تتميز المسلسلات ذات الحلقات المنفصلة بعدة أمور من أهمها التكثيف، وتعد المسلسلات ذات الحلقات المنفصلة نوعًا من أنواع المسلسلات الدرامية لا يعتمد على الحبكة المتصلة التي تقدم على مدار حلقات المسلسل سواء كانت صغيرة العدد (خمس أو ثمان حلقات) أو طويلة (ثلاثين حلقة فيما فوق). تتعدد أنواع المسلسلات ذات الحلقات المنفصلة، فمنها ما تكون من النوع المنفصل المتصل -مثل مسلسل عايزة أتجوز 2010- التي تقدم حلقات ذات مواضيع متعددة ومختلفة لا يشترط متابعتها بشكل متتالٍ ولكنها في نفس الوقت مرتبطة جميعًا بحبكة أساسية. أما عن النوع الثاني فيعد مسلسل “إلا أنا” مثالاً جيدًا عليه.

يتكون مسلسل إلا أنا من حكايات متعددة تحمل كل منها اسمًا بالإضافة إلى أبطال وكتاب ومخرجين مختلفين وبالتأكيد حبكة وقضية مختلفة. صدر الموسم الأول في مارس 2020 وضم ثمان حكايات تتكون كل حكاية من عشر حلقات. كما صدر الموسم الثاني في أغسطس 2021 ولا يزال يعرض حتى الآن.

مسلسل إلا أنا: ناتج مجهودات الحركة النسوية بشكل أو بآخر

بدأت الموجة الحديثة المسلسلات المنفصلة مع مسلسل “نصيبي وقسمتك” الذي صدر الجزء الأول منه في 2016 بطولة هاني سلامة بالاشتراك مع العديد من النجمات: نيكول سابا، شيري عادل، ريهام حجاج ومي سليم، تقوم كل منهن بمشاركة سلامة في قصة هو بطلها الأساسي لمدة ثلاث حلقات. حتى صدر مسلسل “إلا أنا” العام الماضي لتكون بطلة كل قصة الأساسية هي امرأة، لتناقش قضايا تتعلق بالنساء؛ على سبيل المثال ناقش الجزء الأول قضايا مرض البهاق، الخيانة الزوجية، عدم قدرة المرأة على إعالة نفسها ماديًا بعد الانفصال، إعالة المرأة لأسرتها ومشاكل الميراث. لاقى الموسم الأول نجاحًا جماهيريًا كبيرًا بالأخص بسبب قلة عدد الحلقات مما يجنبنا المط المبالغ فيه لمجرد ملء الثلاثين حلقة المعتادين، كما تصدرت القصص المختلفة مؤشرات الأكثر تداولًا على مواقع التواصل الاجتماعي، ليصدر الموسم الثاني الذي ما زال يعرض حتى الآن والذي يبدو أنه يحمل توجهات نسوية واضحة.

بدأت الحركة النسوية في مصر في النصف الثاني من القرن العشرين، ومن أشهر السيدات اللواتي حاربن من أجل ضمان بعض الحقوق الأساسية للفتاة المصرية الراحلة الدكتورة نوال السعداوي التي ناضلت من أجل قضايا مثل تجريم الختان، الحق في التعليم والمساواة بين الذكور والإناث في الحصول على الحقوق سواء من خلال كتابتها الفنية أو التوعوية. وفي رحلة طويلة ظهرت القضايا النسوية بشكل مستتر وعلى استحياء في الأعمال الفنية في الآونة الأخيرة، ظهرت العديد من الأعمال الفنية التي تناقش قضايا نسوية جدًا مهمة. والحقيقة أن عدم وجود هذا النوع من الأعمال الفنية كان سيكون عدم اتساق شديد مع الواقع، فمع موجة النسوية التي تزداد قوتها مع الوقت، ومع القوانين الجديدة والمعدلة في الدستور المصري التي تحاول توفير الحقوق الأساسية للسيدات من الطبيعي، أن نرى مسلسلات تناقش قضايا ميراث الفتيات، الحقوق المادية بعد الانفصال وقانون الأحوال الشخصية بشكل عام.

حكاية على الهامش: أن يضيع عمرك هدرًا

حكاية على الهامش من بطولة نرمين الفقي، صبري فواز، هايدي خالد، جيهان خليل ومحمود عمرو ياسين، من إخراج أحمد شفيق ومن تأليف أماني التونسي. تدور الأحداث حول ياسمين (نرمين الفقي) التي تكتشف خيانة زوجها رفعت (صبري فواز) مع صديقتها المقربة لتقرر طلب الطلاق، وبما أنها أم غير حاضنة لطفل تجد نفسها بلا مأوى، عمل، أموال -لا سيما مؤخرها بقيمة عشرة آلاف جنيه فقط- حتى بلا ملابس، هي حرفيًا وحيدة بلا دعم من أي نوع. وبالرغم من الصعوبات التي تواجهها ياسمين في محاولة النجاة في هذه الظروف فإنها تستطيع في النهاية إيجاد عمل يمكنها من خلاله إعالة نفسها بالإضافة لمسكن متواضع. في نفس الوقت -وبشكل متوقع زيادة عن اللزوم- تنهار حياة رفعت بعد زواجه من صديقتها ليعود إليها ذليلاً يطلب السماح ولم شمل الأسرة مرة أخرى لترفض ياسمين في شموخ درامي مرضي.

