في هذه الأيام، أندية كرة القدم بمثابة العلامات التجارية .. مجموعات وليست فرقًا. تفكر أولاً وثانيًا وثالثًا في الأموال، وكيفية تحويل اللعبة إلى صناعة كاملة، يكون فيها العامل التسويقي هو الأساس. لم يعد الأداء داخل الملعب فقط هو العامل المنتظر، بل زادت قيمة تدوير الأمور الأخرى خارجه، مع استغلال كافة الأحداث المحيطة في خلق انتصارات إعلامية وإعلانية، تتضاعف بالوقت لتصبح هي الكل في الكل.





خورخي فالدانو، المدرب والمدير الرياضي السابق لريال مدريد

يتحدث فيلسوف كرة القدم خورخي فالدانو، بطل مونديال 86، عن الجانب التجاري الذي طغى على كل جوانب اللعبة، وحولها إلى نسخة مالية أكثر منها فنية، ليتضاعف أسعار النجوم ورواتبهم، ونسمع أرقامًا فلكية كل موسم في صراع لا ينتهي بين أكثر من نادي لضم لاعب ما. وبول بوجبا هو نجم هذا الصيف بدون منازع . 100 مليون يورو؟ 120 مليون؟ ربما أكبر من ذلك، المزاد مفتوح على مصراعيه، والجميع ينتظر.


فوق مستوى الأحلام

بوجبا مواليد 1993، عمره 23 عام فقط، هل تعلم أن زيدان في هذا السن لم يكن معروفا خارج فرنسا، بينما كانت جماهير نانسي، النادي الصغير هناك، تتابع لاعبها الأمْيَز ميشيل بلاتيني خلال حقبة السبعينات، أما تيري هنري ثالث أساطير هذا البلد، فلم يجد لنفسه مكان في تشكيلة يوفنتوس، ليجلس على الدكة لمدة موسم واحد، ويهرب سريعا خارج بلاد كانت تُعرف بأنها جنة كرة القدم في عصور سابقة.

كل هؤلاء النجوم في تاريخ فرنسا بدأوا بطريقة صعبة، لنقل طريقة عادية وتقليدية، لكن بوجبا شق مشواره سريعا نحو القمة، إنه لاعب ولد نجما، ومنذ مشاركته مع السيدة العجوز في 2012 وهو يقدم نجاحات ملموسة، ليصبح نجم الفريق الأول خلال فترة وجيزة، بطل إيطاليا الأوحد محليا يقوده فتى فرنسي لم يتعدَّ عمره الواحد والعشرين عاما.

اللاعب الأمْيَز في يوفنتوس، والموهبة الأهم مع منتخب فرنسا، ورفقة أرقام مميزة ولقطات مهارية يحبها المتابعون، كلها أمور جعلت بول بوجبا يسير بخطى ثابتة نحو مكانة كروية مرموقة، فاللاعب يمكن تصنيفه بأنه واحد من أبرز 5-8 لاعبين في أوروبا والعالم خلال العامين الأخيرين، كذلك يعرف بأنه أحد أميز لاعبي الوسط في أوروبا، أسماء قليلة جدًا من تنافسه أو تتفوق عليه بالفترة الحالية، لذلك من المنطقي تواجده على رأس قائمة الميركاتو في إيطاليا وخارجها.


لاعب وسط متكامل

يتحدث أريجو ساكي رفقة باولو بانديني في حديث سابق بجادريان، عن دور كل لاعب داخل الفريق، وهل المدافع يجب عليه أن يركز فقط على رقابة مهاجم الخصم أم يكون له دور في الجانب الدفاعي للفريق ككل، لينطلق إلى جانب تكتيكي آخر مهم يندرج تحت فكرة تبادل المراكز والتحول من مكان لآخر داخل الملعب. ويؤكد أن الجمود الخططي هو السائد في السنوات الأخيرة، في ظل تفشي ظاهرة «التخصص» في اللعبة، أي ينقسم الوسط إلى 3 و 4 مراكز؛ ارتكاز دفاعي، مساند، هجومي، لاعب ريشة، «انتريور على الطريقة الإسبانية» وخلافه.

لكن بول بوجبا لاعب قاتل لهذا التخصص، لأنه يمثل الشمولية الكروية بالمعنى الحقيقي، يستطيع الشاب شغل مركز لاعب الوسط المساند بنجاح، كذلك لعب لفترة طويلة كـريشة في خطة يوفنتوس 4-4-2، مع قيامه بدور الجناح تحت قيادة أليجري في أكثر من مقابلة، ووظفه ديشامب كلاعب ارتكاز متأخر في التشكيلة الفرنسية باليورو. ولذلك فإنه من الصعب جدًا تصنيف بوجبا، أنه لاعب وسط أقرب إلى الصيغة المتكاملة، Pure CM.

الفرنسي أيضا لاعب «يوتيوب» بامتياز، هذه النوعية الجديدة التي يقودها نجم برشلونة نيمار، إنهم مجموعة عظيمة فيما يخص المهارات الفائقة، واللجوء إلى الطابع الجمالي الاستعراضي في بعض الأحيان، ليذهب سريعا الجمهور إلى موقع يوتيوب وغيره من نوافذ الفيديو، لمتابعة آخر صيحات هؤلاء النجوم، وبوجبا ينضم لهذا النادي بامتياز، من خلال أهداف إعجازية ولقطات أكروباتية في كثير من مباريات الكالتشيو بالمواسم السابقة.

تكتيكيًا، خططيًا، فنيًا، مهاريًا،فإن بول بوجبا لاعب لا يشق له غبار، لكن هل هذه الأمور هي من تحدد سعره في السوق؟ بالطبع لا، لأن القصة أكبر من ذلك بمراحل.


