في عام 2015 بلغ حجم سوق التعليم الإلكتروني عالميًا ما يقارب

165 مليار

دولار، وهو رقم يُنتظر أن يرتفع خلال السنوات القادمة إلى ما يزيد عن 240 مليار دولار. وتنفق المدارس الخاصة والحكومات المليارات على إدماج الأجهزة التقنية في عملية التعليم داخل الصف المدرسي، حيث يُتوقع أن حجم السوق للفصول الذكية وحدها سيصل إلى حوالي

94 مليار

دولار بحلول عام 2020.

ويشبه الأمر برمته «

حمى الذهب

» التي انتابت الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر، حيث صار سوق التعليم الإلكتروني جاذبًا لكل أصحاب الأفكار والتكنولوجيات الجديدة، وصارت الحكومات والمؤسسات التعليمية شديدة التنافس على تبني التقنيات الجديدة والتفاخر بإدماجها في فصولها ونظمها؛ مما جعل ذلك السوق يتقدم بمعدل نمو كبير نسبيًا، حيث بلغ معدل نمو سوق التعليم الإلكتروني ما يزيد عن

7% سنويًا

. وفي بعض البلدان يزيد هذا المعدل كثيرًا ففي بعض الدول الآسيوية يصل إلى 17% و 16% في بعض دول أمريكا اللاتينية.

ومع كل هذا العمل الدؤوب والنداءات المتصاعدة بتحويل الدراسة إلى نشاط إلكتروني بحت، ظهرت موجة من المعارضات للإسراف في استخدام الأجهزة الإلكترونية أثناء التعليم. وتحدث كثير من الخبراء عن

أضرار الإطالة

في التعرض للأجهزة الإلكترونية وخاصة للشباب المراهق والأطفال؛ ولهذا صار لزامًا أن نعرف ما هو الحد الفاصل بين إحسان استخدام التكنولوجيا في التعليم وبين إفساد التعليم بدعوى التطور التقني.


مزايا مغرية

لا شك أن هناك عدة مزايا بديهية للتعليم الإلكتروني، وهي واضحة لكل من تعمق في قضايا ومشاكل التعليم، سواء على مستوى الأفراد أو النظم التعليمية عامة. فاستخدام الكتب الإلكترونية يوفر ثمن طبعها لكل طالب في كل عام دراسي، ففي مصر وحدها تتكلف طباعة الكتب المدرسية ما يزيد على

1.2 مليار

جنيه، وهي كتب قابلة للتلف والضياع ولا يمكن غالبًا أن يعاد استخدامها من طالب لآخر، واستبدال الكتب المطبوعة بالإلكترونية ليس فقط موفرًا لثمن الطباعة بل له آثار أخرى اقتصادية

وفوائد بيئية

أيضًا.

واستخدام الكتاب الإلكتروني يزيد أيضًا من المرونة في التعامل مع الاستذكار والقراءة، فهو يسهل أخذ الملاحظات وتدوين النقاط ونسخ الاقتباسات، وتوجد الكثير من النظم والبرامج التي تيسر على القارئ تدوين ملاحظاته

إلكترونيًا

. أيضًا توجد الكثير من

التطبيقات والبرامج

التعليمية التي تيسر عرض المواد المعقدة بطرق حيوية وتفاعلية؛ مما يعد الطالب بخبرة مدرسية أكثر ثراءً وتنوعًا.

كذلك تتيح أغلب نظم التعليم الإلكتروني للطلبة أن يتعاونوا على إنجاز مهامهم العلمية من خلال تيسير سبل التخطيط والتواصل والتكامل في أداء تلك المهام، ثم عرضها بطريقة جذابة بعد الانتهاء منها. وقد تطورت وسائل

التعاون الإلكتروني

بشكل كبير في السنوات الماضية؛ مما ييسر للطلبة استيعاب مفاهيم مثل روح الفريق والتنسيق والتعاون والتواصل الفعال.


مفاهيم جديدة

ومع التطور الكبير في أبحاث التعليم واستخدام التقنيات المتطورة فيه، ظهرت عدة مفاهيم أثبتت الأبحاث أنها تعين على مزيد من تيسير التعليم الجيد. فعلى سبيل المثال بدأت الكثير من الجامعات في تطبيق نظام «

الفصل المقلوب

»، حيث يتم قلب الفكرة التقليدية عن التعليم، بحيث يكون الشرح للمادة في البيت من خلال مشاهدة الطلبة لفيديوهات ومواد تعليمية، ثم يأتون إلى الفصل للمناقشة وتبادل الآراء والأسئلة بحضور وإدارة مدرس المادة.

