شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 67 محمود.. إيه ده يا محمود؟ أنتريه كاربت سيتي يا جليلة.. محمود.. إيه ده يا محمود؟ — أوضة نوم كاربت سيتي يا فضيلة. وعليه فقد كان لي أحد الأقرباء يُدعى «محمود»، وعندما كان هذا الإعلان يأتينا في التلفاز، فنأخذ أنا وإخوتي نشير إليه بالضحك حتى يَحمرَّ خجلًا، ومعه نأخذ نحن في الضحك أكثر. ما تم ذكره بالأعلى كان عينة بسيطة لإعلانات الثمانينيات والتسعينيات، نعم.. هكذا كانت الدنيا، إعلان بسيط جدًّا، مكونات صُنعه ضعيفة جدًّا، مجرد موديلز، شغل جرافيك بسيط يكاد يقترب من الضعيف، كلمات حياتية بسيطة كي تعلق بأذهان المتلقين البسطاء، تيمة لحنية عادية جدًّا، ولكنها تتماشى مع وضع الإعلان، والأهم من هذا وذاك القبول لدى المشاهد البسيط، الذي تلقى الإعلان ببساطة وقبول، وأصبح ينتظره ويرغب في رؤيته أكثر من المادة الدرامية نفسها، وأصبح يُضاحك به الناس، ويرى فيه سلعة مجتمعية يفاضل عند شرائها. البيئة المجتمعية لفترة الثمانينيات والتسعينيات هذه الفترة شهدت زخمًا إعلانيًّا كبيرًا، حيث إنها عكست بقدر كبير توجه المجتمع الاقتصادي والصناعي في هذه المرحلة. ففي الوقت الذي كان المجتمع يشهد فيه بداية الانتقال الشامل من مرحلة الاشتراكية متوجهًا إلى صورة الرأسمالية الكاملة، معها بدأت الأدوات والسلع الحياتية والمعيشية المختلفة تظهر، وبدأ ظهور مصانع المنتجات الغذائية المختلفة، والتي أخذت تتنافس فيما بينها، إرساءً لفكرة السوق التنافسية، وعملًا على جذب ذوق الجمهور وتفضيله. أيضًا ساعد على ظهور هذا الزخم الكبير في الصناعات الغذائية المختلفة وقتها بدء انتقال المجتمع إلى مرحلة السلم الحقيقية والهدوء، بعد سنوات طويلة قضاها في الحروب. من هنا أخذت المنتجات الغذائية الصغيرة تظهر للعلن، ومعها بدأت موجة وموضة الإعلانات التليفزيونية المميزة. أتذكر في الثمانينيات أنه كانت هناك إعلانات للبان «العلك»، حيث بدأت صناعته في الانتشار وقتها، وتنافس في سوقه الكثيرون، من منا لا يتذكر إعلان لبان «هارتي» الشهير ذي النكهات المتعددة؟ ما زلت أتذكر كلمات الإعلان حتى الآن: كان إعلانًا بسيطًا وله قبول كبير عند المشاهدين. من منا لا يتذكر لبان « بم بم » وإعلانه المميز ومسابقاته، حيث كنا نجمع الصور البسيطة الصغيرة من «باكو اللبان» ونقوم بلصقها في الألبوم، الذي كنا نبتاعه عند البقال، ونكمله حتى نصل إلى صورة الجائزة؟ كانت أفعالًا بسيطة جدًّا، ولكن تعطش السوق وقتها لهذه المنتجات الحياتية البسيطة خلق من وجودها شيئًا تنافسيًّا كبيرًا، وعليه فقد كانت الإعلانات مكملة لهذه الروح التنافسية. من منا لا يتذكر إعلان شركة الأثاث الشهيرة جدًّا وقتها، الذي عكس حالة المجتمع والرغبة في الحصول على أثاث جاهز عصري، فكان الإعلان الشهير، الذي كانت كلماته تقول: «هيجوزوني.. الله .. طيب ما تتجوز يا أخي .. بقولك هيجوزوني، الله.. أنا مش شايف بروبلم (Problem) .. طيب هجيب جهازي منين؟ .. ما عندك جهاز العروسين»، كان إعلانًا شهيرًا جدًّا، وظلت كلماته حتى الآن محفوظة بالذاكرة، وكان يحظى بحس فكاهي كبير لدى قاعدة كبيرة من الجماهير عند عرضه. من منا لا يتذكر إعلانات البسكويت المختلفة، التي عكست سوقًا تنافسيًّا كبيرًا أيضًا وقتها ومدى تعطش السوق لهذا التنافس، هل تتذكرون إعلانات بسكويت «الشمعدان» و«سامبا» وغيرهما الكثير، والمسابقات المستمرة التي كانت تخلق ولعًا تنافسيًّا كبيرًا، وحتى الجوائز نفسها كانت عبارة عن أشياء حياتية بسيطة جدًّا، كأطقم مطبخ، إلى جهاز «أتاري» أو دراجة هوائية، وأقصى جائزة كانت عبارة عن «سيارة» صغيرة بسيطة؟ هذه الفترة شهدت تنوعًا في المنتجات الجديدة بشكل واسع، وبالتالي عكست معها تنوعًا إعلانيًّا كبيرًا. فقد امتلأ التلفاز بإعلانات الزيت بأنواعه الجديدة المختلفة: «ذرة»، «عباد شمس» و«صويا»، إعلانات السمن، حيث إنه وقتها بدأ يظهر للعلن السمن الصناعي، الذي يعتمد على هدرجة زيوت النخيل، وعليه فقد انتشرت إعلانات السمن الصناعي الجديد كالنار في الهشيم، وتنافس فيها العديد من الماركات المختلفة، لدرجة أنهم في شهر رمضان في إحدى السنوات، من كثرة إعلانات السمن الصناعي، أطلقوا على الإعلانات بشكل عام «إعلانات السمن». أيضًا إعلانات الشاي المختلفة، وأتذكر أنه عندما بدأت صيحة الشاي «أبو فتلة» في الظهور كانت نقلة كبيرة. وعندما ظهرت موضة «مرقة الدجاج» في السوق المصري، وأخذت الشركات المنتجة تتنافس فيما بينها، لإقناع وإرضاء المستهلك بطيب منتجهم، ظهرت معها موجة من الإعلانات المميزة، وكلها عن «مرقة الدجاج». قس على ذلك كل المنتجات والسلع والأدوات الحياتية، كان التلفاز يبث إعلانات عن كل شيء، ملابس، حُلي، منتجات غذائية، أدوات كهربائية… إلخ، باختصار كانت إعلانات هذه المرحلة عبارة عن تفاعل سوقي بين المنتجين والمستهلكين، والكل يعرض بضاعته التي يريد أن يكتسب رضا الجمهور عنها وأن يقبلوا عليها. كانت إعلانات هذه الفترة تمتاز بالبساطة في كل شيء، التصميم، الموديلز، الموسيقى التي قد تكون لحنًا عالميًّا شهيرًا، باختصار إعلانات ضعيفة الإمكانيات جدًّا، إلا أنها كانت على الرغم من بساطتها تلقى قبولًا كبيرًا لدى المشاهد البسيط، لدرجة أنهم كانوا يحبون مشاهدتها ويحفظونها عن ظهر قلب، وكما ذكرت في بداية المقال كانوا يعكسونها على أمور حياتهم بالضحك والهزل، لم يكن أحد يمل من تكرار مشاهدة هذه الإعلانات، وظل صداها في الذاكرة حتى يومنا هذا، برغم ضعف إمكاناتها، والقيمة الفنية القليلة مقارنةً بصنيع هذه الأيام، حتى أننا ما زلنا نحفظ كلماتها وشعارات بعض الإعلانات الشهيرة في ذلك الوقت. وقطعًا فإن رمضان من كل عام كان هو السوق الإعلاني الأول الذي يريد كل مُنتِج أن يعرض بضاعته والإعلان عن نفسه فيه، وعليه فقد كانت الميديا الإعلانية الرمضانية مأدبة دسمة لكل المنتجين، وللمشاهدين أيضًا، وأضحت الميديا الرمضانية منذ وقتها مرآة تعكس طبيعة الإنتاج والتنافس السوقي، بجانب طبيعة المجتمع