مدربون يحضرون ويخططون لغلق المساحات أو خلقها، ولاعبون يجرون جيئة وذهابًا إكرامًا لعيون المدربين والجماهير، لكن كما يقولون لنا دائمًا في المباريات الكبيرة هناك تفاصيل صغيرة تحسم نهاياتها، كانت بالفعل هذه التفاصيل بطلة المشهد في ستامفورد بريدج، تلك التفاصيل تتخذ شكلًا إيجابيًا أحيانا، وجماهير تشلسي تراها من هذا الجانب بحجة أن لاعبًا أراد الكرة وبحث عنها أكثر من لاعب الخصم، وجميع من يقف على الحياد يراها قبيحة، لأن الأخطاء ليست جزءًا من اللعبة كما يظن البعض، بل ينص القانون على أن الاعتداء يعتبر خطأً، والخطأ ليس قابلا للنقاش أو التأويل مهما كانت الظروف والمعطيات.


ما قبل المباراة

تشيلسي على عرشه الذهبي في قمة الصدارة، يعيش بحالة من الراحة وهو يراقب خصومه بوجه مبستم وهم يتسابقون في إهدار النقاط جولة بعد أخرى، ولا يوجد ما يؤرق بال الفريق ومشجعيه إلا حسرة البدايات التي كلفت الفريق خسارة بعض المباريات، وبالطبع إحدى هذه الهزائم كانت أمام أرسنال، ولمّح كونتي في مؤتمره الصحفي إلى الحنق المتزايد مع اقتراب موعد المباراة وسعيه للثأر من أجل محو آثار الخسارة المهينة والتي ما تزال عالقة في ذهنه.


http://gty.im/633781370

وعلى الجهة الأخرى، فيروس الغيابات الذي يعصف بشمال لندن بشكل موسمي يعود للظهور بين صفوف أرسنال مرة أخرى، ويضرب عناصر خط الوسط في أحلك أوقات الموسم وأشدها تأثيرًا، فصعوبة موقف أرسنال تتجلى في الحاجة الماسة للنقاط الكاملة أمام المتصدر، وخسارة جديدة تعني خروج الفريق من سباق المنافسة على اللقب بعد بداية مبشرة في القسم الأول منه، وتقول الأسطورة إن هذه الظاهرة تتكرر بشكل سنوي، فأرسنال يبدأ جيدًا، تكثر إصاباته، ويدخل في دوامة فقدان الثقة التي تتسبب في هدم ما تم بناؤه سابقًا.


الشوط الأول،خيبات بالجملة وفرحة عارمة

غيابات الوسط أجبرت فينجر على الزج بشامبرلين بجانب كوكلين في خط الوسط، وتخلى الفرنسي عن مواطنه جيرود في خط المقدمة مفضلًا سانشيز الذي يتحرك بشكل جيد وسريع بين عناصر خط دفاع الخصم، وكانت إشارة واضحة منذ البداية للتوجه الذي سيعتمده فينجر في المباراة وهو الضرب بكرات سريعة وليس فرض سيطرته وعكس العرضيات.

تشكيل الفريقين أرسنال (يمين) وتشيلسي ( يسار)، المصدر: www.whoscored.com

كما هو متوقع، بدأ أرسنال بضغط مبكر في الدقائق الأولى من المباراة، رافق ذلك تراجع مبرر من تشلسي لمعرفة كونتي بضرورة الدفاع عن شباكه أمام القطار الأرسنالي الطامح للعودة إلى سكة المنافسين على اللقب.

تشلسي كان ينتظر الفرصة ويتحينها للضرب بسرعة خاطفة دون سابق إنذار، فكونتي دخل المباراة واضعًا هذا الهدف نصب عينيه، وجاء الهدف المنشود بعد ربع ساعة من بداية اللقاء، لكن بطريقة غير شرعية بعد اعتداء ماركوس ألونسو على مواطنه بيليرين لحظة ارتقاء اللاعبين للكرة، وهذه اللقطة لم تستفز الحكم مايك اتكينسون لإطلاق صافرته واحتساب الخطأ، بل احتسبها هدفًا شرعيًا منح الأفضلية للبلوز، ومعه بدأ سيناريو المباراة بالاتضاح شيئًا فشيئًا، هدف غير شرعي في توقيت مبكر، تبديل اضطراري، خط وسط غير مكتمل، وبالنهاية مدرب معاقب يجلس على المدرجات، ليست بالمباراة المثالية لكي تقاتل فيها على حظوظك في المنافسة على اللقب.


http://gty.im/633777272

خروج بيليرين أضر بخطط أرسنال الهجومية، فبديله باوليستا لا يلعب في مركزه المعتاد، وبالنسبة لفريق ذي طابع هجومي كأرسنال، ووجود باوليستا في مركز الظهير الأيمن لا يخدم نهج الفريق الهجومي على الإطلاق. مشكلة أرسنال بعد الهدف لم تكن فنية بالمطلق، بل الأثر النفسي له نصيب في ذلك، بداية من العقدة في ستامفورد بريدج، مرورًا بسوء التحضير الذهني للمباراة، وانتهاء بظروف المباراة من غيابات مؤثرة بلا شك.