لوبي الصفقات

تغيرت قواعد اللعبة مؤخرًا ليسيطر عليها وكلاء اللاعبين الكبار في أوروبا بشكل شبه كليّ. أصبح شخص مثل جورجي مينديز «وكيل أعمال رونالدو ومورينيو» يتحكم تمامًا في عملية انتقال أكثر من لاعب بين نادي وآخر. حتى أن رأيه يعلو فوق المدير الفني ورئيس النادي في بعض الأوقات. ومينديز ليس وحده بكل تأكيد؛ حيث تظهر شركات ديسبورتيفا وإنترناشيونال في البرتغال، وكذلك ديمتري سيلوك، وبالطبع مينو رايولا والبقية. كل هؤلاء يصنعون شبكة عملاقة من العلاقات، التي تتشابك فيما بينها لتؤثر على الصحافة، الإعلام، التليفزيون، صناع القرار في الفرق، وبكل تأكيد يتأثر المشجع في النهاية بالمنتج النهائي الذي يقدمونه.

الأمر لا يتعلق فقط بعملية بيع وشراء لاعب، بل أيضا في تحسين سمعة نجم، وإضافة هالة إنسانية حول بعض تصرفاته، أو تحويله إلى بطل قومي في بعض الأمور، كذلك استغلال بعض اللقطات الرياضية المميزة أو الأرقام الإحصائية التي تقف في صالحه، من أجل تسويقها بالشكل المثالي فيما بعد، جانب قريب من أداء شركات الـ PR للعلاقات العامة والتسويق.

رونالدو كمثال، تحسنت صورته الإعلامية كثيرا في السنوات الماضية بفضل جورجي مينديز وعقليته الفذة، مينو رايولا قام بأشياء عجيبة مع زلاتان إبراهيموفيتش، ويساعد بول بوجبا بشكل رئيسي في إعلاء قيمته السوقية من فترة إلى أخرى، بتصدير قوة شخصيته مع صغر سنه وأدائه المميز، ليجعله نجم كروي لا يقدر بثمن، وعلى من يطلبه دفع أقصى ثمن ممكن، حتى يكون الأغلى في التاريخ.


120 مليون

«السير أليكس فيرجسون ظلمني ولم يعطني حقي. وشعرت بأنني طفل في مانشستر، غير نادم بالمرة على الخروج من إنجلترا». هذه كانت تصريحات بوجبا منذ عامين بعد تألقه في يوفنتوس.

«اللعب مع ميسي حلم .. أتعلم من رؤيته الكثير، وبرشلونة فريق أحب مشاهدته عن قرب». هكذا قال اللاعب خلال الموسم الماضي بعد وجود مفاوضات بين وكيل أعماله وخوان لابورتا، المرشح الخاسر في رئاسة برشلونة.

«أنا لاعب في يوفنتوس، لكن هذا لا يمنع من إبداء إعجابي بقدرة جوارديولا وقيمته التدريبية» بعد إعلان رحيل بيب إلى السيتي.

وبعد فشل عملية انتقاله إلى برشلونة ثم مان سيتي، عاد بوجبا بتوجيه من رايولا للتركيز مع مان يونايتد وريال مدريد، الثنائي الوحيد حاليا الذي يقدر كسر كافة أرقام التعاقدات، خصوصًا مع خروج باريس سان جيرمان من الصورة، حتى الآن على الأقل، لذلك تحدث الشاب مؤخرًا عن الفريقين بقدر كبير من الاحترام، راميًا الكرة في ملعبهم بعنوان صريح .. أنا أريدكم وسأتألق معكم، ويوفنتوس لن يمانع في بيعي، لكن عليكم دفع المال الكثير إذا أردتم الفوز بخدماتي.


أين سيلعب إذن؟

يمتلك بوجبا كافة المقومات للنجاح والتألق. إنه لاعب وسط سيضيف الكثير إلى مانشستر يونايتد، لأن مورينيو يحتاج إلى لاعب مبتكر في هذا المكان، يربط بين الدفاع والهجوم، ويستخدمه كلاعب مساند أثناء التحولات في المركز 6، إذا فكر في العودة إلى 4-3-3، طريقة لعبه المفضلة في البرتغال وإنجلترا.

ريال مدريد أيضا بيئة مناسبة، فزيدان رجل يحب الفوز السريع، ويلجأ إلى تأمين مناطقه بلاعب وسط دفاعي صريح على طريقة ميكاليلي، وهو الدور الذي يؤديه كاسيميرو الآن، ولذلك فإنه من الأفضل أن يضع لاعبًا مثل بوجبا بجوار مودريتش، خاصة مع عدم وجود كيمياء قوية بين زيزو وكروس الذي يفكر في الرحيل هذا الصيف.

وبالتالي فإن بوجبا له مكان أساسي في الناديين، ومن المنطقي نجاحه بنسب كبيرة وليست قليلة. كذلك يستطيع تطوير نفسه وطريقة لعبه بأسلوب أكبر في السنوات المقبلة، خصوصًا مع صغر سنه وإمكانية مشاركته في بطولات عديدة قادمة، لكن مع كل هذه الأمنيات، يتدخل المنطق للوهلة الأولى ليسجل اعتراضًا صريحًا على طريقة تقييم أسعار النجوم، والرقم المالي الذي لا يستحقه بوجبا ولا غيره، لكن هذه هي أحكام اللعبة وقواعدها الجديدة، وعلى المتضرر اللجوء إلى مسار آخر.