في الليلة الأولى لعودة دوري أبطال أوروبا بعد غيابٍ طال، تمكن توتنهام الإنجليزي من قنص تعادل مرضٍ جدًا من عقر دار يوفينتوس الإيطالي، بعدما تمكن من العودة من التأخر المُبكر بهدفين للا شيء إلى التعادل بهدفين لمثلهما. وذلك في اللقاء الذي أُقيم على ملعب «آليانز ستوديوم – Allianz Stadium» ضمن لقاءات دور الـ16 من البطولة.

مع صافرة حكم المباراة الألماني مُعلنًا انتهاءها، تنكسر النغمة المتكررة حول أن فريق «سبيرز» لا يملك شخصية الفرق الكبيرة، فمن يتمكن من الخروج بأفضل النتائج في 4 مباريات متتالية من أصعب ما يُمكن أمام مانشستر يونايتد، ليفربول، أرسنال ثم يوفينتوس خارج الديار، لا يُمكن أن يوصف أبدًا بالفريق الصغير بعد الآن، والحقيقة أن «ماوريسيو بوكيتينو» يحصد في الوقت الحالي ما زرعه في لندن طوال سنوات عمله هناك.


الشوط الأول: هل فاجأك هيجواين؟ لست وحدك

يوفينتوس, توتنهام, أليجري, بوكيتينو, دوري أبطال أوروبا,

تشكيلتي يوفينتوس «يسارًا باللون البرتقالي» وتوتنهام «يمينًا باللون الأزرق». «هوسكورد»

وصول الفارق بين قرعة دور الـ16 وبداية منافساته إلى شهرين ونصف تقريبًا، يجعل الأمور أسهل كثيرًا، فيما يخص دراسة الخصم،عن أي دور آخر خلال نفس البطولة. يكن لديك -كمدير فني- مُدة كافية جدًا لدراسة خصمك في أحوالٍ كُثر وخلال مدد طويلة من الموسم. وبعد دراسة فاحصة من قبل الإيطالي والأرجنتيني كُل منهما للآخر، كان الشكل السابق هو الأنسب بالنسبة لكل منهم لبداية اللقاء.

تشكيلة اليوفي على الورق تختلف عنها في الواقع؛ فعلى عكس ما تبدو أنها 4-2-3-1، فضّل «أليجري» البدء بـ4-4-2 كشكلٍ دفاعي نمطي معتاد في مواجهاته ضد الفرق التي تملك أطراف ملعب قوية، «هيجواين» و«كوستا» في القلب كرأس حربة صريح وآخر وهمي، وعلى الأطراف كُل من «أليكس ساندرو» يعاونه «ماندزوكيتش» في الجانب الأيسر، و«دي تشيليو» يعاونه «بيرنارديسكي» في الجانب الأيمن، «بيانيتش» كارتكاز صريح و«سامي خضيرة» كمتوسط ميدان أكثر حركية من سابقه، وفي الدفاع «كيليني» و«بن عطية» وعلى خط المرمى «بوفون» .

في حين لم يغير «بوكيتينو» من قوامه سوى في مركزين. دفع بـ«لاميلا» بدلًا من الكوري الجنوبي «سون مين»، في معاونة «ديلي آلي» و«إريكسن» خلف الفتاك «هاري كين» ، وكالعادة تُركت مهمة الوسط لـ«موسى ديمبليه» و«إريك داير»، والدفاع من اليمين لليسار: «سيرجي أوريه» عوضًا عن «تريبيه» ، ثم «سانشيز»، «فيرتونخن» و«بين دافيز» ومن خلفهم الحارس الفرنسي «هيجو لوريس»، ليرسمون في ظل امتلاك توتنهام للكرة شكلًا أقرب لـ3-3-2-2.

يوفينتوس, توتنهام, أليجري, بوكيتينو, دوري أبطال أوروبا,

متوسط تمركز لاعبي يوفينتوس «يسارًا باللون البرتقالي» وتوتنهام «يمينًا باللون الأزرق»، المصدر: www.whoscored.com

الأداء الذي قدمه «هيجواين» في الدقائق العشر الأولى من المباراة كان مفاجئًا لكل المتابعين خاصة من يعرف الأرجنتيني حق المعرفة. تسجيل هدف من المحاولة الأولى على المرمى والتمركز السليم والتعامل المنضبط في كل دقيقة من العشر، يُعتبر شيئًا مُغايرًا عن الطبيعي للـ«بيبيتا» ، وأتبعه كذلك بتنفيذ ممتاز لركلة الجزاء وهو ما ضمن للسيدة العجوز تقدمًا مبكرًا جدًا بهدفين مقابل لا شيء، لكن سُرعان ما عادت الأمور لطبيعتها من جديد وأهدر فرصة محققة كانت أحد أسباب عودة «سبيرز» في النتيجة.

