كتاب «المنتخب من أدب العرب» جمعه وشرحه: طه حسين، وأحمد
الإسكندري، وأحمد أمِين، وعلي الجارم، وعبد العزيز
البشري، وأحمد ضيف.

كتابنا هذا كتاب أدب وتاريخ وثقافة، كتاب يجمع بين دفتيه
البيان العربي، شعره ونثره، يجمع تاريخ لغة وأساليب وتراكيب فرّقتها الأزمنة، ويجمع
ثقافة أمة قد مزقتها نوائب الدهر.

كتابٌ ألفه مؤلفوه -وهم من أساطين الأدب في عصرهم– أوائل القرن الماضي لشباب الثانوية ليبعث في قلوبهم حب لغتهم وأدبها، ويُرغِّبهم في الاستزادة منهما والتفقه فيهما، فعمدوا إلى نصوص الأدب من شعر ونثر في كل عصر من عصور أدبنا العربي، فاختاروا أصدقها بيانًا لعصرها وقائلها، وأجزلها لفظًا لقارئها، فضبطوها وشرحوا غريبها وبيّنوا معانيها، فكان: «المنتخب من أدب العرب».

كتابٌ يأخذك من امرئ القيس والنابغة إلى البارودي وشوقي، ومن ابن المقفع والجاحظ إلى الرافعي والمنفلوطي، فإن شئت طربًا وإن شئت علمًا وإن شئت همًا وإن شئت عشقًا وإن شئت شوقًا وإن شئت أرقًا وإن شئت شيئًا فأنت واجده.

فأتى الكتاب مقسمًا بالعصور: العصر الجاهلي، وعصر صدر الإسلام، والعصر العباسي الأول، والعصر العباسي الثاني مقسمًا على البلدان (خراسان والعراق، مصر والشام، الأندلس، المغرب وممالك البربر)، بجانب عصر المماليك والعثمانيين، والعصر الحديث.

وتحت كل عصر فصلان: فصلٌ للشعر وفصلٌ للنثر.

فصل الشعر

يأتون فيه بأهم أشعار أشهر شعراء هذا العصر، ينتخبون لك
من قصائدهم ما يوافق منهجهم، فقلما يأتون بالقصيدة كاملة إن طالت، ولكنهم ينتخبون
لك منها ما يروق، وينصون لك في أولها على مطلعها، ويشرحون لك المعنى الإجمالي
لأبياتها المذكورة مع بيان غريب كلماتها والترجمة لشاعرها، كل هذا بإيجاز لا يلهيك
عن جمال النص المنتخب وحلاوته.

فممن ذكروا من شعراء العصر الجاهلي: امرؤ القيس والنابغة وزهير وطرفة ولبيد وتأبط شرًا وغيرهم.

وفي عصر صدر الإسلام وبني أمية: كعب بن زهير والخنساء وحسان
بن ثابت وجرير والفرزدق والأخطل وذوالرمة وعمر بن أبي ربيعة وجميل بثينة وكثير عزة
وغيرهم.

وفي العصر العباسي الأول: بشار بن برد والعباس بن الأحنف ومسلم بن الوليد وأبو تمام وابن الرومي والبحتري وابن المعتز وغيرهم.

وفي العصر العباسي الثاني: الشريف الرضي والطغرائي والمتنبي
وأبوفراس والمعري وابن هانئ وابن زيدون وابن خفاجة وابن رشيق وغيرهم.

وفي عصر المماليك والعثمانيين: الشاب الظريف وابن الوردي
وصفي الدين الحلي وابن نباتة وغيرهم.

وفي العصر الحديث: الخشاب وحسن العطار والبارودي وأحمد شوقي
وحافظ إبراهيم وغيرهم.

فصل النثر

هو قسمان: فنيٌّ وعلمي، فإن قرأت لبديع الزمان والحريري قرأت لابن جني والجرجاني، مع التزامهم ببيان غريب الكلمات، وهذه القسمة للفنيِّ والعلمي بدأت في الكتاب منذ العصر العباسي الأول إذ إنه بدء تشكلها، أما ما دونه من العصر الجاهلي وصدر الإسلام فلم يذكروا في الأول شيئًا من النثر وضمّنوا الثاني في آخره بعض أمثال الجاهلية والإسلام بعد ذكرهم طائفة من الأحاديث والخطب المشهورة.

وممن ذكروا نثرهم في العصر العباسي الأول: ابن المقفع، والجاحظ، والطبري وغيرهم.

