في الموسم الأول للإسباني «بيب جوارديولا» داخل الدوري الإنجليزي، وعندما كان يقع في هزيمة أو تعادل أمام أحد الفرق الصغيرة، كانت تنهال عليه التعليقات الساخرة من نوعية: «أهلًا بك في دوري ليس به إيبار وليفانتي»، إشارة إلى شدة المنافسة في إنجلترا عن مثيلتها في إسبانيا، وبالرغم من أن التعبير بات مبتذلًا، لكن هناك جزء منه ما زال صالح للاستخدام.

فليس من المنطقي أبدًا ألا يفرق أي مدرب بين مباراتين يواجه في إحداهما «مورينيو» مثلًا، وفي الثانية يواجه أحد العناصر التدريبية الشابة أو الأسماء المغمورة، بالتالي، ومع كثرة الأسماء التدريبية الرنانة، هناك جانب من الصواب في تلك السخرية التي نالها بيب ومن بعده «كلوب» و«ساري» وأي وافد جديد لتلك البقعة من العالم.

هنا، سيكون من الطبيعي أن نرى الإيطالي «ساري» يقرر أن يخسر الكرة من أجل الفوز طالما يواجه جوارديولا، وأن يتنازل الأخير عن قدراته في الاستحواذ طمعًا في الثلاث نقاط إن كان في ذلك إزعاج لغريمه «سبيشيال وان»، وأن يعترف كلوب أن الضغط وحده غير كافٍ للفوز في المباريات الصعبة، لذا اسمحوا لنا أن نضع عنوانًا جديدًا لتلك السخرية، وهو: «أهلًا بكم في الأرض التي يُغير فيها الجميع جلده».


مورينيو ورفاقه: ألد أعداء كلوب

بانتهاء موسم 2017/2018، وتحديدًا عقب مواجهة ليفربول ومانشستر سيتي بدوري أبطال أوروبا، اقترن اسم المدرب الألماني للــ«ريدز» بكلمة «الضغط المتقدم»، تأكد الجميع مع الوقت أنه في مواجهة ليفربول ستواجه مجموعة من المتوحشين يركضون حتى آخر نقطة في الملعب من أجل الحصول على الكرة بأي شكل. نعمة تحولت تلقائيًا مع الوقت إلى نقمة.

بوصف طبي مبسط، يمكن وضع حالة فريق ليفربول السابقة كمن يعانون من مرض «بُعد النظر»، يرون الأشياء البعيدة ويفقدون القدرة على تحديد القريب، كذلك كانوا الـ«ريدز» يستطيعون قتل أي خصم عندما تتواجد الكرة بعيدًا عن مرمامهم، في الـ30 مترًا الأولى من ملعب الخصم، لكن بمجرد وصولها إلى ما هو أقرب من ذلك، تبدأ كل المشاكل.

وما هو متعارف عليه أن ثورة التحليل الخططي، لكل فرق العالم في أكثر من منبر، تضرب أي فرصة لفرض هيمنة تكتيكية لأي فريق، فمهما كانت جودة فكرتك لابد من إيجاد مصل مضاد لها في غضون أسابيع أو شهور على الأكثر. الأمر في شأن أسلوب كلوب كان أكثر سهولة من المتوقع، حيث يتواجد الدواء الخاص به قبل حتى أن يُخلق الداء: الارتكان الدفاعي، الكرات الطولية وخسارة الاستحواذ بشكلٍ شبه دائم.

ومع التواجد في أرض تعيش على الكرات الطولية والارتكان الدفاعي، كانت إنجلترا ومدربوها وكرتها الأشهر، هي أكثر الأشياء الكريهة بالنسبة لـ«يورجن». حتى عندما واجه النسخة الحديثة من تشيلسي بقيادة ساري في عامها الأول: تلك التي تعتمد على بناء اللعب من الخلف وتدوير الكرة والاستحواذ وما إلى ذلك، تفاجأ بنفس الفكر الكريه الذي يخسر الكرة من أجل الفوز بالمباراة. ذلك اللقاء بالتحديد كان جرس الإنذار الأخير للألماني.


في رثاء 4-3-3


الصربي «ألسكاندرو كولاروف»

لاعب روما الإيطالي

إذا بدأ مدرب ما في تنفيذ شكل خططي معين، فإنه يحتاج إلى وقت حتى يستوعبه لاعبوه، ذلك الوقت مهما طال لكنه يظل أقصر من الوقت الذي يحتاجه حتى تؤمن به الجماهير وتقتنع. تشبه جماهير هذه اللعبة في صفاتها مياه البحر، تكسب الحرارة ببطء وتخسرها ببطء كذلك: لا يقتنعون بالخطط بسرعة ولا يؤمنون بتغييرها بسرعة.

