بالنسبة للنساء، يبدو موسم كأس العالم عيدًا لجنون الأزواج، فهي لا تفهم ولن تفهم تلك التغيرات النفسية التي طرأت على زوجها، الذي يجلس طيلة اليوم أمام شاشة التلفزيون يتابع مجموعة من الحمقى يجرون وراء كرة.

لا يوجد أبدًا أفضل من البدء بتلك السطور للعبقري الراحل «أحمد خالد توفيق» والتي كتبها ضمن مقال بعنوان «حتى يمر المونديال بسلام» والذي يدور حول رسالة طريفة وصلت للعراب عبر شبكة الإنترنت وانتشرت آنذاك. تتضمن الرسالة 12 نصيحة يوجهها زوج كروي جدًا لزوجته قبل بدء كأس العالم لكي تتمكن من اجتياز هذه الفترة الحرجة بسلام.

كرة القدم، هذا الشغف الذي يتملك من الرجل فيحيله من وقور هادئ متزن إلى صورة أقرب ما تكون إلى مجاذيب الموالد، هي تهمة لا ينفيها الرجال عن أنفسهم. ساعة ونصف هي عمر المباراة كفيلة بأن تجعل الرجل يعيش أيامًا سعيدة أو تتركه ككهل وحيد لا يستطيع التعرف على من حوله.

يستطيع الرجل بسهولة أن يتخيل ما تشعر به النساء عند قراءة تلك الكلمات، فكل الرجال من محبي كرة القدم خاضوا بالفعل تلك المناقشات لشرح مدي أهمية تلك اللعبة لهم ومدى تعلقهم بها، ولكن من الصعوبة البالغة أن تشرح ذلك لشخص لا يشاركك نفس الشغف. ذلك تحديدًا هو ما نتحدث عنه، لماذا لم تقع النساء في شباك تلك اللعبة الساحرة؟ لماذا لا يشاركوننا نفس الشغف؟

بعد أيام قليلة سينطلق كأس العالم ولأول مرة بمشاركة 4 منتخبات عربية. الكل في مصر ينتظر مشاركة صلاح، ويراهن على تألق اختيارات رينارد، وينتظر بترقب ما سيفعله المولد، ويأمل في مشاركة متميزة لنسور قرطاج، فهل يغير كل هذا الزخم حول كأس العالم من نظرة النساء لكرة القدم؟

ولأن السؤال في الأساس موجه للنساء فالإجابة بالطبع سنجدها عند النساء، ولكننا بالطبع لن نخوض نقاشًا آخر جديدًا من نوعية، لماذا يركض هؤلاء الحمقى وراء كرة؟ ولكننا سنبحث عن الإجابة عند نساء كسرن تلك القاعدة الأثيرة، وتملك شغف كرة القدم منهن، ربما نجد إجابة لذلك السؤال الذي نتوارثه ويلح علينا كل أربعة أعوام.


منار سرحان: الأهل والثقافة ومحمد صلاح

«الأمر تغير كثيرًا الآن عن السابق»، هكذا بدأت حديثها «منار سرحان» طبيبة الأسنان والكاتبة والمحللة الرياضية والتي

وصفتها جريدة الموندو الإسبانية

بأنها فتاة اقتحمت مجال الرجال.

تقول منار في حديثها مع «إضاءات» إنه في السابق كان الأهل يخافون كثيرًا على بناتهم من ممارسة بعض الألعاب. فألعاب القوة مثلًا قد تكسب البنت بعض العضلات التي لا تتناسب مع كونها بنتًا، وكرة القدم أيضًا كانت تُصنف كلعبة عنيفة لاحتمال وقوع إصابات أو جروح أثناء ممارستها.

لكن أسرتها كانت لديها الثقافة اللازمة لدعمها في ممارسة الرياضة بشكل عام، مارست كرة اليد وكرة السلة والسباحة بشكل احترافي، ولكنها للأسف لم تستطع ممارسة كرة القدم لبُعد مسافة النادي عن البيت، ولسوء التخطيط الكرة النسائية في مصر والذي لا يدفعك نحو ممارسة اللعبة. ترى المحللة المصرية أن الأمور تغيرت كثيرًا الآن عن السابق إزاء الوعي والثقافة عند الأهل، وهو ما ينبئ باحتمالية زيادة المهتمين بكرة القدم من النساء في المستقبل.

وفي صدد الإجابة عن سؤال «هل تستطيع كأس العالم أن تجذب أنظار النساء نحو كرة القدم» تقول منار: «لا أعتقد. كأس العالم مناسبة يتابعها الجميع بالطبع، ولكن كحدث عالمي. مشاركة مصر ستجعل فئات الشعب بالكامل تتابع الحدث، الجميع سيشجع، لكن دون دراية كافية باللعبة نفسها، لكن بالنسبة للأطفال فهناك إمكانية كبيرة لذلك خصوصًا بوجود نجم مصري عالمي مثل محمد صلاح، هذا سيجعل الكثير من الأطفال سواء أولادًا أو بنات يرتبطون بكرة القدم.»