وفي العصر العباسي الثاني: ابن العميد، وبديع الزمان، والحريري، وابن جني، والجرجاني، وابن الصيرفي، والفتح بن خاقان، وابن سيده وغيرهم.

وفي عصر المماليك والعثمانيين: ابن حبيب الحلبي والشهاب
الخفاجي وابن خلدون والمقريزي وغيرهم.

وفي العصر الحديث: المنفلوطي والرافعي والجبرتي والشيخ
محمد عبده وغيرهم.

أسباب تميز هذا الكتاب

وظني أن من أعظم أسباب تميز هذا الكتاب هو جمعه لهذا
البيان العربي الإنساني عن خوالج النفوس ومكنونات الصدور من عصور مختلفة بين دفتي
كتاب واحد وجيز، فكتب المنتخبات (المختارات) التي بين أيدينا إما منتخباتٌ جاهلية
كالمفضليات والأصمعيات، وإما منتخباتٌ متنوعة إلى عصر صاحبها كحماسة أبي تمام، وإما
منتخباتٌ عباسية كمختارات البارودي أو غير ذلك، ولكن كتابنا هذا منتخباتٌ من لدن
الجاهلية إلى عصرنا، منتخباتٌ شعريةٌ ونثرية، منتخباتٌ مرتبة على عصور أدبنا
العربي، وكل هذا من أسباب تميز الكتاب.

وفوائد مثل هذا المنتخب الأدبي التاريخي الثقافي للقارئ الشادي المحب للأدب أكبر من غيره، وأعظم أثرًا عليه في لغته وبيانه وفهمه لتاريخ أدبه ووقوفه على فوارق فيه، وكذلك أعظم أثرًا عليه في حبه لعربيته وتراث أمته وارتباطه بهما.

بقي في نظري أمران مهمان في حق هذا الكتاب:

أولهما: أن أحدثك عن عائلة هذا الكتاب وطبعاته، والثاني:
عما قد يؤخذ على الكتاب.

فأمّا الأول:

فالحديث عن عائلة أي كتاب أمرٌ مهم في فهم منزلة الكتاب وموقع
أثره، وكذلك امتلاك بعض مفاتيح التعامل معه.

وهذا الكتاب لم يكن أول الكتب التي ألفها مؤلفوه ولم يكن
آخرها، فقد سبقه كتابٌ ولحقه كتاب، وهما بمثابة العائلة لهذا الكتاب وبمثابة
الأبناء لمؤلفيه، وأصل الأمر طلبٌ من وزارة المعارف تشكلت على إثره لجنةٌ من
المؤلفين لتعيد النظر في مناهج الأدب العربي للمدارس الثانوية، فصدر عن تلك اللجنة
ثلاثة كتب: «المجمل في تاريخ الأدب العربي» عام 1930، ثم «المنتخب من أدب العرب»
(كتابنا) عام 1931، ثم «المفصل في تاريخ الأدب العربي» عام 1934، فكأن كتاب
المنتخب بمثابة الجانب التطبيقي للتاريخ المذكور في الكتابين السابق له واللاحق.

وكتاب المنتخب قد طبعته وزارة المعارف قديمًا في أربعينيات القرن الماضي، وطبعته حديثًا الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2014، ثم كانت آخر طبعاته من إصدارات عالم الأدب للترجمة والنشر عام 2019.

وأمّا الأمر الثاني:

فقد يأخذ بعض المتخصصين في الأدب على الكتاب مؤاخذات منها الظاهر ومنها ما هو سجالٌ بين أهله، كعدم إيراد نثر للجاهليين في عصرهم أو انتقاء أبيات من القصيدة الواحدة مما قد يُخلِّ –في نظرهم- في فهم القصيدة كلها حق معناها وتصور وحدة بنائها -وإن كان هذا معروفًا من قبلهم في المختارات- أو كلام على التقسيم المتبع لعصور الأدب أو على عدّ قصيدة أو شاعر في عصر دون عصر أو غير ذلك، ولكن في نظري أن شفيع المؤلفين في كل هذا وغيره –ونعم الشفيع هو- أن هذا الكتاب إنما هو لشادي الأدب وطالب الثقافة فيه، وإنما هو لتحبيب الشباب في لغتهم وتقريبها لهم، وجمع أشهر نصوصها بين دفتين، وأنه مدخلٌ عظيمٌ في ذلك، وأنهم قد أحسنوا في ذلك وأجادوا.

فمهلاً على رسلك حادي الأدب، لعلك تجد هنا ما تبتغي.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.