بسبب نوعية الحكايات التي تقدم في مسلسل إلا أنا تصدّر مؤشرات البحث على وسائل التواصل الاجتماعي مع نبرة ساخرة من الصورة التي يظهر بها الرجال في المسلسل، ففي أغلب الحكايات هنالك رجل خائن أو مستغل للمرأة بشكل أو بآخر، وحتى أضعف الإيمان يتركها في النهاية.

هذه النبرة الساخرة تستنكر الرسالة التي يوجهها المسلسل المضادة للزواج التي تصوره مشروعًا فاشلاً في كل الأحوال سواء مبني على الحب أو من نوعية زواج الصالونات، وفي حقيقة الأمر أن مناقشة القضايا التي تهتم بها الحركة النسوية المتعلقة بالزواج، الوصاية، الميراث والحضانة تحتاج لعشرات المسلسلات بالإضافة للقضايا الأخرى المتعلقة بالمرأة مثل التحرش والختان وما إلى آخره. لعل من أفضل مميزات مسلسل (إلا أنا) هو واقعيته، واقعية القضايا التي يناقشها مع عرض فعلي للأذى الذي يقع على المرأة بسبب القوانين سواء الدستورية أو المجتمعية. وهو نفس الأمر الذي يجعل تقبل المسلسل وأفكاره والقضايا التي يناقشها عملية صعبة على المجتمع وبالأخص الفئة التي يمكن تسميتها بـ “المجتمع الذكوري”.

رحلة ياسمين من حكاية على الهامش من انهيار حياتها الثابتة لإعادة بناء شاملة لكل جوانب حياتها وما تعبر عنها تلك الرحلة من أفكار ومبادئ، تعتبر نموذجًا واحدًا من النماذج التي يحاول المسلسل من بدايات الموسم الأول وحتى الآن عرضها. ففي أغلب الحكايات ستجد سيدة لتنجو من محنة قامت بالاعتماد على نفسها ماديًا من خلال العمل، والحقيقة أن هذا النوع من الرسائل إيجابي للغاية، ففي العام الحادي والعشرين من القرن الحادي والعشرين لا تزال فكرة عمل الفرد وقدرته الذاتية على إعالة نفسه هي فكرة ليست بديهية للغاية، فبالطبع وجودها في الأعمال الدرامية بشكل مكثف هو أمر ضروري.

وحتى بعيدًا عن المستوى المادي، تناقش بعض الحكايات فكرة اعتماد المرأة العاطفي على شخص آخر وهو أمر غير صحي سواء للرجل أو الأنثى، بالتالي نشر التوعية حول ضرورة وأهمية الاستقلال النفسي بموازاة الاستقلال المادي هو انتصار للحركة النسوية بشكل أو بآخر.

لا تفسد الطبخ بسبب القليل من الملح!

لا تفسد الطبخ بسبب القليل من الملح هو مثل مصري شعبي يعني ألا تفسد شيئًا جميلاً للغاية بسبب خطأ صغير، وهو ما حدث في حكاية على الهامش في الحلقة الأخيرة من المسلسل. تتعرض ابنة ياسمين نور (تسنيم مطر) للابتزاز من صديقها بصور شخصية لها قد أرسلتها له ليحصل على أموال مقابل عدم نشر تلك الصور، تعترف نور لوالدتها بالأمر وتطلب المساعدة في محاولة مكثفة لتوضيح كم التطور في شخصية ياسمين ومقدار تحملها للمسؤولية الذي يمكنها من التصرف في هذا الموقف الصعب. تقرر ياسمين الاستعانة بالسائق الذي ساعدها كثيرًا في البداية حتى يصل للولد والحصول على هاتفه ومسح الصور بعد تلقينه درسًا حتى لا يتلاعب ببنات الناس مرة أخرى.

بغض النظر عن لا معقولية الأحداث والتعامل وكأننا في غابة لا يحكمها قانون، ففي نفس الوقت الذي تظهر كل أسبوع تقريبًا قصة جديدة لفتاة أو سيدة استطاعت أن تحصل على حكم قضائي بحبس أو غرامة ضد متحرش أو مسب لها من خلال مباحث الإنترنت التي تبذل مجهودات على أرض الواقع جيدة حقًا. فمنذ مسلسل هذا المساء الصادر في 2017 الذي يناقش في أحد خطوطه الدرامية المهمة قضية ابتزاز الفتيات بصورهن الشخصية وحتى الآن تم تفعيل وتعديل القوانين الخاصة بمباحث الإنترنت المختصة بالأمر ليكون هو الحل الأسهل والأمثل والآمن للتعامل مع هذا النوع من القضايا. فبدلاً من التعدي بالضرب بشكل غير قانوني على الشاب يمكننا من خلال نفس الموقف توعية الفتيات بالحقوق المقدمة لهن بالفعل ويضمنها القانون ليكون عقاب المبتز بالحبس بمدة لا تقل عن عامين!