مع مرور الوقت تبين أن أرسنال بلا فاعلية بسبب غياب من يتحكم بخروج الكرة من الخلف، لأن كوكلين وشامبرلين لا يمكنهما القيام بهذه المهمة وشكلا معا عبئًا إضافيًا على خط دفاع المدفعجية، ضياع في الجهة الحمراء يقابله تنظيم متجانس وصلب في الجهة الزرقاء، المباراة انتهت باكرًا بالنسبة لأرسنال، حتى مع المحاولة الجادة الوحيدة في الشوط الأول، لم يفلح باوليستا في توجيه الكرة بشكل جيد لإعادة فريقه إلى أجواء اللقاء.


الشوط الثاني، والبطل الذي لا يرحم

لإكمال ما أتمه تشلسي به في الشوط الأول، بدأ كونتي الشوط الثاني بتركيز كبير والمهمة كانت تسجيل الهدف الثاني والقضاء نهائيًا على آمال أرسنال في العودة إلى أجواء اللقاء، هذه المهمة كانت سهلة المنال أمام خصم مترنح غارق في خيباته وجراحه، وظهر ذلك جليًا في لحظة إبداع وسحر نفذته أقدام بلجيكية، هازارد راوغ لاعبي أرسنال وتخلص منهم بطريقة عبقرية أظهرته وكأنه يلاعب أطفالًا صغارًا وليس لاعبين يفوقونه حجمًا وقوة بدنية.


http://gty.im/633778582

ومع هذا الهدف انتهت المباراة عمليًا في الدقيقة 53 رغم انتهاء المباراة بنتيجة 3-1، لأن أرسنال لم يتمكن من انتشال نفسه من فخ البداية السيئة، وتشلسي استمر بكامل تركيزه حتى مع التقدم بهدفين، وبهذا الانتصار أمّن تشلسي مركزه في القمة بعيدًا كل البعد عن المنافسين، وأرسل رسالة واضحة تم كتابتها بالخط العريض: «لن يقف أحد في وجه البلوز، فالبطل يحارب من أجل مكانته بلا شفقة وبلا أي رحمة».


عاقبوا الحكام وليس المدربين واللاعبين فقط

الأخطاء المستمرة من قبل الحكام والتي تمر دائمًا بدون محاسبة تذكر من لجنة الحكام، تزيد الأمور تعقيدًا على الأندية واللاعبين، ربما لو تم إلغاء الهدف الذي سجله ألونسو كان تشلسي في طريقه للانتصار لأنه الفريق الأكثر جاهزية وتحضيرًا للقاء، لكن هذه الأخطاء وخاصة في مباريات القمة تؤثر بلا شك على فرص أي فريق، فما بالك بفريق مُثخن الجراح منذ البداية، وعلى غرار عقوبة فينجر وغيره من المدربين، يستحق الحكام عقوبة مماثلة عن أخطائهم القاتلة.


أرسنال في البداية، وفي الختام!

تشكيل الفريقين أرسنال (يمين) و تشيلسي ( يسار)، المصدر: www.whoscored.com


http://gty.im/633778032

من منح تشيلسي الفرصة للتغيير كان أرسنال، فبعد الخسارة المذلة بثلاثية في الشوط الأول في ملعب الإمارات أدرك كونتي أن عليه إجراء بعض التعديلات لكي يكمل مشواره اللندني بشكل جيد، واليوم عاد أرسنال ليمنح البلوز ذات الفرصة للانقضاض على اللقب مبكرًا، ويحطم أرسنال بهذه الخسارة آماله وآمال جميع المنافسين على اللقب، لأن تشلسي لم يتبق له في جدول مبارياته إلا مواجهتين كبيرتين أمام قطبي مانشستر، وبهذا أسدل أرسنال الستار على البطولة بعد أن قص الشريط الافتتاحي لتشلسي في شهر سبتمبر الماضي.