عند سماع اسم مدينة «تورينو»، فغالبًا ما يتبادر لأذهاننا نادي «يوفنتوس» الإيطالي، ليس فقط لأن اليوفي يفرض سيطرته على الصعيد الإيطالي المحلي منذ 6 سنوات، ولا لأنه النادي الذي تشكل عناصره أغلبية منتخب الأتزوري، ولكن أيضًا لأن ديربي الشمال الإيطالي حيث مدينة «تورينو» محسوم عادة لنادي الأبيض والأسود.

العام الماضي كان مختلفًا بعض الشيء، ليس بنتيجة الديربي، لكن لأن تشكيلة نادي «تورينو» باتت تحوي اسم المهاجم الإيطالي الذي استطاع لفت انتباه الصحافة الإيطالية والعالمية لمستواه، ربما عليك فقط أن تعرف أن كلا من «بايرن ميونخ، مان سيتي، باريس» يتابعون «أندريا بيلوتي» قبل أن تؤكد شبكة «توتوميركاتو» الإيطالية عن نيّة «فيلورنتينو بيريز» تدعيم تشكيلة زيزو بالمهاجم الشاب.


لماذا كل ذلك الاهتمام؟

إجابة ذلك السؤال واضحة كالشمس، ألق نظرة على تشكيلة «أنتونيو كونتي» المدرب السابق لمنتخب إيطاليا بيورو 2016، تحديدًا موقع المهاجم رأس الحربة، ماذا ستجد؟! مهاجم سواثهامبتون «بيلي»، يدعمه على دكة الاحتياط مهاجم اليوفي«زازا»، أسماء لم تتمكن من صناعة الفارق، الأخير مثلًا يقبع خارج اهتمامات مدرب ويستهام «سلافين بيليتش» حتى رحل إلى فالنسيا الإسباني على سبيل الإعارة، أما «بيلي» فوجد طريقه للدوري الصيني، وانتهى الحال بتجربة «كونتي» الطموحة بخروج من دور الـ 8 على يد المانشافت بعد أداء رائع بدور المجموعات.

تابع البحث عن مهاجمي الأندية الإيطالية، «هيجوايين» بمتصدر جدول الدوري، «دجيكو» يلعب لروما، «إيكاردي» يقود الإنتر، «ميرتينيز» يقدم أفضل أداء ممكن مع نابولي بجانب «ميليك»، ما هو العامل المشترك بين كل تلك الأسماء؟! كلهم أجانب ليسوا طليان.

هذا هو السبب الرئيسي بالاهتمام بمسيرة «بيلوتي»، فهو اللاعب الذي ينظر له «فينتورا» المدرب الحالي لإيطاليا كقائد قادم لخط هجوم الأتزوري بالبطولات القادمة، ذلك الاهتمام لم يأت أبدًا من فراغ، فيما لا يمكن بحال من الأحوال الاطمئنان لمسيرة «بالوتيلي» حتى بتألقه الحالي مع «نيس» الفرنسي، فإن الشاب الذي أتم لتوّه عامه الـ 23 يدفع الكل للثقة بإمكانياته التي منحته صدارة قائمة هدافي الدوري قبل «هيجواين ودجيكو» مسجلًا 22 هدفًا بنفس عدد المباريات، فيما يتفوق عنهما بعدد صناعة الأهداف أيضًا!


http://gty.im/505250486

وبعيدًا عن «فينتورا»، فإنه من المفهوم اهتمام الأندية الكبرى بمهاجم واعد لايزال يخطى خطواته الأولى محققًا كل ذلك النجاح المستحق، الأمر يتعلق هنا بأعمار مهاجمي تلك الأندية، فـ«كافاني»، «بنزيما»، وحتى «ليفاندوفسكي» في طريقهم نحو الـ 30، أما «سيرجيو أجويرو» فلا يعيش أفضل أيامه بإنجلترا؛ ناهيك عن أندية لا تملك أصلًا تلك الأسماء!


المُقاتل

احتفال «بيلوتي» الذي تكرر كثيرًا وأصبح علامة مميزة بملاعب إيطاليا هذا الموسم يرمز لطائر الديك يصيح عقب تسجيل الأهداف، قد يبدو لك لوهلة أن المهاجم الشاب عاش حياته فتى مُدللا لأكاديميات الكرة وحاز مشاركة منتظمة بالتشكيلات الأساسية لفرق الشباب، لكن الأمر بعكس ذلك تمامًا.

عانى ناشئ أكاديمية «أتلانتا» من عدم قدرته على إقناع المدربين بقدراته الكافية لانضمامه لفرق شباب النادي لكنه لم يترك اليأس ينال منه، فاستطاع الانضمام عام 2012 لفريق رديف ناد صغير يعود تاريخ تأسيسه لعام 98 ينافس بالدرجات الدنيا يدعى «ألبينوليفي»، لكن الأمور لم تسِر على ما يرام!

