الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، لا يمتلك أي خبرات سياسية أو عسكرية. سياسته غير واضحة المعالم. يلتف حوله مجموعة من المستشارين ذوي الآراء المتنافرة.

هكذا بدأ الكاتب إيلي ستوكولس

مقالته

حول دونالد ترامب، والذي فاز مؤخرًا في الانتخابات الأمريكية، وهو ما اعتبر أمرًا صادمًا لكثير من المراقبين والمحللين.

وأوضح ستوكولس أن أنصار دونالد ترامب لم يعطوا أية أهمية لكونه لم يقدم لهم تفاصيل كثيرة حول سياسته. كما أنهم لم يهتموا لفكرة أنه أثناء التجهيز لحملته الانتخابية قدم من يبدي له الإطراء والولاء على من يملك عنصر الخبرة.

ولا يهتم الكثيرون منهم بأنه يهين منافسيه ويحقر من قدر النساء ويسخر من المعاقين ويحث على العنف في مؤتمراته الانتخابية. ولكن الأمر الآن بات مهمًا للولايات المتحدة والعالم كله!

فاستطلاعات رأي الناخبين فور خروجهم من اللجان أظهرت أن 61% من الشعب الأمريكي لا يعتقد أن دونالد ترامب مستعدٌ لأن يكون رئيسًا، أما الآن؛ فإن ما لم يكن محل اهتمام أغلب سكان البلاد أصبح الشاغل الأكبر للبلاد كلها.

قريبًا سيجلس دونالد ترامب على كرسي الرئاسة في المكتب البيضاوي. وحتى أنصار ترامب الأكثر حماسة ليسو متأكدين مما سيحدث في الفترة المقبلة، على الرغم من سعادتهم الكبيرة بحالة الريبة التي أصابت الديموقراطيين والنخب السياسية بالفزع، وهي المجموعات التي طالما هاجمها الرئيس المنتخب.

وينقل ستوكولس عن جوي جريفين، أحد سكان نيو هامبشاير الذي حضر أكثر من عشرة مؤتمرات انتخابية لترامب وحضر حفل الفوز بالانتخابات في فندق هيلتون وسط المدينة، أن: «كافة أنحاء الدولة تشعر بالفزع نظرًا لأن ترامب نكأ الجراح، لقد نكأ جراح الإعلام، ونكأ جراح المؤسسات السياسية، وكشف الغطاء عن الكثير من الأشياء التي لم يكن الشعب على دراية بها، ولكنهم الآن على دراية بها، لا بأس إذا نزفت الجراح القليل من الدماء، ما دامت الدولة تحتاج إلى التغيير».

ويوضح ستوكولس أن حالة عدم التيقن بما سيحدث في الفترة المقبلة من جانب ترامب هي الأكبر بالمقارنة بأي رئيس حديث الانتخاب في التاريخ الحديث. وشملت حالة عدم التيقن هذه تشكيل حكومة ترامب وأجندته التشريعية وشكل الدولة تحت إدارته بمرور الوقت. ويتساءل الكثيرون: كيف ستقوم شخصية ديماجوجية تعاني من الاضطراب النفسي بتوحيد دولة منقسمة وتشكيل ائتلاف حكومي لقيادة أكبر ديموقراطية في العالم؟

والأكثر أهمية هو كيف سيتحرك لتهدئة الأسواق المالية بعد ظاهرة البيع الكبيرة التي حدثت مساء الثلاثاء والتي زادت مع تحسن فرص فوزه في الانتخابات؟


وأوضح أنه عندما أصبح ترامب رئيسًا قبل الثالثة من صباح الأربعاء، تصرف بنبل أخلاق، مشيدًا بخدمات هيلاري كلينتون التي قدمتها داعيًا إلى توحيد البلد المنقسم. حيث قال ترامب: «عندما نعمل معًا، سنبدأ في مهمتنا الملحة التي تتمثل في العمل سويًا وتحقيق الحلم الأمريكي».

وبعد 17 شهرًا من إخبار الناخبين بألا يقلقوا من قدرته على التعلم السريع، فإنه حتى أنصار ترامب الأكثر تحمسًا اعترفوا بالمهمة الهائلة التي اضطلع بها الملياردير نجم تلفزيون الواقع وهم يتدفقون على حفلة انتصاره.



مع وجود أغلبية جمهورية في مجلسي النواب والشيوخ، فإن ترامب في وضع يسمح له بتنفيذ جميع هذه الأفكار، ومن المحتمل أنه سيقوم بذلك بالفعل.

