شاركها 0FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram 157 تأتي اليوم، الثامن من أغسطس/آب، الذكرى السنوية المائة لميلاد الرمز الإسلامي المعاصر علي عزت بيجوفيتش الذي عاد إلى الواجهة مؤخرا، ولكن ليس من نافذة السياسة هذه المرة كما كانت سابقتها في التسعينات، بل من نافذة الثقافة، حيث صار الرجل أيقونة من أيقونات الإسلام الثقافي. وعلى الرغم مما حظي به الرجل وأعماله مؤخرا من اهتمام واسع إلا أن هذا الاهتمام صُبَّ على قراءة علي عزت في ضوء أعمال المفكر المصري الراحل عبد الوهاب المسيري، كناقد للحضارة الغربية، ومتمركز حول الإسلام، في ثنائية صلبة يمثل النموذج الإسلامي أحد طرفيها بينما يقبع الغرب في طرفها النقيض. علي عزت بيجوفيتش كمثقف غربي التقيت بعلي عزت بيجوفيتش مبكرا قبل أن تلقي القراءة الأخيرة ظلالها عليه، وقبل أن أقرأ أعمال المسيري. كانت أجواء يناير تخيم على المشهد، وتبعث أشباح الأسئلة الوجودية الحقيقي منها والزائف. كانت التساؤلات حول مدى مطلقية الإسلام وحاجة الحضارة العصرية الصادقة إليه تحاصرنا. دخلت عالم بيجوفيتش بتوقعات متواضعة عن سياسي ضل طريقه إلى الكتابة، لكنني دخلت كسائح لديه فراغ يريد أن يملأه بمطالعة أعمال المسلمين الغربيين. هيمنت شخصية بيجوفيتش البارزة في الكتاب عليّ سريعا، فالرجل لم يظهر لي كمنظر يخاطب جمهوره بآخر ما توصل إليه من أفكار بعد البحث والتقصي، بل كإنسان يبث تجربة تأملية فريدة. كان من بين ما أذهلني الحمولة الثقيلة من التراث الغربي التي ألقاها بيجوفيتش في الكتاب، والتي تضمنت الأعمال الأصلية لفلاسفة يونانيين، كـ أبيقور، يندر من يهتم بمطالعة أعمالهم الأصلية. يخبر علي عزت بأنه طالع نقد العقل المحض لـ كانط (وهو واحد من أعقد كتب الفلسفة في التاريخ) والتطور الخلاق لـ هنري برجسون (فيلسوف فرنسي صوفي حاصل على نوبل في الأدب حيث جمع بين حذق الفلسفة والملكة الأدبية) وتدهور الحضارة الغربية لـ شبنجلر، قبل أن يصل إلى العشرين من عمره. كانت لدي معضلة وقتها، فكيف يدعى علي عزت مفكرا إسلاميا بينما لا يزيد ما أورده من مراجع إسلامية في كتابه عن 3 % من مجمل الإحالات؟ عندما أراد مصطفى كمال أتاتورك تغريب التركية التي كانت تستخدم الأبجدية العربية، كان من بين ما أورده من دواعي التغيير هو استبعاد الميراث التراثي الثقيل من الإسلام بحيث لا يأخذ منه الأتراك سوى القرآن. وعلى الرغم من أنني لا أثق كثيرا في سياسات مصطفى كمال ولا حتى في نواياه، إلا أن الفكرة بدت لي قادرة على تفسير ذلك القبول الواسع الذي تحظى به أعمال المسلمين الغربيين. إنهم لا يأخذون من الإسلام سوى القرآن، بينما يقرؤونه بعقل مشرب بباراديم حديث. بإمكانك أن تهدي أعمال أي منهم إلى أي إنسان حيث يناسبه قراءته والاستمتاع به، بخلاف أدبيات كثيرة في مكتبتنا الإسلامية تبدو حصرية للمسلمين على خلاف رسالتهم الكونية. الأنجلوساكسونية والإسلام لا يبدو علي عزت بيجوفيتش في كتابه «الإسلام بين الشرق والغرب» ناقدا للغرب، بل على العكس، ناقدا لنقاد الغرب. تركز نقده على الماركسية المنبوذة غربيا، بينما أشاد كثيرا بإنجلترا التي وصفها بأنها حاولت أن تكون استثناءً من العجز الأوروبي عن السير