كان «بيلوتي» جليس دكّة البدلاء أغلب الأوقات، وحيدًا لا يستطيع فرض شخصيته لأنه الأصغر بين اللاعبين، لا يلقى اهتمامًا من المدربين حتى ظهر «إلسيو بالا» للمرة الأولى.

تم تعييّن «بالا» مدربًا جديدًا فكان الرجل الذي حوّل حياة «أندريا» تمامًا، فبداية أدخل تعديلا على مركزه من وسط الملعب والجناح لمهاجم رأس الحربة بمزيد من حرية الحركة، آمن بقدراته وكان يدرك أنه يحتاج الثقة أكثر من أي شيء.

يستجيب «بيلوتي» سريعًا ويلفت انتباه الفريق الأول للنادي، فيشارك بـ8 مباريات مسجلًا هدفين، لم يمر الكثير حتى لحق به «بالا» مدربًا للفريق الأول فانتظمت المشاركات الأساسية للاعبه المفضل.

شهد موسم 2013 تسجيل المهاجم صاحب الـ 19 عاما حينها 12 هدفًا بـ 30 مباراة، «جينوارو جاتوزو» الذي كان مدربًا حينها لنادي«باليرمو» يلتقط الخيط ويضع الصغير على قمة أولوياته، قائد الروسينيري السابق تحدث غير مرة عن اقتناعه الكامل بإمكانيات «بيلوتي» حتى أنه قال يومًا إنه يذكره بــــ«تشيفشينكو»!

«باليرمو» كان يخوض حملة الصعود مرة أخرى للسيري أيه، لم تتحمل الإدارة نتائج «جاتوزو» فأقالته سريعًا وعاد «بيلوتي» للدكّة تاركًا الملعب لمهاجم آخر واعد يصول ويجول هو «باولو ديبالا».

لم تكن تجربته بـ«باليرمو» شديدة الثراء، لكنها على الأقل منحته فرصة للظهور والانضمام بمنتخب تحت 21 عامًا، ثم لخطوته الأهم حين انتقل لنادي «تورينو» بصفقة 7.5 مليون يورو عام 2015 ليقابل «فينتورا» مدربه الجديد لأول مرة؛ لم يكن «بيلوتي» ليمتلك أكثر حظًا لدى تلك النقطة من الزمن.

«فينتورا» مدرب مؤمن بالقدرات الشبابية وضرورة الاعتماد على اللاعبين الصغار، يعرف جيدًا كيف يمنحهم الثقة ويخفف أعباء المسئولية، يحوّل المعادلة سريعًا من الخوف من الفشل للسعي نحو التألق؛ هذا تحديدًا ما حدث مع «أندريا».

فبعد أن أخفق بالتهديف سوى مرة واحدة في أول 6 أشهر مع المدرب الجديد، انطلق بالدور الثاني من الموسم ليسجل 11 هدفًا ليظهر مهاجم التورو على رادار السيري أيه.

خاضت إيطاليا يورو 2016 ثم عاد «كونتي» ليحزم حقائبه للرحيل للندن، هنا وقع اختيار الاتحاد الإيطالي على «فينتورا» لخلافته، يحل «ميهايلوفيتش» مكانه بتورينو قبل بداية هذا الموسم؛ ليتأكد «بيلوتي» أنه يعيش أفضل أيامه.

الصيربي «ميهايلوفيتش» مدرب طموح ويمتلك إمكانيات الإدارة، قاد «سمبادوريا» للتأهل للدوري الأوروبي، لم ينل فرصته الكاملة مع «ميلان» عقب ذلك، ثم وجد مهمة إعادة إثبات ذاته مع «تورينو».

أسلوب لعبه يحظى بكثير من الجرأة الهجومية، إذ يلعب بتشكيل 4/3/3 مستغلًا أقصى إمكانيات مهاجمه الذي انفجرت موهبته خلال الموسم مسجلًا كل تلك الأهداف؛ على الجانب الآخر يبدو «فينتورا» سعيدًا.



كيف يلعب الديك؟

والدي علمني: إن لم أترك الملعب وأنا منهك تمامًا فهذا يعني أنني لم أقدم ما لدي





أندريا بيلوتي، مقابلة مع لاجزيتا ديلوسبورت.

هذه الجملة بالضبط ترسم الإطار الذي يمكن خلاله تقييم أداء المهاجم الإيطالي، لو علم الوالد أثر تلك الجملة في نفس «بيلوتي»، لكررها الآباء على أبنائهم مئات المرات!

«أندريا» يمتلك قدرات بدنية أكثر من ممتازة، بل إنه يجمع أغلب الصفات البدنية المطلوبة بمهاجم رأس الحربة، فيجيد الاختراق، وقوي جدًا بالالتحامات، يجيد التصرف بالكرة تحت الضغط سواء داخل منطقة الجزاء أو عند الاحتياج له كمحطة استلام الكرة من وسط الملعب، لا يمتلك سرعات استثنائية لكن تحركاته كافية لإزعاج المدافعين.