وينقل ستكولس عن ستيف كورتس، المحلل المالي والقائم بأعمال حملة ترامب في شيكاغو، تصريحًا بأن: «أمامنا أسابيع مقبلة شديدة الخطورة للتخطيط والاستعداد لهذه المسئولية الكبيرة، سأكون أول من يقول أن منحنى التعلم سيكون حادًا للغاية».

«فقيادة تيار مثل هذا ليس بالأمر السهل، ولكنه أكثر سهولة من إدارة الحكومة الفيدرالية ومن تولي القيادة العليا للقوات المسلحة، وهو لا يتمتع بأي خبرة مسبقة في ذلك. ومع ذلك أعتقد أنه باستطاعته القيام بذلك. إنني لا أساوي بين تأسيس شركة و(التعامل) مع الأسلحة النووية، ولكني أعتقد أن هناك بعض المهارات قابلة للاكتساب».. تابع كورتس.

وينقل أيضًا عن مايكل كابوتو، أول من حثَّ ترامب على الترشح ليكون حاكمًا لولاية نيويورك في 2011، أن خبرة ترامب في الأعمال التجارية واستعداده لتفويض الآخرين ستساعده بشكل جيد داخل البيت الأبيض. وأنه يرى أن شخصية ترامب المتلونة يمكن أن تتكيف مع منصبه الجديد.

وقال كابوتو: «لقد أدار حملة كسرت جميع القواعد، وأنا أعتقد أن الحكم ما هو إلا نوع مختلف من أنواع إدارة المشروعات، إنه يفهم ذلك بصفته رجل أعمال، وأعتقد أنه ينتقل من عالم الأعمال إلى عالم السياسة ببراعة شديدة. وأعتقد أن بإمكانه الآن الانتقال إلى عالم الحُكم».

ويضيف أنه على الرغم من أن كريس كريستي حاكم ولاية نيوجيرسي قد ابتعد عن دوره في قيادة الفريق الانتقالي منذ إدانات فضيحة بريدج جيت الأسبوع الماضي ضد اثنين من كبار رجاله السابقين، إلا أن العملية نفسها ما زالت مستمرة على نحوٍ جيد وذلك وفقًا لمصادر متعددة مطلعة.

وتفيد التقارير أنه يجرى النظر لعدد من كبار القائمين على الحملة الانتخابية لتعيينهم في المناصب الوزارية العليا: رودي جولياني مدعيًا عامًا ووزيرًا للعدل، والجنرال المتقاعد مايكل فلين وزيرًا للدفاع ونيوت جينجريتش وزيرًا للخارجية.

وينقل عن الدكتور جيري فالويل جنيور الذي ساعد ترامب في الحصول على أصوات المسيحيين الإنجيليين خلال الانتخابات التمهيدية: «سيفوض ترامب صلاحياته للآخرين لأن هذا هو ما يفعله رجل الأعمال»، «لقد أسس الرجل شركته من الصفر حتى وصلت قيمتها إلى 10 مليارات دولار وعمل طوال حياته رائدًا للأعمال وهو الآن يتولى زمام أمور دولة تصل ديونها إلى 20 تريليون دولار. إنني أعتقد أنه ليس هناك من هو أفضل منه لتولي إدارة الدولة».

ويوضح كاتب المقال أن كثيرًا من الشعب الأمريكي سيصب النسبة الأكبر من تركيزه لمعرفة السياسات التي سيتبعها ترامب أكثر من التركيز على الأفراد الذين سيعينهم لمساعدته. لعدة شهور، حيث إن الأفكار السياسية التي وضعها تهدف إلى استقطاب قاعدة غضب كبيرة وربما كانت تهدف إلى إفزاع وسائل الإعلام التقليدية التي نظرت بعين القلق إلى وعود ترامب الجريئة التي تدعو لبناء جدار ضخم على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، ولفرض تعريفة بنسبة 45% على الصادرات الصينية، ولإجراء اختبار ديني على الراغبين للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.


والآن، مع وجود أغلبية جمهورية في مجلسي النواب والشيوخ، فإن ترامب في وضع يسمح له بتنفيذ جميع هذه الأفكار، ومن المحتمل أنه سيقوم بذلك بالفعل.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن لمايك بنس نائب الرئيس المنتخب، أهمية كبيرة ومكانة جديدة أكثر مما كان متاحًا له عندما كان مرشحًا. حيث سيكون مايك بنس الجسر الذي سيعبر ترامب من خلاله إلى الأغلبية الجمهورية في الكونجرس والتي اكتسبت المزيد من الزخم حديثًا، وسيلعب دورًا هامًا في بناء الإدارة وسيكون واحدًا من المستشارين المقربين للرئيس الذي لا يمتلك الخبرة السياسية.


http://gty.im/546651686

وأضاف: سوف يكون بنس، الذي كان مصدرًا للثبات مع ترامب ومبعوثًا للجمهوريين في الكونغرس، لا سيما رئيس مجلس النواب بول ريان، حريصًا على دفع الأجندة التشريعية التي اتفق عليها ريان وترامب والتي تضمنت ما يلي: إلغاء قانون الرعاية ذات التكلفة المناسبة، وتخفيض الضرائب وزيادة الإنفاق العسكري.

