يبدو الحديث عن باكستان والأدب الباكستاني المترجم إلى العربية أمرًا صعبًا، ذلك أنه ولأسباب لا نعرفها لم يتم نقل الكثير من الأدب الباكستاني أو الأفغاني إلى العربية حتى الآن، وغدت الجهود في هذا الصدد قليلة ونادرة، إلا أنه يبزغ بين الحين والآخر اسم أو أكثر، يلفت الأنظار إلى الكتابة الأدبية في ذلك البلد العزيز على قلوب المسلمين، والذي خاض ويلات حروب ومآسٍ قاسية كثيرة، ويسعى شعبه للحصول على حقهم وكرامتهم بكل ما أوتوا من وسائل حتى الآن. لذلك يكون العثور على روايةٍ باكستانية جيدة تعبّر عن واقع ذلك الشعب وتروي حكايته بصدق بمثابة الحصول على كنزٍ ثمين.

في رواية «سفر الخروج» للروائي الباكستاني قدرت الله شهاب نجد صورةً واقعية وإن كانت مأساوية بل وساخرة أحيانًا للمجتمع الباكستاني، بدءًا بمحاولات المسلمين الفرار من اضطهاد السيخ وقمعهم لهم في إقيلم «بنجاب» بين الهند وباكستان، وما تلا ذلك من محاولات الفرار والنجاة بأنفسهم إلى دولة باكستان الإسلامية الوليدة وما يجدونه هناك من تحول وضياع.

يقسّم قدرت الله روايته إلى ثلاثة فصولٍ قصيرة يوجز فيها تحولات الحياة في باكستان، من خلال بطلة روايته شهاباد بداية بإطلالة على حياتها بين أهل قريتها الذين استطاع السيخ إحكام سيطرتهم عليها، وقتل كل المسلمين، حتى أنه لم يبق غيرها، وسعيها بعد ذلك للهرب في قافلةٍ متجهةٍ للغرب باتجاه المدينة المنوّرة ومكة، حيث أحلام كل المسلمين معقودة بهذه الأماكن، ولكنها تفاجأ بأنها لا تتمكن من الوصول إلا إلى «كراتشي» وتكتفي ببقائها هناك والانغماس داخل ذلك المجتمع المختلف عن كل ما كانت تحلم به.

تمر الأيام والليالي، ويظل هذا التصوّر الفردوسي لجهة الغرب يُفعم صدرها بنور الأمل، برغم تزايد أعداد معسكر أنباله. عندما شبعت قلوب الضابط برتيم سنغ ومساعديه جيدًا جاء القطار ذات يوم. القطار الذي كانت قناديل الأمل لا تزال تضوي في انتظاره. وعندما ركبت دلشاد عربة القطار تذكرت الشيخ علي بخش. لقد استقل هو الآخر مثل هذا القطار في طريقه إلى الحج، وقد طوّقت عنقه عناقيد الورد، وفاحت من ملابسه العطور، إذ اصطحبه أهل القرية إلى المحطة وهم يعزفون الموسيقى من حوله.. مع كل محطة تمر تزول السدود بين هؤلاء النسوة وبين الحياة، وتبدأ الألحان الغافية داخلهن بالاستيقاظ ثانية، ويرحن يغنين ويبتسمن.

في لقطات مشهدية سينمائية موجزة شديدة الدلالة والتكثيف استطاع الكاتب أن يصوّر مأساة البلد والمجتمع والناس، بدايةً في القرية التي تقيم فيها دلشاد والتي لم يسمها الكاتب، وانتقالاته الزمنية بين ماضيها وأحلامها وبين معاناتها في الحاضر. وفي الفصل الثاني، يعرض كذلك ملامح القسوة التي عاشت فيها هي وعدد من اللاجئين قبل أن ينتقلوا إلى العاصمة، وكيف كانت نظرة الناس لها ولمن حولها، حتى يصل في الفصل الثالث إلى تصوير المجتمع برؤية بانورامية عامة لا تركز على شخصية واحدة أو أبطال محددين وإنما ينتقل بين أكثر من مشهد وحكاية تعكس أوضاع المجتمع والناس في دولة باكستان التي يفترض أنها دولة إسلامية.

استطاع الكاتب أن يقدّم في روايته القصيرة (النوفيلا) التي لم تتجاوز السبعين صفحة نقدًا هادئًا ومركزًا للحال الذي أصبحت عليه الدولة التي يُفترض أنها دولة إسلامية، وعرضًا مأساويًا للمجتمع دون الغوص في الدراما والتفاصيل الكثيرة التي لا طائل منها، إذ يلحظ القارئ أنه اكتفى في كثيرٍ من الأحيان بالإشارة دون التصريح، وبعرض المشهد والحال على ما هو عليه، تاركًا للقارئ فرصة التأويل والبحث والتحليل، لا سيما في الجزء الأخير من الرواية الذي كان من الممكن أن يتحول إلى مانيفستو سياسي، حيث انتقل من الحديث عن بطلة الرواية الرئيسية إلى الأوضاع المتردية التي يعيشها الباكستانيون في عاصمة دولتهم.

تبدو الرواية في النهاية، وفقًا لعنوانها الأصلي «يا رب» وكأنها مناجاة واستغاثة من الكاتب بعرض شكواه وحال بلاده وتحولاتها التي لا يرضى عنها أحد. تم ترجمة العنوان إلى «سفر الخروج» من خلال المترجم أيمن عبدالحليم الذي يبدو أنه رأى في رحلة هذا الفتاة ومأساتها انعكاسًا لأسفار خروج الأنبياء مضطهدين من بلادهم ساعين إلى الحصول على الحرية، وما يلقونه في سبيل ذلك من هوانٍ واستضعاف.

قدرت الله شهاب روائي باكستاني من مواليد عام 1917 حصل على بكالوريوس العلوم، ساهم في تشكيل حكومة «كشمير الحرة» وظل سكرتيرًا عامًا لها، ثم تلقد عددًا من المناصب الرسمية الحكومية كان آخرها منصب وزير التعليم في باكستان عام 1973. بدأ حياته الأدبية بكتابة المقالات، وأسس «الاتحاد العام للأدباء» عام 1959. تعد سيرته الذاتية «شهاب نامه» من أهم مصادر التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي لدى الباكستانيين حتى اليوم.