«ياشين فقط، دينامو فقط». في عام 1960، وبعد المباراة الأخيرة في بطولة أوروبا التي فاز بها المنتخب الروسي،

وضع

«سانتياجو بيرنابيو»، الرئيس التاريخي لريال مدريد، دفتر شيكاته أمام ليف ياشين لكي يضع المبلغ الذي يراه مناسبًا حتى ينتقل من دينامو موسكو إلى مدريد. بعد دقائق معدودة، أدرك «بيرنابيو» أن اللوحات الموجودة في متحف «باردو» في إسبانيا يمكن أن تُباع بالمال، لكن ذلك لن يحدث مع ليف ياشين.

الأمر في غاية البساطة. دون أدنى ملامح للوجه، أو تفاصيل توضيحية، فقط ضع طقمًا أسود بالكامل مع القبعة وغطاء الركبة، تُرسَم لك صورة كاملة، يُدركها العوام، للعنكبوت الأسود، ليف ياشين. تلك الأسطورة السوفيتية الخالدة التي نسجت خيوطها فوق الملصق الدعائي للمونديال الروسي المنتظر انطلاقه في غضون شهورٍ معدودة، وسط رضاءٍ تامٍ من كل من وقعت عيناه على ذلك الملصق.

كان ليف ياشين يوقف الضربات الصاعقة برفع يد واحدة وكان جسمه يبقى ثابتًا مثل صخرة. بدا قادرًا على صد أي كرة بمجرد توجيه نظره إليها.

الروائي الأوروغواياني إدواردو غاليانو.


من المنفى الجليدي إلى الكرة الذهبية

ليف ياشين، الكرة الذهبية، روسيا 2018، الملصق الدعائي لكأس العالم

الأسطورة السوفيتية ليف ياشين حاملًا الكرة الذهبية.

خلال القرن الخامس عاشر، نشر

الفيزيائي الفرنسي «نوستراداموس»

كتابه الشهير «التنبؤات». بين طيات هذا الكتاب، وُجدت العديد من التنبؤات التي حدثت وعرفت بعد نشره بسنين وعقود وأحيانًا قرون. يعتقد البعض أن في هذا الكتاب توقع لحدوث أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة ومقتل كيندي وحتى سقوط القنبلة النووية.

نصوص «نوستراداموس» التنبؤية كانت إحدى الملهمات لمواطنه

الفلكي «بيير لابلاس»

في خلق مقولته الشهيرة: «قد نعتبر أن الحالة الراهنة للكون هي أثر ماضيها وسبب مستقبلها». مما يعني أن دراسة المؤثرات الحاضرة مع رصد أحداث الماضي، يمّكن البشري العادي من توقع أحداث المستقبل، حتى وإن كان ذلك التوقع غير مبني في الأصل على دقة متناهية. فقبلتُ التحدي.

من خلال جملة لابلاس وقواعد التنبؤ عند نوستراداموس، فإن الماضي يوضح أن ذلك الحارس الروسي الشاب قد استقبل هدفًا مرسلًا من حارس المرمى الخصم في مباراته الودية الأولى في كرة القدم مع فريقه الجديد، في حين أن عوامل الحاضر آنذاك كانت أنه اتجه للعب كرة الجليد «هوكي». فكيف يمكن لأحدهم، من خلال هذين العاملين، أن ينتج في النهاية توقعًا بحارسٍ أسطوري – يوصف بالأفضل في التاريخ أحيانًا – في لعبة كرة القدم؟ نعم، كذب المنجمون ولو صدفوا.

في العام الأخير من عشرينيات القرن الماضي، وُلد ليف ياشين في موسكو، وبعد أن بلغ الـ12 من عمره، قطعت الحرب العالمية الثانية كل الأوصال في العالم تقريبًا، لكن أوصال ياشين مع الكرة لم تقطع أبدًا. انضم إلى المصانع الحربية وبدأ لعب الكُرة هناك في أجواء لم تعرف الاستقرار مُطلقًا، وقبل أن يُدرك العشرين ربيعًا، كان دينامو موسكو قد حصل على توقيعه – أفضل توقيع في تاريخ النادي القديم والحديث.

وكما أشير أعلاه، بداية ياشين مع كرة القدم لم تكن بالمحفزة إطلاقًا. واجه حظًا عثرًا في البداية جعله يتجه في فترات كثيرة إلى كرة الجليد، والتي حقق خلالها نجاحات جعلته يعود مرفوع الرأس إلى الملاعب الخضراء مرة أخرى، لتدور السنون ويصبح ليف ياشين هو حارس المرمى الوحيد الحاصل على الكرة الذهبية في تاريخ اللعبة، ضاربًا بقفازه كل التنبؤات ومروجيها، كما اعتاد أن يضرب الكرة بلا هوادة.


العالم بين أوراق التبغ

أخذت الجماهير في موسكو تميمة حظ ثابتة من اتجاه ياشين إلى الصيد. قال الكثير منهم إنه كلما اتجه ليف إلى الصيد؛ فاز دينامو موسكو. بين الحدثين رابط غير مفهوم، ربما رابط سفلي أو إلهي، لا ندري. كذلك لا نعرف بعد السبب الذي جعل ارتباط ياشين بالسجائر وثيقًا إلى ذلك الحد.