ونقل عن أنثوني سكاراموتشي الخبير في الاستثمار المصرفي وأحد الداعمين ماليًا لحملة ترامب قوله: «سنحقق إنجازًا مبهرًا أثناء المرحلة الانتقالية؛ لقد عملنا على ذلك طوال الوقت» وبسؤاله عن الأجندة التشريعية لترامب خلال المائة يوم الأولى، لم يستطع تقديم إجابة شافية وقال: «لدينا الكثير من التشريعات البناءة والحاسمة».



خطاب ترامب المتسامح، الذي ألقاه صباح الأربعاء لن يغطي بأي حال على ما أثارته حملته الانتخابية من مشاعر كراهية عند اليهود، والمسلمين والمهاجرين الهيسبان.

وعلى صعيد آخر، أوضح ستوكولس أن كثيرًا من إنجازات إدارة أوباما أصبحت عرضة للخطر، حيث تعهد ترامب «بإلغاء واستبدال» برنامج «أوباما كير» (دون أن يضع بنفسه خطة محددة) وذلك لإبطال الأوامر التنفيذية التي تمنح استثناءات لأطفال المهاجرين غير الشرعيين، كما تعهد بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقيات العالمية الخاصة بالتغيرات المناخية.

ويضيف، إن محاولات ترامب الأولى لتوحيد البلاد خلفه، وخطابه السمح الذي ألقاه صباح الأربعاء لن تنجح في التغطية على حملته الإنتخابية الطويلة التي نزعت شرعية جميع وسائل الإعلام، والتي اتضح بعد ذلك أنها محاولة ناجحة منه لحماية نفسه من عاصفة الأخبار التي كانت تدور حول ماضيه غير اللائق، والأخبار حول مهاجمة أنصاره لليهود وتوجيه التهديدات لهم بالقتل وارتكاب هولوكوست جديدة، والأخبار التي دارت حول شعور المسلمين واللاتينيين الأمريكيين بإعادة إحياء مشاعر الكراهية والعدائية المحمومة.

ورجوعًا إلى الخلفية السياسية لنجاح ترامب في الانتخابات يوضح ستوكولس أن انتخابات ترامب أصبحت آخر فصل سيء في تاريخ أوباما الرئاسي رغم أن التاريخ لم يقل كلمته بعد، ولكن بالنسبة للوقت الحالي، لا يمكن تجاهل ما هو واضح للجميع، وهو أن حركة من البيض المتمردين والمحبطين اقتصاديًا يساندون مرشحًا يدعمه العنصريون البيض وجماعة «كو كلوكس كلان» قد نفذوا انتقامًا سياسيًا – متعهدين بـ «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» – بعد ثمانية أعوام رئاسية شهدت دخول الأمريكان من أصول أفريقية إلى البيت الأبيض والمكاسب التاريخية المتعلقة بالحقوق المدنية لمجتمع المثليين.

كما يشير إلى ما كتبه ديفيد ديوك صباح الأربعاء في تغريدة له بأن ترامب يدين بنجاحه إلى «الجنوب»، حيث أرفق مع التغريدة صورة لبعض البيض يلوحون بأعلام الولايات الكونفدرالية.

كما أن ذلك أيضًا، بطبيعة الحال، رد فعل لما قامت به الحكومة من دعم مالي للبنوك في الوقت الذي خسر فيه كثير من الأمريكيين منازلهم وحالة الاضطراب الاقتصادي التي ظهرت في مناطق «حزام الصدأ» وربما تجاوزتها.

ويختتم ستوكولس مقالته بمقولة بروس هاينس أحد المخططين الإستراتيجيين في الحزب الجمهوري بواشنطن: «إن نجاح ترامب هو نتيجة مباشرة لتسونامي العولمة الاقتصادية والثقافية التي غمرت سواحل أمريكا خلال الـ 25 عامًا الماضية، فالوتيرة العنيفة لهذا التغيير قد قلبت كلا من الدولة والعلاقة التي كانت تربط بين الناخبين من الطبقة العاملة والأحزاب السياسية رأسًا على عقب. والليلة نتج عن هذه الحركة تحول في الصفائح التكتونية للسياسية الأمريكية وسيعمل الحزبان بعد هذا الزلزال الانتخابي على إعادة الإعمار لسنوات طويلة قادمة».