وقد صاحب التطور التقني الكبير لشبكة الإنترنت ظهور مفهوم جديد في التعليم وهو «

الكورسات

التعليمية الموجهة ذاتيًا» ثم ما اشتهر لاحقا بـ«الكورسات المفتوحة الهائلة العدد على الإنترنت

MOOCs»

، والتي يتم فيها إعداد المحتوى التعليمي بطريقة تخلط بين الوسائط المتعددة والأدوات التقنية المختلفة من أجل رسم مسار تعليمي يمكن للطالب فيه السير بنفسه وبحسب قدراته منتقلًا من محطة إلى أخرى حتى ينهي المادة التعليمية، وهو ما مثل طفرة كبيرة في مفهوم التعلم، حيث صار بمقدور الطالب أن يتعلم وحدات تعليمية مستقلة ومبسطة من مجالات متعددة دون الحاجة إلى الانخراط في دراسة نظامية بإحدى الجامعات أو الكليات المتخصصة في ذلك المجال.


ليس حلًا سحريًا

بالرغم من كل تلك المزايا وغيرها مما لم نذكره للتعليم الإلكتروني، إلا أن هناك الكثير من الأصوات التي تندد بالإسراف في الاعتماد على الوسائط الإلكترونية في التعليم. فهناك الكثير من الأبحاث التي تشير إلى ضرر الشاشات على التركيز والانتباه والمزاج العام، كما أنه هناك

علاقة

واضحة بين انتشار الأجهزة الإلكترونية وبين أمراض فرط الحركة وتشتت الانتباه في الأطفال.

كما بيّن أحد

الأبحاث التحليلية

من جامعة درهام أن هناك مبالغة كبيرة في القيمة المفترضة لتحسن عملية التعلم حين يتم تطبيق التعليم الإلكتروني، فقد قام البحث بتحليل موسع لتطبيق التعليم الإلكتروني واستخدام التكنولوجيا في تطوير التعليم، وقارن نتائج تلك التطبيقات بالمحاولات الأخرى في تحسين العملية التعليمية. وخلص البحث إلى أن هناك بالفعل أدلة على تحسن التعليم حين يتم إدماج التكنولوجيا في المنظومة التعليمية، إلا أن هذا التحسن يبقى في المتوسط أقل من التحسينات التي يتم تحقيقها عند تطبيق تعديلات أخرى أكثر اجتماعية في المدارس.

ويجب التأكيد على أن المعلم وتفاعله مع الطلبة يبقى هو العامل الأساسي في تحسين العملية التعليمية، وأن أهمية الجانب الاجتماعي والتفاعل في

إدارة عملية التعلم

يفوق بكثير ما يمكن تحصيله من فوائد التكنولوجيا وخاصة في السن الأصغر. وكذلك فإن الإفراط في التعلم من خلال الوسائط الإلكترونية قد يؤدي لشعور كاذب بالتفوق وتحصيل المعلومة نظرًا لسهولة الرجوع إليها؛ مما يشعرك بأنك

أكثر ذكاءً

مما هو حقيقي.


القلم والورقة

ولا يجب أبدًا أن يكون تبنّي التكنولوجيا الحديثة على حساب الكتب الورقية وخاصة في الأنشطة التعليمية التي تحتاج لقراءة مطولة. فبحسب

دراسة

علمية حين نقارن القراءة الإلكترونية بالورقية فإن القراءة الإلكترونية قد خسرت من حيث سرعة القراءة، وأيضًا من حيث كمية المعلومات التي حصّلها القارئ من الكتاب. وقد عزا أحد

علماء المختصين

بدراسة المخ والأعصاب هذا القصور إلى أن طريقة المطالعة الإلكترونية تتعارض مع طريقة المخ في ترتيب وحفظ المعلومات؛ مما يحد من قدرة القارئ على الاحتفاظ بالمعلومات التي يحصّلها.

وكما أن القراءة تتأثر سلبًا بالتحول إلى الوسائط الإلكترونية، فإنه قد ثبت بالأبحاث أن الكتابة باليد على الورقة تتفوق كثيرًا على الكتابة الإلكترونية من حيث ذاكرة الكاتب وتركيزه. ففي

دراسة

أجريت على طلبة الجامعة، تمت مقارنة عدة طرق في أخذ الملاحظات أثناء المحاضرات: الكتابة المفصلة باليد، والكتابة المختصرة، والكتابة الإلكترونية. وقد تبين أن الكتابة المفصلة هي أفضل الطرق في حفظ المعلومات وتركيزها في الذهن، وخاصة عند الاختبار على مدى

زمني أطول

.

والمحصلة من استعراض كل تلك المزايا والعيوب هو أن ندرك أنه لا يوجد حل سحري للتعليم، وأن التعليم الإلكتروني له مزايا واضحة حين يتم توظيفه بشكل صحيح. ولهذا وجب التدقيق عند كل محاولة لإدراج الأجهزة والتقنيات في الدراسة، فالأمر ليس طريقًا ممهدًا نسير فيه بأعين مقفلة.