خلال سنوات، رسخ بيب ويورجن وأمثالهم رسم 4-3-3 في عقول الجماهير عمومًا، وعشاق الكرة الهجومية المباشرة خصوصًا. باتت هي الإشارة الأبرز لأي فريق يحتاج للعب كرة هجومية جذابة، ومن لا يعتمد عليه فهو أكيد يقدم نوعًا آخر غير المطلوب. هنا يحضر تصريح مثالي جدًا للإيطالي ساري، عندما أكد أن الحديث المتكرر عن الترتيب الرقمي للاعبين في الملعب، سواء 4-3-3 أو 4-4-2 أو ما على شاكلتهم، ما دام مجردًا من التفاصيل، إنما يؤكد أن صاحبه لا يفهم مضمون اللعبة. الأهم الدور وليس الرسم.

تلك الثقافة لن تصل سريعًا للجماهير كما اتفقنا، لكن من غير الممكن أن نقتنع بعدم وصولها للمدربين، خاصة من فئة كلوب، وبالتالي العند في الاعتماد على نفس الرسم بنفس الأدوار بكل مساوئه كان كارثة لا يمكن تقبلها في رأي.

خلال الأسابيع الأولى من موسم 2018/2019، ظهر فريق ليفربول برسم جديد، ينقله الصحفيون والنقاد 4-2-3-1، لكن كلوب يُفضل أن يُسميه 4-4-1-1، التحول في حد ذاته لا يمكن أن يأتي من فراغ، وما دام هناك تغيير فإن هناك فرصة -منطقيًا- لظهور نتائج جديدة.


خدعوك فقالوا: تأثير «فان دايك»

حتى الجولة الـ17 من موسم 2018/2019، كان فريق ليفربول هو الأقوى دفاعيًا بين كل فرق الدوري. استقبل 6 أهداف فقط من 16 لقاء، وخرج بـ10 شباك نظيفة. يمكن أن تكون إحصائية عادية خاصة أن منافسه استقبل 9 فقط في نفس العدد من المباريات، لكنها تصبح خارقة وغير اعتيادية إذا تم ربطها بالهزل الدفاعي الذي عاناه الريدز في المواسم الماضية.

تميل العقول دائمًا للإجابات السهلة: قام الفريق بصرف ما مجموعه 142 مليون جنيه إسترليني من أجل جلب «فان دايك» و«أليسون بيكر»، ومن ثم حدثت طفرة دفاعية، إذن؟ هما السبب بكل تأكيد، لكن التفاصيل تؤكد غير ذلك. التفاصيل تقول إنه وبالرغم من الجودة الفائقة للاعبين إلا أنهما في منظومة جديدة، أكبر وأشمل من أن يتم اختزالها في جودتهما فقط.

في تحليل الـ6 أهداف نكتشف أنها 3 أهداف من كرات ثابتة أو للتوضيح: عرضيات من كرات ثابتة، هدفين من كرات متحركة كان السبب فيهما تحرك غير سليم على طرف الملعب، وخطأ فردي مباشر من حارس المرمى البرازيلي. النقطة الأولى والثالثة تدمر الإجابة السهلة، في حين أن الثالثة تشرح سبب التحول إلى الشكل الخططي الجديد وفيه يظهر دور كلوب.

عودة إلى اللقاء الذي عنوناه بـ«جرس الإنذار» نكتشف أن هدف تشيلسي قد تم تسجيله من تحرك من «هازارد» على طرف الملعب، أصاب دفاع الفريق بخلل استمرت توابعه حتى وصلت للعمق الخالي والمتواجد به «بيدرو» ثم إلى «إيدين» مُسجلًا للهدف. بنفس الشكل تقريبًا ومن نفس الموضع، تمكن «لاكازيت» من إحراز هدفه ضد نفس الدفاع، حتى أوروبيًا، نجح نابولي في كسر دفاع ضيفهم في لقاء ملعب «سان باولو» بنفس الجملة.