والزخم الاقتصادي والاجتماعي. الميديا الإعلانية في رمضان 2018 مامتي وخالتي وطانطي.. حريفة لبان، قولتلهم على هارتي، قالولي يا سلام. اقترب أذان المغرب، وبينما تجتمع العائلة على مائدة الإفطار، يبدأ التلفاز في بث دعايته وإعلاناته الرمضانية. ينطلق المدفع ويُرفع الأذان، ومعه أول إعلان: إعلان عن التبرع لمستشفى خيري كبير لاستكمال مراحل بنائه، يقوم بعلاج سرطان الأطفال، هكذا وعلى الإفطار تُفاجأ بإعلان كهذا. الإعلان الثاني: إعلان عن تبرع لمستشفى خيري كبير يقوم بعلاج سرطان الكبار، كل هذا وأنت لم تقم ببلع أول لقمة من إفطارك، الإعلان الثالث: إعلان عن التبرع لمستشفى خيري كبير يقوم بعلاج حالات حروق الأطفال، وهكذا. ثم بعد هذا العرض المتسلسل من الدعوة للتبرع، يطالعك إعلان فاخر فخم، يفوح بعبير المروج، ونسمات الربيع، وجداول المياه والينابيع المتفجرة الرقراقة، ويتبعه الوجه الحسن أنَّى تراه، لتجد إعلانًا عن فيلا أو شقة في كومباوند ساحلي، أو حتى على تخوم العاصمة، وينبهك إلى أنها فرصة نادرة يجب أن تغتنمها الآن، حيث المقدم لا يتعدى الملايين البسيطة والباقي تقسيط. تتفاجأ مرة أخرى بإعلان عن التبرع الخيري لنفس المستشفى الأول، الذي يعالج سرطان الأطفال، ولكن بصيغة أخرى، وأبطال آخرين، حتى أنني قمت بحصر الإعلانات المصورة لنفس هذه المؤسسة الطبية، فوجدت أن إعلاناتها تخطت عشرة إعلانات، لدرجة أنهم قد استنفدوا نجوم الداخل، وبدأوا في استقدام مطربين ونجوم عرب من خارج البلاد ليقدموا إعلانات باسمهم. وتخرج من هذه الحال لتجد إعلانًا لمنتجع سياحي آخر، وكلهم يتسابقون في عرض الماء والخضرة والوجه الحسن للمشاهد، لإقناعه بأن بضاعتهم هي الرائجة، لدرجة أنني قمت بحصر إعلانات الكومباوندات فوجدت أنها تزيد على ثمانية إعلانات. وهكذا على نفس الحال، فلم تخرج إعلانات رمضان 2018 عن إعلانات التبرعات، أو إعلانات الكومباوندات، اللهم إلا إعلانًا عابرًا لبنك يعلن عن تقديم قروض شخصية، أو شركة أجهزة كهربائية تستعرض تاريخها في السوق، وخلت القائمة الإعلانية من إعلانات المنتجات الاستهلاكية التنافسية، المعيشية والخدمية، وكأنما صار الحال إما أن تتبرع، أو تشتري شقة أو فيلا في كومباوند، أو تأخذ قرضًا لتصنع هذا أو ذاك، ليجد الإنسان البسيط نفسه محاصرًا، فإما أن يتبرع بما يملكه، وإما أن يقترض لشراء فيلا في هذا الكومباوند أو ذاك. وبالطبع لأن رمضان 2018 يتوافق مع صعود منتخب كرة القدم إلى كأس العالم لأول مرة منذ 28 عامًا، لذا فقد استغلت الشركات المعلنة طبيعة هذا الحدث، لذا نجد شركات الاتصالات والمشروبات الغازية، وغيرها، أضحت لا سيرة لها إلا المنتخب وكأس العالم. فإن أردنا أن نجري إحصائية بنسب مئوية عن الإعلانات الرمضانية هذا العام، فسوف نجد أن: 50% من الإعلانات عبارة عن دعوة للتبرع للمؤسسات الخيرية. 30% من الإعلانات عبارة عن دعوة لشراء شقق وفيلات بالكومباوندات. 