متبنية مواقف الدولة التركية في العديد من القضايا، وقبل عدة أيام أصدر إبراهيم منير -الذي عُيّن نائباً لمرشد الجماعة أثناء الأزمة الداخلية للجماعة- بيانا يشكر فيه الرئيس التركي على تصريحاته التي نفى فيها علاقة الإخوان بالإرهاب، متطوعا بالقول إن الإخوان «متعهدون» بالدفاع عن مواقف تركيا مهما كانت الضغوطات التي تواجهها الدولة، ولن يخذلوا الرئيس أردوغان في مواقفه وفكره، حسب تعبيره.

واتبعت تركيا المبدأ القطَرَي في تخفيف آثار تضييقاتها على الجماعة بتواصل الاتصالات السياسية مع قياداتها في المستويات البرلمانية والحكومية، وتعمل على طمأنتهم بين الحين والآخر، دون انعكاس ذلك على عودة الملف المصري مرة أخرى إلى قائمة أولويات الجمهورية التركية التي تواجه تحديات داخلية كبيرة منذ فشل الانقلاب بها قبل شهور، وتزايد الهجمات الإرهابية على أراضيها.

إذا نظرنا إلى الجنوب حيث تقع السودان، والتي تستضيف مئات من المعارضين المصريين المهاجرين خوفا من بطش الأجهزة الأمنية المصرية، تمثل التفاهمات التي تجريها السودان مع أمريكا والخليج بشأن تخفيف القيود المفروضة على السودان اقتصاديا وحقوقيا، عاملا ضاغطا على الدولة في تعاملها مع ملف الجماعة، وقد

تكللت

التفاهمات برفع بعض العقوبات والحظر الاقتصادي.

لكن مؤخرا أوقفت السودان 9 من الإسلاميين بينهم برلماني سابق بالإخوان، تحت شبهة العلاقة بالإرهاب إثر حادث تفجير بإحدى العمارات السكنية بالخرطوم، وغير معلوم مصيرهم إلى الآن، ولم تحدث من قبل سابقات تسليم معارضين بين مصر والسودان، لكن قبل ثلاثة شهور أبلغت السودان البرلماني جمال حشمت برفضها حضوره مؤتمرا دوليا بناءً على احتجاج مصري على وجود اسمه بين ضيوف المؤتمر.

على الجانب الخليجي، سلمت السعودية خلال العامين السابقين معارضا مصريا وحيدا – وفق ما هو معلن – لكن في الوقت نفسه رفضت المملكة السعودية دخول قيادات من الإخوان لأراضيها واحتجزت أحدهم داخل المملكة فور دخوله ثم أبعدته للخارج، كما شهدت عمليات احتجاز أخرى لفترات مؤقتة لآخرين مقيمين بالمملكة وأطلقت سراحهم.

بينما كانت دولة الإمارات هي الأشد حدّة وتربصا بالجماعة حتى قبل انقلاب يوليو/تموز، ففي يناير 2013، قالت الإمارات أنها اكتشفت شبكة مرتبطة بالإخوان على أراضيها تهدف إلى الإضرار بالأمن القومي، واعتقل الأمن الإماراتي 11 وأفرج عن بعضهم خلال العامين الأخيرين، مؤخرا في أكتوبر/اشرين الثاني 2015

اعتقلت

الإمارات «مصعب عبد العزيز» نجل المستشار الإعلامي لمرسي، ويخضع للمحاكمة حاليا بتهمة الانتماء لمنظمة إرهابية.

وقبل شهرين، تلقت الجماعة ضربة مالية هي الأكبر في تاريخها عندما صادرت الإمارات مبلغا يزيد على 100 مليون دولار قيل إن رجل أعمال يمني ألقى القبض عليه وبحوزته هذا المبلغ واعترف أنها أموال الجماعة المخصصة للاستثمارات، في بيان لها نفت الجماعة أن تكون الأموال المذكورة للجماعة أو تعرضت لعملية نصب، لكن مقربين من العمل الاستثماري للإخوان قالوا إن الحادثة غامضة ولم يعرفوا تفاصيل هذا الاختراق الكبير، كما زعموا أن المال بعضه للجماعة وبعضه لرجال أعمال قريبين من الجماعة.

على كل حال؛ هذه التحديات والتهديدات التي تواجهها الجماعة لم توقف أنشطة الإسلاميين المعارضين للحكم المصري بالخارج، ومازالت الجماعة تراهن على انفراجة سياسية للوضع ينعكس على أوضاعها في دول العالم، حتى ذلك الحين من المتوقع أن تستمر التضييقات والحصار الناعم على أعضاء وممتلكات الجماعة بالخارج، خاصة في بيئة مهيئة لمثل هذه الإجراءات مع وجود ترامب ومستشاريه المتربصين بجماعات الإسلام السياسي.


للتواصل:

[email protected]


المراجع




  1. السجناء السياسيون في مصر

  2. قطر تطرد سبعة من قيادات الإخوان