يحكي الحارس الروسي

«أوليغ إيفانوف» أنه حل ذات مرة بديلًا لليف قبل انتهاء المباراة بعشرين دقيقة فقط، كان ليف يحتاج لفافة تبغ عاجلة الطلب، فلم يحتمل انتهاء المباراة لتدخينها، فطلب التغيير وجلس خلف المرمى ليقوم بذلك.

ياشين كان كثير التدخين، تلك أحد الطباع التي اعتاد عليها منذ أن كان طفلًا وأثناء الحرب العالمية الثانية، الغريب أن ظاهرة كتلك لم تؤثر -أبدًا- على مردوده البدني في كلتا اللعبتين التي شارك فيهما، واستطاع أن يحصل على جائزة فردية_الكرة الذهبية_ في عامه الـ34 كرقم قياسي كُسر فقط على يد السير «ستانلي ماثيوس» أسطورة إنجلترا، والذي حصل على آخر لقب فردي في عامه الـ39.

فيفا 2018

وفي خلال 22 عامًا قضاها ياشين داخل أسوار دينامو موسكو بلا أي رحلات خارجية إلا للمشاركة مع منتخب الاتحاد السوفيتي، شارك خلالها في 4 بطولاتٍ لكأس العالم هم 1958، 1962، 1966 و1970، بجانب البطولات الودية، خاض ليف أكثر من 800 مباراة في حياته العملية كحارس كرة قدم، حافظ على نظافة شباكه في أكثر من نصفهم -480 مباراة- واستطاع منع أكثر من 100 ضربة جزاء من احتضان شباك مرماه.

تمكن من الفوز بالدوري الروسي -السوفيتي- خمس مرات بجانب فوزه بالكأس المحلية ثلاث مرات، وحصل بالتصويت على لقب الحارس الأفضل في القرن ودخل ضمن تشكيلة الفيفا لكل العصور. في يونيو الماضي، أعلنت شركة EA Sports المنتجة للعبة FIFA عن انضمام ليف بجانب مارادونا وهنري وبيليه إلى تشكيلتهم التاريخية بداية من النسخة القادمة لعام 2018.


ليف ياشين رمز للتراث الكروي الروسي

ليف ياشين, لعبة فيفا 2018, بيليه, روسيا 2018

صورة لقميص ليف ياشين وقبعته الشهيرة من


اعلان

اُختير الفنان

«إيغور غروفيتش»

لتصميم الملصق الدعائي الذي يعبر عن استضافة روسيا لكأس العالم للمرة الأولى في تاريخ الدولة. كان على الفنان الروسي أن يُبرز عدة صور للدولة المستضيف من خلال تصميم واضح لكأس العالم كما المعتاد؛ فوقع اختياره على

اللغة البصرية الخاصة بالحركة الإنشائية

والتي بزغ نجمها في مرحلة الثلاثينيات والعشرينيات.

روسيا، ليف ياشين، الاتحاد السوفيتي، كأس العالم

الملصق الدعائي الرسمي لكأس العالم المُقام في روسيا عام 2018.

«غروفيتش» اختار الشكل الواضح والثابت من أجل الإشارة إلى «ليف ياشين»: قبعة، طقم أسود كامل وغطاء على ركبته اليُمنى، ثلاث علامات بارزة عن الحارس السوفيتي الأسطوري لا تحتاج لمعاناة في إيضاح ملامح وجهه بالمرة. في البوستر -الملصق الدعائي- يظهر ياشين وهو يضرب كرة قديمة مرسوم عليها خريطة توضيحية لروسيا – البلد المستضيف – في وضعية اعتاد أن يظهر بها ياشين الذي يقول البعض إنه من ابتدع ضرب الكرة بمقدمة اليد بدلًا من الإمساك بها.

حول الكرة تظهر هالات برتقالية تشير إلى الطاقة التي تبعثها البطولة كل 4 سنوات من البلد المنظم، والذي يظهر خريطته على الكرة، وإلى كافة بلدان العالم في تلك الفترة من العام، مع كرة دائرية خضراء تُشير إلى الملاعب الـ12 التي ستقام عليهم البطولة في يونيو المُقبل من عام 2018.


أوضح

«إيغور» عند الإعلان عن الشكل النهائي لتصميمه، أنه رغب في إظهار صورة جديدة ومتأصلة ممزوجة بعبق التاريخ في آنٍ واحد، لذلك اختار تلك الألوان بذلك النهج في التصميم مع رسمة للخالد ليف ياشين، تقديرًا لذكراه التي لن تمحى من تاريخ الدولة أو اللعبة على حدٍ سواء.

إن هذا التصميم إنما هو تعبير حقيقي عن الثقافة الروسية والتراث الخاص بكرة القدم داخل الدولة.





فاطمة سمورة، السكرتير العام للفيفا.