مروة عيد عبد الملك: دور السوشيال ميديا وكأس أفريقيا 2006

انتقلنا بالحديث إلى «مروة عيد عبدالملك» لاعبة كرة اليد المصرية والمحترفة بنادي نيس الفرنسي والتي لعبت كرة القدم بشكل احترافي من قبل.

تقول لاعبة نيس إن الأمر برمته فكرة عنصرية يتوارثها المجتمع في مصر. فالبنات يجب ألا يلعبن بالكرة سواء في البيت أو في الشارع، فقط مسموح لهن باللعب بالعرائس وللأسف أصبحت تلك الأفكار أمرًا واقعًا مع الوقت وهو ما أثر بشكل كبير على متابعة النساء لكرة القدم.

لكن مع ظهور السوشيال ميديا تغير الأمر كثيرًا، فهناك نساء تحب كرة القدم وتتابعها بشغف كبير، وهو ما جعل الأنظار تلتفت لهن على ساحات السوشيال ميديا ليفاجأ الجميع أنها آراء تنم عن ثقافة كروية كبيرة، فلا يوجد فارق بين الرجال والنساء في مسألة متابعة كرة القدم، هي فقط مسألة ثقافة على الأرجح.

مارست كرة القدم في الشارع وكان الجميع ينظر للأمر على أنه شيء جديد وملفت للنظر، لكني كنت أنظر للأمر بجدية فاحترفت اللعبة، لكني فضلت الاستمرار في كرة اليد. لكنني ما زلت متابعة شغوفة لكل مباريات كرة القدم، كرة القدم عشق لا يستطيع أي شخص التخلص منه.





«مروة عيد عبدالملك» في حديثها مع إضاءات.

وإجابةً عن سؤال هل مشاركة المنتخبات العربية قد تفيد في حل مشكلة النساء مع كرة القدم أضافت مروة: «بالطبع مناسبة جيدة للغاية لكي تتابع النساء كرة القدم بشكل أكبر، فقد حدث هذا بالفعل عندما استضافت مصر بطولة أمم أفريقيا للمنتخبات عام 2006، لقد رأى الجميع فتيات تشجع المنتخب من المدرجات، الزخم المصاحب للأحداث الرياضية الكبرى يستقطب عددًا جديدًا من النساء لبدء الاهتمام باللعبة».


تهاني سليم: الأمر كله متعلق بالشغف

«أحب أن أوضح لكم أنني معترضة على السؤال»، هكذا فاجأتنا تهاني سليم الصحفية الرياضية في جريدة الأهرام عندما وجهنا لها سؤالًا حول سبب كره النساء لكرة القدم.

تقول الصحفية المصرية إن الأمر كله متعلق بالشغف، فهناك الكثير من الرجال لا يفقهون شيئًا في كرة القدم وهناك نساء على دراية بكافة تفاصيل اللعبة. نعم أغلب جمهور الكرة من الرجال، ولكن ذلك بسبب أفكار تخص المجتمع. ففي السعودية مثلًا لم يكن مسموحًا للنساء بحضور المباريات، ولكن المتابعين الأوفياء لكرة القدم هم من تملك الشغف منهم سواء رجالًا أو نساءً.

أنا تعلقت بكرة القدم بسبب والدي والذي كان مشجعًا حقيقيًا للعبة، ثم تطور معي الأمر بمرور السنوات حتى أصبحت أدين لكرة القدم بالكثير من السعادة في حياتي. كرة القدم فن مثل الموسيقى والسينما ولكل فن مريدون ومتابعون، كرة القدم جغرافيا تجعلك مهتمًا بالبلاد المستضيفة للبطولات وأين تقع، كرة القدم سياسة أيضًا فانفصال إقليم كتالونيا عن إسبانيا الكثير عرف عنه بفضل نادي برشلونة مثلًا.





«تهاني سليم» في حديثها مع إضاءات.

أما سؤال ماذا إذا كان سيفيد الحضور العربي في كأس العالم في مسألة اهتمام النساء بكرة القدم، فالإجابة لم تختلف كثيرًا حيث قالت: «لا أعتقد بالطبع، فكأس العالم تشبه مثلًا حفل الأوسكار، الجميع يشاهد الحفل حتى غير المهتمين بالسينما، لكن لا أحد يهتم بالتفاصيل سوى من يمتلك الشغف الحقيقي نحو الحدث».

انتهى كلام السيدات حول كرة القدم، ويبقى لنا أن نتمعن في هذا الحديث لنخرج ببعض الحقائق البسيطة. الكل أجمع أن المجتمع يلعب دورًا كبيرًا في تقليص اهتمام النساء بكرة القدم، وربما لن تفيد كثيرًا كأس العالم في تغيير تلك الحقيقة، ولكن بالطبع ما زال هناك أمل.

دعونا لا نتوارث ما يفرضه علينا المجتمع، ربما لن تستطيع أن تصالح زوجتك على كرة القدم بأي طريقة، ولكنك تملك أن تغرس داخل ابنتك أن كرة القدم هي لعبة تناسب الجميع، أن تنقل هذا الشغف الكروي لبنات عائلتك من الأطفال، ربما هكذا ستسدي خدمة جليلة مستقبلية، وربما هكذا سيمر مونديال الأجيال القادمة في سلام.