تعلقنا بهم كثيرًا على اختلاف ميولنا وأهوائنا الرياضية، منتخب السامبا الذي سحرنا دائمًا بكرته الهجومية الجميلة بسبب وجود العديد من الأسماء الموهوبة أمثال رونالدو ورونالدينيو وكاكا، لكن هل فكرت سابقًا بأسماء هؤلاء اللاعبين، وما قصة ألقابهم ومعانيها، فما هو السر وراء الأسماء المستعارة للاعبي منتخب البرازيل؟

تعتبر الأسماء المستعارة «nicknames» عادة دارجة في العديد من المجتمعات، في بعضها يكون اللقب مُقتصِرًا على نطاق ضيق إما العائلة أو المدرسة أو الحي، وبعضها الآخر اتخذ شكلاً وطابعًا رسميًا كما في البرازيل وأصبح بمثابة علامة تجارية عالمية خاصة بهم. وهذه الألقاب تنتشر في بعض الدول ومنها مصر، لكن لم تأخذ طابعًا رسميًا كما البرازيل، فأحمد حسام ميدو ومحمود عبد الرازق شيكابالا ومحمود حسن تريزيجيه يُعرفون بأسمائهم المستعارة لكن لم يتطور الأمر لتسجيل هذه الألقاب في السجلات الرسمية في الدولة كما يحصل في البرازيل.


أصل الحكاية

الأسماء البرازيلية بشكلها العام رباعية تتألف من اسم عائلة الأب والأم بالإضافة إلى اسم الشخص، يتم اختصار هذه الأسماء لاسم واحد أو لقب، هذه الألقاب ليست أمرًا عبثيًا كما يعتقد البعض بل تتعلق بعوامل عدة منها الجذور الجغرافية أو الطبقية للشخص، أو تطلق كنوع من الألفة والعلاقة الوطيدة بين الأشخاص، أو يتم اختصار الاسم الأول مع إضافة لواحق معينة للدلالة على الصفات الجسمانية للأشخاص. ويُعتقد أن أصول هذه العادة تعود إلى فترة الاستعمار البرتغالي للبرازيل، وكانت نتيجة لتواجد نظام العبودية خلال تلك المرحلة، حيث كان يُعطى لقب للشخص ملحقًا باسم مدينته أو دولته، ويُرجِحُ البعض أن سبب انتشار هذه التسميات عائد إلى صعوبة حفظ الاسم بشكله الكامل خاصة بالنسبة للأطفال، ويُعتقد أيضًا أنها بسبب انتشار الأمية بشكل واسع داخل البرازيل.

نحن لا نستخدم اسم العائلة في البرازيل، وهذا الأمر يعكس سمة المجتمع البرازيلي والذي يتميز بأنه ذو طابع شخصي ودي، نحن نهتم بالشخص وليس اسم العائلة، نحن نهتم بالأشخاص بصفتهم من هم وماذا يعنون لنا

البروفسور البرازيلية لايريس فيدمان – مديرة برنامج اللغة البرتغالية في جامعة ستانفورد.

الألقاب بشكل عام لا تقتصر فقط على اللاعبين بل تعتبر قاعدة أساسية وعامة تنتشر بين جميع مكونات وأطياف المجتمع البرازيلي وفي كافة مجالات الحياة، فهي تنتشر بين الأطفال والعمال والأطباء وتمتد إلى رجال الدين وحتى الساسة، حيث قام الرئيس البرازيلي السابق لويز إيناسيو لولا دا سيلفا بإضافة لقب «لولا » -دلالة على جذور عائلته التي تعود للطبقة العاملة – إلى اسمه بشكل قانوني،وجميع البرازيليين يعرفونه بـ«لولا» وليس باسمه الحقيقي، حتى وصل الأمر إلى وضع الأسماء المستعارة على دليل الهاتف في إحدى المدن البرازيلية بدلا من وضع الأسماء الحقيقة.

مشجع ألماني وضع اسم «القيصر» على قميصه بدلا من بيكنباور.

مشجع ألماني وضع اسم «القيصر» على قميصه بدلا من بيكنباور.

