أؤمن بشدة أن ثورة 25 يناير، هي الحدث الأفضل في حياتي، لا أجد مقدمة أفضل أبدأ بها هذا المقال سوى كلمات الراحل محمد يسري سلامة:

لن أندم أبدًا على الثورة وعلى مشاركتي فيها، وهي أجمل وأطهر وأنبل حدث في حياتي، وليس ذنبنا أننا قمنا بها وسط انتهازيين وجهال معدومي الوعي، صحيح أنني لم أحصل على أية مكاسب من الثورة بل خسرت أشياء ولكني لست بنادم، اخترت الثورة وكان يمكنني أن أكون عضوًا في كل لجنة وبرلمان، وفخور بذلك.


بداية الحكاية!

قامت ثورة عظيمة في تونس واندلعت الأجواء هناك، مما أدى إلى هروب الطاغية بن علي إلى السعودية في 14 / 1 / 2011، تاريخ لن ينساه الكثير منّا، فما يحمله من الذكريات لن يخرج أبدًا من ذاكرتنا مهما مر من الوقت.

ماذا لو لم تقم ثورة في تونس؟ كتبها صديقي وأرسلها إليّ، لعلي أحمل إليه إجابةً على سؤاله. لكنني وجدت نفسي أسأله: ولماذا تسأل عن الأمر؟

لم يفكر كثيرًا، وأجاب بتلقائية: لم يكن ليحدث هذا كله! ماذا أخذنا من الثورة غير شهداء ومعتقلين ومصابين وحياة تدمرت لدى العديد من الأفراد، وظلم أصبح يعشش في البلاد، لم يتغيّر شيء، بل إننا أصبحنا نعيش على شبح من الذكريات، تأسرنا ولا نستطيع أن نخرج منها أو نتخطاها، الحياة توقفت مع فشل الثورة في كثير من معاركها.

ابتلعت إجابته كمن يبتلع ريقه؛ خوفًا من مجهولٍ لا يدركه، ولا يعرف مصيره في مواجهته. أغمضت عينيّ حتى توقف بي الزمان عند لحظةٍ لا أنساها أبدًا، يوم رحيل بن علي، عندما وقف مواطن تونسي يهتف في الشارع ويقول «يا توانسة يلي غبنوكم، يا توانسة يلّي عذبوكم، يا توانسة يلّي قهروكم، يا توانسة يلّي سرقوكم، تنفسوا الحرية، شعب تونس هدالنا الحرية، يحيا شعب تونس، تحيا تونس العظيمة، المجد للشهداء، يا توانسة ما عادش خوف، المجرم هرب.. بن علي هرب.. شعب تونس حر.. الشعب هو اللي يحكم.. يا شعبنا يا عظيم.. يا شعبنا يا باهي.. يا شعبنا يا غالي.. يا شعبنا يا سمح.. تنفس الحرية.. العظمة لتونس.. البقاء للشعب التونسي.. رانا تحررنا، وبن علي هرب!».


أتنفس الصعداء في داخلي فرحةً بما تذكرت، كأني وجدت المهرب، تهدأ روحي قليلًا وأقرر أن أجيب بكل صدق عن تساؤله، ماذا لو لم تقم الثورة في تونس؟


الثورة.. حربٌ لا بد منها!

– لا نتدخل في أقدار الله بالتأكيد، ولكن قيام الثورة في تونس لم يكن هو الدافع لقيام الثورة لدينا في مصر، الثورة كانت لتقوم سواء بتونس أو بدونها.

– صديقي يسألني عن تونس ولم يسألني عن مصر، لأنه يهرب من مواجهة القضيّة الحقيقيّة التي نعاني نحن منها.

– لو أن هناك علاقة قوية وقيام ثورة تونس، معناه أن الحياة كانت لتمضي دون أي أحداث في مصر، وكما يقول صديقي إن الثورة أتت ومعها لا شيء سوى الموت، وما يحيط به، سأتساءل، هل كانت حياتنا مقبولة قبل الثورة؟ الظلم هو الظلم في جميع الأوقات ولا خلاف على ذلك، وعلينا أن نقف في وجهه، الشهيد اسم وليس رقمًا، لذلك إن مات شخص واحد في عهد شخص ما، فذلك معناه أن شرعيته قد انتهت.

– ربما فشلنا نحن فيما حدث بعد ذلك، لم ننجح في إدارة ثورتنا وأصبحنا فعلًا نعيش على شبح الذكريات، هذه حقيقة يعيشها الكثير من الأفراد الآن. وهناك من لم يعد مثلما كان من قبل، قُتلت الأرواح في داخلها، فصارت الأجساد تحيا دون أرواحها، هذه حقائق لابد من الاعتراف بها حتى يمكننا أن ننظر إلى ما يحدث بشكل صائب ونعالجه.

أنتهي من تجميع هذه الحقائق في ذهني وأرسل إلى صديقي قائلًا: لو لم تقم الثورة في تونس، فكانت لتقوم في مصر، يجب أن تدرك بأن ما يحدث كان ليحدث بأي شكل آخر، فـنحن نختار ونسير ناحية الأقدار وما كتبه الله لنا، الحل لا يكمن أبدًا في إنكار قديم قد حدث، بل في إدراك جديد يحدث والتعامل معه بما يستحقه.

الثورة حقيقة لا خلاف عليها، واضحة وضوح الشمس في قلب أغسطس، فلا تظلم الثورة يا صديقي، وتذكر دائمًا ذلك المواطن التونسي الذي هتف بن علي هرب، تذكر إيمانه بما قال، وتذكر الحريّة وقيمتها وأهميتها لدى الجميع، وتذكر إيمان شعبنا يوم أن قام بثورته. منذ فترة قالها لي شخص عجوز تجاوز عمره ما يقرب من أربعة أضعاف عمري «شجرة كان، تسقيها بمّية (مياه) يا ريت، متطرحش!». فالعيش على ما مضى لن يصل بنا إلى شيء أبدًا، الشجرة لن تطرح مهما حاولنا أن نعطيها من المياه، ما دمنا نفعل ذلك بالطريقة الخطأ.


خاتمة

ربما صديقي هذا لم يكن شخصًا حقيقيًا، لكن يبدو لي أنه يعبر عن كل من عرفتهم في الثورة، والتساؤل حول جدوى ما فعلناه بها.

منذ 5 سنوات كان لكلمات مثل الحلم والوطن والأمل، وحتى التغيير معنى عظيم جدًا، يُدركه الجميع ويؤمن به، لأنهم يصنعون كل هذا، ومع مرور الوقت تراجع معنى هذه المسميات، وأصبح لا فائدة من وجودها، أي أحلام تلك التي لا نملك منها شيئًا!

لكن ببساطة المعركة لم تنته، ولا أظنها ستنتهي أبدًا، سوف نظل نحاول ونسعى نحو أحلامنا.

هل يمكنك أن تحافظ على عود الثقاب مشتعلًا لا ينطفئ، أو حتى سليمًا لإشعاله في وقت لاحق، بعد أن أشعلته بالفعل؟ الإجابة لا، فلماذا لا نفكر في إشعال عود آخر، بدلًا من العيش على شبح ذكرى العود الذي أشعلناه ولم يكف؟

هذه رسالة الثورة التي أؤمن بها حاليًا، أن نسعى إلى البحث عن عود كبريت جديد. بدون هذا العود، ستظل شجرة كان التي لا تطرح أبدًا. المجد دائمًا وأبدًا للشهداء والثورة.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.