هل هذا روك آند رول؟

لا، هذا موروكان رول





«جيمي بايج»، في حوار صحفي

ما السر الذي يجعل فرقة موسيقية تتفوق على الأخرى في الاستحواذ على نسبة عالية من المعجبين؟

نعلم جيدًا أن الموسيقى في فترة الستينيات وُسمت بظهور فرق موسيقية كثيرة للروك فيما قد نسميه بحمى الروك آند رول، كأداة للتعبير آنذاك عن هموم الشباب وإحباط اليسار وتغول الرأسمالية. لكن ما السبب الذي أخمد بريق العديد من تلك الفرق وجعل أخرى تتألق بالرغم من ترابط المصائر والهموم وتشابه العزف؟ ببساطة الوصفة الأساسية لأي فرقة روك هي الطاقة والإحساس، القدرة على نشر الطاقة بين المتفرجين واستقبالها منهم، إذ إن حفل الروك عبارة عن طقس لاستحضار الطاقة ونشرها.

فرق الروك إذن في جوهرها عبارة عن مجموعة رهبان، ظلوا طريق الكنيسة فوجدوا في المنصة محرابًا لنشر دينهم الجديد، ومقاومة الخمود الذي يضرب أي فرقة موسيقية لم تستطع مجاراة طقس الاستحضار.

«الرولينغ ستونز»، «البينك فلويد»، «لد زيبلين»، فرق وأخرى استطاعت الصمود في وجه تغير الأنماط الموسيقية والتفكك بين أعضائها، لسبب وحيد هو أنهم ليسوا مجرد فرق موسيقية، بل تيار فكري غيّب الموت أو الانفصال أعضاء الفريق وعاشت الفكرة.


يقول «ويليام بوروز» في مقال له

سنة 1975 بأن «لد زيبلين»، تلك الفرقة التاريخية التي رأت النور سنة 1968 بإنجلترا، تعتمد في عروضها بشكل كبير على الصوت والإعادة، وهذا ما يقود إلى بعض أوجه التشابه مع موسيقى الترانس المنتشرة في المغرب، هذه الموسيقى الساحرة في أصلها وأهدافها، وذلك لانشغالها باستحضار القوى الروحانية.

في المغرب، الموسيقيون أيضًا سحرة، بموسيقى الكناوة يتم استحضار الأرواح الشريرة وترقيصها، بينما في شمال المغرب يتم استحضار «بان»: إله الذعر، عبر موسيقى الزهجوكي: الموسيقى الصوفية المنبعثة من منطقة جبالة شمال المغرب (بالضبط قرية زهجوكة).

نقاط الالتقاء هذه، بين لد زبلين والموسيقى المغربية، جعلت العازف الرئيسي للفرقة جيمي بايج، والمغني روبيرت بلانت، يشدان الرحال نحو المغرب سنة 1973، وبالضبط منطقة سيدي إيفني جنوب المغرب، في رحلة بين الرمال

بحثًا عن الإلهام في المملكة المغربية

. وفي هذه الرحلة الأولى كتب جيمي بايج أغنية الفرقة الشهيرة «كاشمير».


القصة خلف «كاشمير»

أتمنى لو كان الناس يتذكروننا بأغنية Kashmir أكثر من أغنية Stairway To Heaven.





«روبرت بلانت»

بعد انتهاء جولة للفرقة بالولايات المتحدة، قرر جيمي وروبيرت الاستراحة في الصحراء المغربية بحثًا عن التأمل، رحلة أخدتهما لطرق وعرة خصوصًا أن المنطقة كانت تعرف حزازات واحتكاكات بين الجيش الإسباني المحتل للمنطقة وعناصر التحرير من جهة، والمغرب من جهة أخرى. كل هذا لم يوقف جيمي وروبرت عن المسير داخل الصحراء، يقول جيمي عن هذا:

حاولنا التوغل في الصحراء لأقصى حد متجاهلين خطورة أننا فوق أرض حرب، أردنا الوصول لمنطقة طرفايا في أقصى الصحراء، ونجحنا في الوصول لأقصى نقطة، لكن للأسف الطريق كان صعبًا وخطيرًا مما استلزمنا أن نعود أدراجنا.

