المصريون يعرفون تمامًا معاناة الإخفاق المبرر وغير المبرر أحيانًا بتصفيات التأهل للمونديال،فمن فرصة مجدي طلبة الشهيرة لهدف جورج وايا بشباك الحضري ثم هدف آخر لمصطفى حجي بشباك نادر السيد اتخذ الموقف من الإخفاق أشكالًا عدّة، تنوعت من الإحباط والصدمة وحتى الكوميديا الساخرة، لكن الأكيد أن الدافع لأغلب ردود الفعل على الفشل المتكرر عبر عشرين عامًا كان الرغبة للوصول للبطولة العالمية التي سبقنا إليها دول كـ «ترينداد وتوباجو» و «جامايكا» لا تمتلك تاريخًا قاريًا كبيرًا.

تصفيات العبور للمونديال تحمل عددًا لا يقل من الأحداث المثيرة عن مثيلاتها بالبطولة العالمية الأكبر،اليوم نتعرف على واحدة من تلك القصص بعيدًا عن إخفاقات الفراعنة لكنها تعد الأبرز والأكثر إثارة للجدل بين تصفيات الدورات المختلفة!

بالرغم من أن حكاية روبرتو روخاس لم تلقَ اهتمامًا صحفيًا عربيًا إلا أنها ما تزال مادة خصبة تتناولها الصحافة الغربية بين الحين والآخر للتوثيق تارة وللفت الانتباه للتطور التكنولوجي الرهيب الذي فتحت له كرة القدم أبوابها بسبب أحداث كتلك التي وقعت بالبرازيل قبل 26 عامًا!


http://gty.im/107867327


يوم جديد في الماراكانا

المكان: إستاد الماراكانا، ريو دي جانيرو.

الزمان: 3 سبتمبر عام 89، تصفيات قارة أمريكا الجنوبية المؤهلة لمونديال 90.

الحدث: البرازيل تواجه تشيلي بمباراة تحتاج فيها تشيلي الثلاث نقاط.

كان الأمر أشبه بضياع كل شيء بخطوة واحدة، سقوط واحد انتزع قلبي من مكانه





«ريكاردو جوميز» قائد منتخب البرازيل في تلك الآونة.

يدرك أي مشجع لكرة القدم جيدًا معنى أن يواجه فريقه منتخب البرازيل، أباطرة الكرة وأكثر المنتخبات فوزًا بالمونديال، تزداد المواجهة صعوبة بلا شك بحال كانت المباراة بواحد من أهم الملاعب البرازيلية تحت أنظار جمهور لا يجد ما يميزه وينتشله من هامش القارة الجنوبية إلا بمنتخب يقدم كرة قدم ساحرة وبمواهب تصنع الفارق كدونجا وروماريو وكاريكا وبيبيتو، أشهر أسماء كتيبة منتخب السيليساو بتصفيات مونديال 90!

أوقعت قرعة التصفيات منتخب تشيلي مع البرازيل، وبدا المنتخب الأول قادرًا على تقديم عروض جيدة ومنافسة حقيقية حتى الجولة الأخيرة حين تساوت نقاط الفريقين مع فارق هدف واحد لصالح البرازيل، وجاءت الجولة الأخيرة لتشيلي على أرض السامبا بحيث لا يمكن لهم العبور لإيطاليا حيث بطولة كأس العالم إلا بالتغلب على المنتخب الذهبي.

بدأت البرازيل المباراة كعادتها بهجوم ضاغط قابله صمود من الضيوف انهار آخر حصونه حينما نجح المهاجم كاريكا في هز شباك تشيلي بالدقيقة 49 لتبدو للوهلة الأولى أن الأمور تسير لصالح تأهل البرازيل.

استمرت المباراة على حالها إلى أن جاءت الدقيقة 70 ،حينما توقف اللعب وهرول الجميع نحو مرمى تشيلي بسبب سقوط حارس مرماهم «روبرتو روخاس» على الأرض ممسكًا برأسه، يحاوطه دخان أحد الألعاب النارية التي سقطت من مدرجات مشجعي البرازيل نحو مرمي تشيلي؛ أصعب موقف قد يواجه أصحاب الأرض!

لم يمر الكثير حتى اندفع الطاقم الطبي التشيلي بقيادة الطبيب «دانيال رودريجز» لأرض الملعب بعد أن تأكد من خطورة الإصابة، روخاس خرج محمولًا ينزف دمًا بغزارة من رأسه، زملاؤه يرافقونه إلى خارج الملعب بعد أن طلب منهم قائدهم الكابتن «فيرناندو أستينجو» مغادرة المباراة بعد أن أضحى الملعب غير أمن.

أما البرازيليون فقد أصابتهم صدمة شديدة بعد التأكد من نزيف روخاس، المهاجم كاريكا ينظر للوحة التي تشير لتقدم منتخبه بهدف ولكنه يعرف عدم جدوى النتيجة لأن الفيفا لن تمنح بطاقة المرور لفريق كاد جمهوره أن يقتل حارس الخصم؛ 5 دقائق كاملة من تدفق الأدرنالين.


«ريكاردو جوميز» قائد منتخب البرازيل يتحدث مع الحكم الذي أصابه نوبة توتر واضحة جراء الحدث، لم يعرف قائد الساحة التعامل مع متغيرات عدّة في آن واحد، يتعقد الأمر بسبب غياب أي وسيلة لإعادة اللقطة التي كانت بعيدة عن الأنظار وتهافت لاعبي تشيلي لنداء الصحافة لتصوير وتوثيق إصابة زميلهم والأهم دماء سقطت على نجيلة الماركانا، بحث عن الكرة وألغيت المباراة قبل نهايتها بعشرين دقيقة.


