اللاعبون لا يصدقون أنهم من الممكن أن يحرزوا هدفًا في مرمى عصام الحضري.

فاروق جعفر المدير الفني لطلائع الجيش بعد مباراته مع الإسماعيلي موسم 2009/2010.

بتلك الكلمات عبر فاروق جعفر عن غضبه الشديد بعد مباراة فريقه طلائع الجيش أمام الإسماعيلي في موسم 2009/2010 بعدما تبارى لاعبوه في إهدار الفرص المحققة أمام مرمى الإسماعيلي بسبب تعملق عصام الحضري، تصريح يخبرك الكثير عن شخصية حارس طالما كان العُقدة الأبرز لغالبية مهاجمي القارة السمراء، المشهور منهم والمغمور وكذلك المحترف منهم أو المحلي. حارس أيقن الجميع الآن أنه الأفضل في تاريخ قارة أفريقيا دون أن يشاهدوا بقية حراس القارة عبر تاريخها الطويل، فمن منهم قد حقق خمس بطولات أربع منها خارج الديار غير الحضري؟، من منهم قد عجز أمامه أهم مهاجمي القارة السمراء ممن ذاع صيتهم في القارة العجوز غير الحضري؟، من منهم قد بث ذلك القدر الرهيب من الطمأنينة لمجرد تواجده بين الثلاث خشبات غير الحضري؟، إنه عصام الدين كمال توفيق الحضري، أسطورة حراسة المرمى المصرية التي لن ينساها التاريخ.


http://gty.im/632698580


كرة القدم عادلة .. أحيانًا

يؤمن الكثيرون أن كرة القدم غير عادلة وأنها كثيرًا ما تُظهر غدرها لصاحب الاستحواذ الأكبر والأداء الأفضل في المباراة، وعبّروا عن ذلك بمصطلح عادة ما يُطلقه المعلقون حينما تبلغ المباراة ذروة حماسها ألا وهو « إللي يضيّع يقبل »، قاعدة آمن بها معظم مشجعي اللعبة و لكي نكون أمناء يجب أن نقول إن تلك القاعدة السحرية عادة ماتكون صحيحة، لكن على مستوى الفرق لا اللاعبين.

نادرًا ما تجد أسطورة كروية عشقها الملايين تعاندها الكرة في آخر أيامها في الملاعب، دائمًا ما نشعر أن كرة القدم تود أن تكرم أساطيرها ولا تخذلهم في لحظاتهم الأخيرة وكأنها تقول لهم سأحبب الجماهير فيكم أكثر وأكثر مثلما جعلتموهم يعشقونني بلمساتكم الساحرة.

الأمثلة على تلك الحالة كثيرة وكثيرة جدًا، فقط فكّر قليلًا وسيمر أمامك شريط من الأساطير الذين كرمتهم الكرة في أواخر مشوارهم الكروي. زين الدين زيدان أفضل لاعب في كأس العالم 2006 وهو يتلاعب بدفاعات السيليساو في ربع النهائي وكأنه ابن العشرين ربيعًا، الظاهرة رونالدو وهو يمر من واحد تلو الآخر في الدوري البرازيلي بوزنه الزائد للغاية ومع ذلك تطاوعه الكرة وتمر رافضة كل قوانين اللعبة التي تعتمد بشكل رئيسي على الرشاقة والسرعة، رونالدينهو وهو يمرر تلك الكرة فتمتلئ صفحات التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات تلك اللعبة دون النظر حتى لنتيجة المباراة؛ فقط لأن اللمسة من رونالدينهو، محمد أبو تريكة وهو يودع الجماهير في ستاد المقاولون العرب في نهائي دوري أبطال أفريقيا بعدما قاد الأهلي لإحراز اللقب بهدفين كان لهما أكبر الأثر في جلب البطولة، وأخيرًا عصام الحضري في بطولة الأمم الأفريقية الذي قال عنه أغلب المحللون قبل بداية البطولة إنه الحارس الثالث بعد شريف إكرامي وأحمد الشناوي على الترتيب ولكن تشاء الأقدار أن يُصاب إكرامي ويُصاب الشناوي بعد أول عشرين دقيقة في البطولة ليشارك الحضري ويكتب تاريخًا جديدًا مع الساحرة المستديرة التي ابتسمت له و قالت: «هل ظننت أني سأنساك؟!».