وخلال المسير، استلهم روبيرت بلانت كلمات أغنية «كاشمير»، والتي -بالرغم من الاسم- ليس لها أي علاقة بمنطقة كشمير في الحدود الهندية الباكستانية، الإلهام جاء من حقيقة أن أفق الطريق أمام أعينهم لا ينتهي، وذلك ما ترجمته كلمات الأغنية في مطلعها:

في وقت لاحق، وأمام الجمهور، وصف روبيرت الأغنية أنها «زيارة لرحلتنا في المغرب وقصة لأوقاتنا الضائعة»، مضيفًا بأنه يومًا ما سيزور كشمير للتفكير في مستقبله كرجل، بدلًا من مجرد فتى متهور.



الموروكان رول: تعريف العالم بموسيقى كناوة

أوه دع الشمس تغمر وجهي والنجوم لملء حلمي، أنا مسافر في الزمان والمكان..

سنوات بعد وفاة عازف الطبول في الفرقة جون بونهام وانفصال باقي الأعضاء، قرر «جيمي وروبيرت» العودة مرة أخرى للمغرب، فسحر هذا البلد الشمال أفريقي لا زال ينبض داخلهما، هذه المرة جاء الدور على مدينة مراكش.

تقول الحكاية بأن الفنانيْن قدِما للمغرب من أجل تسجيل أغانٍ مع الجوق الوطني المغربي، لكن بعد وصولهما إلى الرباط واجهتهما العديد من التعقيدات الإدارية، كما أن المسؤولين لم يفهموا جيدًا سبب اهتمام موسيقيين عالميين بالموسيقى المغربية. بعد فقدان الأمل انتقل النجمان إلى مدينة مراكش، هناك استمعا لأول مرة إلى موسيقى كناوة، ووقعا في حبها، وقررا تخليد اللحظة رفقة الموسيقي المعلم إبراهيم البلقاني، وكانت النتيجة الألبوم الشهير «نوكارتر».

تضمن الألبوم مجموعة من الأغاني رفقة المعلم الكناوي إبراهيم البلقاني، بالتعاون مع إحدى الفرق الموسيقية المصرية. وقد قامت قناة «إم تي في» الشهيرة بتسجيل هذا الألبوم مصورًا، ولا زالت الفيديوهات في

يوتيوب تذكّر سكان مراكش أن موسيقى

دروبهم مدينةً لجيمي وروبيرت

بالشهرة التي اكتسبتها الآن

. فروبيرت بلانت وجيمي بيدج قد ساهما في إحياء موسيقى كانت آنذاك موسيقى مرتبطة بالمتسولين والمهمشين وجلسات استحضار الأرواح الشريرة في الأحياء الخلفية لمراكش، وبعد صدور الألبوم اكتشف العالم موسيقى كناوة ليبدأ الاهتمام العالمي بها.


تضمن الألبوم عدة أغانٍ سجلت في لندن مع فرقة مصرية ومغنية هندية، لكن الأغاني التي لاقت نجاحًا كبيرًا هي التي سجلت في مراكش رفقة المعلم الكناوي، وهي: أغنية Yalah، وWah Wah وCity Dont Cry.


كناوة: المنحدرون من سلالات العبيد القادمة إلى المغرب، لا زالت موسيقاهم تحمل جراح الماضي وما عاناه الأسلاف، فموسيقى كناوة هي موسيقى استدعائية بامتياز، تنبني على فكرة الاستحضار الروحانية لأرواح تارة تنقذ الأرض وتارة تدل المسافرين وتارة أخرى تسحر الجسد، وهذا بالضبط محور فكر الروك آند رول، الذي جعل فرقًا كبرى تخمد باكرًا غير مدركة أن بمراكش والصويرة (مدينة مغربية) حلًا سحريًا يعيد التوهج لموسيقاها.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.