في الطريق الوسط. يمكن اعتبارها إشادة بالنمط الأنجلوساكسوني ككل، حيث يقول (الإسلام بين الشرق والغرب، 250): لم يكن المسيري كذلك مجرد ناقد ساخط، لكن قراءة علي عزت بيجوفيتش عبر عدسة المسيري أفقدت الأوَّل فرادته، واختزلته. إن علي عزت لا ينتقد الغرب بقدر ما ينخرط فيه ليتجاوزه من خلاله، لذا لا يبدو الإسلام في خطاب علي عزت مناوئا للغرب بقدر ما يبدو مستوعبا له. الإسلام أن تكون إنسانا لا أن تكون إلها عقد علي عزت بيجوفيتش خاتمة لكتابه الإسلام بين الشرق والغرب عنونها بالتسليم لله. إن التسليم هو جوهر الإسلام في الحقيقة، ومنه اشتق اسمه، بحسب علي عزت بيجوفيتش. إن ملامح وجه علي عزت بيجوفيتش المتجعد، المثقلة بخبرة السنين، وعينه الحزينة، تخبر ببساطة عن من هو علي عزت بيجوفيتش، وما هو التسليم لله الذي كان خلاصة تجربته الطويلة تلك. إن الحياة في جوهرها مأساة، منذ لحظة الإلقاء، حين ألقي الإنسان في هذا العالم، وهو عاجز عن مواجهته وحده. عليه أن يعترف بأنه إنسان، أي أنه مواجه بما هو فوق قواه المتهاوية، وعليه لذلك ألا يخجل من الاعتراف بإنسانيته، وهذه كانت إجابة علي عزت بيجوفيتش على الأسئلة التي لا مفر منها التي واجهها عبر عمره الطويل. من يقرأ أسئلة لا مفر منها وهي السيرة الذاتية يرى علي عزت بيجوفيتش إنسانا لا يرسم عبقرية أو شجاعة استثنائية كالتي نرسمها نحن لأبطالنا العظام. نحن من يحتاج إلى هذه الصورة لأننا نتمنى أن نكونها. أما علي عزت بيجوفيتش فيدرك أنه كإنسان ليس إلها ولا يمكن أن يكون إلها. وعظمته هي أن يعترف بإنسانيته، وأن يسلم لله الذي قدر عليه تجربة مواجهة الحياة المريرة. علي عزت بيجوفيتش وما بعد الإخوانية ولكن يوجد جزء من العالم الغربي – بسبب موقعه الجغرافي وتاريخه — بقي متحررا من التأثيرات المباشرة لمسيحية القرون الوسطى، متحررا من العقد المستعصية لهذا العصر. هذا الجزء من العالم الغربي كان دائم البحث عن طريق ثالث، وقد اهتدى إليه، وهو طريق يحمل في ثناياه ملامح من الطريق الثالث للإسلام. والدولة التي أعنيها هي إنجلترا وإلى حد ما أيضا العالم الأنجلوساكسوني بصفة عامة. ظهر علي عزت بيجوفيتش في الإعلان الإسلامي إخوانيا صلبا على خلاف ما يصوره الإسلام الثقافي. فعلى مدى الكتاب يظهر علي عزت بيجوفيتش مهموما بمسائل الإصلاح السياسي في العالم الإسلامي، ساخطا على المشايخ بأفكارهم التراثية على الإسلام؛ هؤلاء “الذين اختنق الفكر الإسلامي الحي في عناقهم المميت”. يبدأ الكتاب بالسخط على المحافظين والحداثيين كليهما، منطلقا من الموقف الإخواني المركب نفسه. يبدو واضحا في أفكار الكتاب مدى تأثر علي عزت بيجوفيتش بـ سيد قطب الذي يغلب على الظن أن علي عزت بيجوفيتش عرف أفكاره بوضوح عبر العائدين من مصر الستينات، ويذكره علي عزت بيجوفيتش بالفعل في إحالات الإسلام بين الشرق والغرب. وتصل إخوانية علي عزت بيجوفيتش إلى ذروتها في حديثه عن العمل المنظم لتحقيق النهضة الإسلامية حيث يقول (الإعلان الإسلامي، 151): إن كل عمل يراد به التأثير على الأحداث لا بد أن يكون عملا اجتماعيا، وكل نضال ناجح لا بد أن يكون نضالا مشتركا منظما. ولن يكون الجيل الجديد قادرا على القيام بمهمته في التغيير إلا