تيكشيرا وريكاردو كانا هناك

باولو تيكشيرا المصوّر الصحفي ووكيل اللاعبين.

خلف مرمى روخاس هناك منصة للوحات مختلفة للإعلانات يجلس خلفها عشرات المصورين،من بينهم صديقان كان لهما أن يغيرا ما بدت الأمور تتجه له محسومة بسرعة الصاروخ لصالح تشيلي، المصوران «ريكاردو ألفيري» و «باولو تيكشيرا»، فما الذي حدث؟

الحقيقة أن أغلب المصورين لم ينتبهوا لشمروخ الألعاب النارية إلا المصور ريكاردو ألفيري الذي هرع لالتقاط خمس صور سريعة ترسم مراحل سقوطه ومدى اقترابه مع روخاس، كان الشك قد اتخذ مكانًا بقلب تيكشيرا من خديعة بطلها الحارس التشيلي لكنه كان يحتاج أن يتأكد من صديقه الذي أكد ظنه، خلال تلك اللحظة فقط آمن الصديقان بقدرتهما على التدخل لتغيير خط سير الحدث.

وسط إحباط شعبي توغّل بجانب يأس إعلامي من تخفيف وطأة الحدث، نجح تيكشيرا بفضل علاقاته بتسريب أخبار عبر الراديو تفيد بأن بعض المصورين خلف مرمي روخاس يؤكدون أن الشمروخ لم يصطدم برأس الحارس.

الأمر الذي دفع الاتحاد البرازيلي للتعلق بأي أمل وطلب من يمتلك صور بضرورة تسليمها لمعامل الاتحاد لأجل مخاطبة الفيفا بشكل سريع، المشكلة كانت عن ارتباط ريكاردو ألفيري بعمل مع وكالة أنباء يابانية ستطلب منه صور المباراة قبل صباح اليوم التالي، لكن ألفيري فضّل البقاء بالبرازيل والمخاطرة بعمله وتسليم الكاميرا لمعامل الاتحاد.

كانت النتيجة مفاجأة الشمروخ لم يصطدم أبدًا برأس وبيرتو روخا بل أن الأخير تحرك خطوات من مكانه الأصلي قبل سقوط الشمروخ ليبدو الأمر وكأنه اصطدامًا ،لكن ماذا عن الدماء التي نزفها؟

بحسب موقع «سبورت سكيدا» يؤكد أغلبية المحللين أن روخاس قد احتفظ بآلة حادة داخل قفازاته، منحه دخان الشمروخ القدرة على استخدامه سريعًا لجرح جبهته ثم التخلص منه مرة أخرى دون أن يلحظ أحد؛ بلوت تويست فيلم تشيلي وليس هنديًا.

لم يدخر الاتحاد البرازيلي جهدًا مستخدمًا تلك الصور لعرقلة إجراء الفيفا منح تشيلي نقاط المباراة بسبب إصابة حارس منتخبهم، بل انقلب السحر على الساحر وجاء العقاب شديدًا!


سماح مدى الحياة

لم يلحظ أغلبنا سقوط شمروخ الألعاب النارية لكن ريكاردو ألفيري كان يقظًا بما فيه الكفاية

اقتنعت الفيفا بما قدمه الاتحاد البرازيلي من دلائل تؤكد بداية براءة جماهير روماريو ورفاقه لذلك منحتهم عبورًا سريعًا لإيطاليا 90، أما الجانب التشيلي فقد التزم كثيرًا من الصمت ولا يبدو أنهم أحبوا الدخول بقوة بمعركة الصور والدلائل وهو الأمر الذي جعل أصواتًا تتعالى داخل الفيفا تؤكد أن أمر إصابة روخاس كان مدبرًا مع سبق الإصرار قبل بداية المباراة، مؤامرة مكتملة الأركان بطلها الحارس الذي احتفظ بآلة حادة وساعده طبيب الفريق الذي هرع لتأكيد الإصابة بسبب الشمروخ، كل ذلك تحت قيادة المدير الفني الذي أدار من خط الملعب، المؤامرة في أسوء الأحوال أو انفلتت أمور قيادة الفريق من يده فمنح الحرية لأحدهم ليفعل فعلته وأخيرًا قائد تشيلي الذي أصر على عدم استكمال المباراة لتخوفه على سلامة فريقه، هكذا ظنت الفيفا فعاقبت بشكل مبدئي تشيلي بالشطب من تصفيات كأس عالم 90 وكأس عالم 94 ثم أمرًا أخر بشطب كل من روبرتو روخاس بجانب الطبيب رودريجز والمدير الفني أفيرنا من سجلات كرة القدم مدي الحياة.

مرت السنون وتراجع العداء فمنح الاتحاد البرازيلي روخاس الذي كان حارسًا للفريق البرازيلي «ساو باولو» قبل واقعته الشهيرة سماحًا وطلب من الفيفا تخفيف العقوبة، تفاعلت الفيفا سريعًا مع هذا الطلب ورفعت عنه قرار الشطب بعام 2001.

عمل روخاس بالتدريب فترة بعد عودته وسط احتفاء من الجماهير التشيلية ورغبة بتجاوز الواقعة التي يمكن على الأقل تفسير أسباب ودوافع القيام بها وهي رغبة باللعب في المونديال.


المراجع




  1. تقرير موقع سبورت سكيدا

  2. تقرير شبكة سي إن إن الأخبارية

  3. صفحة روبرتو روخاس على موقع ويكيبيديا