القدرات التهديفية لـ«أندريا» أعلنت عن نفسها خلال الموسم، مهاجم «تورينو» يجيد الكرات الهوائية ويحرز أفضلية واضحة على مدافعي الخصم برغم أن طوله لا يتخطى الـ 180 سم بكثير، بل عليك أن تعرف أنه اللاعب الذي اقتنص عرضيات زملائه ليسجل رأسيات بمرمى «بوفون» و«دوناروما» أبرز حراس إيطاليا على الإطلاق!

تتساوى قدماه بالخطورة، يجيد التمركز ومهارات الاستلام كما قوة التصويب أما التسديد الدقيق والإحساس بزوايا المرمى فهو ما يمنحه ميزته الأهم: لا يخطئ «بيلوتي» أمام المرمي إلا نادرًا، موفرًا بذلك على فريقه الكثير من الجهد، وقد أحرز مطلع هذا الشهر هاتريك بمرمى فريقه السابق «باليرمو» بـ 8 دقائق فقط، كما يقول موقع «سوفاسكور» إن معدل تسديدات «أندريا» جاوز الـ 2.6 تسديدة محرزًا عدد أهداف بنفس عدد المباريات!

أما مهارات المراوغة عند الإيطالي فلا ترقى للاعبي الصف الأول، لكنه يدرك تمامًا أهمية عدم فقدان الكرة؛ لذلك يفضل الجماعية والقرارات السريعة.


https://www.youtube.com/watch?v=6YeDfsP5Bnc

صاحب القميص رقم 9 هو واحد من أفضل مهاجمي إيطاليا، ولا نبالغ إن قلنا العالم، تنفيذًا للضغط على حاملي الكرات من المدافعين ولاعبي الوسط، مُعكِرًا صفو بناء الهجمة والانطلاق العمودي، فقد استطاع غير مرة قطع تمريرات وانطلاقات الخصم والبدء بهجمة مرتدة سريعة عادةَ تكون خطيرة؛ التوقع وسرعة البديهة حاضرة من مميزات «أندريا».

لذلك فقط فإن أدواره تتخطى كونه مهاجم صندوق ينتظر دعم الكرات العرضية والطولية، بل يمتد ليشمل استخلاص الكرات وإفساد هجمات الخصم كما صناعة الفرص، صحيح أنه صنع 3 أهداف فقط حتى الآن لكنه صنع أضعافهم لرفاقه دون التسجيل، هذه الصفة التي اكتسبها بسبب أسلوب لعب «ميهايلوفيش» الذي يتميز بالاندفاع الهجومي بديلًا عن التحفظ يسهل على «بيلوتي» فرص التأقلم مع أسلوب لعب أغلب الفرق الكبرى.

أما ما يعيبه فهو قصر رؤيته التكتيكية للملعب مفضلًا في أغلب الأحيان اللعب العمودي تجاه المرمى كأولوية بدلًا من تدوير الكرة لفك تكتلات الخصم، وهو ما يؤدى أحيانًا لضياع بعض الفرص دون خطورة تذكر، هذا العيب لا ينال كثيرًا من تقييم أدائه نظرًا لصغر سنه، كما أن له قدرة على التطوير وميوله الواضحة للجماعية وتنفيذ تعليمات المدرب.


عقدة في المنشار

الشرط الجزائي لبيلوتي لن يقل عن هيجوايين





رئيس نادي تورينو «أوربانو كايرو»

كان من البديهي أن تسعى إدارة «تورينو» إلى تحقيق أعلى استفادة ممكنة من «بيلوتي» خصوصًا بعد اجتذابه لأنظار كبرى الأندية، وهو الأمر الذي نجح فيه «كايرو» بكفاءة إدارية حينما نجح بتجديد تعاقد اللاعب حتى 2021 بقيمة شرط جزائي تصل لنحو 100 مليون يورو متجاوزًا حتى «هيجوايين»!

هذا الشرط التعجيزي قد يمثل أزمة مستقبلية تعرقل طموحات اللاعب الشاب، لكن على «بيلوتي» استغلال علاقاته الممتازة داخل النادي لأجل الوصول لاتفاق التخلي عنه بقيمة قد تصل لـ 60 مليون يورو مثلًا.

مسيرة «بيلوتي» تستحق الاحترام، لاعب مكافح لم يستسلم لظروف صعبة بل إن كفاحه هذا طبع على أسلوب لعبه علامة مميزة لا ينالها إلا مهاجمو الصف الأول المقاتلون الهدافون كسواريز وسانشيز؛ انتظروا بيلوتي بالبطولات الدولية مع الأتزوري الذي سجل بقميصه 3 أهداف خلال 5 مباريات.


المراجع




  1. مسيرة بيلوتي وفقًا لموقع fourfourtwo

  2. إحصاءيات بيلوتي علي موقع سوفاسكور