شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 52 فزع الرجل العجوز من نومه فجأة. واستغرق الأمر نصف دقيقة حتى انتظم شهيقه. تحسس جيب قميص البيجامة ليتأكد من وجود المفتاح، ثم استلقى وتقلب مرارا، لكنه لم ينعس مجددا. وراح يطالع صورة نرجس، المعلقة على الحائط المقابل للسرير؛ وهو يشعر بأسرة من الصبار تنمو في أحشائه. قام إلى المطبخ، وأعد كوبا من الشاي، وجلس يشربه في الصالة، ويحاول طرد الكابوس من رأسه. منذ ماتت نرجس لم تعد الأمور كما كانت؛ فقد استقال قبل عامين من خروجه إلى المعاش، لأنه لا يريد رؤية أحد. كما أنه توقف عن النزول إلى القهوة، وصار يدخن في الصالة أمام التلفزيون. لا يخرج إلى الشارع، ولا تكف الكوابيس عن ملاحقته كالأقدار. يقضي نصف وقته يشاهد التلفزيون، ونصفه يحاول النوم. ولم يعد ينظر إلى المرايا، لأنه كلما نظر رأى نرجس. وحينًا ينزل صورتها عن الحائط أو يغطيها بمفرش، وحينًا يعلقها ويجلس يطالعها مدة. ويقول “الله يرحمك يا نرجس .. أنا آسف” في أيام يطلع له صديقه محسن، ليرى إن كان يحتاج شيئا، ويطمئن على صحته. وهو يقول أن الأمور على ما يرام، لكنه لا يضحك، ويقدم لمحسن شايا. ثم يشرع في الحديث عن نرجس، وهو يسند مرفقيه إلى ركبتيه، يدفن وجهه في كفيه، ويحاول إخراج الكلام من بين اختلاجات أنفاسه الثقيلة. يقول إنه لا ينسى المشهد أبدا. ويقوم ليذرع الصالة جيئة وذهابا، وهو يشرح، للمرة المليون، كيف أنه رن جرس الباب لعشر دقائق دون أن تفتح، وهو متأكد أنها بالداخل لأن صوت التلفزيون كان مرتفعا جدا. وراح يناديها قبل أن يكسر الباب. كانت أنوار الشقة كلها مضاءة. اندفع يبحث عنها وهو ينادي بعصبية، كانت هناك حلتان على الموقد، وفى الغرفة (يشير إلى بابها المغلق) كانت نرجس. تجلس على الكرسى الخشبي الهزاز، صامتة كجبل، رأسها مائل على كتفها، يغطيه زعبوطها الأحمر الثقيل، ويداها ترتخيان على المسندين، بأصابعها الرفيعة المبسوطة. عيناعا مفتوحتان، وفمها منفرج قليلا، ولا شيء آخر. يبكي، ويحس بمعدته تقبض على الصبار حتى تُدمى، ويربت على جيبه ليتأكد من وجود المفتاح. يقول إنه يشعر بالذنب لأنها كانت زعلانة منه عندما تركها ونزل. ومحسن يقول شيئا لا يسمعه، ويجلس معه حتى يهدأ، ويعده بزيارة قريبة. في الليل يُخرج الرجل العجوز المفتاح من جيبه، يدخل إلى الغرفة ويغلق الباب وراءه. يشم رائحة نرجس في كل موضع، ويخال إليه أنها تراقبه فيدمع. يطفئ الأنوار، ويجلس على الكرسي الهزاز في منتصف الغرفة. يشعر بمعدته وهي تقبض على الصبار أكثر فأكثر. يخلع عن رأسه الأصلع الطاقية، ويلبس زعبوطها، الأحمر الثقيل. ثم يغلق عينيه ويحاول النوم. في كل ليلة ينام حيث ماتت نرجس، لأنه يود أن يموت هنالك. قد يعجبك أيضاً «فيلم كتير كبير»: التفكير خارج صندوق الطائفية «حمامة جلست على غصن تتأمل الوجود»: إضاءة بلا ظلال أفضل 20 فيلمًا في السينما العالمية في 2019 رواية «حياة رجل ميت»: محاولة للبحث في سؤال الحياة والموت شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram عمر سليم Follow Author المقالة السابقة أن تعود برفقة غسان! المقالة التالية جوائز الأوسكار: حكايات غير متوقعة قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك رواية «لقلبي حكايتان»: مواجهة الحب العاصف بلعبة الأيام 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حكايات مومياء الثلوج – الحلقة الثالثة 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك مسلسل بيمبو: بين موت الأصالة وادعاء الثورية 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حلقة Friends Reunion: كبسولة زمنية من الضحك والبكاء والنوستالجيا 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك سلسلة «كتابات جديدة»: أمل جديد في السوق الثقافي المصري 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك هؤلاء «الكتّاب» يقدمون لكم دراما رمضان 2018 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك علي العربي: «كباتن الزعتري» حكاية أحلام اللاجئين 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك فيلم «Three Thousand Years of Longing»: حتى الحكايات الحزينة تُحررنا 05/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك لوال دي أوول: مغني «هيب هوب» يعالج قضايا جنوب السودان 03/03/2023 احفظ الموضوع في قائمتك التوليفة الآمنة: لماذا تتشابه مسلسلات رمضان كل عام؟ 03/03/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.