كان وما زال إقليم الشرق الأوسط بؤرة حيوية للصراعات سواء من داخله للهيمنة على المنطقة أو من الخارج لبسط النفوذ والسيادة على العالم أجمع، فيتواجد بإقليم الشرق الأوسط قوميات عديدة مثل القومية الفارسية (إيران) والقومية الطورانية (تركيا) ثم النبت الشيطاني الذي تم زرعه مع وعد بلفور، بجانب الأكراد الذين بات حلم دولتهم يقترب كل يوم بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي بين الشام والعراق، وبعد دعمهم عسكريًا من ألمانيا وفرنسا، بالإضافة إلى تاريخ العلاقة العميقة بين الأكراد وإسرائيل.

بينما ظلت أكبر الشعوب عددًا في منطقة الشرق الأوسط أصحاب الأرض والتاريخ وهم العرب مفتتون تارة وتائهون تارة أخرى. ولكل قومية من هؤلاء مشاريع هيمنة وتوسع على حساب العرب أنفسهم، زادت وتضخمت في الأعوام الأخيرة خاصة بعد ثورات الربيع المزعوم.

ولنبدأ بإيران والمشروع الذي طرحه محمد جواد أردشير لاريجاني في نظرية أم القرى التي تعمل على مد القومية الفارسية للدول المحيطة، وتصدير الثورة الإسلامية لدول الجوار كما حلم الخميني، وجعل مدينة قم عاصمة دينية لجميع المسلمين، ومدينة طهران عاصمة سياسية. وبذلك تصبح الدول العربية كالمقاطعات التى تدين بالولاء لإيران، والسمع والطاعة للولي الفقيه.



سئل الخميني: ما هدف ثورتكم؟ فقال: «لقد حكم هذه المنطقة الأتراك لعدة قرون، والأكراد لعدة قرون، والعرب لعدة قرون، وآن للفرس أن يحكموها لقرون طويلة».

وبذلك أصبح أمام إيران كما يرى مؤسس تلك النظرية ثلاث قضايا أساسية لتطبيق استراتيجيتها: الأولى، موقع إيران واستغلاله في زعامة العالم الإسلامي. والثانية، الأمن الإيراني ونقل المعارك خارج حدود إيران، كما رأينا في حروب حزب الله وإسرائيل على الحدود اللبنانية. الثالثة، تعمير إيران حتى تعكس وجهاً حضارياً للعالم عن الثورة الإسلامية، وكذلك توجه رسالة للغرب بتفوق إيران على جيرانها العرب عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، وأنها الأجدر بأن تتولى زعامة تلك المنطقة.

وتعتبر نظرية أم القرى امتدادًا لأفكار ونظريات ظهرت بعد الثورة الإسلامية 1979، مثل نظرية القومية الإسلامية الشيعية، فعند نزول الخميني من الطائرة قادمًا من باريس إلى طهران سأله أحد الإعلاميين: ما هدف ثورتكم؟ فقال: «لقد حكم هذه المنطقة الأتراك لعدة قرون، والأكراد لعدة قرون، والعرب لعدة قرون، وآن للفرس أن يحكموها لقرون طويلة».

وما أن جاءت الفرصة حتى قفزت إيران على ثورة الربيع العربي مبكرًا عندما خطب خامئني لأول مرة باللغة العربية في صلاة الجمعة بطهران يوم 4 فبراير/شباط 2011، أي أثناء اندلاع الثورة بكل من مصر وتونس، وخصص خطبته لتحفيز الثوار على إسقاط النظام إلى أن وقعت حادثة قذف المقاتلات الإسرائيلية لمخازن أسلحة بالسودان تابعة لإيران؛ لتكشف لنا عن طريق الحرير الذي كان يمتد من جنوب السودان مرورًا بمصر منتهكًا أمنها القومي وصولًا لغزة لدعم حماس بالأسلحة الإيرانية، وهو ما فسر لنا تصريح رئيس مجلس الشورى على لاريجاني عندما قال: «الآن أصبح لدينا ذراع جديدة على الحدود المصرية بسيناء».

ومن المعلوم أن «أم القرى» تعني مكة المكرمة فقال تعالى: «وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ» (الأنعام – 92). وقال تعالى: «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» (الشورى – 7).

وساذج من يتوهم أن إيران تسعى لتصنيع القنبلة النووية لضرب إسرائيل كما يصرح لنا قادة إيران، فبنفس القنبلة التى ستضربها إيران على إسرائيل (التي تمتلك 200 رأس نووي) سينتشر غبارها الذري خلال دقائق معدودة ليدمر إيران نفسها، وطبعًا لن تضرب إيران أمريكا، ولكن التصريحات المتكررة منذ سنين باقتراب إيران من تصنيع القنبلة النووية ما هي إلا محاولة أخذ دور قائد منطقة الشرق الأوسط، وإنها خير ميسر ومنظم لسياسات المنطقة، والجلوس على مائدة واحدة مع الولايات المتحدة للتفاوض على غنائم الخليج.

وهو الأمر الذي تجلى بتصريحات الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، على هامش مؤتمر إيباك عندما قال إن على شركاء الولايات المتحدة من السنّة في منطقة الشرق الأوسط قبول التغيير المقبل في علاقة الولايات المتحدة مع إيران، ثم أضاف ممتدحًا نظام الخميني قائلاً: «إن الإيرانيين أناس استراتيجيون وغير متهورين، ولديهم رؤية عالمية جيدة، ويرون مصالحهم، ويتعاملون في حساباتهم بمبدأ الربح والخسارة».