اقرأ أيضًا:

ضحكة ساري: لأنه فك «شفرة كلوب» لجوارديولا ورفاقه

تُعطي 4-3-3 قوة هجومية للفريق الأحمر. تمكنه من الهجوم بـ5 لاعبين: ثلاثي هجومي مدمر كما هو معروف عنه، مُدعم بثنائي من خط الوسط من المركز 8، لكنها في المقابل تجعله يعاني في حال كُسر ضغطه المتقدم بكرة طولية بينية مباشرة، أو في حال نجح جناح الخصم في جذب أحد ظهيري الطرف الدفاعيين إلى عمق الملعب.

ما يعني أن المساندة الدفاعية على الأطراف من قبل ثنائي وسط الملعب في ليفربول كانت منعدمة، بالتالي كانت ستظل ثغرة سواء تواجد فان دايك أو لم يتواجد، لأنها مشكلة لاعب المحور في الأساس.


العميل رقم 47: شيردان شاكيري

جماهير كرة القدم لا تعرف كثيرًا عن كرة القدم.

كلما كان هناك مشكلة في ارتكاز الفريق، كلما تساءل الجميع عن سبب عدم الدفع بالوافد الجديد «فابينيو»، الإجابة في المؤتمرات الصحفية كانت ادعاء كلوب أنه يقوم بعمليات تجهيز لاعبه الجديد حتى يتأقلم مع الشكل الخاص بهم، وهو ارتكاز وحيد في المركز 6 يشاركه ثنائي هجومي.

يمكنك الآن أن تتوقع أن يخرج بعد كل ذلك التجهيز، الذي استمر 5 أشهر، بنسخة تشبه «هيت مان»، بطل سلسلة ألعاب الفيديو: الرجل أقرع الشعر، طويل القامة والذي يستطيع تنفيذ عمليات قتل وتخفي في أي مكان من الملعب. لكن النتيجة كانت غريبة، حيث إن شكل ليفربول هو الذي تحول ليناسب أسلوب نجم موناكو السابق: اللعب بثنائي ارتكاز في عمق الملعب.

احتال أحد عنصري المركز 8 إلى مركز 6 جديد من قلب الملعب، في حين تحول الآخر إلى دور دفاعي على الطرف لسد الثغرة المشار إليها سابقًا، يمكن لأكثر من عنصر القيام بهذا الدور، فكانت المهمة التالية هي اختيار أحد الجناحين الهجوميين ليقوم بدور دفاعي أكثر على الطرف الآخر.

في ذلك كان هناك عاملا حسم؛ الأول: أنه من الظلم قتل أكثر عناصر الفريق قدرة على إنهاء الفرص وتحويلها إلى أهداف بإعطائه أدوارًا دفاعية أكثر، وعليه تم استبعاد اختيار «محمد صلاح» لهذا المركز، ووقع الاختيار عليه ليكون المهاجم الوهمي الجديد بدلًا من «فيرمينو» الذي سيعود لدوره السابق في صناعة اللعب.

الثاني: أن «ماني» لن يمانع أصلًا من التواجد في مركزه الطبيعي كجناح بأدوار دفاعية معقولة وبفرص ركض أكبر على الرواق بعيدًا عن التعقيد المطلوب في رسم 4-3-3 وتحولاتها الكثيرة. وكذلك فرصة للابتعاد عن الجناح المصري، ما يعني احتمالية تهديف وصناعة أكثر وضوحًا خارج «ظل صلاح».

في البداية، ظهر أن هذا التحول يجيب على تساؤل: أين هو فابينيو؟ لكن الغريب أنه أجاب على تساؤل أكثر غرابة، وهو لماذا تم التعاقد مع «شاكيري» طالما أن الفريق يملك ثلاثيًا هجوميًا خارقًا، بل سيتم تقليله أيضًا إلى ثنائي فقط.

المعجزة كانت في أن «هيت مان» المنتظر، أو العميل رقم 47 كما هو معروف لعشاق اللعبة، كان بشعرٍ كثيف، قصير القامة، ولكنه يستطيع القتل وبدمٍ أكثر برودة. تواجد السويسري على الطرف في رباعي وسط الملعب كان أكثر فائدة من تواجده في الشكل الثلاثي الهجومي، أضاف قوة رهيبة للفريق وبات ممكنًا أن تراه برفقة الثلاثي المعتاد إذا ما تم الاستغناء عن أحد عناصر الوسط القدامى.

الآن الجميع يعلم أنها ليست المرة الأولى لليفربول في تصدر جدول الترتيب بالسنين الأخيرة، وربما لن تختلف النهاية. لكن ما يجب أن يعلمه الجميع أن تلك النسخة من الريدز مختلفة عن أي نسخة أخرى سابقة.