الاستعداد وتشكيل البداية لليوفي يوحيان بأنه يستعد لتقديم أداء دفاعي على أمل خطف هدف من مرتدة أثناء سير المباراة، اعتمادًا على سرعة «كوستا» الذي فضل «أليجري» وضعه في قلب الملعب. المعروف عن الإيطالي أنه أحد أفضل واضعي سيناريوهات مقدمة للمباريات التي يخوضها، والمؤكد أن سيناريو كالذي تم لم يكن بالحسبان تمامًا. حيث إنك وبرؤية مُحللة ستجد أن يوفينتوس يعرف فعلًا ماذا يفعل أمام توتنهام والدليل الأبرز هو فشل الأخير في تنظيم أي مرتدة ناجحة خلال 90 دقيقة والذي يعتبر أحد أفضل أسلحته، بجانب عدم وجود مساحات حركة كبيرة بالنسبة له في أطراف الملعب القريبة من مرمى «بوفون».

يوفينتوس, توتنهام, أليجري, بوكيتينو, دوري أبطال أوروبا,

فشل توتنهام في تنفيذ أي هجمة مرتدة على مرمى اليوفي، المصدر: www.whoscored.com

فمن غير المنطقي أبدًا أن نُشير إلى أن «أليجري» لم يستعد جيدًا للمباراة بل التفسير الوحيد لأداء الـ«بيانكونيري» في النصف ساعة الأخيرة من الشوط الأول: هو أن التقدم المبكر فأجأ المدير الفني لليوفي شخصيًا بشكلٍ أربك حساباته، وجعله في حيرة من أمره: إما التغير المبكر في السيناريو ومحاولة إضافة ارتكاز زائد في وسط الملعب لتأمين أكثر، أو إبقاء الأمور على ما هي عليه طمعًا في ضعف شخصية توتنهام أو إرباكه. النتيجة: خسارته للرهانين واستقباله لهدف سهل المهمة على الضيوف في الشوط الثاني.


الشوط الثاني: عن توتنهام المتكامل وذهن «بوكيتينو» الحاضر

إذا ما عُدنا إلى لقاء توتنهام السابق أمام أرسنال في الدوري والذي انتهى بفوز الأول بهدفٍ نظيف، نجد أن خلال أحداث الشوط الأول كان هناك تفوق طفيف لـ«فينجر» في تسيير الأمور في الجهة التي يُريد، بينما في الشوط التاني تفطن ذهن «بوكيتينو» لأفضل ميزة في دفاع أرسنال وهي إغلاق العمق وبدأ في العمل على الأطراف مباشرة.

الوضع معكوس في حالة يوفينتوس، «أليجري» في الغالب تابع لقاء أرسنال عن كثب، وتوقع استغلال «سبيرز» لأطراف الملعب؛ فتمكن من تكوين كثافات عليها منعت توتنهام من تشكيل خطورة حقيقية منها، لكنه أهمل نقطة ضعف الخصم التي كان مفترض أن يقتله منها. السيطرة التي بدت ظاهريًا لصالح الجانرز كانت نابعة من وجود «النني» كمتوسط ميدان زائد عددًا عن لاعبي توتنهام، ثلاثي ارتكاز أرسنال في مواجهة شبه دائمة أمام «ديمبليه» وحده أو بمعاونة «إريكسن» على الأكثر. افقتد اليوفي لهذه النقطة اليوم، بل دفع بـ«بيانيتش» إلى تهلكة وسط ميدان قوي جدًا هجوميًا، وحيدًا.

الواقع يؤكد أن الأمور بالنسبة للضيوف لا تتركز على الطرف فقط، بل إن توتنهام فريق متكامل يملك عدة أسلحة يمكنه الضرب من خلالها. فشل في تنفيذ مرتدة صحيحة خلال 90 دقيقة وكذلك أخفق في كل محاولاته لإرسال عرضيات داخل منطقة الجزاء، لكنه كذلك تمكن من إحراز هدفين حافظا له على التعادل وسيطر على أحداث المباراة طولًا وعرضًا. تكامل توتنهام يعود إلى ذهن مُدربه الحاضر دائمًا والذي يتمكن من التعامل مع معطيات المباراة أولًا بأول، على عكس «أليجري» الذي دائمًا ما لا يتلقَ أي مُعطى متاح أمامه وبالأخص بعد مرور أكثر من 70 دقيقة من عمر المباراة.

يوفينتوس, توتنهام, أليجري, بوكيتينو, دوري أبطال أوروبا,

مواطن هجوم وتصويبات كل فريق «يوفينتوس يسارًا باللون البرتقالي وتوتنهام يمينًا باللون الأزرق»، المصدر: www.whoscored.com

الإحصائيات توضح أن توتنهام هاجم من كل جوانب الملعب وسدد منها جميعًا أيضًا، الهجوم كان متوازنًا جدًا: 37% من القلب و30% من جانب الملعب الأيمن و33% من الأيسر. على عكس اليوفي الذي تركز جل هجومه من جانب واحد فقط، هو الأيسر، مع ضعف في الجانب الآخر وفي قلب الملعب. تلك المُعطيات كان يجب أن تُجبر «أليجري» على الدفع بارتكاز مُساند في متوسط الميدان كـ«ماركيزيو» بديلًا لـ«ماندزوكيتش» الذي خرج مصابًا قبل انتهاء المباراة بـ20 دقيقة تقريبًا والذي أخل بخروجه بالقوام المطلوب من قبل الإيطالي في نمط 4-4-2. على أمل أن تنكسر موجة سيطرة توتنهام وبنائه للعب بأريحية تامة من مربعات 6 و8.