20% إعلانات بقية الشركات التي لا حديث لها إلا عن كأس العالم. من واقع ما ذكرناه في بداية المقال ونهايته، كل هذه التغيرات التي حدثت في طبيعة الميديا الإعلانية التي تبث على التلفاز المصري من حيث الكيف والكم، تجعلنا نتساءل في حيرة، تُرى ما الذي تغير في المجتمع المصري، وبنيته الاقتصادية والاجتماعية، ليصبح المنتج الإعلاني النهائي بهذا الشكل؟ وطبعًا الجواب يحتاج إلى تفسيرات كثيرة متشعبة لا مجال لذكرها في مقالنا هنا. منذ فترة قريبة، وبينما أنا على مائدة الإفطار عند أحد الأقارب، وأثناء عرض إعلانات بعد الإفطار، فوجئت برد فعل طبيعي جدًّا وتلقائي من واحدة من الأقارب، حيث تساءلت بكل بعفوية وهي تشاهد: «أين إعلانات السمن والصابون بتاعت زمان؟» ختامًا: في الواقع، وعلى الرغم من الملايين المصروفة على هذه الإعلانات، والتقنيات العالية، والحداثة في كل شيء، فإنها لا تلقى نفس القبول الذي كانت تحققه إعلانات فترات الثمانينيات والتسعينيات، ولا تعلق بذهن متلقيها، ولا يظهر فيها أثر الرسالة الإعلانية لشريحة البسطاء، الذين يشكلون السواد الأعظم من الشعب. نعم هي إعلانات كبيرة جدًّا، مكلفة جدًّا، حديثة جدًّا، إلا أنها وفي إطارها المذهب هذا لم تستطع أن تخلق نفس الحالة الطيبة التي خلفتها إعلانات ذلك العصر الذهبي. مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير. قد يعجبك أيضاً كتاب «العلاج المعرفي»: إلى الواقفين على عتبات المرض النفسي لهذه الأسباب لم يؤمن تولستوي بقدرات شكسبير الأدبية هرم «مصر الإسلامية»: تأملات معمارية في مسجد السلطان حسن النباتية: نظامٌ صحي أم نفسي؟ شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram أحمد مروان Follow Author المقالة السابقة التنمية السياسية: سيدة الأجندة المقالة التالية مشاهد مُبحِرة (شعر) قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك جسد الإنسان في عصر ما بعد الحداثة 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الاقتصاد السياسي لجائحة «كوفيد-19» 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك السودان الدولة الهشة واستحالة الهيمنة السياسية 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك 7 قصص مثيرة عن حياة وموت «فينسنت فان جوخ» 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك رواية «علاج شوبنهاور»: مراقبة الحياة أم المشاركة فيها؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك عبد الوهاب مطاوع: «صوت من السماء» 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «ليدخلن نور النبوة دارك»: قصة الطاهرة والنبي 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك «الإله في الفيزياء»: كيف يعمل الكون؟ 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الإنسان ليس وحده من يبحث عن «الإيفوريا» 27/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك العَالَمُ في المُتَخَيَّل الإسماعيليّ 27/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.