العمر يتقدم؟، التمرين هو الحل

يقول فكري صالح مرب حراس المرمى بنادي وادي دجلة والمدرب الأقرب لحارس المرمى المصري أن الحضري يأتي قبل التمرين بساعة كاملة ليقوم بتدريبات بدنية إضافية، وينتظر بعد التمرين بساعة أخرى كاملة ليقوم بعمليات بدنية مماثلة؛ فقط ليواكب المجهود البدني لشباب يصغرونه بحوالي عشرين عامًا، فقط ليحقق حلمه الذي راوده منذ الصغر وهو المشاركة في كأس العالم في روسيا 2018. حلم لم يصدقه فكري صالح عندما أخبره به الحضري إلى أن أثبت له الحارس الأسطوري قدرته على تحقيقه بفقدان جزء كبير من وزنه وزيادة معدلات تدريبه بشكل أدهش المُدرب المخضرم وأدهش كذلك مديره الفني أحمد حسام ميدو.

أحمد حسام ميدو المدير الفني لوادي دجلة ولاعب توتنهام السابق.


http://gty.im/631757356


الرد دائمًا في الملعب

مصطلح «أعداء النجاح» من أشهر المصطلحات في العالم وخاصة عالمنا العربي، حتى و إن كنت لم تحقق نجاحا يُذكر في حياتك يبقى هذا المصطلح قائمًا في بالك ليُكسبك بعض القناعة والرضاء عن نفسك. ولكن في حالة عصام الحضري فالنجاح واضح للجميع فكان من الطبيعي أن نجد بدلًا من العدو ألف عدو وأبرزهم بالطبع حراس مرمى سابقين وحاليين.

كان من أبرز المهاجمين للحارس المصري في الفترة الأخيرة هو الإعلامي أحمد شوبير بعد قيامه بعرض فيديوهات قديمة لعصام الحضري وهو يتحدث بلهجة ريفية بسيطة في بداية حياته مع النادي الأهلي. الإعلامي الذي ارتبط اسمه بالعديد من الفضائح الفترة الأخيرة لم يكتف بذلك فحسب بل تمادى في السخرية من الحارس العملاق ومن عزمه على تقديم برنامج تليفزيوني أو شغل منصب إداري بعد الاعتزال. رفض الحضري التعليق على مثل هذا الأمر وجاء رده قويًا بتألق لافت لأنظار العالم أجمع ومشاركة وشيكة في كأس العالم والتي طالما تغنى شوبير بتفرده بها، تألق أجبر القديس الأسباني إيكر كاسياس على تحية الحضري في تغريدة خاصة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» يقول فيها إنه يجب علينا أن نقف أمام إنجاز الحضري ونصفق له. إنجازات في شهر واحد جعلت العالم كله يتحدث عن الحضري، ذلك العالم الذي لم يعرف من الأساس من يكون أحمد شوبير!.


هل حُب المال جرمٌ يستحق العقاب؟

يُعد عصام الحضري من أشهر اللاعبين المُغرمين بالأموال شأنه شأن السواد الأعظم من الناس بشهادة العديد من مدربيه وزملائه، قد يرى العديد من المتابعين أن رأي العجوز البرتغالي مانويل جوزيه في الحضري قد يكون مجروحًا نظرًا لتوتر العلاقة بين الطرفين منذ سحب شارة قيادة الفريق من الحارس المخضرم ومنحها لشادي محمد، ولكن الشهادة هذه المرة تأتي من أحمد حسن قائد المنتخب المصري السابق وأحد أصدقاء الحضري المُقربين والذي أكّد منذ فترة أنه في أعقاب الفوز بكأس الأمم الأفريقية عام 2010 أقامت دولة الإمارات العربية المتحدة تكريمًا للمنتخب المصري ولكن اللجنة المنظمة اختارت الثنائي أحمد حسن ومحمد زيدان ليكون ظهورهما مميزًا على مسرح الحفل دونًا عن باقي الفريق. لم يهتم الحضري بكل تلك التفاصيل ولكن الأمر الوحيد الذي حرص عليه الحضري قبل الصعود إلى المسرح هو التأكد أن المبلغ الذي صُرف له هو المبلغ ذاته الذي صُرف لزميليه حسن و زيدان.