وهذه العادة المجتمعية لا تنتشر في الدول الأخرى كما البرازيل، فالبرغوث ميسي والقيصر بيكنباور وكرويف الجناح الطائر لم يعتمدوا هذه الألقاب بشكل رسمي على القمصان أو في الإعلام فالأمر لا يأخذ طابعه الرسمي في تلك الدول، لكن في البرازيل الأمر تحول من طابع غير رسمي إلى طابع قانوني وشرعي لكن بشكل مختلف، حيث إن هذه الألقاب تعكس العلاقة الودية بين أفراد المجتمع البرازيلي ولا توجد في مكان آخر.

اللاعبون يشعرون بأنهم مجموعة من الأشخاص المقربين من خلال هذه الألقاب، وكأنهم أصدقاء يلعبون باستمتاع في حديقة المنزل، والأمر ينعكس على المشجعين أيضًا الذين يفهمون معاني هذه الألقاب لتصبح علاقتهم أكثر قربًا مع اللاعبين وهذا لا نشعر به عند ذكر اسم بيكنباور وكرويف





أليكس بيلوس مراسل الغارديان البريطانية في البرازيل.


كيف بدأت الحكاية؟

أول من استخدم لقبه عوضًا عن اسمه كان اللاعب «فورميغا» عام 1914 – فورميغا كلمة برتغالية تعني نملة – واستمرت هذه العادة منذ ذلك الوقت مرورًا بغارنيشا وبيليه وزيزينيو وحتى يومنا هذا، وأصبحت مع مرور الوقت عادة رسمية، فاللاعبون حاليًا لا يعرفون بأسمائهم الأصلية بل بألقابهم التي تستخدم في المباريات والمؤتمرات الصحفية وتعتمد حتى من خلال الدعوة الرسمية للمنتخب.


ضحك ولعب وجد وحب

كارلوس دونجا، ريكاردو كاكا

كارلوس دونجا (يمين)، ريكاردو كاكا (يسار)

ريكاردو إيزاكسون دي سانتوس أو المعروف بـ«كاكا»، وبسبب صعوبة اسمه لم يستطع أخوه الصغير نطق اسمه بشكل صحيح وقام بمناداته بكاكا واستمر الاسم معه طيلة مشواره الكروي، أما هالك «Givanildo Vieira de Sousa» اكتسب هذا اللقب عندما كان طفلاً بسبب حبه وتعلقه بقصص هالك، وبدأ والده يناديه بهذا الاسم واعتمده في بداية مسيرته الكروية. أما مدرب البرازيل السابق كارلوس كايتانو بليدورن فيري والمعروف بـ«دونغا»، عندما كان صغيرًا شبهه عمه بأحد الأقزام السبعة اسمه «dopey» بسبب قصر قامته ومعنى اسمه «الغبي» باللغة البرتغالية.


لكل مقام مقال

الظاهرة «رونالدو» في بداية مسيرته الكروية في سن الـ16 استخدم لقب «رونالدينيو» وذلك لتواجد لاعب برازيلي آخر باسم رونالدو، وعند اعتزال الأخير قام الظاهرة باتخاذ اسم رونالدو كلقب له بدلا من رونالدينيو، أما الساحر «رونالدينيو» أطلق على نفسه اسم رونالدينيو غاوتشو «رونالدينيو من مدينة ريو» لتمييزه عن رونالدينيو «اسم رونالدو السابق».

لاحقة inho تعني «little – صغير» فعندما نقول رونالدينيو أي رونالد الصغير والأمر ذاته بالنسبة لباولينيو أي بول الصغير، أما لاحقة ao تعني «big – كبير» مثل فيليباو لقب «سكولاري» مدرب البرازيل السابق لأنه كان مدافعًا صلبًا وضخمًا، فهذه التسمية تتعلق بشكل كبير بالبنية الجسمانية والبدنية للاعب، حيث إن اللاعب الضخم لن يستخدم inho ضمن اسمه لأنها لا تناسب طوله وبنيته.