إذا وضع طموحاته ومثاليته في قالب حركة منظمة يقترن فيها الحماس والقيم الشخصية للأفراد، بأساليب العقل المنسق المشترك، وتأسيس مثل هذه الحركة بهدف واحد وبرنامج واحد هو شرط ونقطة انطلاق للنهضة في كل البلدان الإسلامية. لكن علي عزت بيجوفيتش عاد فأسس مع رفاق النضال في البوسنة، حزبا سياسيا على النمط الغربي (حزب العمل الديموقراطي عام 1990) لا حركة أيديولوجية بخلاف ما كان يدعو إليه في الإعلان الإسلامي (ص129)، وتحولت الديموقراطية في خطابه إلى مطلب المسلمين الأصيل حيث يقول علي عزت بيجوفيتش (خطاب أمام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، 1997): واحد من المؤلفات الأخيرة التي وجدت طريقها إلى يدي هو الإسلام والديموقراطية لـ جون إسبوسيتو. يقرر إسبوسيتو حقيقة أن خواتيم القرن الحالي تمر تحت وطأة اتجاهين يعمان العالم الإسلامي: العودة إلى الإسلام والمطالبة بالديموقراطية. تقف أمام كل حكماء المسلمين مهمة التوفيق بين الإسلام والديموقراطية على أحسن صورة لقد أصقلت السنوات والعمل السياسي، والانخراط في الدولة وحمل هموم الشعب الواقعية، فكر بيجوفيتش، وحولت شعره الأشقر المرتفع فوق رأسه، كحماسة بيانات الإعلان الإسلامي، إلى شعر أبيض متطاير اعتركته الحياة، هادئ وحكيم كما تقتضي المسئولية. قد يعجبك أيضاً سامر سليمان: كيف حرمت الدولة الصعيد من التنمية الاقتصادية؟ التحليل النفسي لزعماء عرب: الملك فاروق «سيكوباتي» ونجيب «لا يحتمل المواجهة» تحرير الكهرباء في مصر؛ لصالح المواطن أم ضده؟ مكاتب المراهنات: الفائز الحقيقي في الانتخابات الأمريكية شاركها 0 FacebookTwitterPinterestLinkedinRedditWhatsappTelegram محمود هدهود Follow Author المقالة السابقة هل يمكن اختزال الأخلاق في عمليات عصبية بالمخ؟ المقالة التالية العلاقات المصرية السعودية: هل تغير شيء بعد تولي سلمان؟ قد تعجبك أيضاً احفظ الموضوع في قائمتك كيف كانت «البوسنة» العثمانية قبل مذابح الصرب 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك أوراق عشرينية: النسخة الإلكترونية مهداة إليكم 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك في الدولة السلطانية: الفقيه المستقل والسلطان الظافر 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك كيف يُردد الحاسوب أصداء القرن الثامن عشر 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك آصف بيات: من عمرو دياب إلى عمرو خالد 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك الدولة المستحيلة مرة أخرى: قراءة نقدية جديدة (3/1) 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك من الوحي إلى التجربة الدينية 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك القصر يسعى إلى تأميم الصحافة المغربية 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك حياة ما بعد السجون: عن المفصولين من العمل لدواعٍ أمنية 28/02/2023 احفظ الموضوع في قائمتك من قتل الشيخ الجيراني: الطائفية أم محاباته للنظام السعودي 28/02/2023 اترك تعليقًا إلغاء الرد احفظ اسمي، البريد الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح للمرة القادمة التي سأعلق فيها.