يعطينا التاريخ كل يوم دروسًا، لعله بذلك يقينا شر الوقوع في الأخطاء، لكن عادة الإنسان أنه سريع النسيان، ويبقى البعض هم فقط من يتعظون من تجارب السابقين، وهي نعمة لو تعلمون عظيمة، لم يمنحها الله لكثيرين.

نشأ النادي الأهلي على قيم ينفذها على الجميع، تبلورت هذه المبادئ على يد الأب الروحي لعشاق الأحمر الكابتن «صالح سليم»، ووضعها تحت شعار واحد هو أن «الأهلي فوق الجميع». وعلى مدار الأعوام طُبق هذا المبدأ بحزم على أبناء القلعة الحمراء، ومن المفارقات العجيبة أن من وقعوا تحت مقصلة هذا الشعار كانوا من أبرز نجوم النادي عبر التاريخ، ربما ظنوا أن ما صنعوه من إنجازات للنادي قد يشفع لهم، فغامروا بمكانتهم؛ لكن الأهلي لا يعرف الخسارة في هذه الأمور.

«محمود الجوهري»، «حسام» و«إبراهيم حسن»، «عصام الحضري» وغيرهم، كانوا من الذين وقعوا في الفخ، لكنهم وبخاصة الأخير ندموا أشد الندم، وتمنوا لو يعود بهم الزمان ليفكروا للحظة قبل التسرع في تحدي الأهلي.

«أبو تريكة» و«حسام غالي» نفسهم تعرضوا لوقائع نالوا فيها عقاب النادي، برغم ما يُعرف عنهم من شدة عشقهم لهذا الكيان، الماچيكو تعرض لقرار حرمانه من ارتداء شارة الأهلي مدى العمر وعرضه للإعارة، حينما رفض لعب مباراة السوبر المصري، بسبب شهداء مجزرة ستاد بورسعيد، لم تكن العقوبة لتعاطفه مع الشهداء، لكن لعصيانه أوامر النادي.

أما الكابيتانو فنُزعت منه الشارة عقب إلقائها – من غير قصد لإهانة النادي – بعد طرده من إحدى المباريات التي كان الأهلي مهزومًا فيها، ولم ترجع له الشارة إلا لأنه لم يقصد الفعلة، ومعرفة حبه الشديد للكيان الذي يبرزه في كل فرصة، وذلك لأن من المبادئ أيضًا العفو في حالات معينة.


هل سيندم «السعيد» مثل سالفيه؟

بعد مماطلة عبد الله السعيد في التجديد للأهلي؛ بات كل يوم يخسر رصيدًا أكبر من محبيه من جمهور القلعة الحمراء، لكن بعد اعترافه بأنه وقع للزمالك، تهاوت مكانته لدى الجماهير الأهلاوية لأدنى مستوى لها. السعيد وضع محبيه في موقف حرج، ربما لو رفض الخطيب التجديد له بعد معرفة توقيعه للزمالك لكان رد الفعل قويًا، لكن تمديد عقده ثم عرضه للبيع قرارٌ أقوى.

بعد بضعة أعوام سيخرج إلينا عبد الله السعيد على إحدى القنوات، ويعلن أن أكبر أخطائه هو تنازله عن الجمهور في لحظة تسرع، حينها سيكون قد أدرك أن الجمهور هو أكثر ما يُؤمن مستقبل الشخص وليس المال فقط، ومن المعروف عن السعيد أنه قوي الشخصية ولا يتحكم أحد في عقله، رزين يفكر بحكمة، فلماذا لجأ لهذا الأمر؟

السعيد ليس من أبناء النادي، ربما شعوره أنه برز في نادٍ آخر جعله يفكر في أنه ليس ابنًا للأهلي، وأنه مجرد محترف في صفوفه، وهو في ذلك مخطئ؛ فالسعيد لم يصبح أحسن لاعب في مصر إلا من خلال الأهلي، وكم من رموز للنادي لم يترعرعوا فيه، أبوتريكة وبركات وخالد بيبو على سبيل المثال.

من سمات السعيد المعروفة عنه أن لديه شخصية قوية، وأنه لابد أن يكون راضيًا كل الرضى عن أي قرار يتخذه، لكن هذه السمة قادته إلى طريق حذره منه العديد ممن وقعوا فيه، ومع ذلك كبرياؤه أبى أن يخضع للنصح في هذا الموقف.

إبراهيم حسن


الجمهور لا ينسى..

أنصح عبد الله السعيد بالاستمرار للأهلي، فالوقت الحالي ليس مثل الماضي، وليس أمامك الكثير في الملاعب، فلا تخسر جماهير الأهلي..

من سوء حظ السعيد أن جمهور الكرة ذاكرته حديدية، ربما يتذكر لمسة مهارية رسمها لاعب ما في إحدى مباريات التحصيل الحاصل، ويتذكرها بالدقيقة التي لُعبت فيها، وغير ذلك من أدق التفاصيل، فكيف له أن ينسى وقائع «الخيانة الكروية» كما يصفونها دائمًا؟

وحتى تحقيق الإنجازات وإعلان العشق للكيان، كل هذا لا يأتي بثماره لطالما اللاعب أخطأ في حق الأهلي مرة، فلو كانوا ينسون لطالبوا بعودة الحضري للأهلي، وهي أمنية حياته قبل الاعتزال.

ختامًا.. كانت أزمة عبدالله السعيد هي المحك الأول الذي كان سيوضح أي الطرق ستسير فيها إدارة الخطيب للأهلي، ولولا قراره بعرض السعيد للبيع بعد تمديد عقده مباشرة؛ لتحول هذا المقال إلى نقد الخطيب، لكنه في النهاية حافظ على مبادئ لا يتعلق تنفيذها بمَن الرئيس، لكن تُنفذ لأنه النادي الأهلي، ويبقى الأحمر هو الرابح الوحيد في مثل هذه الوقائع، وينضم السعيد لقائمة المغضوب عليهم في تاريخ الأهلي حتى إشعارٍ آخر.



مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.