خارج الصندوق

الكساندر باتو (يمين) غانسو (يسار)

كثير من اللاعبين لا يطلقون على أنفسهم الألقاب لصفات تتعلق بهم أو اختصارا لأسمائهم، فمنهم من اعتمد أسماء نباتات وحيوانات وأشياء أخرى، حيث سمى اللاعب «Fernando Pascoal das Neves» نفسه بـ«بافاو» أي الطاووس بالبرتغالية، وأشهر الأمثلة على ذلك هو «باتو» أي البطة باللغة المحلية، لكنه في الحقيقة ينحدر من مدينة باتو برانكو. أما «غانسو» لاعب إشبيلية الحالي اعتمد اسمه والذي يعني الأوزة بسبب أحد المدربين في فريق الناشئين والذي كان يناديهم بالأوزات، بالإضافة إلى «Triguinho – القمح»، و«Arroz- الأرز»، وبعضهم لقبوا أنفسهم بأسماء أخرى مثل الدبوس والمقص والبالون.

هناك لاعبون من خارج البرازيل اعتمدوا الألقاب على قمصانهم وفي الإعلام، مثل جيرفينيو «Gervais Yao Kouassi» الذي أخد اسمه من مدرب برازيلي كان يدرب بأكاديمية أسيك أبيدجان بساحل العاج، المدرب أطلق عليه هذا اللقب بسبب أسلوب لعبه ومهارته القريبة من الأسلوب البرازيلي.

أما بالنسبة للمهاجم «فالكاو»، ولد الكولومبي باسم راداميل غارسيا زاراتي، وأطلق عليه والده لقب فالكاو ومعناه الصقر بالبرتغالية تيمنا باللاعب البرازيلي «باولو فالكاو» لتخليد اسم هذا اللاعب، واعتمد راداميل هذا الاسم لاحقا في شبابه.


المهارة لها بريقها

الكساندر باتو، غانسو

الكساندر باتو، غانسو

تياجو سيلفا، خوليو سيزار، دافيد لويز

تياجو سيلفا (يمين) – خوليو سيزار (وسط) – دافيد لويز (يسار)

يعتبر اللعب بالمراكز الهجومية عاملا جاذبا بشكل أكبر لهذه الألقاب بسبب الأسلوب الهجومي البرازيلي ومحبة الجماهير البرازيلية للهدافين واللاعبين المهاريين، على عكس المراكز الدفاعية أو حراسة المرمى، فأغلب لاعبي هذه المراكز يميلون لاستخدام أسمائهم الحقيقية مثل دافيد لويز وتياجو سيلفا وخوليو سيزار، وخلال كأس العالم الماضية تواجد 17 لاعبًا من أصل 23 بألقابهم وليس بأسمائهم.

الألقاب نستخدمها في الغالب مع الناس المعتادين عليهم أو المقربين منهم، نحن نشعر أننا متعلقون بالمنتخب الوطني لأنه يمثلنا بثقافتنا وعاداتنا ويعكس طبيعة علاقاتنا الاجتماعية، وهذا طبيعي لأنهم أبناؤنا وأخوتنا، إنهم يعكسون صورة البرازيل أرض الفقراء والأغنياء من الجنوب إلى الشمال وهذا أمر له خصوصية كبيرة بين أفراد المجتمع البرازيلي

لايريس فيدمان مديرة برنامج اللغة البرتغالية في جامعة ستانفورد.

في المجال الرياضي تتواجد الألقاب بشكل رئيسي في أربع دول هي البرازيل وإسبانيا والبرتغال وأنغولا بحكم خضوعها أيضًا للاحتلال البرتغالي، لكن هذه التسميات انتشرت في البرازيل بشكل أوسع، وهي تُظهر بشكل جلي الوجه الحقيقي للبرازيل وطبيعة العلاقات الاجتماعية وأكدت أن كرة القدم لن تكتمل إلا بوجود هذه الألقاب.


المراجع




  1. أسباب اعتماد الألقاب بدلًا من الأسماء الحقيقية

  2. أول لاعب برازيلي استخدم اسمًا مستعارًا

  3. ألقاب رونالدو و رونالدينيو و هالك