أما المشروع الثاني، فهو المشروع العثماني القديم الجديد الذي تم إحياؤه على أيدي حكومة حزب العدالة والتنمية، وقت ما قال وزير الخارجية التركي الأسبق، أحمد داود أوغلو: نحن العثمانيين الجدد، ففي مؤتمر حلف الناتو بإسطنبول يونيو 2004، أطلق قادة دول حلف شمال الأطلنطي ما يعرف بمبادرة إسطنبول للتعاون مع الشرق الأوسط الكبير.



أصبحت أحلام عودة الخلافة تحلق فوق رءوس العثمانيين الجدد، وهي ليست خلافة على الطراز العثماني القديم وإنما على طراز الناتو الحديث

ومنذ ذلك الحين أصبحت أحلام عودة الخلافة تحلق فوق رءوس العثمانيين الجدد، وهي ليست خلافة على الطراز العثماني القديم وإنما على طراز الناتو الحديث، إلى أن تفجرت ثورات الربيع العربي وتبدلت الأنظمة الحاكمة بأنظمة جديدة تابعة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وهي بالطبع تنظيمات تتقابل فكريًا وعضويًا مع الحكومة التركية، ليجد أردوغان حلمه تجسدا لمشروع قابل للتنفيذ لتضعه الولايات المتحدة ضد المشروع الفارسي الذي سمي بالهلال الشيعى، وهو الهلال الذي اكتمل ليصبح بدرًا بعد استيلاء الحوثيين على اليمن.

والمشروع الثالث، الصهيوني الذي اعتمد على أفكار ونظريات تقوم على كيفية إرهاق دول الشرق الأوسط في صراعات فيما بينها، وإشغالها دائمًا في أزمات داخلية وبث الفتن وتقسيم الأوطان، حتى تجعل إسرائيل دولة قوية بين مجموعة من الدويلات المفتتة الضعيفة مثل ما ذكر جابوتنسكي في مشروع الكومنولث العبري، وبن جوريون بمشروع تقسيم لبنان، وشمعون بيريز في كتابه الشرق الأوسط الجديد الذي أصدره عام 1993، وفكرة تفتيت قوس الأزمات التى ذكرها بريجنسكي في كتابه بين جيلين.

وهكذا يصبح المشروع الإيرانى والتركي إحدى ركائز المشروع الصهيوني الكبير، فربما تختلف وجهات النظر أو التكتيكات لتحقيق أهداف ذلك المشروع الإيراني أو التركي، ولكنها في آخر المطاف ستجد المشروع الصهيوني في انتظارها كي تستكمل إسرائيل آخر خطوة في مشروعها ودولتها الكبرى التي تحلم بها، فالثلاثة يتفقون على وضع العرب في خانة الفريسة.

والآن وبعد توجه إقليم كردستان نحو استفتاء لتنفيذ عملية الانفصال، بذلك يكون مستقبل الدولة الكردية فى يد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس وحده، ولا تعلمه علم اليقين سوى تل أبيب، وزيارة وزير الدفاع الأمريكي الأخيرة المفاجئة لكلٍّ من أربيل وأنقرة منذ أسبوع مع عدم الإعلان عن نتائج أو أي شيء يخص تلك الزيارة، وحالة الخرس التي أصابت البعض أمر يؤكد ذلك، ولا ننسى كلما تقدم الكرد لتحرير أراض تحت سيطرة داعش، كانت الأخيرة تنسحب من أمامهم، أو بالأدق كانت الولايات المتحدة تسحب رءوس داعش من أمام الأكراد، وكلما سيطر الكرد على منطقة ما كانت أمريكا تشيّد عليها قاعدة عسكرية، فشمال سوريا به 10 قواعد عسكرية أمريكية.

فدولة الاحتلال لن تجد حارسا أمينا على بوابة إسرائيل الكبرى (من الفرات للنيل) شمالًا على الفرات أفضل من الأكراد، لذلك قلنا إذا كان سايكس بيكو 1 أفرز دولة إسرائيل، فالأخيرة تسعى لكي يفرز سايكس بيكو 2 الدولة الكردية، وبنفس ثقل حضور إسرائيل على حدودها الشمالية، تتواجد أيضًا بحدود دولتها الكبرى جنوبًا (إثيوبيا).

وفى كل الحالات سواء صارت للكرد دولة أم لا، فالمؤكد الوحيد أنه ستأتي لحظة سيدفعون فيها ثمن خروجهم من حضن الدولة السورية (التي عرضت عليهم الكثير) ثمنًا غاليًا جدًا، وستكون مستقبل تلك الدولة أو ذلك الجنين المشوّه أشبه بمصير دولة جنوب السودان، وساذج منهم من صدق الأمريكان والصهاينة بأن النفط الذى سيكون في أراضيهم سيجعلهم يعيشون في الجنة، فكما انتهى سايكس بيكو 1 بظهور دولة إسرائيل، فسيقضي سايكس بيكو 2 بظهور دولة كردستان، وهو الأمر الذى يسعى له الحاكم الحقيقي للولايات المتحدة والنظام العالمي، وبعد طرح تلك الرؤية الشاملة علينا أن نسأل أنفنسا نحن العرب، أين نحن من موقع الخريطة الجديدة لشرق أوسط جديد؟



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.