لست متأكدًا إن كان «ديمبليه» أو «بوسكيتس»؟

مقارنة أداء «موسى ديمبليه» «باللون الأزرق» و«بيانيتش» «باللون الأبيض» خلال دقائق المباراة، المصدر: www.squawka.com

المركز 6 من الملعب والذي يشغله لاعب الارتكاز الصريح يُعد هو روح التكتيك في كل العصور. يحمل على عاتقه نجاح أي خطة وحين تنجح لا ينل من المدح أدناه والعكس صحيح في حالة فشل تلك الاستراتيجية. وفي الغالب نحتاج لفترات طويلة جدًا حتى نُدرك قيمة هذا الدور في الملعب، خاصة إن كان كبيرًا لدرجة لا توصف.

«موسى ديمبليه» هو أحد أفضل الارتكازات المعاصرة في الوقت الحالي، التي لا تكتفي فقط بقطع الكرات لكنه قطعة أساسية في بناء اللعب لفريقه. تلك العوامل حين تتواجد في لاعب ارتكاز يعني أنه ينطبق عليه الشروط السابقة: نحتاج فترات أطول حتى نُدرك قيمته في الملعب. حتى «بوكيتينو» احتاج فترات ليست بالقصيرة حتى يتيقن من أهمية البلجيكي في وسط الملعب.

دون نزاع؛ فإن «موسى» صاحب التأثير الأكبر في تشكيلة توتنهام، محاولة السيطرة والضغط عليه إن نجحت تتحقق معها سيطرة شبه كاملة على مجريات التحضير وبناء اللعب في «سبيرز». قدم في لقاء الليلة 99 تمريرة صحيحة بدقة 95% من إجمالي تمريراته. لمس الكُرة 111 مرة كأكثر لاعبي توتنهام، بجانب إكماله لـ6 مراوغات ناجحة من أصل 7 ونجاحه في قطع الكرة في المرة التي أتيحت له إضافة إلى نجاحه في 100% من اعتراضاته ضد الخصم. يضاف هذا كله إلى أنه صنع فرصتين محققتين للتسجيل لكن لم يُترجما إلى أهداف.

أرقام كبيرة على الصعيدين الهجومي والدفاعي تجعلنا نضعه أفضل لاعب في المباراة دون منازع.


الموظف غير المثالي

موسى ديمبليه, بيانيتش, يوفينتوس, توتنهام, دوري أبطال أوروبا,

هنيئًا، إن وصلت إلى هذه النقطة من المقال فهذا يعني أنك لست كـ«أليجري».

في كل مرة ننبهر بالأداء الذي يُقدمه اليوفي في بداية المباراة ودقائقها الأولى أو حتى نصف الرواية الأول، مباراة بايرن ميونخ منذ أعوامٍ قليلة تُعطي نفسي النتيجة، لكن كالعادة يقع الفريق في الأمتار الأخيرة. يصل النهائي لكنه يُقدم مردودًا سيئًا جدًا أمام الخصم ومن ثم تكن خسارة صادمة للجماهير والأنصار. والواقع يجعلنا لا نشكك في قدرات الإيطالي التدريبية لكننا يجب أن نتساءل: متى سيُكمل عمله حتى النهاية؟

يوفينتوس يعاني الآن من ضعف كبير في قوام الفريق، ناهيك عن الغيابات المؤثرة بكل تأكيد، لكن اللاعبين الذين يُفضل «ماسيمليانو» الاعتماد عليهم ليسوا في المكانة المطلوبة لفريق بطموحات كبيرة. حتى «بوفون»، الذي يتحمل مسئولية الهدف الثاني بالكامل، انخفض مستواه بشكلٍ يجب أن يقود المدير الفني إلى فكرة عدم الاعتماد عليه في المعتركات الكبرى وإلا كانت النتيجة استقبال هدف ساذج في كل مرة.

السيناريو المُسبق الذي يضعه قبل المبارايات، والذي يشهد له الجميع، ليس مضمون التنفيذ على نفس الشاكلة، وبالتالي عليه التعامل مع أحداث ومجريات المباراة بشكلٍ أكثر تركيزًا من الوقت الحالي. ما قيل لا يعني أن اليوفي قد خرج تمامًا من السباق، لكن يعني أنه في خطر وعليه ملاحقته قبل أن يتفاقم.