ذلك النهم الملحوظ بالمال من قِبل الحارس الدولي رآه أغلب المتابعين هو السبب الرئيسي في رحيل الحضري عن الأهلي إلى سيون السويسري عام 2008 بطريقة قاسية على قلوب عشاق القلعة الحمراء على عكس ما يقوله الحارس دائمًا و هو أن رغبته في الاحتراف كانت هي الدافع الأول له لتلك الخطوة المتهورة.


http://gty.im/79953354

سواء كنت من المُقتنعين بهذه الرواية أو تلك فإن الحضري قد أُطلق عليه لقب «الهارب»، لقبٌ لازم ابن مدينة دمياط طيلة مسيرته بعد عام 2008 حتى الآن بالرغم من توسله بالدموع لجماهير الأهلي للعفو عنه على شاشات التليفزيون فما كان الرد منهم إلا من خلال لافتة ضخمة في مدرج الدرجة التالتة بإستاد القاهرة مكتوب عليها «دموع في عيون وقحة»، ردٌ رفع الحرج عن إدارة النادي الأهلي التي قد تتعرض لضغوط جماهيرية و دسياسية لعودة الحضري مرة أخرى لإنهاء حياته الكروية في الجزيرة كما تمنى.


قيادة + ثقة بالنفس + تحمُّل ضغط = الحضري

لم أرَ في حياتي حارس مرمى بإصرار وعزيمة الحضري، إنه أسطورة حية وخير قدوة للشباب الصغار.

إذا أردنا تلخيص مسيرة الحضري باقتضاب فيمكن بكل سهولة تبسيطها إلى ثلاث جمل؛ الأولى عنوانها كيف تكون قائدًا ناجحًا، أما الثانية مفادها هو أن الثقة بالنفس وبقدراتك هي مفتاح تغيير مجريات الأمور، والثالثة فحواها أنك إذا وصلت لدرجة كبيرة من الإتقان في عملك وأنت تعمل تحت ضغط فاعلم أنك قد وصلت إلى درجة عالية من الاحترافية.

الحضري هو أحد الأمثلة شديدة الوضوح للاعب القائد في الملعب فهو لا يمل من توجيه زملائه في خط الدفاع طوال المباراة، لا يغفل أبدًا عن إرشاد اللاعبين للتمركز السليم في الكرات الثابتة، يعرف متى يهدأ من رتم المباراة ومتى يسرعه، ففي مباراة غانا في تصفيات كأس العالم على سبيل المثال يقول الحضري إنه بعد الهدف الأول رأى سيلا جارفا من الهجوم الغاني الذي لم يستطع لاعبو منتخب مصر مجاراته فسقط لدقيقتين ونصف على أرض الملعب لتهدئة الأجواء.

أما على صعيد الثقة بالنفس فحدث ولا حرج، يقول الحضري إنه في ليلة مباراة نهائي كأس الأمم الأفريقية 2006 أمام كوت ديفوار لم يصد أي ضربة من أصل 25 ضربة صوبها لاعبها المنتخب عليه فاستدعاه شحاتة بعد التمرين وسأله عن السبب فلم يبدِ الحضري قلقًا تجاه الأمر وعرض عليه حسن شحاتة التبديل مع عبد الواحد السيد إذا وصلنا لضربات الترجيح في اليوم التالي وبالفعل حدث السيناريو المتوقع ولكن الحضري أكمل المباراة حتى النهاية وتصدى لركلة دروجبا الافتتاحية وكذلك ركلة باكاري كونيه وتُوج المنتخب المصري بالبطولة.


http://gty.im/88567016

حارس بقيمة عصام الحضري لابد وأنه قد تعود على تحمل الضغوط، فاللعب للنادي الأهلي في سن مبكر يعني أنك تحت المجهر في كل مباراة فأصبح الأمر معتادًا بالنسبة له وهو ما بدا جليًا في مباراة منتخب مصر الودية مع منتخب الأرجنتين بعد كأس الأمم الأفريقية عام 2008، وكانت تلك هي المباراة الأولى للحضري على إستاد القاهرة بعد رحيله إلى سيون السويسري، فكلما لمس الحضري الكرة أطلقت الجماهير وابلا من الصفارات ولكن الحضري أكمل المباراة بمستوى طيب للغاية دون إبداء أي تأثر بالأمر، كذلك كأس القارات الذي أدّى فيه الحضري أداءً طيبًا خاصة أمام إيطاليا بعد موجة من التشكيك في قدراته بعد هزيمة المنتخب أمام الجزائر بثلاثية في ملعب تشاكر بالبليدة قُبيل البطولة.